القاموس القرآنى ( صدق ): ( 3 ) فى التعامل

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٧ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى ( صدق ): ( 3)  فى التعامل

مقدمة : هنا يأتى الكذب مقابل الصدق ، سواء كان صدقا فى القول أو صدقا فى الاعتقاد والايمان . ونعطى بعض التفصيلات

أولا : تعامل الله جل وعلا مع الناس: هنا الصدق مقابل الكذب أى الكفر .

1 ـ عن الاختبار فى هذه الحياة الدنيا له أنواع منها إختبار من يؤمن ، هل يصمد إيمانه عند إختبار أو إبتلاء المنحة والمحنة أو النعمة والنقمة أم لا ؟ هل يصبر ويشكر أم يخسر ويكفر . هنا يتبين الصادقون من الكاذبين ، يقول جل وعلا : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)  وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)العنكبوت:3 ). 

2 ـ ويوم الحساب سيسأل الله جل وعلا الصادقين عن مدى صدقهم وقد أعدّ للكافرين ( الكاذبين ) عذابا أليما ، قال جل وعلا :  (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً)الأحزاب:8 ). 

ثانيا : فى حكم الناس على الناس فى موضوع الصدق والكذب :

1 ـ الصدق أو الكذب فى موضوع الرسالة ، مثل قول مؤمن آل فرعون مدافعا عن موسى معارضا لقتله : (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) غافر:28 ). هذا الأمير المؤمن من آل فرعون يتكلم بدهاء ؛ قائلا عن موسى إن كان كاذبا فسيحيق به كذبه ، وإن كان صادقا فسيحل بكم ما أنذركم به .

2 ـ كان المنافقون يعتذرون بأعذار شتى مشفوعة بالحلف كذبا حتى لا يخرجوا للقتال دفاعا عن المدينة . وكان النبى يصدقهم دون أن يستوثق إن كانوا صادقين أو كاذبين ، لذا عاتبه ربه جل وعلا فقال : (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ )التوبة:43 ).

3 ـ فى قصة يوسف الغنية بمواقفها والمؤامرات فيها نجد متنوعات من الكذب والصدق :

3 / 1 : أخوة يوسف تآمروا عليه وألقوه فى الجُبّ حيّا ورجعوا لأبيهم يقولون له كذبا : (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) يوسف:17). زعموا الصدق وهم كاذبون . وهذا فى بداية القصة . فى نهايتها حين إحتجز يوسف أخاه بتهمة السرقة تداول أخوة يوسف الأمر ، فقال كبيرهم : (قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) يوسف:82 ).هنا قال (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) وصد ق فعلا .

3 / 2 :إحتال يوسف فى إحتجاز أخيه . واضح أنه كان الأخ الشقيق ليوسف ، لأنهم كانوا يسيئون معاملته ولأنهم كانوا يصفونه بأخ يوسف (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ )(77) يوسف ). حين جاء أخوة يوسف من أبيه ومعهم شقيقه بادر يوسف بأن إختلى بشقيقه وعرّفه بنفسه وقام بمواساته: ( وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)) ثم قام بتلفيق تهمة السرقة لشقيقه ـ وهذا بعلم الشقيق ـ حتى يحتجزه .وطبقا للشرع السائد فى مصر فإن السارق يعاقب بالاسترقاق ، وبهذا إحتجز أخاه : ( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ (79) يوسف ). يلفت النظر هنا أن يوسف قال لهم (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ) ولم يقل ( نأخذ من سرق ) لأن أخاه لم يسرق . والرجل التابع ليوسف  اتهمهم بالسرقة قائلا (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)، لم يكن إتهاما مؤكدا بل هو زعم قد يخطىء وقد يصيب لذا قال : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ).

3 / 3 : كذبت إمرة العزيز حين اتهمت يوسف بأنه راودها عن نفسها فى قولها لزوجها : (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) يوسف ) وصدق يوسف حين قال : ( هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ) .وأقيمت محكمة للفصل فى الموضوع كان القاضى فيها رجل من أهل الزوجة : (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ  (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ)يوسف 26:27 ) واتضحت الحقيقة : صدق يوسف وكذبها: (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ (29) يوسف) . وتندرت نساء المجتمع المخملى المترف فى مصر على إمرأة العزيز كيف يصل بها الحال الى التحرش بعبد من عبيدها ، فإستدعتهن الى حفل ، وأدخلت يوسف عليهن فانبهرن بوسامته الى درجة أنهن لم يشعرن بالسكين تُدمى ايديهن  : (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) يوسف ) عندها إعترفت أمامهن بأنها فعلا راودته عن نفسه وخيرته بين إغتصابه أو السجن فإختار السجن :(قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) يوسف ). فيما بعد قرر الملك إطلاق سراح يوسف من السجن فأصرّ يوسف أن تظهر براءته أولا . وحقّق الملك بنفسه فى الموضوع ، وسأل النسوة : (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ)يوسف:51 ). هنا إعترفت إمرأة العزيز بالحق وبصدق يوسف .

4 ـ وبمناسبة ما نسميه ب ( الخيانة  الزوجية ) فلو ضبط زوج زوجته فى وضع الزنا ولم يتيسر له شهود ، وصمم على إتهامها بالزنا أى تطبيق عقوبة الزنا عليها بالجلد فهنا تكون ( الملاعنة ). قال جل وعلا : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ)النور:6 ) ، (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ)النور:9 ). المستفاد أن كلاهما يزعم نفسه صادقا ويتهم غيره بالكذب .

