لمن هو إسلام ٱلمسلمين؟

سمير حسن في الأربعاء ٠٩ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

يظنّ ٱلمسلمون أنّ ٱلقول ٱلعربىّ: "إنَّ ﭐلدِّين عِندَ ﭐللّهِ ﭐلإسلامُ" يدلّ على ما يظنون به من دين. وهم فى ظنونهم وجهلهم يظنون أنّ ٱللّه ٱختارهم ليكونوا خير أمّة أخرجت للناس. وبهذا ٱلظّنِّ يجعلون من ٱللّه إلٰه جاهلين وكأن ٱسم جاهل من أبرز أسمآئه ٱلحسنى!. وهم لا يرون فى ٱلدين إلا ما رأـه ٱلسّلف ٱلميّت بما ٱمتلك كلّ منهم من علم وهو حىّ. فلا يسألون فيه ولا يقبلون لحىٍّ قولا مجددا بما ٱمتلك من علم.
أما ٱللّه فيقول عن نفسه:
"يَسئَله مَن فى ٱلسَّمٰوٰت وٱلأرض كلّ يومٍ هو فى شَأنٍ" 29 ٱلرّحمٰن.
مبيّنًا للذين يتفكرون ويعلمون أنّ للسؤال جوابا متغيرا يتجدد كلّ يوم. أمّا ٱلمسلمون فيتمسكون بماۤ أجاب عليه أسلافهم ٱلموتى. فما قاله ءابآؤهم ٱلموتى (ٱبن برزويه ٱلبخارى وٱبن قيّم ٱلجوزية وٱبن تيميّة وٱبن كثير وٱلقرطبىّ وغيرهم من ٱلسّلف) يقوله ٱليوم كاهن ٱلمسلمين يوسف ٱلقرضاوى وكهنة ٱلأزهر وقم وكربلآء وغيرهم من ٱلكهنة ٱلأحيآء. فٱلشأن عندهم ثابت عند أقوال ءابآئهم لا يتغيّر ولا يتجدد. ومن يطلب جديدا يقومون عليه يسبّوه ويقتلوه بتهمة ٱرتداد عن ٱلدين ٱلذى يظنون.
فى كتاب ٱللّه "ٱلقرءان" أوامر كثيرة توجّه ٱلإنسان ٱلفرد وليس ٱلجماعة إلى سبيل ٱلسؤال وٱلفكر وٱلنّظر وٱلبحث وٱلعلم. وتحثّه على ٱلقرء وٱلسير فى ٱلأرض وٱلنظر كيف بدا ٱلخلق وعلى ٱلحنف عن أمّة ٱلأبآء وٱلامتناع عن ٱلالتفات إليهم وعن طاعة ٱلوالدين ٱلَّذَينِ يظنان. وتحذّره من ٱلوقوع فى حبآئل ٱلشّرك إن ٱلتفت ومن ٱلتخلف وٱلضعف إن ٱمتنع عن ٱلسير فى ٱلأرض وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق. وجآء فى كتاب ٱللّه تحديدا لمنهاج يتبعه فى سيره ونظره هو منهاج إبراهيم (أمّته وملّته). وبيّن له سفاهة مَن يرغب عن ذلك ٱلمنهاج:
"وَمَن يَرغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبرٰهِمَ إِلاّ مَن سَفِهَ نَفسَهُ وَلَقَدِ ٱصطَفَينَٰهُ فِى ٱلدُّنيَا وَإِنَّهُ فِى ٱلأَخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ(130) إِذ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسلِم قَالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ ﭐلعَـٰلَمِينَ(131) وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبرَٰهِمُ بَنِيهِ وَيَعقُوبُ يَـٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصطَفَىٰ لَكُم ٱلدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ(132)" ٱلبقرة.
فمِلَّةُ إبرٰهِم هى منهاج ٱلأمة ٱلتى تحنف ولا تشرك ولا تلتفت بفعل ٱلسؤال ٱلمستمرّ وٱلسَّير فى ٱلأرض للنَّظر كيف بدأ ٱلخلق وٱلوصول إلى جواب يطمئنّ له قلب ٱلسآئل. فٱلّذى يرغب عن ذلك ٱلمنهاج جاهل يتجاوزه ٱلمصطفون فيكون قردًا يحيا ذليلا مهانا بسبب ضعفه ٱلناجم عن جهله وخنزيرًا بسبب غلافة قلبه وقساوته.
