شكراً د . منصور و أقول :
شكراً د . منصور و أقول :

أسامة قفيشة في الإثنين ١٨ - ديسمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

شكراً د . منصور و أقول :

في البداية أود الاعتذار كون تعقيبي على مقالكم ( جدل القوة و الحق 2 ) قد دفع بكم للرد المطول و في مقال منفصل , و انا أعلم حجم انشغالكم و أهمية وقتكم , لذا أرجو أن تتقبل اعتذاري .

كما أود من شكرك على هذا العطاء و اهتمامك الشديد بكل ما يطرح من أفكار و تحليلات .

و فيما يتعلق بردكم الوارد في مقالكم ( جدل القوة و الحق 3 ) على تعقيبي فأقول :

إن ما قمتم حضرتكم بتوضيحه فيما يتعلق بفارق المعنى بين ( آمن ب ) و ( آمن ل ) فلا خلاف فيه , و هذا لا ينكره أحدٌ من أهل اللغة , و يعلمه كل من يتقن اللغة العربية و يدرك ألفاظها , و لا أجد بأن هذا الأمر يحتاج شرحه في هذا المقام و ذلك للأسباب التالية :

1 ـ الإيمان الخالص و المطلق هو عبارة عن اتحاد المعنيين معاً , أي أنه يحب أن يشمل هذان الاتجاهان ( الإيمان ب ) مع ( الإيمان ل ) فلا يكتمل الإيمان إلا باكتمال معانيه , الإيمان القلبي العقائدي مع الإيمان السلوكي بأمنه و طمأنينته .

2 ـ لا يمكننا الفصل بين هذين المعنيين إلا بنصٍ صريح من قبل الخالق جل وعلا , أي لا يمكننا القول و الحكم على إيمان أحدٍ من البشر فيما يتعلق بالشطر القلبي العقائدي إلا بورود النص الإلهي الذي يبين لنا بأن هذا الشخص لم يكن مؤمناً عقائدياً و أنما كان أيمانه سلوكياً فقط , و هذا واضحٌ في كثيرٍ من الحالات و خصوصاً في الحديث عن بني إسرائيل .

3 ـ فيما يتعلق بشخص الرسول أو النبّي , فنحن ملزمون و بشكلٍ جازم ـ لا مجال للرأي فيه ـ إذ ينبغي على المؤمن من الإيمان بشخص الرسول أو النبّي أيماناً مطلقاً بشقيه ( القلبي و السلوكي ) و لا يجوز الفصل بينهما , فنحن مطالبون بأن نؤمن له و نؤمن به , فإيماننا له هو وثوقنا و اطمئنانا بشخصه و هذا مطلوبٌ ممن عاصره من المؤمنين بأن يؤمنوا له و يؤمنوا به بأنه رسولٌ و نبيٌ من عند الله جل وعلا و بأنه بشرٌ مثلهم , كما يتوجب علينا نحن اليوم و في غياب شخص الرسول أو النبّي بأن نؤمن له و نؤمن به و هذا الإيمان يتمثل بتصديقنا و ثقتنا بشخصه و ذاته البشرية و بما بلغّنا به من خلال رسالته , أي أن أيمانا له اليوم و في غيابه يتمثل بعدم تأليهه أو تقديسه لأن هذا يسيء لذاته و لشخصه ,  

لذا يتوجب علينا في البداية بأن نثق و نطمئن بشخصه بأنه بشرٌ مثلنا ( نؤمن له ) و من ثم يتوجب علينا من الإيمان القلبي به أيضاً أيماناً مطلقاً بأنه نبيٌ و رسول من عند الله جل وعلا و ما يترتب على هذا الإيمان العقائدي القلبي من إتباعٍ و تصديقٍ لرسالته , و عن الإيمان به و هو الإيمان الذي يشير إلى الاعتقاد القلبي و الإيمان القلبي بشخصه و ذاته البشرية سواءً كان نبياً أو رسولاً فهذا واضحٌ و جليٌ في قوله جل وعلا :

( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )

( كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ )

فهاتان الآيتان تشيران ( للإيمان ب ) أي أيماناً قلبياً عقائدياً , فكل حروف العطف مرجعها في أصلها ( للإيمان ب ) .

4 ـ عن خاتم النبيين و اجتماع المعنيين معاً في قوله ( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) فهذا يشير على أن هذا الإيمان متبادل بين المؤمنين جميعاً , أي يجب على جميع المؤمنين من أن يؤمنوا لبعضهم البعض و ما النبّي إلا واحداً من بين المؤمنين يتوجب عليه ما يتوجب على غيره , فكل نبيٍّ و كل رسول مطالب بالإيمان المطلق حاله حال جميع المؤمنين ( الإيمان ب ) مع ( الإيمان ل ) , و هذا الجمع بين الإيمان بشقيه القلبي و السلوكي يتجلى في قوله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا ) .

حتى السحرة الذين جمعهم فرعون كان إيمانهم إيماناً مطلقاً بشقيه , فإيمانهم برب موسى و هارون لم يأتي من فراغ , بل كان أيماناً منهم بموسى و هارون في البداية بعد أن أيقنوا و تأكدوا بأنهما ليسوا بسحره بل هم فعلاً أنبياء و رسل من عند الله جل وعلا لذا كان إيمانهم و تصديقهم بما دعاهم له موسى عليه السلام , فما كان لهم بأن يؤمنوا بالله لولا تلك المعجزة التي جاء بها موسى عليه السلام .

