جبريل ومالك وميكال
من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن (5)

و. الشاذلي في السبت ٠٥ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

السلام عليكم

نبدأ اليوم عرض الأسماء الأعجمية الواردة في القرآن ونستهل البداية بملائكة الله عز وجل رضوان الله عليهم... ونتابع الرحلة مع مؤلف كتاب "من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن" لنرى كيف يقوم بتأصيل الأسماء واستنباط معانيها الخفية....

مع تحياتي
أستاذ/ ولاء الشاذلي


من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن
العلم الأعجمي في القرآن مفسراً القرآن
المؤلف/رؤوف أبو سعدة
******

جبريل ومالك وميكال
****

(1)
جبريل

"جبريل" علم أعجمي بلا خلاف: إنه تعريب "جبريئيل" العبرية. وهو اسم "مزجي"، مركب من شقين عبريين: جبري+ إيل.
أما الشق الأول ، جبري ، فأصلها "جبر" زيد بياء علامة على الإضافة إلي ما بعده، وتحولت حركة حرفيه الأولين - بسبب الإضافة أيضا- من كسرتين متتابعتين (جبر) ، إلي فتح فسكون (جبر).
أما معناها في العبرية فهي اسم صفة على الفاعلية من الجذر العبري "جبر" بمعنى "قوي" و"اشتد"، فهو الشديد القوي. وهذا هو أصل معنى مادة جبر في لغتنا العربية: جمد في العبرية على أصله، وفرعت منه العربية معاني تدور، إن تمعنت، على هذا الأصل نفسه، من مثل "جبر عظماً"، "جبر خاطراً" ، "جبر ناقصا" (وهذا أصل معنى علم الجبر)، ومنها أيضا "أجبره" أي قهره وغلبه وألزمه، أي كان عليه مكينا متمكنا، "تجبر عليه" أي كان عليه "جبارا". " جبر" العبرية إذن من الشدة والقوة . لهذا تستخدم العبرية الاسم "جبر" بمعنى "رجل" ، والمقصود منه تمام الرجولة ، أي الفحولة، فتجئ "جبر" بمعنى الزوج والبعل، كما تجئ بمعنى السيد الشجاع (وهي نفسها "جبار" العربية)، وتجئ أيضا بمعنى الجندي الشديد المراس في الحرب، أو البطل. وهذا كله لا يخرج باللفظ عن اصل معناه: القوة والشدة والجبروت ("جبورا" العبرية) . ويلاحظ أن الآرامية والعبرية في هذا كله - أو معظمه - سواء.

أما الشق الثاني من "جبريئيل" العبرية- الآرامية فهو "إيل" اسم الله عز وجل.
معنى "جبريئيل" إذن في العبرية- الآرامية هو "جبار الله" أي ملك الله الشديد القوي.
ولا عليك ممن يترجمون" جبريئيل" العبرية إلي الانجليزية man of God (رجل الله) ، أو soldier of God (جندي الله) ، فهؤلاء لا يتعمقون أصل المادة في اللغات السامية: الملائكة كلهم "رجال" الله وجنده، والعلمية لقب للمنعوت يميزه بصفة فيه. الصحيح أن تترجم "جبريئيل" إلي الانجليزية مثلا هكذا: of God The one mighty أي "جبار الله".

وهذا هو نعت " جبريل" عليه السلام في القرآن: الشديد القوي ذو المرة.
*****

أما مفسرو القرآن ، الذين تصدوا لتفسير اسم "جبريل"، فمنهم الماوردي (راجع تفسير القرطبي للآية 97 من سورة البقرة)، الذي وهم أن "جبريل" تعني عبد الله ، ينسبه إلي عبد الله بن عباس، وهذا لا يصح أيا كان القائل والناقل، ناهيك بحبر في رتبة ابن عباس، لأن الافتعال واضح والخطأ بين: لا مجال لاشتقاق معنى " العبد" من " جبر" العربية وما كان هذا ليفوت ابن عباس أو غير ابن عباس. أما أن "جبر" العبرية- الآرامية معناها " العبد" فلا يقول هذا إلا جاهل بهاتين اللغتين، أو عابث يخبط خبط عشواء، آمنا ألا يرد عليه أحد.

