الأساطير والكهنة
الاستسقاء والنسور

عبدالوهاب سنان النواري في الأحد ٠٤ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

المقدمة:

١- أكتب هذا المقال وسماء منطقتي بصنعاء تمطر بغزارة، وأنا أتوقع أن يسارع كهنة الدين إلى دعوة الناس لصلاة الاستسقاء، كما فعلوا في موسم الأمطار الماضي، حيث تمت صلاة الاستسقاء بعد حوالي عشرة أيام من نزول الأمطار.

٢- فمع مجيء موسم الأمطار يسارع كهنة الأديان الأرضية (سنة وشيعة وصوفية) إلى دعوة الناس إلى صلاة الاستسقاء، وذبح أبقارهم للنسور، قربة إلى الله بزعمهم.

٣- وكنت أتعجب وأقول لنفسي: ما علاقة النسور بنزول المطر؟ ولماذا لا يوزعون لحوم الأبقار على الفقراء والمساكين، بدلا من تركها طعمة للنسور؟ ولماذا لا تقام صلاة الاستسقاء إلا في موسم الأمطار؟!

٤- اسئلة وعقد كثيرة كانت تتحلحل عقدة عقدة مع دراستي للتاريخ العام والوسيط، وقراءتي في الفكر الديني، وتمسكي بالقرآن الحكيم.

٥- ولكن ما علاقة النسور بالأمطار وكهنة الأديان ؟!

 

أولاً- الاستسقاء في القرآن الكريم:

١- تحت هذا العنوان كتب الأخ الفاضل/ رضا البطاوي البطاوي في الخميس 28 مارس 2013، المقال التالي:

الاستسقاء في التعريف الشهير عند الناس هو طلب سقوط المطر، وللأسف فإن هذا التعريف يخالف التعريف القرآني، وهو: (طلب الماء لسقي الناس) .

وبالقطع الماء يتضمن الأنهار والعيون والآبار والمطر، وقد جاء ذكر الاستسقاء في قوله تعالى بسورة البقرة: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم) آية (٦٠) .

وفي قوله تعالى بسورة الأعراف: (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم) آية (١٦٠) .

نلاحظ في آية سورة البقرة أن موسى (ص) طلب السقيا وهي الماء لقومه"وإذ استسقى موسى لقومه" وهم ناسه بناء على طلب الناس من موسى (ص) أن يستسقى لهم" إذ استسقاه قومه" . ومن ثم دعا موسى(ص) ربه طالبا ماء الشرب لهم.

كما نلاحظ أن الماء لم ينزل من السماء وإنما خرج من الحجر " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا" و "أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا" ومن ثم فالحل كان أرضيا ولم يكن سحابا ممطرا.

كما نلاحظ أن الماء قسم تقسيما عادلا "قد علم كل أناس مشربهم" . فكل مجموعة أخذت عينا حتى لا يحدث تزاحم وتشاجر، وهو أمر يوفر الوقت والجهد والمتاعب ومن ثم يجب على البشر أن يزيدوا من منافذ توزيع الأشياء حتى لا يحدث تكدس وتشاجر وغير هذا، وهو ما يعرفونه حاليا بسياسة اللامركزية.

٢- انتهى المقال، ووضحت الفكرة، حيث لا علاقة للاستسقاء بالمطر.

 

ثانياً- النسر في القرآن الكريم:

١- ذُكرت كلمة (النسر) في القرآن الكريم في قصة نبي الله نوح (ع) مع قومه، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا (٢١) ومكروا مكرا كبارا (٢٢) وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا (٢٣) (نوح) .

٢- وكما هو واضح من الآيات فقد كان (نسرا) أحد أهم الآلهات التي يعبدها قوم نوح، ولذلك ذكره الحق تبارك وتعالى بالأسم.

 

ثالثاً- النسر في الأديان والأساطير القديمة:

١- النسر هو أحد أبرز آلهة العرب القدماء. وهو صنم على هيئة نسر، عبدته قبيلة حمير اليمنية قبل اعتناقها للإسلام مع ملكة سبأ. ومن المؤكد أن النسر كان من آلهة الساميين القدماء.

