البيّنة
ما هي ( البيّنة )

أسامة قفيشة في الثلاثاء ١٠ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

البيّنة

البيّن هو الشيء الواضح و الصريح الذي لا شك فيه و المكتمل الغير منقوص .

من المعروف للجميع بأن كلام الله جل وعلا في سائر رسالاته هو كلامٌ مبين , و آياته مبينات , و هذا واضح و مستنتج من آيات القرآن الكريم , و من المعروف أيضاً بأن رسالاته السابقة قد تعرضت للتحريف و الحذف و التبديل , عكس رسالته الخاتمة و هي القرآن الذي تعهد الله جل وعلا بحفظه نصاً و حرفاً ,

و من المعروف أن من البشر من كفر بتلك الرسالات و لا يزالون يكفرون برسالته الأخيرة , و منهم من آمن بتلك الرسالات دون شرك , و منهم من آمن بها و لكنه أشرك معها أو بها كلاماً أو حديتاً آخر , هذا الإشراك بآيات الله جل وعلا كان كفيلاً بحرف تلك الآيات و تحريفها , ثم تحويلها من آيات بينّات إلى آيات غير بيّنات أي غير صريحات و يعتريها الشك و النقصان .

في سابق العهد كان الشرك في تلك الرسالات يتمثل بالحذف و الزيادة أي بتحريف النص الإلهي , أما في ختام العهد فكان الشرك في خاتمة الرسالات و هي رسالة القرآن كونه محفوظ من التلاعب في نصه , فجاء الشرك هنا متمثلاً في تأليف كتب الأحاديث و جعلها أعلى درجةً من القرآن ذاته و التبرير في هذا كان بالقول أن آيات الله جل وعلا في كتابه بحاجة لتفسير و بأن القرآن الكريم لم يتطرق لكل الأمور الدينية و هذا اتهام صريح للقرآن الكريم بأن فيه نقص , ليس هذا فحسب بل قاموا أيضاً بإلغاء و إسقاط بعض آياته باختراع الناسخ و المنسوخ .

فمن هنا نستنتج بأن كل رسالة سماوية هي في حد ذاتها كاملة و مكتملة غير منقوصة و لا شك يعتريها , هذه الرسالة السماوية هي ( البيّنة ) , فإن تم الإشراك بها لم تعد بالبيّنة ,

جميع الكتب السماوية السابقة لم تعد بالبيّنة ,

و لمن يشرك كتب الأحاديث بالقرآن الكريم لن تعد آياته بالبيّنة لهذا المشرك ,

هذا المشرك بالمصدر السماوي الأساس لا بد له بأن يعلم هذا الأمر يوم الحساب , حين تتلى على مسامعه تلك البيّنة , فيعلم حينها بأنه كان مشركاً بها في الدنيا ,

فالبيّنة هي الكتاب السماوي الأساس في كل الرسالات فهي كل كتاب سماوي , و قد ورد هذا المصطلح ( البيّنة ) مرتان فقط في القرآن الكريم , و في نفس السورة و التي سُميت بسورة البيّنة ,

فلنتدبر مفهوم البيّنة كما وردنا في آيات سورة البيّنة الثمانية و لنرى بأن تلك الآيات تتحدث عن يوم القيامة :

الآية الأولى ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) :

أي سيكون الجميع من السابقين و اللاحقين من الكافرين و معهم المشركين ( بما فيهم من أشرك بالقرآن ) في تلك اللحظة مجتمعين لا شيء يفرقهم عن المؤمنين , و لا شيء يفصل بينهم إلى أن تأتيهم تلك البيّنة .

الآية الثانية ( رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ) :

كل قومِ من الأقوام يأتيه هذا الرسول و يتلو على مسامعهم تلك البيّنة ( كتابهم السماوي الحق ) , هذا الرسول قد يكون هو نفسه الرسول البشري الذي كُلف بتلك الرسالة في الدنيا , و قد يكون ملكاً من الملائكة المقربين , و قد يكون الروح الأمين ( جبريل ) الذي كان مكلفاً في إيصال تلك البيّنة و حملها للرسول البشري في الحياة الدنيا ,

هذا الرسول أياً كان من بين تلك الاحتمالات سيتلو تلك البيّنة , كما نلاحظ ورود كلمة ( مطهرة ) أي نقيّةٌ صافيةٌ كما كانت قبل التحريف أو الشرك بها , فيتم كشف ما لحق بها من زور و بهتان و تطهيرها من كل رجس أصابها .

الآية الثالثة ( فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) :

هذه البيّنة ( الكتاب السماوي الحق ) كل ما كتب فيه من أوامر إلهية دينية هو شأنٌ قيّم و دينٌ قيّم , و سيأتينا توضيح تلك القيمة و الهدف من تلك الرسالات جميعاً في الآية الخامسة .

الآية الرابعة ( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) :

هنا نلاحظ أن الناس كانوا مجتمعين قبل قيام الرسول بتلاوة البيّنة عليهم و هي الكتاب السماوي الحقيقي الذي أرسل إليهم , فنلاحظ بأن الذين أوتوا تلك البيّنة و هذه الرسالة و اتبعوها دون تحريفٍ أو إشراكٍ بها و عملوا بموجبها القيّم و كانوا من أهل تلك البيّنة , نلاحظ تلك اللحظة كيف سيفترق أهل هذا الكتاب السماوي عن بقية الكافرين و المشركين و ينفكون عنهم , و هذا ما يؤكده قوله جل وعلا بأن من سيفترق هم أهل ذلك الكتاب و ليس الذين كفروا من أهل الكتاب أو المشركين , و هذا يدل على أن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين سيبقون مجتمعين سوياً و لن ينفكوا عن بعضهم البعض .

الآية الخامسة ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) :

هنا يأتي المعنى الحقيقي و المغزى من تلك الرسالة التي أرسلت إليهم و القيمة المستخلصة منها و من أوامرها الدينية , بأن يعبدوا الله جل وعلا وحده , مخلصين عبادتهم له وحده دون شريك فلا معبود سواه , و بأن يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فذلك هو الهدف و القيمة من جميع الرسالات السماوية بدون أي اختلاف , فهذا هو الأساس و ما دونه تفاصيل .

الآية السادسة ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) :

بعد هذا الانفكاك و الافتراق يصبح لدينا فريقين , و هذه الآية تبين لنا الفريق الأول و مصيره , فالفريق الأول مكون من الذين كفروا و الذين أشركوا , هذا الفريق هو الفريق الخاسر و مصيره نار جهنم خالداً فيها و هو متمثل في فريق الشر .

الآية السابعة ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) :

و هذه الآية تبين لنا الفريق الثاني يومها , و هو مكونٌ من جميع الذين آمنوا بتلك الرسالات السماوية بدون تحريف أو إشراك فكانت أعمالهم صالحةً بموجب تلك القيم الأساسية , فهذا الفريق هو الفريق الرابح و هو متمثل في فريق الخير .

الآية الثامنة ( جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) :

و هنا في الآية الأخيرة من سورة ( البيّنة ) نستوضح مصير الفريق الثاني و هو فريق الخير بأن مصيره جنات عدن خالداً فيها , قد رضي الله عنهم مقابل رضاهم الإرادي بإتباع دينه فعرفوا به ربهم جل وعلا و عملوا على خشيته بالغيب .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 14413