إن صحت الرواية عن ابن عباس أو غيره من أهل التفسير، فربما دسها عليه قوم من يهود لغوا في القرآن ونقل عنهم المفسرون دون تثبت. أو من يهود أبغضوا جبريل لمجرد تنزله بالقرآن على محمد صلي الله عليه وسلم، فوصمهم القرآن بالكفر (راجع الآيتين 97و98 من سورة البقرة) : ظنوا أنهم ينالون من جبريل عليه السلام حين يفسرون اسمه للمسلمين بمعنى العبد، ولم يفطنوا إلي أن العبودية لله عز وجل ليست فحسب شرفا لا يعدله شرف، وإنما هي تقرير لواقع الحال: الخلق كلهم عبيد الله، شريفهم ووضيعهم، مؤمنهم وكافرهم، وإن بطر وجحد.

على أن القرآن لم ينتظر من يفسرون له معنى اسم "جبريل" ، بل سبق فنص على معناه بالمرادف في أكثر من موضع كما ستري.

****

ورد اسم "جبريل" في القرآن ثلاث مرات فقط:
{قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ} (97) سورة البقرة
{مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} (98) سورة البقرة
{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (4) سورة التحريم.

وليس في أي منها كما تري تفسير لمعنى "جبريل".

ولكن اسم "جبريل المحذوف لدلالة السياق عليه في سورتي "النجم" و"التكوير" يظهر بمرادفه الدال على معناه في قوله عز وجل : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (10:1) سورة النجم.

وأيضا قوله تبارك وتعالي: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ*وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } (23:19) سورة التكوير.

أما " صاحبكم" في السورتين فهو محمد صلي الله عليه وسلم بلا خلاف، والذي"علمه"، أي تنزل عليه بالوحي، هو "جبريل" بلا خلاف أيضا: إنه الذي دنا فتدلي، فأوحي إلي محمد ما أوحي الله لجبريل أن يوحيه إلي عبده ورسوله محمد صلي الله عليه وسلم.

وليس أبلغ من تفسير معنى "جبريل" بأنه ذو قوة عند ذي العرش ، فهي نفسها "جبار الله" أي الجبار عند الله بتمكين الله إياه، الممكن فيما يكلف به من أمر الله، تستجيب له قوى الكون بأمر الله، وتطيعه الملائكة في أمر الله، لأنه الأمين على أمر الله، ولكنك لا تفطن إلي هذا التفسير لأن السياق يوجبه، ولا تلمح "مقصوداُ" آخر من ورائه لأن عبارة "ذي قوة عند ذي العرش" ، على متانتها، سلسة، والكلام في موضعه، غير مقحم، بل هو وصف مطابق لمن هو "شديد القوي ذو مرة" - المرة، بكسر الميم وتشديد الراء يعني" القوة" - وهو الذي استوى بالأفق الأعلى، وما أدارك ما الأفق الأعلى، وهو مع ذلك يدنو ويتدلى ، فيكون من محمد صلي الله عليه وسلم في مكة قاب قوسين أو أدني: إنه جبريل الذي رآه الصادق المصدوق في شعاب مكة يملأ الأفق بعدما جاءه بالوحي الأول في صورة إنسان، ورآه الصادق المصدوق ليلة الإسراء نزلة أخرى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} (17:13) سورة النجم.
هذا التمكين من الله عز وجل لجبريل تمكين يهولك ، ويملأ عليك أقطار نفسك، فتذهل عما سواه ، بل تهاب مجرد التفكير فيه، فتخشع النفس، ويخشع العقل، وتخشع المدارك.

ولإعجاز القرآن وجه آخر في تعريبه "جبريئيل" العبرية على "جبريل"، حين تنطقها بفتح الجيم- جبريل- وقد صحت بها قراءات: أنت تعلم من معجمك العربي أن "جبر" العربية وصف بالمصدر من "جبر" ، والوصف بالمصدر يفيد بذاته المبالغة التي في "جبار"، وتعلم من معجمك العربي أن العرب تكلموا بـ "إيل" العبرية (وتكتب أيضا " إل") علماً على الله عز وجل، كما تجد في قول الصديق رضي الله عنه حين أسمع قول مسيلمة الكذاب: هذا كلام لم يخرج من إل؛ أي ليس مصدره الله تبارك وتعالي.