٢- كان النسر السوري واحداً من مصادر الإلهام البشري، الذي تطور مع الوقت ليعد جزءاً من التراث الإنساني للعالم أجمع، ويدخل في كافة معتقداته وأفكاره الفنية والأدبية.

يقول مؤرخ حلب/ عامر رشيد مبيض: بأن النسر العربي السوري يعتبر رمز الغيمة الماطرة قبل عشرة آلاف سنة. مضيفا:

أن في التاريخ العربي السوري القديم قبل آلاف السنين ، نجد أن الحيوانات فيها كانت رموزاً تعبيرية ، فالنسر العربي السوري المكتشف في الجرف الأحمر من أعمال حلب ، يعود إلى « 10000 آلاف سنة » وهو رمز للغيمة الماطرة ، والنسر هو الطير الحر ، وهو شعار الإله الحلبي العالمي « حدد » رمز الخصب السوري.

وقال: إن بعل حلب « حَدَد : إله البرق والرعد والمطر » كان يُصور واقفاً فوق ثور وفي يده اليسرى البرق أو سنابل القمح .

ويقترن بالنسر رمز الكواكب الذي اعتقد الإنسان العربي الأموري والعربي الآرامي « السرياني » السوري أنَّها السبب بالندى والجفاف .

وكان النسر في البدء رمزاً للغيمة الممطرة الراعدة، بدأ رمزه بالظهور كغيمة سابحة في الفضاء . ثم تطوَّر إلى طائر ناشر الجناحين وله رأس أسد للتعبير عن « زئير » الرعد . وإنَّ العرب الأموريين والعرب الآراميين السوريين « السريان » كانوا يعتمدون على الكواكب كدليل على الفصول ومواسم الأعياد .

ومنهم من رأى سرعة طيران النسر ، فأعجب به وتخيل للشمس جناحين مثله تطير بهما في الأفق ، لذلك صار قرص الشمس رمزاً دينياً عند العرب الأموريين السوريين ، نقله السوريون إلى مصر . فالمطر في ملحمة البعل « حدد » وزوجته « عشتار » يُوصف دائماً بأنه مطر الكواكب . وهي إشارة إلى تقويم زمني كانوا يربطونه بتحركات الكواكب وانقلاب الفصول .

أمَّا تعريف النسر ، باسم « شيخ المرعى » فلعله اسم آخر من أسماء البعل . ففي نص كان يتلى كترنيمة عند تجديد جلد الطبل المقدس للهيكل من جلد ثور ، نقرأ : « أيها الثور العظيم . الثور الممجَّد الذي يدوس المراعي النقية . إنك أيها الثور من سلالة الإله زو . ولقد تمّ اختيارك للطقوس والحفلات » .

وهكذا يكون الطائر « النسر = زو » في أساس الشعار الذي اتخذه العرب الأموريون والآراميون السوريون . وحرف السين في « زو = زوس » هو للتعظيم ، كما في « بعل = بعليس ، أدون = أدونيس » .

وأول رواية في التاريخ مصدرها معبد حلب : إن الطائر المقدس للمعبود « حدد » هو النسر ، ولزوجته المعبودة العربية الأمورية والآرامية السورية « عشتار » هو اليمامة ، وعشتار تلفظ في الهجاء الغربي « ستار = أي النجمة » لأن حرف العين حلقي . وقد نقلت حلب أسطورة البعل « حدد إله البرق والرعد والمطر » الذي هو « زوس : اللمعان » إلى كل أرجاء المشرق واليونان القديمة .

وقد امتدَّ نفوذ حلب في كامل المشرق العربي ووصل نفوذ حضارتها إلى الهضبة الفارسية .. وإنَّ إله مدينة حلب « حَدَد » إله الطقس والرعد والمطر ، قد أصبح ذائع الصيت في فترة الازدهار هذه ، وصار يتدخل في شؤون الملوك ويقرر مصائرهم ولابدَّ من استشارته واستشارة كهنته القابعين في ظل ملكهم الحلبي كي يفوزوا برضاه وبرضى حَدَد إله الصاعقة والرعد » .

