الغل في الطاغوت
الغل في الطاغوت

أسامة قفيشة في الخميس ١٩ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الغل في الطاغوت

في الطاغوت الذي نكفر به قالوا في قول الله جل وعلا ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ) بأن الغل هو سرقة الغنائم في الحرب , أتدرون لما هذا القول !

لأنهم ببساطة هذا هو همهم و هذا ما يطمحون إليه , فهو مسعاهم و مبتغاهم , فلا عجب بأن يتهموا نبيهم و يتطاولوا عليه بألسنتهم التي تقطر سُمّاً , و يقولوا بأنه عليه السلام قد أخذ شيئاً من الغنائم في معركة بدر لنفسه من وراء ظهورهم , أي بشكلٍ أوضح قد سرقها لنفسه , لأنهم أوباش و حثالة لم يجرؤوا على تسميت هذا الفعل بالوصف الصريح , فقالوا لعله أخذها لنفسه ,

إذا هو اتهام صريح لرسول الله عليه السلام بأنه قد سرق , لأن هذا الفعل هو في حد ذاته سرقه , و لكنهم أرادوا من تخفيف حدةِ الكلمة و لكن القصد واحد و واضح و مفهوم ,

و قالوا بأن الغل هو الخيانة , فالغل هو السرقة من تلك الغنائم , فمن غل فهو خائنٌ لأصحابه الذين يقاتلون معه , فقالوا بأن تلك الآية نزلت لتبرئ النبي من هذا الفعل ,

و لأنهم يحاولون التجميل دون المعالجة الحقيقية , ذهب بعضهم بتغير و تبديل تشكيل الكلمة مغيراً للفظها , محتجاً بذلك لخدعة القراءات المختلفة للقرآن الكريم ,

أما مفهوم الغل في الذكر الحكيم فلا علاقة له بالسرقة أو بالخيانة , فلنلقي نظرة على مفهومه :

يأتي الغل بمفهومين اثنين , الأول يراد به الجانب المادي , و الثاني يراد به الجانب المعنوي .

الجانب المادي :

يقتصر هذا على الإنفاق المالي , و لذا تم ربطه بمفردة اليد , و هو يرمز و يشير إلى البخل و الشح , و هذا مستنتج من قوله جل وعلا ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ) 29 الإسراء ,

و قوله سبحانه و تعالى ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) 64 المائدة .

الجانب المعنوي :

 يقتصر هذا على الشعور الداخلي , فهو شيء معنوي غير ملموس , و لذا تم ربطه بمفردة القلب , و هو شعورٌ سيء يشير لأمرٍ داخليٍ سيء خفي لا يعلمه إلا صاحبه , فهو دفينٌ في سريرة المرء أي في قلبه , فهو غلظةٌ في القلب تجعل صاحبها فظاً , فهذا الشعور الدفين ينعكس سلوكاً سلبياً في التعامل بين البشر و هو ليس بالحقد أو الكره و لكنه يقتصر على غلظةٍ في القلب تجعلك فظاً , و الآيات التي نستنتج منها هذا المراد هي :

قوله جل وعلا ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) 10 الحشر ,

هنا نلاحظ دعوة المؤمنين لربهم بأن لا يجعل في قلوبهم هذا الغل تجاه المؤمنين على حدٍ سواء , و لكون هذا الغل كما قلنا هو غلظة في القلب تجعلك فظا في كلامك أو تعاملك مع الناس , عكس التعامل معهم برأفة و رحمه , لذا كان هذا الطلب من الله جل وعلا بأن لا يجعل هذا الغل في قلوبهم و يبدله برأفةٍ و رحمةٍ من عنده لأنه هو الرءوف الرحيم ,

أما عن حال المؤمنين يوم القيامة فيما يخص غل القلوب , فقد وردنا في موضعين , الأول في قوله جل وعلا (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) 47 الحجر ,

و الثاني في قوله سبحانه (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) 43 الأعراف ,

من هنا نقول بأن جميع المؤمنين على حدٍ سواء يتواجد في قلوبهم هذا الغل , و بطبيعة الحال يتفاوتون فيه , فاقتضى يوم القيامة بأن ينزع الله جل وعلا هذا الغل من قلوبهم قبيل دخولهم الجنة , فلا يتبقى منه أي ذره في قلوبهم ,

فعلى ما سلف ذكره يتبين لنا قوله جل و علا (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) 161 آل عمران ,

نتبيّن بأن جميع الأنبياء من صفاتهم عليهم السلام الرأفة و الرحمة تجاه المؤمنين , فلا يتواجد هذا الغل في قلوبهم تجاه المؤمنين أي لا مكان للغلظة في قلوبهم , و هذا من خلال النفي القاطع الوارد في ( و ما كان لنبيّ ) ,

أما المؤمنين و باقي البشر فكما علمنا في الموضعين السابقين بأن هناك تواجد للغل في قلوبهم , و قلنا بأنهم متفاوتون فيه , فقوله سبحانه ( و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون ) تعود على باقي البشر دون الأنبياء ,

فهذا الغل المتواجد في سرائرهم سيكشف عنه يوم القيامة ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) 9 الطارق , و سيحاسب الجميع حتى على ما كانت تخفيه قلوبهم , و هذا هو العدل المطلق , لا ظلم فيه أبداً , سيحاسب المرء على كل صغيره و كبيره , و يأخذ كل ذو حقٍ حقه ,

و للتأكيد على أن الغل هو غلظةٌ في القلب تجعل صاحبها فظاً في القول و التعامل تجاه الآخرين , فهذا مستخلص من تدبر الآيات التي سبقت الآية 161 آل عمران , و التي جاء فيها :

( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) 159-160 آل عمران ,

فأي مفهوم أحق أن يتبع مفهوم الذكر الحكيم أم مفهومات الطاغوت ؟

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 7772