الحكم بالطاغوت والتحاكم الى الطاغوت

آحمد صبحي منصور في السبت ١٠ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الحكم بالطاغوت والتحاكم الى الطاغوت

مقدمة :

1 ـ من صديق عزيز جاءنى هذا الاستسفار : ( كنت في ما مضى ولا زلت اعتقد ان من يتحاكم الى القوانين الوضعية في النزاعات التي تحدث عامة بين الافراد مالية كانت او عقارات لا تجوز ، أى  (كفر) لان الذي تحاكم الى هذه القوانين لم يكفر بالطاغوت، وهناك ايات كثيرات تدل على هذا المعنى....منها (يتحاكمون الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به)، (ذلك بانهم قالوا للذين كرهوا ما انزل الله سنطيعكم في بعض الامر ...) فهل هذا صحيح .  سؤال ٢: لو تولى شخص من اهل القران الحكم في بلد ما كيف يتعامل مع المحرمات كالخمروالزنا.مع العلم ان المجتمع الذي يحكمه مختلط العقاىد فيه المسيحي والملحد والمسلم.  وهل يحق للدولة بيع الخمر استراده وتصديره في حكمه؟ . ) .

2 ـ وأقول : الدين الوهابى السنّى أطلق على القوانين الوضعية لقب الطاغوت . مع أن الطاغوت فى المصطلح القرآنى يعنى الأحاديث الشيطانية ، اى ما يسمى بالسنة وغيرها من مقدسات كل دين أرضى. أى إنهم هم ( الطاغوت ) بأحاديثهم وأئمتهم ومقدساتهم . وبهذا نلاحظ نوعا من المقارنة بين رب العزة جل وعلا و( الطاغوت ) أى إما الله جل وعلا وإما ( الطاغوت ) .  ونعطى مزيدا من التفصيلات :

أولا : فى شهادة الاسلام :

1 ـ الطاغوت بمعنى أى مخلوق مقدس مؤلّه مع الله جل وعلا ، يقول جل وعلا : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) البقرة ). ( لا إله إلا الله ) شهادة الاسلام تبدأ بالكفر بكل إله مزعوم ( الطاغوت ) وتنتهى بالايمان بالله وحده لا شريك له . بالتالى فالذين يقدسون محمدا وعيسى وبوذا وعلى والحسين والبخارى ..الخ .. هم يؤمنون بالطاغوت ، أما من يؤمن برب العزة جل وعلا وحده فهو الذى يتمسك بالعروة الوثقى . فلا يجتمع الايمان بالله جل وعلا والايمان بالطاغوت.

2 ـ وكل الرسل تلخصت دعوتهم فى الايمان بالله جل وعلا وحده ، يقول جل وعلا :  (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) الأنبياء ).

 و( لا إله إلا الله ) تعنى إجتناب (الطاغوت ) أى تأليه البشر والحجر . قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) النحل ). وقال جل وعلا يأمرنا:(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) الحج  ) ولهذا فالذين يجتنبون الرجس من الأوثان والأحاديث الشيطانية أو قول الزور هم المبشرون بالجنة ، يقول جل وعلا :( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي (17) الزمر ). فلا يجتمع الايمان بالله جل وعلا والايمان بالطاغوت .

فى الولاية :

1 ـ الولى المعبود المقدس الذى يستغيث به الناس لا يكون إلا الله جل وعلا ، فهو وحده الولى المعبود الذى لا يشرك فى حكمه أحدا ، يقول جل وعلا :( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) الكهف ). ومن يتخذ وليا غير الله جل وعلا أو مع الله جل وعلا فقد أشرك وكفر . وقد أمر الله جل وعلا رسوله أن يعلن أنه لا ولى له إلا الله فاطر السماوات والأرض  : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14) الانعام ) وقال جل وعلا عمّن يزور ويحج الى القبور المقدسة من المحمديين وغيرهم : ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) الكهف ) وأمر الله جل وعلا رسوله أن يقول لهم : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) الرعد )

2 ـ هذه القبور المقدسة وأولئك الأولياء الموتى والأحياء هم الطاغوت ، وبالتالى فالله جل وعلا هو الولى الذى يلجأ اليه المؤمنون المخلصون يطلبون منه المدد والنفع ، وهو الذى يخرجهم بالهداية من ظلمات الكفر الى نور الايمان ، بينما الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ، من القبور المقدسة عندهم والكتب المقدسة لديهم ، وهى تُخرجهم من نور الايمان الى ظلمات الكفر ، يقول جل وعلا : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة  ). فلا يجتمع الايمان بالله جل وعلا والايمان بالطاغوت.

ثانيا : التحاكم الى الطاغوت

1 ـ التحاكم فى الاختلافات الدينية يكون الى الله جل وعلا وحده فى كتابه الكريم ، وقد أمر رب العزة خاتم النبيين أن يعلنها : ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) (114) الانعام ) ، وأمره جل وعلا أن يقول : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) الشورى ).