إبراهيم هو ٱلمسلم لرّبِّ ٱلعالمين وهو ٱلمصطفى بفعل ٱلسُّؤال وٱلنظر وٱلاختبار وٱلاطمئنان. وفعل ٱلاصطفاۤء جعله يرقى بأمته علىۤ أمّة قومه ٱلوثنيّة كما جعله أبًا للمسلمين ٱلذين يوجهون وجوههم للذى فطر ٱلسّمٰوٰت وٱلأرض ولا يوثنون على ما قاله ءابآؤهم.
لقد حاول قوم إبراهيم شدَّه ومنعه من ٱلسؤال بقول "ربِّه" له "أسلم" طالبا منه ٱلإسلام لدين قومه ٱلوثنيين (ٱلمقيمون على مفهوم لا يتغير). وكان ردّ إبراهيم على طلب ربّه بقوله له "أسلمت لربّ ٱلعـٰلمين" مبينًا له ٱلحنف وٱلامتناع عن وثنية قومه فى علمه بمسألة ٱلشأن ٱلمتجدد كلّ يوم.
وفى ردّ إبراهيم بيانُ لونين من ٱلإسلام. إسلام لأمة ٱلأَبآء ٱلوثنية كأمّة قوم إبراهيم وكما هى أمّة ٱلمسلمين ٱليوم. وإسلام لربِّ ٱلعالمين كإسلام إبراهيم للذى فطر ٱلسّمٰوٰت وٱلأرض وكما هو إسلام علمآء ٱلحقِّ (ٱلفيزيآء وٱلبيولوجيا وٱلرّقميات وٱلمقدار) فى كلِّ وقت. فٱلإسلام للّه ربّ ٱلعالمين هو إسلام لدين ٱلحقِّ ٱلذى يبينه ٱلقول ٱلانكليزىّ substantive law (ناموس ٱلحقِّ) وإسلام لدين ٱلفطرة ٱلذى يبينه ٱلقول ٱلانكليزىّ natural law (ناموس الفطرة). (كلمة "ناموس" ٱلعبريّة أتى فى ٱلقرءان أحسن منها فى كلمة "دين"). فٱلإسلام لونان فى كلِّ وقتٍ. وإسلام إبراهيم هو ٱلمصطفىۤ وهو ٱلدين عند ٱللّه. وإسلامه ٱلسآئل وٱلساعى بحثا عن جواب هو ٱلذى جعله "أمامًا للنَّاس":
"قال إِنِّى جاعِلُكَ لِلنَّاس إِمَامًا قال ومِن ذُرّيَّتِى قال لا ينالُ عهدى ٱلظَّـٰٰلمين" 124 ٱلبقرة.
وخير أمّة أخرجت للناس هى أمّة إبراهيم:
"إنَّ إبرٰهِيمَ كان أمّةً قانتًا لِّلّّه حنيفًا ولم يكن من ٱلمشركين"120 ٱلنّحل.
إبراهيم كفرد وليس كجماعة "كان أمّة". فكلمة "أمّة" لا تدلّ على قوم كما تظن ٱللغة ٱلفصحى. بل تدلّ على منهاجٍ لسلوك ٱلفرد ومعارفه وخبراته. وللأمّة وجهتان. أمَّة وثنيّة مستقرّة على مفاهيمها لا تقبل ولا تسمح بتغييرٍ ولا بسؤال. وأمَّة تسأل فتعلم وتحنف عن مفاهيمها ومواقفها بفعل ٱلسؤال وٱلسعى ورآء جواب. وهى أمّة ٱلإنسان ٱلفرد ٱلّذى ينظر ويسأل ويبحث ويدرس ويقرأ ويطلب ٱلاطمئنان لقلبه مثل إبراهيم. وهو بأمّته ٱلسآئلة يسير فى سبيل ٱلتطورٍ وٱلتغيّرٍ وٱلعلوٍّ. أمّا ٱلّذى لا ينظر ولا يسأل ولا يبحث ولا يدرس ولا يقرأ ولا يطلب ٱلاطمئنان لقلبه فإنّ أمَّّتَهُ تجعل عيشه ذليلا مهانا ويُنسب إليها بٱلاسم "أمّىّ". ويدلّنا علىۤ أتباع هٰذه ٱلأمّة قول أصحابها كما يبيّنه ٱلبلاغ ٱلعربىّ:
"بَل قَالُوۤا إِنَّا وَجَدنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰۤ أُمَّةٍ وإِنَّا عَلَىٰۤ ءَاثـٰرِهِم مُّهتَدُونَ" 22 الزخرف.
