القدس لأهلها ياترامب

سامح عسكر في الإثنين ١١ - ديسمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لتوضيح موضوع القدس مرة أخرى

أحد الأصدقاء يقول طالما تعتبر أن المسجد الأقصى خرافة والإسراء إليه والمعراج فلماذا تنصر فلسطين..خليك مع إسرائيل أحسن..

الجواب: أولا: هذا خلط فالإسراء ثابت بنص القرآن لكن الأقصى لم يكن مبنيا في زمن الرسول ولا الخلفاء الأربعة، وكتب التاريخ – كالفاكهي والأرزقي- قالت أن المسجد الأقصى كان يبعد عن مكة مسافة 3 أميال في منطقة الجعرانة..

ثانيا: من الناحية الدينية فالقدس مدينة لكل الأديان..وإسرائيل من هذه الناحية اتفقت مع الأردن لإدارة شئون القدس لحين عقد اتفاق سلام ، وما فعله ترامب هو نقض للعهود الدولية والمواثيق كعادة إسرائيل منذ نشأتها.

ثالثا: من الناحية السياسية فإسرائيل دولة احتلال وصدر عدة قرارات من مجلس الأمن تمنع الانفراد بأمر القدس دون تفاوض ، والسبب أن المدينة بها مئات الآلاف من العرب الفلسطينيين يقدرون بنصف أو 40% من عدد سكان المدينة، واعتبارها عاصمة لإسرائيل يعرض حياة هؤلاء وحقوقهم للخطر كالتجنيس أو التهجير وربما القتل، شئ أشبه بنكبة 48 ونكسة 67

رابعا: عام 1980 أصدرت إسرائيل .."قانون القدس".. باعتبار المدينة عاصمة موحدة لها، وتم رفض هذا القرار وإلغاءه من مجلس الأمن بقرار رقم 478 أي أن ما فعله ترامب أمس غير قانوني من الناحية السياسية لذلك عارضته كل دول العالم عدا تايوان .

خامسا: القدس مقسمة إلى شرقية وغربية منذ عام 48 الأحياء الشرقية والشمالية (للعرب) وفيها البلدة القديمة والأقصى وقبة الصخرة ومقدسات المسيحيين والحي الأرمني، أما المنطقتين الغربية والجنوبية فهي (لليهود) عدا بعض التجمعات الصغيرة الاستيطانية في أحياء العرب مؤخرا، يعني عمليا المدينة موطن لكل الشعوب، والسطو عليها كما فعل ترامب هو سرقة في وَضَح النهار مستغلا ضعف العرب والفلسطينيين عن اتخاذ أي ردود أفعال مؤثرة.

إسرائيل احتلت القدس الشرقية عام 67 وفرضت سياسة الأمر الواقع عليها بتغيير ديموغرافيا المدينة سواء بتهجير أصحاب الأرض واستقدام يهود ، أو مساومة الأردن باتفاقية سلام أصبحت فيه سلطة العرب خارج معادلات النفوذ.

سادسا: أي شعارات كالقدس إسلامية أو عربية أو يهودية لا أؤمن بها، فالمدينة (لأصحابها) من العرب واليهود ، واحتكار الحق فيها دينيا سيُرد عليه أيضا دينيا، ولو تاريخيا سيُرد عليه أيضا بالتاريخ ، وكما أن المسلمين يقولون فتحها عمر وحررها صلاح الدين، يقول الإسرائيليون ملكها داوود من نسل إبراهيم (إبرام) وبني فيها سليمان المعبد اليهودي (الهيكل)، أي للإسرائيليين تاريخ أقدم من المسلمين..والصحيح أن المدينة لأهلها ومنازلها مسجلة بعقود لأصحابها وتهجيرهم منها سطو مسلح مع سبق الإصرار.

المدينة لم تُعرف بالقدس عند العرب إلا متأخرا وسبق أن قلت ذلك في أبحاثي عن الأقصى منذ أعوام، هي كانت تسمى إيلياء، واليهود سموها (بيت همقداش) فتم تعريب الاسم إلى بيت المقدس وبدأ ينتشر منذ القرن الرابع الهجري..قديما كان غير موجود.

سابعا: القدس لها أهمية ليست فقط دينية وسياسية، بل من الناحية الجغرافية تمثل عصب أراضي فلسطين وإسرائيل معا، كل الطرق إليها، وهي من (أعلى) المناطق في فلسطين بها جبل الزيتون الشهير، والسيطرة عليها لشعب دون آخر يعني مقدمة لعزل كل الشعوب الأخرى أسفل الهضبة.

ثامنا: ضم القدس لإسرائيل يعني إصدار جوازات سفر وهويات إسرائيلية لعرب الشرق والشمال، وكذلك كشوف انتخاب في الكنيست وتأمين صحي وضرائب وعقود عمل..وهذا غير متاح حاليا، ترامب اتفق مع نتنياهو بامتصاص غضب المسلمين مرحليا ثم البدء بإصدار هذه الكشوف لاحقا لتصبح المدينة بالكامل إسرائيلية بسلطة الأمر الواقع.

تاسعا: إسرائيل تستغل فقر الأحياء الشرقية والبلدة القديمة بمساومة العمال الفلسطينيين بالجنسية أحيانا أو بالتهوّد أحيانا أخرى، ويحصل هذا في حين ينشغل العرب بالصراع الأحمق بين السنة والشيعة.

عاشرا وأخيرا: القدس قضية أخلاق وسياسة قبل أن تكون دين، ومن يتناولها بأسلوب ديني سيختلط عليه الأمر ولن يصل إلى شئ، هناك شعب يتعرض للاضطهاد وبخس حقوقه المشروعة، والعارف بأساليب الاحتلال التوسعي هذه طريقته في التمدد والانتشار، ولولا أن العالم ثار على الاستعمار لرأينا قدسا آخر في كل بلد مسلم..

باختصار: إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي بقت من عصر الاستعمار واكتسبت كل أدواته ، ومعارضتها لا علاقة له بحقوق يهود أو عرب في فلسطين..بل بطريقة نشأة الدولة وتوسعها الذي يحدث كل ساعة ، وحقيقة أستغرب موقف بعض الملحدين الذين يقولون اتركوا القدس لليهود لأن أجدادهم قالوا نفس المعنى اتركوا سيناء لهم..فهم من تاهوا في صحرائها وعبدوا العِجل ونزل على نبيهم الألواح..يعني نصرة رأي ديني على آخر..بينما القضية في المجمل سياسية.

اجمالي القراءات 8371