2 ـ وفى حياته كان عليه السلام يحكم بين الناس بكتاب الله القرآن الكريم ، حتى لو كانوا من أهل الكتاب إذا تحاكموا له ، قال جل وعلا : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ ) (48) المائدة ) ( وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) (49) المائدة ).

ثالثا : إحتكام المنافقين للطاغوت فى عهد خاتم النبيين :

1 ـ لم يكن المنافقون يعجبهم أن يحكم الرسول بالقرآن إلا إذا كان هذا فى مصلحتهم ، يقول جل وعلا : ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) النور ) ، أما المؤمنون فهم يقبلون التحاكم الى الرسول بما أنزل الله جل وعلا ، عنهم قال الله جل وعلا : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) (51) النور ) . والرسول يحكم بالقرآن وحده ، لذا جاء الفعل ( يحكم ) مفردا : (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ )، لم يأت ( ليحكما ) لأن المرجعية هى لله جل وعلا فى كتابه الكريم .

2 ـ والاحتكام الى غير الله القرآن الكريم هو إحتكام الى الطاغوت . ونراجع الآيات الكريمة ــ  فى سورة النساء ــ بهذا الشأن عن موقف المنافقين الذين أرادوا التحاكم الى غير القرآن الكريم فوصف الله جل وعلا هذا بأنه تحاكم الى الطاغوت  :

2 / 1 :  يقول جل وعلا فى طاعة القرآن الكريم فقط :  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) النساء ) المُطاع  واحد هو الله جل وعلا فيما أنزل فى رسالته القرآنية والتى ينطق بها الرسول وبها يحكم بين الناس فى حياته ، وبها يحكم أولو الأمر .. وبعد موت النبى فالقرآن الكريم باق معنا ، أو الرسول بيننا طالما نتلو القرآن الكريم ، وبه نعتصم ، فى خطاب مباشر قال لنا جل وعلا : ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) آل عمران ) .   

2 / 2 : عن رفض المنافقين الاحتكام الى القرآن الكريم قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61)  النساء ). أى إما الإحتكام الى القرآن الكريم أو الإحتكام الى الطاغوت ، والاحتكام الى غير القرآن الكريم هو إحتكام للطاغوت .

2 / 3 : وإحتكامهم الى الطاغوت دليل كفرهم ، قال جل وعلا لخاتم النبيين عن هؤلاء المنافقين ، يقول جل وعلا :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) النساء ).

رابعا : دور الكافرين من أهل الكتاب فى غواية الصحابة بالاحتكام الى الطاغوت

1 ـ بعض بنى اسرائيل حملوا معهم من مصر التأثيرات الفرعونية أو ( الجبت ) أى الديانة المصرية القديمة ، وصارت تراثا ، وتمسك به بعض أهل الكتاب فى عصر النبى محمد عليه السلام ، ووقفوا موقفا معاديا للقرآن الكريم ، اشارت اليه آيات قرآنية كثيرة فى سور آل عمران والمائدة والبقرة والتوبة . وكانوا يقولون لكفار قريش إن دينهم أفضل من الاسلام ، وقد قال عنهم رب العزة جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) النساء ). هنا وصف للتراث الاسرائيلى القديم المأخوذ من الديانة الفرعونية بأنه ( طاغوت) ، وجاءت كلمة الطاغوت مرادفة لكلمة الجبت . ومنشور لنا هنا كتاب عن شخصية مصر بعد الفتح العربى ، وكيف حافظ المصريون عبر العصور على الملامح الأساس للديانة الفرعونية ، أو الطاغوت الفرعونى .

2 ـ وبعض أهل الكتاب المؤمنين بالطاغوت كانوا يقومون بإغواء الصحابة ، وكان الرد ليس بالحرب والعنف ، ولكن بالوعظ . وعظ المؤمنين وتحذيرهم ووعظ أهل الكتاب وتحذيرهم ، قال جل وعلا : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) آل عمران )، وقال جل وعلا أيضا : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) المائدة )

ثالثا : الحرية المطلقة فى دين الله جل وعلا والإكراه فى الدين شريعة الطاغوت

1 ـ من ألايات السابقة يتأكد لنا الحرية المطلقة للمنافقين حتى فى تحاكمهم قضائيا خارج نظام الدولة التى يعيشون فيها ، وكل ما هنالك هو الوعظ تحذيرا لهم من عذاب يوم القيامة . وهو نفس النسق عن المنافقين فى القرآن الكريم . بل يشمل هذا الصحابة من غير المنافقين الذين لم يعارضوا ولكن كانوا مؤمنين سلوكيا فقط بمعنى السلام والأمن ، مع تثاقلهم عن القتال الدفاعى وشربهم الخمر وعكوفهم على تقديس القبور المقدسة ، جاء وعظهم وتحميلهم المسئولية ، وأنه ما على الرسول إلا البلاغ ، وهذا فى قوله جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ).