قولهم يدلّ علىۤ أنّهم أُمِّيُّون لا يدرون وأنّهم يعيشون وفق منهاجٍ وثنىِّ ثابت لا يتغير.
لقد بين ٱلبلاغ أنّ إبراهيم هو إمام للناس. ومَن يجعل من إبراهيم إمامه يكون من ٱلمسلمين لرّبِّ ٱلعالمين وهم ٱلّذين يسيرون فى ٱلأرض ينظرون كيف بدأ ٱلخلق كما فعل عبد ٱللّه تشارلز دارون وكما يفعل عباد ٱللّه من علمآء ٱلفيزيآء وٱلبيولوجيا وٱلمقدار وٱلرّقميات.
أمّا إسلام قوم إبراهيم ٱلذى بيّنه قول ربِّه له "أسلم" فهو إسلام للظنون يقطع على تابعه ٱلسؤال ويمنع عنه ٱلجواب. وبإسلامه وعبادته للأمر يسفِّه نفسه لأنّه أسلم وعَبَدَ أمّة ٱلأَبآء ٱلميِّتة. ومثله هو إسلام وعبادة ٱلمسلمين ٱلبخاريين وٱلجعفريين ٱليوم. فهم يسلمون ويعبدون أمّة ءابآئهم ٱلسّلف ويشركونهم بٱللَّه بسبب ٱلظَّن أنَّ ٱلشأن باقٍ لا يتبدَّل ولا يتغيَّر. يظنون أنَّ قول ءابآئهم ٱلموتى كقول ٱلحىِّ ٱلقيوم. ومن تكون هٰذه أمَّته يظلم نفسه ويسفّهها فيتجاوز عنه ٱلمصطفون بتواصل ٱلسؤال عن ٱلشأن وبتواصل ٱلبحث عن جواب وشأنٍ جديدين.
لقد فصل ٱلمسلمون أنفسهم عن سنّة تطور ٱلشأن بقوة جهلهم وسفاهتهم. وهم ٱليوم حجر عثرة فى سبيل ٱللّه يقعدون للمؤمنين فى كلِّ صراط.
قلت فى كتابىۤ "أنبآء ٱلقرءان تستقرّ فى محراب ٱلفيزيآء" أنّ ٱلأمّة لونان. أمّة ٱلأبآء وهى أمّة مات أصحابها ومن يتبعهم يكفر ويعتدى بظنه حماية للدِّين. وأمّة إبراهيم وهى أمّة ٱلسّآئلين وٱلناظرين بحثا عن ٱلجواب فى ٱلدِّين وهم أحيآء. وخير أمّة أخرجت للناس هى أمّة أحيآء يسألون عن ٱلشأن فى كلّ يوم.
وقلت فيه أنّ أتباع أمّة ٱلأبآء وثنيون يكفرون ويعتدون علىۤ أتباع أمّة ٱلسآئلين فيضطرون على قتالهم ودفع عدوانهم:
"فَقَـٰتِلُوۤا أَئِمَّةَ ٱلكفرِ إِنَّهم لآ أَيمَـٰنَ لهم" 12 ٱلتوبة.
فٱلأمّة ٱلتى تهدى بأمر ٱللّه هى خير أمّة أخرجت للناس. فهى تهدى للسير فى ٱلأرض وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق. ومنها أئمّة يهدون إلى عبادة أمر ٱللّه وٱلسؤال عن ٱلشأن:
"وجعلنَـٰهم أَئِمَّةً يَهدونَ بأمرِنا" 73 ٱلأنبياء.
ومن ٱلنَّاس من يتبع ويقتدىۤ أَئِمة ٱلكفر. ومنهم من يتبع ويقتدىۤ أئِمة ٱلهداية بأمر ٱللّه. وبهٰذا يُدعى ٱلنّاس يوم ٱلحساب:
"يومَ نَدعُوا كُلَّ أُناس بإمَـٰمِهم" 70 ٱلإسرآء.
وإمام ٱلمسلمين هو ٱليوم كاهن مجنون لا يسأل ولا يسعىۤ إلى جواب. كما يفتى بقتل كلّ سآئل فيهلل له عبيد سفهآء جاهلون.

اجمالي القراءات 6822