(يفسر المعجم العربي لفظ الجلالة" الله" بأن أصله "الاله" ، حذفت همزته، وأدغمت لاماه. ولي تفسير آخر أرجو أن أكون مصيبا: إنه " أل" (أداة التعريف) دخلت على ضمير المفرد المذكر الغائب "هو" ، أي "الـ + هو" ، أي هو هو ، وقد صحت "الـ" عند علماء العربية بمعنى الذي. وهذا على الراجح عندي هو أصل "إل"، "إيل" العبرية، وهو نفسه معنى" يهوا" العبرية، أي الذي هو هو، أخذت من قوله عز وجل لموسى في التوراة "إهيه أشر إهيه" (الهاء فيها خاملة للوقف)، أي أنا الذي هو أنا؛ (قارن قوله عز وجل في القرآن: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} (14) سورة طـه، فهو الذي هو ، جل جلاله، يكني بها الخلق عنه مهابة وتعظيما، والله باسمه الأعظم أعلم.)

ومن هنا تدرك أن جبريل (جبر+ايل) تعني بذاتها ، عربيا، على المضاف والمضاف إليه، "جبرالله"، أي جبار الله (على ما مر بك من معنى "جبر" العربية كاسم صفة)، ولكنها مزجت، أي صارت اسما مزجيا، اتخذ وزنا نادرا في العربية هو "فعليل" (مثل عتريس) ، فكسرت جيمه. ومن ثم تكون " جبريل" ممنوعة من الصرف في كل القرآن للمزجية قبل العجمة، شأن حضرموت وأمثالها (حضرموت اسم مزجي أصله بالظاء، والمعنى "حظيرة الموت" أو "ساحة الموت" . وهو في العبرية بالصاد "حصرموت" بنفس المعنى).

فسر القرآن "جبريل" بالمرادف، كما فسرها بالتعريب. ولم يفطن إلي هذا أو ذاك من تصدوا لتفسير معنى هذا الاسم من مفسري القرآن... سلام الله على جبريل الروح الأمين، وصلوات الله وسلامه على جميع ملائكته ورسله وأنبيائه.

*******

ولا يكتمل الحديث عن جبريل الأمين إلا بالحديث عن "الروح" وقد ورد لفظ "الروح" بفتح الراء في القرآن ثلاث مرات، وورد لفظ "الروح" بضم الراء في القرآن عشرين مرة. وليست هذه كتلك، وإن اشتق اللفظان كلاهما من مادة لغوية واحدة، تدور معانيها على الحركة والخفة والانتشار.

أما "الروح" مفتوح الراء، فمن الراحة والترويح، أي الفرج وذهاب الهم والغم، وقد وردت في القرآن مرتين مضافة إلي الله عزوجل في قول يعقوب لبنيه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (87) سورة يوسف، وفسرت في الموضعين بمعني "فرج الله" وقيل بل "رحمة الله"، وليس للرحمة هنا مكان من أصل معنى اللفظ في اللغة، ولكنه تفسير بمجمل المعني المستفاد من السياق العام للآية، وقد درج على هذا كثير من المفسرين، فأقحموا على معاني المادة اللغوية في المعجم العربي "مجازات" لا داعي لها : لا شك أن فرج الله رحمة منه عز وجل، ولكنك هنا تفسر الشئ لا بماهيته وإنما بالدافع إليه. وهذا لا يصح في اللغة، إلا أن يقال لك إنه تأويل ارتآه بعض المفسرين لا أصل له من ذات مادة اللفظ، أرادوا به تقريب المعني للقارئ، وغيره كثير.

أما المرة الثالثة التي وردت فيها كلمة "الروح" مفتوحة الراء ، فهي في سورة الواقعة: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} (89:88) سورة الواقعة، وهي على أصلها بمعني الراحة والاسترواح، وإن تأولها بعض المفسرين على معنى النعمة والنعيم.

وليست كذلك "الروح" مضمومة الراء، وهي التي تعنينا هنا. "الروح" بضم الراء معناها النفس، أو ما تكون به حياة النفس. والنفس من النفس. هكذا هي في كل اللغات (قارن Psyche اليونانية وأيضا Spiritus و Anima اللاتينيتين وما اشتق منهما في اللغات الأوربية الحديثة)، لأن الروح من "الريح" أي الهواء إذا تحرك.