5 ـ ونتذكر قول سليمان عليه السلام للهدهد بعد أن أخبره عن ملكة سبأ : (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) النمل:27 ). فى كل ما سبق تداول بين الصدق والكذب.

ثالثا : الصدق فى القول وفى الوعد

1 ـ على عكس المحمديين المشهورين بالكذب وعدم الوفاء بالعهود ففى الاسلام نرى المؤمن الصادق هو الذى يصدق فى وعده وعهده فى التعامل مع الناس ، فمن صفات المؤمنين المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)المؤمنون) ومن الوصايا العشر: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) الانعام ) وتكررت الأوامر بهذا فى قوله جل وعلا :(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) النحل)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1)المائدة) (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) الاسراء ).

2 ـ ولم يذكر رب العزة جل وعلا قصص كل الأنبياء ( النساء 164 ، غافر 78) وفى القصص المذكور عنهم لم تأت كل التفصيلات. ومما جاء فى مدح اسماعيل عليه السلام قوله جل وعلا عنه : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) مريم :54 ). ويوسف وهو فى السجن إنبهر رفاقه بصدقه فأطلقوا عليه لقب ( صديق ) أى الملازم للصدق ، وبهذا خوطب فقيل له : (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا ) يوسف:46 )

رابعا : الصديق من الأصحاب

1 ـ والصديق هو الصاحب الصادق فى محبته ، وبهذا يكون التعامل معه كأحد الأقارب  يجوز الأكل عنده ، قال جل وعلا : (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ) النور:61 ) .

2 ـ وهناك صاحب فقط ، أى يصحبك فى نفس الزمان والمكان ، وقد لا يكون عدوا ولا صديقا ، مجرد أن تتواجدا معا فى مكان واحد وفى زمان واحد ، كأن تلتقى بشخص فى غرفة أو فى مصعد ، أو فى (غار ) مثل صاحب النبى ، وقد وصفه رب العزة جل وعلا بالصاحب ولم يصفه بالصديق تناقضا مما قاله المحمديون عن ( أبى بكر الصّدّيق )، وهو خلال تاريخه المعروف أول من ارتكب الخطيئة الكبرى وهى الفتوحات . قال جل وعلا عن النبى وهو قد إختفى فى الغار من الذين كانوا يطاردونه:(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) لم يقل جل وعلا ( إذ يقول لصديقه ) لأنه لم يكن صديقه ، كان مجرد صاحب . القائل هو الله جل وعلا الذى يعلم السرائر وما تخفى الصدور ، لو كان هذا الصاحب يحب النبى فعلا وصادقا فى محبته لقال ( إذ يقول لصديقه ) . ولأنه لم يكن صديقه صادقا معه وصادقا فى محبّته فإن الله جل وعلا تكلم عن النبى فقط  دون صاحبه فقال :( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) (40) التوبة ). لم يقل (عليهما ) ( وأيدهما ).

3 ـ وهناك أصحاب ـ فى نفس الزمان والمكان وهم خصوم فى الدين ، فقد كان النبى محمد عليه السلام صاحبا لخصومه الكفار من قريش ، وقد صحبوه قبل ان ينزل عليه القرآن فلمسوا صدقه وأمانته ، فلما نزل عليه القرآن إتهموه بالجنون ، فقال جل وعلا يخاطبهم مدافعا عن رسوله مذكّرا لهم بصحبتهم له وبصحبته لهم : (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ) (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2)النجم)( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) التكوير)

4 ـ وقد تجتمع الصحبة مع الصداقة فيكون الصاحب صديقا وقرينا وخليلا . والويل لو إستغل أحدهما هذا فى إضلال الآخر،سيكون ندمه هائلا يوم القيامة،قال جل وعلا:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29)الفرقان )

5 ـ وكانت أمام النبى محمد أن يكون خليلا للكافرين من قومه ، وقد كانوا يداهنونه خداعا ، وحذره ربه جل وعلا فقال:(فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) القلم) . وبهذه المداهنة وذلك المكر كادوا أن يفتنوه بأن يفترى حديثا غير القرآن الكريم ، ولو كان له حديث خارج القرآن لاتخذوه خليلا . قال جل وعلا :(وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73)الاسراء). فالخليل فى التعامل بين البشر هو الحبيب الصديق ، أو هو ( الصديق الحميم ) . 

6 ـ والأخلّاء الكافرون المشركون فى الدنيا سيكونون أعداء لبعضهم يوم القيامة. الاخلاء المؤمنون فى الدنيا سيكونون أخلاء أيضا يوم القيامة.قال جل وعلا : (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (67) الزخرف). الكافرون قلبيا وسلوكيا سيتحولون الى أعداء يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض . كانوا فى الدنيا اصدقاء تجمعهم المودة فى الموالد والأعياد الدينية ثم ينقلب حالهم فى الآخرة . هذا ما قاله ابراهيم عليه السلام لقومه : (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) العنكبوت ). هذا بينما يختلف الوضع مع المتقين ، قد تكون بينهم عداوة فى الدنيا ، ولكن تنقلب الى محبة وهم فى الجنة ، قال جل وعلا (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) الحجر). هذا بينما يصرخ أهل النار : (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) الشعراء:101 ) . لذا ينذرنا ربنا جل وعلا من هذا اليوم : ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) غافر ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 5287