جدل القوة والحق : ( 4 ) موسى الخائف الذى يحمل الحق فى مواجهة فرعون المتوحش

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٨ - ديسمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

جدل القوة والحق : ( 4 ) موسى الخائف الذى يحمل الحق فى مواجهة فرعون المتوحش

مقدمة : نضع أسئلة ونرد عليها

 س 1 ـ لماذا  أرسل الله جل وعلا موسى الى فرعون وليس الى المصريين ؟

ج 1 :لأن المصريون كانوا لا حول لهم ولا قوة . جعلهم الاستبداد والطغيان الفرعونى جسدا بين الحياة والموت ، مجرد جسد تسير عليه مركبات الفرعون الحربية . ولأنه الطاغية المتحكم الذى يملك التصريح لبنى اسرائيل بالخروج مع موسى ولأن بنى اسرائيل لا يمكنهم مغادرة مصر إلا بأمره أرسل الله جل وعلا موسى لهذا الفرعون .

س2  ـ هل يعنى هذا أن الله جل وعلا إعترف بفرعون الطاغية ملكا على مصر ؟

ج 2 ـ نعم . إن الله جل وعلا إعترف بفرعون ملكا على المصريين طالما رضى به المصريون ملكا ولم يثوروا عليه . لو ثاروا عليه فالمعنى أنهم غيّروا ما بأنفسهم من خضوع وخنوع وإستضعاف ، وعندها فإن الله يؤكد هذا التغيير ، فالله جل وعلا هو القائل : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) ( 11 ) الرعد ) . الأمر هنا مثل الهداية والضلال . إذا أراد الفرد الهداية هداه الله جل وعلا وزاده هدى. إذا أراد الضلال أضله وزاده ضلالا. هى مشييئة الانسان فى البداية ثم تعززها مشية الرحمن . سواء فى الهداية والضلال أو فى مشيئة النفس العزة والكرامة أو مشيئتها الخنوع والخضوع .

س 3 ـ الله جل وعلا هو القاهر فوق عباده . وهو جل وعلا الذى يستطيع تدمير فرعون . وقد أرسل موسى وأخاه هارون بالحق دون قوة فى مواجهة فرعون الذى إحتكر القوة . وقد زوّد موسى بآيات معجزة أبهرت فرعون ، فلماذا لم يزوده بقوة قاهرة يهزم بها فرعون ؟

ج 3 ـ  الله جل وعلا هو القائل ردا على من إتخذ المسيح إلاها : ( قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً )(17) المائدة ) . وهو جل وعلا القادر على أن يستبدل قوما بغيرهم ، وهذا ما أنذر به الصحابة فقال : (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) محمد ) . تدمير فرعون وقومه أمر يسير على رب العزة . والله جل وعلا أهلك القوم الكافرين فى عصر نوح وهود وصالح وشعيب . فرعون وقومه هم آخر من أهلكهم الله جل وعلا ، وقد جعل منهم عبرة . ومن العبرة أن يكون هناك دور لموسى وهارون عليهما السلام ، وأن يعطى جل وعلا لفرعون آيات من نوعين : آيات يمكن لفرعون أن يؤمن بها لو أراد . منها آيات الترغيب ، مثل العصا التى تحولت ثعبان ويده التى تبدو بيضاء للناظرين :( فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) الأعراف  )، ثم جاءت آيات التهديد عندما لم يؤمنوا : (وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمْ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) الاعراف) وبعد نكثهم كانت الآية الأخيرة بفلق البحر وإغراقهم : (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67 ) الشعراء ). بهذا تكون الحجة على فرعون . ولهذا فإنه حين أعلن إسلامه عند الغرق لم يُقبل منه ، وفى هذا عبرة ودرس للناس جميعا ، قال جل وعلا : (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس  ) . وفى نهاية الآية الكريمة نعرف الغرض والهدف ، كان جسد فرعون الذى قذف به التيار ورآه بنو اسرائيل آية لمن جاء بعد فرعون ، كما إن قصة فرعون فيها عبرة لمن يخشى كما جاء فى سورة النازعات (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)) .

س 4 :هذا بالنسبة لفرعون وقومه . فماذا عن موسى وأخيه هارون ؟

ج 4 : وعده ربه جل وعلا أن يحميه هو وأخاه هارون وجعله عضدا له . ونستشهد ببعض الآيات :

1 ـ ( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) القصص ) هنا وعد بأن فرعون بكل سطوته فلن يصل الى موسى وأخيه .

2 ـ وفى آيات أخرى كان تأكيد الرحمن جل وعلا لموسى وهارون أنه جل وعلا معهما يسمع ويرى : ( قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46 ) طه ) ( قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) الشعراء ) . وقد طمأنه ربه جل وعلا بأنه سيحميه من فرعون فى مطاردة فرعون له : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى (77) طه ) ، لذا فإن موسى حين لحق به فرعون بجيشه واصبح محاصرا بين البحر وفرعون قال له أصحابه  : ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) الشعراء ) ، فرد عليهم قائلا : (َّ كَلاَّإِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) الشعراء ) .