أما لماذا جاءت "النفس" من النفس، واشتقت "الروح" من الريح، فلأن الناس منذ أن وجدوا أدركوا أن النفس والتنفس هما علامة بدء الحياة في الحي يوم ولد، وأن انقطاعهما علامة موته حين يموت. فاستنبطوا من هذا أن الحياة هي تلك النسمة التي بها قوام الجسد، إن دخلته حيا، وإن فارقته عاد كأن لم يكن. ولكنها خفيت ودقت كما تخفي النسمة وتدق، يحس أثرها ، ولا يري شخصها. وهي تدخل أنف المولود رغم أنفه لحظة يولد، وتخرج منه رغم أنفه حين يموت، لا يملك استبقاءها، ولا يملك استرجاعها. فمن أين جاءت ، وإلي أين تذهب؟ أما الجسد الذي خلفته وراءها فقد عرفوه: رأوه يفسد بذهابها ، ثم ينحل ترابا وكأنه من التراب جبل. أما هي، فإلي أين صعدت؟ أمن العلاء جاءت وإلي العلاء تؤوب؟ فمم هي؟ بل ما هي ؟ قد كانت في الجسم هي صاحبة الأمر والفعل، وفارقته فلا حس ثم ولا كيان ولا شأن. أتكون هي عين وجوده؟ أتكون هي هو؟ بل هي ذاته، اتخذته رداء تلبست به زمنا، ثم انسلت منه!

وللروح في القرآن معنى آخر. فأنت تعلم مثلا أن الملك المنزل بالقرآن على محمد صلي الله عليه وسلم هو جبريل عليه السلام: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ} (97) سورة البقرة، كما تقرأ في مصحفك قوله تبارك وتعالي : {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} (102) سورة النحل، فتستدل من هذا على أن "روح القدس" هو جبريل بلا خلاف. وتقرأ في مصحفك أيضا قوله عز وجل : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} (193) سورة الشعراء ، فتعلم أن جبريل هو " الروح الأمين" ، أي أنه روح أو هو الروح . وهو أيضا رسول الله إلي مريم : {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} (17) سورة مريم، النافخ في التي تبتلت لله عز وجل : {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } (12) سورة التحريم.
وهو أيضا روح القدس الذي أيد الله به عيسي: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (253) سورة البقرة.

كرم الله جبريل عليه السلام بالإضافة إليه جل وعلا، كما رأيت في قوله عز وجل : {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} (17) سورة مريم، وكرمه أيضا بإفراده بالذكر مع الملائكة : {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (4) سورة المعارج، {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} (38) سورة النبأ، {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ٍ} (4) سورة القدر.

ولا يصح أن تقول في جبريل عليه السلام إنه "روح الله" ، لأن في هذا شبهة الإلحاق بالذات، وذات الله عز وجل أعظم وأجل من أن يخوض فيها بالقول ذو علم، وإنما تقولها كما قال القرآن مضافة إلي ضمير منه عز وجل، على التبعية والملك ، وأو تقول كما قال القرآن "روح من أمره" أو "روح منه".

ليست الروح إذن – في كل القرآن – هي تلك الذات المتلبسة بالجسد، فهو لا يستعمل في معنى تلك الذات إلا لفظ "النفس" ، كما تجد في قوله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (7) سورة الشمس، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا} (19) سورة الإنفطار ، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ} (42) سورة الزمر، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ} (93) سورة الأنعام، {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} (7) سورة التكوير، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} (30:27) سورة الفجر، فتقطع بأن النفس غير الجسد بدليل خطابها على حدة بعد خروجها منه، وتوقن أنها باقية بعد فنائه، لأنها تؤمر بالدخول فيه يوم النشور.

وليست الروح أيضا هي القرآن، كما فسر بعض المفسرين قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا} (52) سورة الشورى، لأن الروح ها هنا هو جبريل، وأوحينا إليك يعني أرسلنا إليك، تنسيقا على قوله عز وجل في الآية السابقة مباشرة: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ على حَكِيمٌ * وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} (52) سورة الشورى، والرسول هنا هو الملك بلا خلاف. ولكن هؤلاء المفسرين يتوسعون كما مر بك، فيأخذ عنهم أصحاب المعاجم، ويقحمون على المعجم العربي أن "الروح" مضموم الراء من معانيه "القرآن"، كما أقحموا عليه من قبل أن "الروح" مفتوح الراء من بعض معانيه "الرحمة".