2 ـ المرجعية الى القرآن الكريم فى الاختلاف فى الدنيا ، والى الله جل وعلا فى الحكم بين الناس فى إختلافاتهم الدينية يوم الدين . وهذا مدار الوعظ فى القرآن الكريم . هم لهم الحرية فيما يخص حق الله جل وعلا عليهم ، والله جل وعلا هو الذى سيحكم بين البشر جميعا فى خصوماتهم الدينية . وما أروع قوله جل وعلا : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) الزمر)

3 ـ العكس تماما فى دين الطاغوت . مهما إختلفت الأديان الأرضية فهى ــ إذا سيطرت وتحكمت ـ طبقت الإكراه فى الدين ، وقد يصل الإكراه فى الدين الى درجة المطاردة الحربية لمن يخرج عن الدين الأرضى السائد ، وهكذا فعلت قريش بالمستضعفين . وقد تحمل النبى والمؤمنين معه فى أول عهدهم بالمدينة ـ غارات قريش ، ولم يكونوا مأمورين بالقتال ، ثم بعد أن إستعدوا قتاليا نزل لهم الإذن بالقتال ، وفى حيثياته أنهم كانوا ( يُقاتلون ) بضم الياء ، أى يقع عليهم قتال دون أن يداعوا عن أنفسهم ، قال جل وعلا : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ).

4 ـ هذا الهجوم الكافر من قريش وصفه رب العزة جل وعلا بأنه قتال فى سبيل الطاغوت ، ووصف أصحابه بأنهم أولياء الشيطان ، فالذين كفروا المعتدون يقاتلون فى سبيل الطاغوت والشيطان ، أما الذين آمنوا فهم يقاتلون دفاعيا فى سبيل الرحمن جل وعلا ، يقول جل وعلا يحرض المؤمنين على القتال فى سبيله : (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (76) النساء )

رابعا : الطاغوت والقانون الوضعى :

1 ـ آيات التشريع بتفصيلاتها وتكرارها قليلة ، وتركزت فى القتال الدفاعى وفى الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وحقوق للمرأة والميراث والآداب الاجتماعية والطعام،  وفيما عدا ذلك فهناك قواعد تشريعية ومقاصد تشريعية من العدل والاحسان والتيسير ، وقد فصلنا هذا فى كتاب عن مبادىء الشريعة الاسلامية وكتاب آخر عن نظام القضاء بين الاسلام والمسلمين . ومن خلال المبادى والمقاصد التشريعية يمكن للدولة الاسلامية أن تسنّ قوانين وضعية تنظم سائر شئون التعامل فى التجارة والسكن والمرور و الصحة ..الخ . وطالما صيغت بنظام الشورى الاسلامية ( الديمقراطية ) والتزمت العدل والتيسير فهى قوانين شرعية .

2 ـ العكس تماما فى شريعة الفقهاء ، وفى كتب الفقه ، سنية وشيعية . هم يجعلون كلام الفقهاء مع إختلافاته وخرافاته شريعة إلاهية ، ويقولون عن شريعتهم ( شرع الله ) ويجعلونها دينا ، ينطبق عليهم قول الله جل وعلا : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )(21) الشورى ). بالتالى ينطبق تماما عليهم وصف ( الطاغوت )

3 ـ والشافعى هو مؤسس هذا الطاغوت . فى رسالته جعل الكلمة القرآنية ( الرسول ) تعنى الأحاديث التى إفتراها ، ثم تطرف فى الكفر فجعل هذه الأحاديث ( سُنّة ) وجعلها ( تنسخ ) أى تُلغى أحكام رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم . هذا كفر بإمتياز ..إن كان فى الكفر إمتياز .!!

خامسا : أهل القرآن والحكم بما أنزل الله جل وعلا

1 ـ أهل القرآن لا شأن لهم بالسياسة والحكم،هم متخصصون فى الدعوة الى الحق القرآنى .

2 ـ المحرمات فى شريعة الاسلام إستثناء ،والإلتزام بهذه المحرمات شأن فردى . المؤمن يلتزم ليس خوفا من الضبطية القضائية ولكن خوفا من عذاب الآخرة ، لذا تأتى آيات التشريع مختتمة بالتقوى ، تقوى الله جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .

3 ـ ليس على كل المحرمات عقوبة . العقوبات محددة ، وهى الزنا وقذف المحصنات والسرقة والقتل والجروح وقطع الطريق . ومعظمها يسقط بالتوبة . وهناك محرمات كبرى كالخمر لا عقوبة عليها .

4 ـ بعض دول الغرب فى تشريعاتها تقترب من التشريع الاسلامى ـ خصوصا فى ميدان الحريات وحقوق الانسان . وحتى أحيانا فى العقوبات . بعضهم يحرم الزنا بأجر ، ولكن يبيح الزنا بالتراضى . النوعان حرام فى الاسلام . أمريكا حرمت الخمر وقتا ما وجعلت عليها عقوبة . أما دول المحمديين فتشريع الطاغوت هو السائد فيها رعاية للإستبداد والكهنوت . ثم يتحدثون عن الطاغوت فى الغرب .!!.

اجمالي القراءات 8317