العظة من قصة موسى وفرعون: أولا : ( بين الحق والاستحقاق )

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٥ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 العظة من قصة موسى وفرعون: أولا : ( بين الحق والاستحقاق )

مقدمة :

1 ـ الله جل وعلا لم يكرر ـ عبثا ـ قصة موسى وفرعون ، ولم يكرر قصص بنى إسرائيل لمجرد التسلية ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. القرآن الكريم قول فصل وما هو بالهزل ، وهو للعظة والاعتبار للبشر الى قيام الساعة لمن أراد الهداية .

2 ـ فرعون هو إمام المستبدين من عهده الى نهاية العالمين ، ووصل ظلمه وطغيانه الى درحة هائلة ، واستخدم كل قوته فى التسلط على مستضعفين ، ورفض دعوة سلمية من إثنين من الأنبياء يطلبان منه السماح لهما بالابتعاد بقومه عن ظلمه ، فرفض وإزداد ظلما ، وجاءته إنذارات بالعذاب ، وظل فى عناده الى أن انتهى بعسكره غريقا . موسى يمثل صوت الحق ، وهو فى حدّ ذاته كان مستضعفا من قوم مستضعفين ، ولكن كانت معه قوة إلاهية ، لا يتحكم فيها ، وواجه فرعون المدجج بالقوة ، فكان جدل بين القوة والحق . القوة الفرعونية الغاشمة مقابل حق تغلفه قوة إلاهية غير مرئية . كان هذا هو الخط الأساس الذى دارت حوله مقالات هذا الكتاب عن جدل الحق والقوة .

3 ـ وتناثرت تفصيلات فى الموضوع تؤكد أن قصة موسى وفرعون لا ينفذ عطاؤها ، خصوصا وأن الاستبداد الفرعونى متجذر بين أقوام يزعمون الايمان بالقرآن الكريم ويعلمون قصة موسى وفرعون ومصير الطاغية المستبد .

4 ــ نتوقف هنا فى لمحات سريعة نستفيد من هذه القصة الفرعونية لعصرنا .

أولا : بين الحق والاستحقاق

1 ـ فرعون كانت معه القوة فزعم لنفسه الحق ( او الاستحقاق ) . وفى الصراع على ارض الواقع لا بد من الاعتراف بهذا الاستحقاق ، والتعامل معه ماديا على هذا الأساس . لذا فإن الله جل وعلا هو الذى قال لموسى وهارون :  ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه ). أمرهما جل وعلا ان يقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشا . القوة الالهية التى تحميهما من بطش فرعون لا تخوّل لهما دعوته بغلظة وفظاظة . فالدعوة لا تكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة ، حتى لو كانت موجهة الى طاغية لا أمل فى إصلاحه . هى دعوة لإقامة الحُجّة عليه . فالهدف هنا هو الهداية وليس الأطماع الدنيوية .

2 ـ فى عصرنا البائس يزعم التيار الدينى الوهابى أحقيته فى الحكم ، وهو يفتقر الى القوة فى مواجهة الفرعون العسكرى ، ولا يستطيع منازلته عسكريا فيلجأ الى ما نسميه بالارهاب أو القتل العشوائى . بدأ الاخوان المسلمون هذا فى مصر ، وانتشر بهم فى العالم ووصل الى اوربا وأمريكا .

3 ـ المؤلم أنهم فيما يرتكبون من إرهاب يزعمون أن هذا هو الاسلام . وتناسوا أن الصحابة المؤمنين فى مكة تحملوا تعذيبا وإضطهادا ، ولم يؤمروا بالقتال الدفاعى ، بل بالصبر ، ثم هاجروا ، وتابعتهم قريش بالغارات ، وكانوا مأمورين بكفّ ايديهم عن القتال الدفاعى ، ولم يتم الإذن لهم بالقتال الدفاعى إلا بعد أن إستعدوا للدفاع عن أنفسهم ورد العدوان بمثله . هذه هو القتال فى شريعة الاسلام ، الذى يكون فى سبيل الله جل وعلا ، أما القتال فى سبيل الطاغوت فهو شرع آخر . طاغية فرعونى يحكم بشريعة الغاب ، يواجهه خصم يتستر بدين أرضى يخدع به البسطاء ، ويوجههم الى إرتكاب ضربات تصيب المدنيين تلفت الأنظار وتنشر الرعب ، وتحتدم الحرب بين خصم قوى ظاهر القوة ، وخصم يختبىء ، يضرب ويختفى . وإذا نجح هذا الخصم بعد أنهار من الدماء وأهرامات من الجماجم فإن القادة الجدد يكونون أضل سبيلا وأشد طغيانا من المستبد العسكرى .

4 ـ ووجه بنو إسرائيل بإضطهاد هائل ، ذبح أطفالهم وإسترقا بناتهم ، وصبروا . لم يأمرهم موسى بتكوين عصابات مسلحة تقتل المصريين الأبرياء عشوائيا ، أو حتى تقوم بإغتيال الملأ الفرعونى ، بل أمرهم موسى عليه السلام بالصبر والتوكل على رب العزة جل وعلا . نرى العظة هنا فى الصبر والتوكل على الله جل وعلا : ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) الاعراف ) . وبسبب هذا الصبر جعل الله جل وعلا من بنى إسرائيل أئمة يهدون الى الحق ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)  السجدة ).

5 ـ فى الصراع الفلسطينى الاسرائيلى يزعم كل فريق أن معه الحق . ولكن الاستحقاق ( أى القوة ) هى مع الطرف الإسرائيلى . ما الذى فعله الطرف الضعيف ؟ لجأت القيادة الفلسطينية الى الارهاب . بدأت المقاومة بخطف الطائرات المدنية وترويع المسافرين الأبرياء الذين لا ذنب لهم ، وتطورت ( المقاومة ) وانتشرت تقتل غير المسلحين من الاسرائيليين ــ إستسهالا ـ ثم تهرب . وأصبح هذا تشريعا دينيا أرضيا من مفردات الشريعة الدينية الوهابية ، يسمح بقتل الأبرياء من ( المسلمين والفلسطيينين ) فى سبيل قتل العدو . الخاسر الوحيد هنا هو الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره . بهذه المقاومة الارهابية وصلت حماس الى السلطة فإنفصلت بقطاع غزة وأذاقته الويل ، وبينهم وبين رفاقهم فى الضفة عداء لا سبيل لتجاوزه ، لأنه ليس صراعا فى سبيل الاستقلال بل فى سبيل السلطة والثروة . هم مجموعات من اللصوص الفاسدين هنا وهناك ، ولا يزالون يتحكمون فى السلطة والثروة ويتصارعون فيما بينهم فوق جثة الشعب الفلسطينى الجريح ، وكل منهم يتكلم باسم ( شعبنا الفلسطينى ) . من حق الفلسطينيين أن تكون لهم قيادة محترمة ، وليس مجموعة لصوص فسدة . 

اجمالي القراءات 4549