٣ـ الإله الحلبي « حَدَد » تبدل اسمه إلى « زوس » و« جوبتير » : نقرأ في الإلياذة : « أن زوس يبتهج بالرعد » . وعرفنا أنَّ من أسماء الإله الحلبي العالمي حدد « زوس : البرق ، اللمعان » ـ و« جوبتير ter jupi» أي جوف الطير ، النسر ، الطير الحر . وجوبتير ليست كلمة رومانية ، بل عربية آرامية سورية لاكتها الألسن في الغرب الأوروبي وحرفتها . حيث أبدلوا الطاء غير الموجود في الهجاء الغربي ، إلى حرف « التاء » طير = terتير . وعن شعب روما قال دونالد دودلي في كتابه « حضارة روما » : « كان مصدره الرئيسي هو آسيا وسورية » . وقال عالم الآثار الشهير سبتينو موسكاتي : « كان الرومان يُطلقون على « حَدَد » اسم « جوبيتر » وكانت عبادة هذا الإله منتشرة في كافة أنحاء العالم الروماني » .

أما فيليب حتي الذي وضع كتابه عن سورية قبل اكتشاف المعبد العالمي للإله « حدد » في قلعة حلب عام 1996 قال : « حَدَد : المعروف باسم رمّانو « صانع الصواعق » وهو إله المطر ، ويظهر عادة مع الثور والصاعقة ... وقد اكتشفت كتابة على نصب نذري على بعد أربعة أميال ونصف شمالي حلب ، كتب عليها اسم ابن حدد الأول ، والكتابة التالية : النصب الذي أقامه بار حدد بن طاب رمَّان بن حاديان ملك آرام لسيده ملقارت وقد نذره له لأنَّه أصغى إلى صوته ... ويجب اعتبار جوبيتر معادلاً للإله حَدَد . وفي العصر الروماني تبدل اسمه فأصبح جوبيتر الدمشقي » . وقال أيضاً : « حَدَد ـ رمّانو » الذي تحول في العصر الهيلينستي إلى « زوس أو جوبيتر » . إن « جوبتير » هو « جوف الطير » في قصة الحضارة حيث قال « ول ديورانت » : « وكان أحبّ هذه الآلهة القومية إلى قلوب الشعب الإله « جوبتر » أو جوف jupiter Or jove. وإنَّ هذا الإله قد أصبح مَلكها ، كما أصبح « زوس » عند اليونان ... ويمثل رقعة السماء وضياء الشمس وقصف الرعد .

 

رابعاً- أساطير إله المطر:

تعددت الأساطير التي رويت على مدار الزمن حول إله المطر، رسمت ونقشت على المعابد حكايتها.. إليكم بعض أسماء الآلهة التي تكررت في عدة أساطير:

١- الإله (بعل) : سمي إله المطر "بعل" في سوريا القديمة حيث انتشرت عبادته بين شعوبها من شمالها وإلى ساحلها وحتى بلاد الرافدين.

ويأخذ شكل إله قابض على فأسه وعلى لجام عجلته وثوره رابض عند رجليه، حيث نحت على جدران المعابد.

يقع معبد إله المطر في بلاد الشام بدمشق بعدما نقل من الجامع الأموي، بالإضافة إلى معبد آخر يقع في مدينة حلب، اكتشف في تلك المنطقة عدة خواتم أثرية نقشت عليها صورة الإله.

٢-الإله (جوبيتر) : اعتبر جوبيتر في الأساطير الرومانية إله المطر حيث جسم على شكل رجل عجوز ملتح حكيما، وكان حيوانه المفضل (النسر) صنع له معبد جوبيتر أو أوزفس بالإغريقي على تلال روما السبعة.

