توبة المنافقين

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٢ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

توبة المنافقين

مقدمة :

1 ـ فى دولة النبى محمد الاسلامية كانت الحرية الدينية مطلقة وكذا حرية المعارضة السياسية السلمية . الملأ الذى كان فى يثرب قبل الهجرة فقد نفوذه بتحول يثرب الى ( المدينة ) والى دولة اسلامية تقوم على اساس المواطنة المتساوية بلا تحكم للملأ ، بل كان النبى وهو القائد مأمورا بالشورى الاسلامية التى تعنى الديمقراطية المباشرة ، ويتم تطبيقها عبر جمعيات عمومية لا بد أن يحضرها الجميع رجالا ونساءا ، ومن تخلف عن حضورها  تعرض لتعنيف شديد كما جاء فى أواخر سورة النور . هذه المشاركة السياسية للجميع أضاعت نفوذ الملأ من القادة القدامى من الأوس والخزرج ، فتصاعدت وتيرة معارضتهم السياسية ووتيرة مكائدهم وسخريتهم بالقرآن والنبى محمد ، وكان عليه السلام  يصبر على أذاهم ولا يرد على إتهاماتهم فينزل الوحى القرآنى يدافع عنه ، بل كان يستغفر لهم وينزل الوحى القرآنى يؤكد أن استغفر لهم النبى لن يغفر الله جل وعلا لهم . هذا يثير سؤالا عن توبة المنافقين المقبولة يوم القيامة .

2 ـ مجتمع المدينة فى أواخر حياة النبى محمد عليه السلام كان يموج بتيارات متنوعة من حيث الايمان والكفر القلبى . والله جل وعلا  هو وحده الأعلم بما فى القلوب ، ومن علمه جل وعلا نزلت سورة التوبة بالأطياف المختلفة لسكان المدينة ، منهم منافقون صرحاء تنوعت تصرفاتهم وأقوالهم، ومنافقون مردوا على النفاق، وسابقون فى الايمان والعمل ، ومعتدلون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وأمامهم فرصة التوبة والتصدق ، وهناك من غلب عليه الضلالة واقترب أجله ، وأمره مُرجأ لرب العزة حسب مبادرته بالتوبة ومدى صدقها . ومن هذه التفاصيل الخاصة بالمنافقين نتعرف على موضوع التوبة للمنافقين . 

أولا : المقصد الأساس هو الهداية قبل الموت :

بالهداية كانت تتنزل آيات القرآن للجميع ، تنذر مقدما بمصير الخلود فى النار من يموت على كفره أو نفاقه أو عصيانه . نزلت آيات تعظ المنافقين وتنذرهم وكانوا أحياء لا تزال لديهم فرصة التوبة . وفى هذا السياق نقرأ قوله جل وعلا :

1 ـ كان بعض المنافقين يتحالف ( يوالى ) الكافرين المعتدين، فنزل التحذير لهم فى قوله جل وعلا :  ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) النساء )

2 ـ بعضهم كان يعقد مجالس للسخرية من آيات القرآن الكريم ، فنزل قوله جل وعلا ينذرهم وينذر من يشاركهم من المؤمنين : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) النساء ).

ومن مظاهر سخريتهم تلاعبهم بآيات القرآن الكريم ، فقال جل وعلا ِ: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) التوبة ). مع تأكيد الرحمن جل وعلا بكفرهم بعد إيمانهم فقد أعطاهم الله جل وعلا فرصة التوبة . وهذا ملمح إسلامى ينفى أكذوبة ( حد الردة ) .

3 ـ بعضهم كان يتلفظ بالكفر ، وكان يهُمُّ بالعدوان مع كفرانهم بنعمة ربهم جل وعلا ، إذ راجت أحوال المدينة فإزداد ثراء المنافقين وهم القوة الرأسمالية وقتها . وقد جرى اتهامهم بقول الكفر وبتدبير الاعتداء فلجأوا الى طريقتهم المعروفة ، وهى أن يحلفوا بالله جل وعلا كذبا ، ونزل قول رب العزة جل وعلا يؤكد كذبهم : ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74)) التوبة ). هنا إعطاؤهم فرصة للتوبة مع وقوعهم فى الكفر وشهادة الله جل وعلا بأنهم وقعوا فى هذا الكفر بعد أن كانوا مسلمين . لكن لأنهم لا يزالون على قيد الحياة فأمامهم فرصة التوبة والنجاة . هذا ملمح إسلامى ينفى اكذوبة ( حد الردة )  .

