الولاء والبراء

لطفية احمد في الأربعاء ١٦ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

إالولاء والبراءمن الموضوعات التي يساء فهمها ، إذ أننا نتعامل معها تعامل حذر، خشية أن نغضب الله ـ سبحانه ـ
واسمحوا لي أن أقص عليكم مجمل ما دار بيني وبين صديقة لي ، كنت قد ذهبت لزيارتها في إحدى ضواحي القاهرة ، والتي تتميز عن غيرها من المناطق بزيادة نسبة الأقباط فيها " المسيحيين " كانت صديقتي تعبر بصدق عن مشاعرها أمامي، تؤمن بوجوب التبرؤ من الأقباط وتعتقد أن موالاتهم كفر،وأن التودد اليهم معصية ، وأنه يجب مضايقتهم فى الطرقات وايذاؤهم &Yilde; فى الحارات ، وانهم يستحقون قطع الرقبة ، وتتمنى أن تقوم الدولة الدينية لتحقق له ماتتمناه وماتعتبره الإسلام ..
• وحقيقة الأمر أن صديقتى هذه لاتكره الأقباط فحسب ، وانما تكره الإسلام الحقيقى الذى أنزله الله تعالى فى القرآن والذى طبقه خاتم النبيين ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومشكلة صديقتى أنها تؤمن بأحاديث مزورة تمت صياغتها في عصور التعصب وهى تخالف صحيح الإسلام ، ومشكلة صديقتى ـ أيضا ـ أنها تعطى عقلها أجازة مفتوحة وهو تستمع الى دعاة الفتنة فى أجهزة الاعلام عن الموالاة والتبرؤ فى التعامل مع أهل الكتاب ..
• أن الموالاة تعني فى حديث القرآن : أن  تكون (مع) المؤمنين (ضد) الكافرين فى حالة اعتداء الكافرين على المؤمنين فى ديارهم ، وفى حالة اضطهاد أخيك فى الايمان ينبغى أن تقف الى جانبه تواليه ضد من يعتدى عليه . وهكذا نزلت أيات التبرؤ ضمن موضوعات القتال وهم يسيئون ـ عن جهل أو عن عمد ـ فهم آيات القتال فى القرآن الكريم ، ومعروف أن القتال فى الاسلام هو للدفاع وليس للاعتداء، يقول تعالى" وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا ان الله لايحب المعتدين" ويقول " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل مااعتدى عليكم واتقوا الله : 2 / 190 ، 194 "
ومن المنطقى أن الذى يعتدى على أخى فى دينى فانه ينبغى على أن أدافع عنه وأن أواليه
وأن أقف الى جانبه ضد ذلك المعتدى ، وذلك هو معنى الموالاة والتبرؤ فى صحيح الاسلام
• وفى ذلك الموضوع نزلت سورة بأكملها هى سورة "الممتحنة" والواضح من السياق فيها أن بعض المؤمنين بعد الهجرة كان يحتفظ بعلاقات مع مشركى قريش الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وأموالهم والذين دأبوا على اضطهادهم حين كانوا فى مكة ثم واصلوا حربهم بعد أن هاجروا للمدينة . ولذلك بدأت السورة بالنهى عن موالاة أولئك الأعداء وتذكر السبب ، تقول :" ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ، وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم " أى أخرجوكم لأنكم تؤمنون بالله تعالى ربكم ، ثم تتحدث السورة الكريمة عن صنف من المشركين لم يقاتل المؤمنين ولم يسهم فى طردهم من ديارهم ولم يتحالف مع أعدائهم ويأمر القرآن المؤمنين بأن يكونوا أبرارا معهم ، يقول تعالى " لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين " ثم تؤكد الأية التالية على أن التبرؤ إنما يكون من أولئك المعتدين فقط" انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ".60 /1، 9:8 • وذلك يعنى بوضوح أن القرآن يأمر بالمودة مع المخالف فى العقيدة طالما كان مسالما لم يصدر منه اعتداء، بل أن القرآن يأمر بالصفح الجميل عنهم " وان الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل "15/85 ،والصفح الجميل يعنى أنهم أساءوا إساءة لاتدخل فى إطار القتال والطرد من الديار، ويقول تعالى يؤكد نفس المعنى " وقيله يارب ان هؤلاء قوم لايؤمنون ، فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون " 43/88 ـ99 ، ويقول تعالى يأمرنا بأن نغفر لهم ونترك الحكم لله تعالى يوم الدين " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون، من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم الى ربكم ترجعون " 45/14 ـ 15 .
وقد كان النبى والمؤمنون فى مكة يصبرون على الأذى ويغفرون لأعدائهم، فلما أصبح الأذى طردا وقتالا تحتم عليهم أن يردوا الاعتداء بمثله وأن يأتى النهى بعدم موالاة أولئك المعتدين .

ومن الآيات التي يساء فهمها ، بل ويصور دعاة التعصب أنها جاءت لكي تأمر بقتال المخالفين في العقيدة {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله: الأنفال 39} وهذا فهم  خاطئ إذ أنها تدعو لمنع الفتنة فى الدين أى منع الاضطهاد الفكرى والعقيدى ليكون الدين علاقة خاصة وخالصة بين الله تعالى والبشر وليكون للبشر تمام الحرية فى الاختيار لتتحقق مسئوليتهم الكاملة عن هذا الاختيار الدينى يوم الدين أو يوم القيامة. 
• والأقباط فى مصر لم يضطهدوا أحدا فى دينه ، ولم يقع منهم اعتداء علينا، بل إنهم أكثر من تعرض للاضطهاد فى عهد(كراكلا) و(دقلديانوس) فى العصر البيزنطى ، ثم فى عصور التخلف والتعصب نالوا الاضطهاد ، ولاينبغى أن تقترن الصحوة الاسلامية التى نتحدث عنها بعودة التعصب الدينى ومفاهيم القرون الوسطى المظلمة، إن الصحوة الحقيقية هى فى العودة للإسلام الحقيقى الذى عرفه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ إن الصحوة الحقيقية هى أن نفهم قوله تعالى" لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون" 5 /82. فالنصارى هم الأقرب مودة للذين آمنوا .
ولذلك كان بعض القسيسين والرهبان يعرفون الحق ويعترفون به ، والصحوة الحقيقية هى أن تعود سماحة الإسلام الأولى التى عرفها عصر الرسول عليه الصلاة والسلام حين كان يفرح النبى وأصحابه بانتصار الروم النصارى على الفرس المجوس ، وحين كانوا يحزنون اذا انتصر الفرس على الروم ، وينزل القرآن يبشر المؤمنين بأن الروم النصارى سينتصرون بعد هزيمتهم بعد بضع سنين " غلبت الروم فى أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين . لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لايخلف الله وعده" 30 /2: 6.
• ان الصحوة الاسلامية الحقيقية لامكان فيها للتعصب أو الكراهية .. وصديقتى تكره الاسلام قبل أن تكره الاقباط .

اجمالي القراءات 16437