3 ـ وهذا يجيب على سؤال ضخم : لماذا لم يقم فرعون بقتل موسى وهو داخل مملكته ويبدو أنه تحت سطوته وفى إمكانه أن يقتله بسهولة . بل إن فرعون هدّد فعلا بهذا : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) غافر ) فاستعاذ موسى عليه السلام بربه جل وعلا : ( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) غافر ) وتصدى الرجل المؤمن من آل فرعون يعارض الفرعون :( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) غافر  ). الجواب إن قدرة الله جل وعلا القاهر فوق عباده هى التى حالت بين فرعون وتنفيذ تهديده .

س 5 : نتصور النبى موسى غاية فى الشجاعة حين واجه فرعون الطاغية فى عُقر داره .

ج 5 : على العكس . كان خائفا . بل إن موسى هو النبى الوحيد فى القصص القرآنى الذى لازمه الخوف فى تحركاته . كان شخصية بشرية طبيعية متأثرة بالظروف التى نشآ فيها وصبغت شخصيته . فقد رضع لبن الخوف من أمّه ، وكانت تربيه تحت رعاية فرعون المتوحش  . وكبر وهو يعرف قومه الذين ينتمى اليه ، ووضع قومه بالنسبة لفرعون . أى نشأ فى خوف وفى وجل يتوقع الخطر فى أى لحظة ، لذا كان بدافع طبيعى يتصرف دفاعا عن النفس ، ويتصرف بالغضب ، ثم يهدأ ، وقد يستغفر . ونعطى أمثلة :

1 ـ دخل المدينة فوجد رجلا مصريا يتقاتل مع رجل من قومه ، وبالطبع يعرفه ضمن معرفته بقومه ، والرجل الاسرائيلى أيضضا يعرف موسى لذا إستجار به ، فضرب موسى المعتدى فقتله ـ بلا قصد . واستغفر ، ولازمه الخوف ، سار خائفا يترقب : ( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ  ) (18)القصص ) ، وحذّره رجل من أن (الأمن المصرى ) فى المدينة يتآمر على قتله وأنه لن ينجو منهم إلا بالهرب ، فهرب من المدينة خائفا يترقب : ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) القصص ).

2 ـ وحين ذهب الى الرجل الصالح فى مدين وقصّ عليه قصته كان لا يزال خائفا ، فطمأنه الرجل الصالح وقال له : ( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) القصص ).

3 ـ وحين كلمه ربه جل وعلا بالوادى المقدس طوى فى جبل الطور أمره ربه جل وعلا أن يلقى عصاه ليُريه آية معجزة ، فتحولت العصا الى حية تسعى تهتز فى الظلام ، بلغ به الخوف أنه إنطلق هاربا دون أن يلتفت الى الخلف ، وناداه ربه جل وعلا يطمئنه : ( وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ (31) القصص )( وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلنمل ) .

4 ـ وتجلى خوفه ـ هلعا ـ حين أمره ربه جل وعلا أن يذهب الى فرعون يطلب منه أن يرسل معه بنى اسرائيل ولا يعذبهم . كان من ردّه :  ( قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) الشعراء ) َ(قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) القصص ). وبعث الله جل وعلا معه أخاه هارون ، فأصبح الخوف من فرعون مزدوجا : ( قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46 ) طه ).

5 ـ وفى مباراة السحر كان موسى متأثرا ببيئته المصرية التى تعتقد فى السحر . والسحر ليس قلبا للأشياء كأن يتحول القط الى فيل ، بل هو مجرد خداع بصرى يقع فيه من يعتقد فى السحر فيتصور القط فيلا . السحرة أوهموا الناس أن حبالهم وعصيهم قد تحولت الى ثعابين ، فسحروا أعين الناس واسترهبوهم : (  قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) الاعراف ) ، تعرض موسى لنفس التأثير ، وأصابه الخوف ، لولا أن تداركته رحمة ربه جل وعلا : ( فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) طه )

6 ـ إندفاعه فى الغضب هو الوجه الآخر للخوف ، وقد قال عن نفسه : (  وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي ) (13) الشعراء  ) . ونتصور أن صدره كان يضيق كثيرا بأفعال بنى اسرائيل ، ومنها عبادتهم للعجل حين تركهم فى مصر وذهب الى جبل الطور حيث ميعاد ربه جل وعلا . رجع فوجدهم قد عبدوا العجل ، وقد استهانوا بهارون عليه السلام. إشتد غضبه وعصف بأخيه هارون . قال جل وعلا : ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) الاعراف ) (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه ) .

س 6 : كيف يتفق خوف موسى مع قوله جل وعلا عنه : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14 ) القصص )

ج 6 : الحكم والعلم هو ما يخص الرسالة والنبوة . وهذا تعليم الاهى لكل رسول. ويتجلى هذا فى:

1 ـ  توبته حين قتل خطأ الرجل المصرى (  قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) القصص )

2 ـ هدأ بعد غضبه من قومه وأخيه حين عبدوا العجل ( وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) الاعراف ) ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) الاعراف ) .

3 ـ تعلمه الهدوء من النبى الصالح الذى جاءت قصته معه فى سورة الكهف .

4 ـ وفيما عدا ذلك فقد أدّى موسى عليه السلام رسالته ، واستحق أن يقول عنه ربه جل وعلا : (  وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه ) (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) طه ) (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (53) مريم ).

اجمالي القراءات 7996