4 ـ أما من يظل على كفره ونفاقه حتى الموت فينطبق عليه قوله جل وعلا : ( لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73)الاحزاب )( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (6) الفتح ) .

3 ـ أى فالتوبة هى الأساس ، وهى المقصد من الوعظ القرآنى الذى ينذر من كان حيا ، وقد قال جل وعلا عن كتابه الكريم : (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس )

ثانيا : القاعدة العامة فى التوبة للمنافقين

1 ـ التوبة المقبولة عند رب العزة جل وعلا هى التى يتم بها غفران الذنوب يوم الحساب ، وتستلزم التقوى ، وهذا بتصحيح الايمان وعمل الصالحات حتى تغطّى ( تغفر ) وتكفّر ما سبق من سيئات ( غفر ) و ( كفر) يعنى غطّى . بهذا تتبدل السيئات الى حسنات . فى إشتراط الصلاح وتصحيح الايمان قال جل وعلا : (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) الانعام )( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه ) ( فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ (67) القصص  ) .

2 ـ توبة المنافقين لها وضع خاص ،  قال جل وعلا : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146)النساء).  نفهم من الآية الكريمة :

2 / 1 : المنافق الذى يموت على نفاقه دون توبة أسوأ من الكافر العادى ، فهو فى الدرك الأسفل من النار .

2 / 2 : بالاضافة الى الصلاح فإن توبة المنافق تستلزم الاعتصام بالله جل وعلا وإخلاص دينه لربه جل وعلا .

2 / 3 : إذا كانت توبته مقبولة فلن يكون ( من المؤمنين ) ولكن ( مع المؤمنين ) . أى سيلحق بالمؤمنين بتوبته تلك، ويستمتع مثلهم بأجر عظيم . قوله جل وعلا فى الآية السابقة (فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) تشير الى وضع سيحدث يوم القيامة، فالمفترض أن المنافقين يخدعون المؤمنين فى الدنيا يوهمونهم أنهم منهم ومعهم ، ولكن من يموت منهم بنفاقه يأتى يوم القيامة يتصور أنه سيتمتع مثل المؤمنين بالنور الالهى الذى يعنى الرحمة ، فيُفاجأون بسور يفصل بينهم وبين المؤمنين يحول بينهم وبين النور الذى يسعى بين المؤمنين فينادونهم :ألم نكن معكم ؟ ويأتى الرد بالنفى . قال جل وعلا :(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمْ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) الحديد  ). هؤلاء الذين ماتوا على نفاقهم لن يكونوا ( مع المؤمنين ) فى نورهم الذى يسعى بين ايديهم وبأيمانهم. أما من يتوب فى حياته عن النفاق ويستوفى شروط التوبة من الايمان والاخلاص والعمل الصالح والاعتصام برب العزة جل وعلا فإنه سيكون ( مع المؤمنين ) فى نورهم .

ثالثا : منافقون ماتوا بكفرهم بلا توبة

 الله جل وعلا عالم الغيب والشهادة أنبا من واقع علمه أن بعض المنافقين لن يتوبوا ومصيرهم جهنم . وهذا تؤكده آيات قرآنية كثيرة تجعل من المستحيل توبة ذلك الذى طبع الشيطان على قلبه وزين له سوء عمله فرآه حسنا . من المنافقين فى عهد النبى محمد عليه السلام من وصل به ضلاله الى هذا الدرك ، فتصرّف بهذا الضلال . ونعطى أمثلة قرآنية :

1 ـ منهم من كان فقيرا ونذر إن أغناه الله جل وعلا أن يتصدق وأن يكون من الصالحين ، فأنعم الله جل وعلا عليه بالثراء ، فلما أصبح ثريا كفر بالنعمة وبخل بها وتولى وأعرض ، فوقع فى نفاق أخبر جل وعلا أنه سيعيش بهذا النفاق وسيموت به ، بل وسيلقى به رب العزة جل وعلا . قال جل وعلا :( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78) التوبة ) . وهذا درس ـ لو تعلمون ــ عظيم . بعض من كان يزعم أنه من أهل القرآن عاهد الله جل وعلا أنه لو كسب قضية تأتى له بالملايين فسيتبرع لإقامة مسجد لأهل القرآن فى القاهرة. وكسب القضية ولم يف بالنذر.