هم ملزمون بالإيمان بالله جل وعلا كما هم ملزمون بالإيمان بالرسل , و نحن أيضاً ملزمون بهذا الأيمان بالرسل و هذا واضح في قوله جل وعلا و مطلبه بهذا الإيمان ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُواْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ) , فلا يجوز لنا الفصل أو القول بأننا مطالبين بالإيمان فقط بالله جل وعلا دون الإيمان بالرسل أيضاً , فهذا الإيمان القلبي بالرسل لا يتعارض مع توحيد الخالق جل وعلا لأننا نؤمن بأن الرسل هم بشرٌ مثلنا و عليهم ما علينا , أما إن تم تقديسهم فيصبح هذا الإيمان شركاً بالله جل و علا لأنه وحده القدوس , فهو وحده سبحانه و تعالى من يملك الضرر و النفع .

و عن خروج بني إسرائيل مع موسى عليه السلام فمن البديهي كون غالبيتهم لم يؤمنوا لموسى فهذا يحتم عليهم عدم الخروج معه , لأنه من المحال خروج شخصٍ مع شخصٍ آخر دون الوثوق و الاطمئنان له , فلوط لم يخرج مع إبراهيم عليهما السلام إلا بعد أن آمن له , و كذلك الأمر نلاحظ بأن من خرج مع موسى عليه السلام هم من آمن لموسى , و هذا يدل على أن من لم يؤمن لأحد فإنه من المستحيل له الخروج معه لأنه لا يثق و لا يطمئن له و هذا حال باقي بني إسرائيل الذين لم يؤمنوا لموسى و لم يطمئنوا له فمن المستحيل بأن يخرجوا معه .

كما أريد أن أعرب عن حزني و أسفي الشديد على مقدمة ردكم الكريم , فقد أحزنني و آلمني جداً هذا القول في تلك المقدمة , لقد كان كبيان ( إعلان البراءة ) , تتبرؤون فيه مني و تعلنون هذا على الملأ , أنا معلمنا الفاضل أحد طلابكم و أعتبر نفسي كأحد أبنائكم , أتابع ما تقدموه كل يوم و أشعر بالسعادة و الفخر و الأمل في انتشار الحق كي يعم الجميع ,

كما اعتبر نفسي كأحد أبناء هذا الموقع الكريم و هذا البيت الجميل , و لا أشعر أبداً بأني غريبٌ عن عائلة أهل القرآن و نهجها في البحث العلمي القرآني , هذا الشعور لا يتغير و لا يتبدل بمجرد طرحي لما يمليه علي فكري و عقلي تجاه أي بحث يفضي لرأيٍ آخر أو لتصورٍ آخر ,

متابعتي لكم و لغيركم تنمّي الفكر و تفعل العقل , فالخلاف الفكري أعتبره ضرورة من ضرورات البحث إن لم يكن من أهمها , فبه يخرج العقل لآفاق المعرفة و التحليل فينمو و يزدهر , و بدونه يبقى العقل مأسوراً في دائرةٍ ضيقة لا يجد أمامه سوى نظرة واحده لا يستطيع التفاعل معها بل يبقى مجبراً على هضمها و سردها بأسلوب التلقين و صقل العقل في قالبٍ فكريٍ واحد ,

إن ما نقوله هنا جميعاً لا يعتبر ديناً , بل هو رأيٌ فكريٌ لا يتعارض أبداً مع إيماننا المطلق , و ما أقوله أنا يعبر عن نتاج بحثي و رؤيتي لذا أراه صواباً و منطقياً و لا أظن بأن هذا الفكر و التصور التاريخي بناءاً على المعطيات و التلميحات التي بين أيدينا يخرجني من دائرة الهداية و المعرفة و يزج بي في دائرة إتباع الهوى الشخصي بانتقاء الآيات بما يوافق الأهواء أو تجاهل و تأويل ما لا ينسجم معها كما قلت في مقدمة ردك على تعقيبي و اتهامك المباشر لي بهذا النهج ,

ما أقوله من وجهة نظري يتعلق بتحليل المعطيات و الألفاظ و بناءاً عليه أقوم بصياغة ما أتوصل إليه و أطرحه أمام الجميع كرؤية فكرية و تصور شخصي , هذا القول و هذا التصور لا يترتب عليه أبدا أياً من الهداية أو الضلال , أي أن ما نتصوره من تسلسلٍ للأحدث و الأماكن و نعتقد به لن يكون سبباً في دخولنا النار و لن ننجو به فندخل الجنة , أي أن أي قولٍ في هذا الجانب لا يعتبر حقاً و ما دونه باطل ,

فالجانب الفكري التاريخي ليس ديناً و لا يؤثر بالمطلق على الإيمان , كما أنه غير مرتبط بالعقيدة أو بالأمور التعبدية القطعية التي لا مجال فيها لأي رأي ,

إن اختلاف وجهات النظر في الأمور الفكرية التفصيلية يجب أن يجمعنا لا أن يؤدي هذا التنوع إلى

إخراج بعضنا البعض من نفس الدائرة التي توافقنا عليها و اقتنعنا بصدقها و حقها , ليس هذا فحسب بل و يتم وضع و اعتبار و إحالة كل مخالفٍ منا و إعادته للدائرة الأولى التي انطلقنا منها جميعاً قبل تمسكنا بالمنهج القرآني . و مساواته بمن ضل عن سبيل الحق , و بأنه يتبع هواه و رأيه مرفوض و مردود , و اتهامه بأن له دوافع شخصيه أو وطنية أو قومية !

فمن منا قادرٌ على امتلاك الحق المطلق في مثل هكذا قضايا ! و من منا قادرٌ على الجزم بها ! و من منا يستطيع الإدعاء بان رأيه هو وحده الصواب في مثل هكذا أبحاث ! 

اجمالي القراءات 9564