٣- الإله (أبو للو) : اشتهر إله المطر عند الأغريق بتمثال رودس، وهو احدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم. صنع من البرونز عام 2800 ق.م، حيث استغرق بنائه 12 عاما، لكن هدمه الزلزال بعد 58 سنة وبيع كخردة قديمة.

٤- الآلهة (تفنوت) : وهي احدى الآلهة في مصر القديمة، أطلق عليها لقب إله المطر والرطوبة، كما كانت تسمى بالقطة النوبية.

 

خامساً- استغلال الكهنة للأساطير:

١- مظاهر استغلال كهنة الدين للأساطير والخرافات كثيرة جدا، ونكتفي هنا بخرافة آلهة المطر (النسر) ، كما أن نماذجهم كثيرة جدا، ونكتفي هنا بالنموذج المغربي.

٢- تمتلك صلاة الاستسقاء حضورا قويا في الثقافة الشعبية والرسمية للمغرب، وتصف الدكتورة (فرانسوا ليجي) هذا الحضور في كتابها «نصوص من الفلكلور المغربي: معتقدات وتقاليد شعبية» ، الذي صدر سنة 1926م، تقول فيه: «إن هذه الصلاة تقام بأمر من السلطان لاستدرار المطر عندما يكون هناك جفاف كبير، ولأدائها على المؤدين لها أن يصوموا اليوم كله، وأن يخرجوا حاسري الرؤوس وحافيي القدمين، وعندما ينتهون منها يقومون بلباس “جلابيبهم” بالمقلوب للإشارة إلى السماء بأن الطقس يجب أن يتغير» .

وتنقل جريدة (لوموند) الفرنسية عن الرئيس الفرنسي (فرانسو هولاند) أنه حين زار المغرب عام 2013م، وكان الجو ممطرا، أسر له أحد أفراد الأسرة الملكية في أذنه بمقولة منسوبة إلى أول مقيم عام فرنسي في المغرب الجنرال اليوطي (1912 – 1925م) ، ومفادها: (أن تحكم في المغرب فهو أن تسقط الأمطار) .

وذكرت الجريدة ـ في نفس الإطار ـ أنه في عهد الراحل (الحسن الثاني) كان يتم استعمال طائرات خاصة مزودة بتقنيات أمريكية من أجل استحلاب الغيوم، وفي نفس الوقت الدعوة إلى إقامة صلاة الاستسقاء.

تحتل صلاة الاستسقاء رمزية شديدة لدى المغاربة، ولاسيما القرويين منهم، يبينها الباحث السوسيولوجي (محمد الطوزي) في كتابه: «الملكية والإسلام والسياسة» بقوله: «إن صلاة الاستسقاء هي أصل من أصول الإسلام الشعبي المغربي .. وإقامة صلاة الاستسقاء لا تعني تساقط المطر كنتيجة حتمية، فإذا لم يسقط المطر فذلك يعني أن الأمة لم تكفر عن كل ذنوبها حسب المعتقدات السائدة».

وهكذا فإن صلاة الاستسقاء في المغرب هي أكثر من مجرد استراتجية لمواجهة الجفاف، بل تتعدى ذلك إلى أبعاد رمزية وثقافية وسياسية.

 

أخيراً:

١- ما يفعله الكاهن بالضبط، هو أنه ينتظر موسم الأمطار، ليحث الناس على أن يذبحوا للنسور الأبقار، مستغلا قوة الذاكرة الشعبية للناس، تلك العقلية التي عبدت النسر يوما ما، باعتباره إله المطر.

٢- ما فعله الكهنة بالضبط هو أنهم قاموا بتكرير وإعادة صناعة العقائد الشركية السابقة، وصياغتها بقالب جديد، زعموا أنه إسلامي.

٣- ندعو كافة موظفي الدولة إلى أداء صلاة الاستمعاش، عل الحق تبارك وتعالى، يلين قلوب حكامنا اللصوص، ويطلقوا سراح المرتبات المحتجزة ظلما وعدوانا منذ حوالي سنة ونصف.

اجمالي القراءات 6111