2 ـ منهم من كان يمتنع عن تقديم المال فى سبيل الله جل وعلا فى المجهود الحربى الدفاعى ، ولم يكن يقتصر على ذلك بل كان يتندر على المؤمنين الفقراء الذين يتبرعون بالقليل . قال جل وعلا :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) التوبة ) . وقد استغفر لهم النبى فقال جل وعلا له : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) التوبة )

3 ـ منهم من أدمن العصيان وأدمن الكذب ، يحلف بالله جل وعلا كذبا ، وبهذا الكذب المتعمد كانوا يهلكون أنفسهم ، وصار هذا عادة فيهم إذ إتخذوا أيمانهم ( جُنّة ) أى وقاية ، قال جل وعلا  عنهم : ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة ) وقال جل وعلا عن نفاقهم : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) المنافقون ) وكانوا مع هذا يرفضون التوبة إستكبارا ، قال جل وعلا :  ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) المنافقون ) وإستغفر لهم النبى محمد عليه السلام فقال له ربه جل وعلا :  ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) المنافقون ). وقد قال جل وعلا عن مصيرهم يوم القيامة : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) المجادلة ) وأخبر رب العزة جل وعلا أنهم من إدمانهم الكذب سيأتون يوم القيامة يحلفون أمام الله جل وعلا كذبا كما تعودوا فى الدنيا ، قال جل وعلا : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (19) المجادلة ).

4 ـ وبهذا الكذب كانوا يعتذرون عن الخروج للقتال الدفاعى مع قدرتهم عليه ، ولم يكن التجنيد إجباريا بل هو تطوع فى سسبيل الرحمن ، وكان جزاء من يتثاقل عنه هو الحرمان من هذا الشرف وفقدان إعتباره كمسلم محترم ، لذا نهى الله جل وعلا عن إشتراكهم فى القتال مستقبلا ، ونهى النبى محمدا عليه السلام عن الصلاة عليهم إذا ماتوا ، قال جل وعلا :( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) التوبة )

5 ـ ومنهم من أسّس مسجدا للصلاة من حيث المظهر ، وهو فى حقيقته كان وكرا للتآمر على الدولة الاسلامية ومقرا لتقابل المتآمرين . وإنخدع النبى بهذا المسجد فكان يصلى فيه معهم ، إلى أن أنزل الله جل وعلا حقيقته ونهى النبى عن الصلاة فيه ، وأخبر رب العزة جل وعلا مقدما أنهم سيحلفون كذبا عكس ما أخبر الله جل وعلا ، وشهد الله جل وعلا عليهم بالكذب . قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) التوبة )

ونلاحظ مما سبق أن الذين شهد الله جل وعلا عليهم بالكذب هم ( صحابة ) . وأئمة الدين السنى يعتبرون كل الصحابة عدولا صادقين لا يكذبون . أى إن أئمة الدين السنى يكذّبون الله جل وعلا عمدا .

6 ـ الأسوا فى النفاق هم الذين مردوا على النفاق . هم عصابة من المهاجرين بعثت بهم قريش جواسيس على النبى حافظوا على قُربهم منه ، ومكّنوا لأنفسهم بالقرب منه عليه السلام محافظين على نفاقهم الذى مردوا عليه. حتى إذا مات النبى كانوا هم القادة والزعماء وكبار المهاجرين، والذين صار منهم الخلفاء ( الراشدون ) وقادة الفتوحات والفتنة الكبرى . أولئك أخبر رب العزة جل وعلا مقدما أنهم سيعذبهم الله جل وعلا مرتين فى الدنيا ثم مصيرهم عذاب عظيم فى الآخرة ـ أى لن يتوبوا . قال جل وعلا :  ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ).

أخيرا

1 ـ الله جل وعلا لم يذكر أحوال النفاق عبثا ـ تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . التفصيل القرآنى عن النفاق والمنافقين هو للتأكيد على أن النفاق مستمر بعد موت النبى محمد عليه السلام .

2 ـ النفاق هو أساس الديانات الأرضية للمحمديين التى تزعم ـ نفاقا ـ الانتماء للاسلام وهى تناقض الاسلام . لذا لا عجب أن يكون الصحابة المنافقون الصرحاء ومن مرد على النفاق ـ هم آلهة الأديان الأرضية لأولئك المحمديين . 

اجمالي القراءات 16488