أما قوله عز وجل : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} (171) سورة النساء، فتفهم منه أن عيسي عليه السلام كلمة من الله عز وجل، أي كان بكلمة منه: قال له كن؛ فكان، شأن الخلق أجمع. وأنه عليه السلام روح منه أي نفخة منه عز وجل، كنفخته في آدم أبي البشر، لآ أب لآدم ولا أم، والنفخة في اللغة والنفثة والنفس أيضا واحد، ومن هنا جاءت تسمية النفس روحا، لأنها كانت به.

أفكان النافخ جبريل عليه السلام بأمر منه عز وجل؟ قد تستظهر هذا من قوله تبارك وتعالي على لسان جبريل:
{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} (19) سورة مريم، وأسند فعل "النفخ" إلي الله عز وجل "فنفخنا فيه من روحنا" ، لأنه تبارك وتعالي هو الآمر به، لا حول ولا فعل إلا بأمره، أي هي نفخة من الملك بأمر من مالك الملك.

وتستطيع أن تنسق على هذا قوله عز وجل: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (72:71) سورة ص، فتفهم أن جبريل روح من الله عز وجل، وأن النفخة في آدم كانت به. كما كانت في عيسي عليه السلام، شأن الخلق أجمع. وربما قلت إن جبريل عليه السلام هو الملك الموكل بنفث الحياة في الأحياء بأمر الله عز وجل، كما قيل أن ميكال عليه السلام هو الملك الموكل بقبضها. هذا يفسر لك فتنة النصارى بجبريل عليه السلام، الذي أيد الله به عيسى حين صنع من الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فصار طيرا بإذن الله، كما أيده في إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الميت. ويروي بعض المفسرين أن جبريل عليه السلام ما وطئ ترابا إلا صارت فيه نسمة من حياة.

وهذا يفسر لك فتنة " السامري" بجبريل: بصر بما كان من أثره ، فقبض قبضة منه، ونبذها في مصهر الذهب الذي صنع منه العجل، صنماً ليس له من الحياة نصيب إلا هذا الخوار الذي كان فيه من أثر جبريل.

وإذا كان القرآن قد خص جبريل عليه السلام تنصيصا باسم هو "روح القدس"، "الروح الأمين" ، وبعبارة "روحنا" في قوله عز وجل "فأرسلنا إليها روحنا" ، والمعني بها جبريل بلا خلاف فلك أن تقول إن "الروح" مضمومة الراء في القرآن معناها الملك، أو ملك رفيع الرتبة في ملائكة الله عز وجل، ولا يعلم جنود ربك إلا هو، لا تستطيع أن تخص بها جبريل وحده، فالله بغيبه أعلم. وربما جاز لك أن تقول إن "الروح" مضمومة الراء في القرآن هي تسمية على المصدر من " راح" بمعنى "ذهب"، أي الذاهب في أمر الله ، فهي بمعني الرسول، تماما كما تعني لفظة "الملك".

ولكنك لا تخوض في غيب الله ، فأنت مكفوف عن استقصاء ماهية " الروح" بمقتضي قوله عز وجل : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء. سواء أكانت الروح المعنية هنا هي جبريل كما قال بعض المفسرين ، أو هي النفس المتلبسة بالجسد كما قال أكثرهم، فأنت منهي عن الخوض في هذا أو ذاك ، محجوب عنك في هذه الدنيا حقيقة هذا أو ذاك. ومن إعجاز الله في خلقه - إن كانت " النفس" هي المعنية في الآية - أن السائل يتساءل عن نفسه، لا يدري ما هي ، وهي ذاته، فما بالك بالخائضين في "عالم الروح" : لن تعلم النفس حقيقة ما هي، حتى تغادر هذا الجسد، في يوم جد قريب، طال الأجل أم قصر. فسح الله لك في عمرك بالخير، فلا تتعجل. 


(2)
مالك

مالك صلوات الله عليه وعلى ملائكته أجمعين، ملك كريم، شرفه الله عز وجل بتسميته في القرآن ، على غير سابقة في التوراة والإنجيل: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (78:74) سورة الزخرف، فتستدل من هذا على أن " مالكا" رضي الله عنه وأرضاه هو خازن النار. أي الملك الموكل بعذاب من حق عليه العذاب، وتستدل من قوله رضي الله عنه "لقد جئناكم بالحق" إن أسندته إليه كما هو السياق، على أنه يتحدث باسم الملائكة جميعا، فهو ملك مقرب رفيع الرتبة في ملائكة الله عز وجل. وقد مر بك أن ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في رضوان الله سواء، وفي القرب منه عز وجل سواء، لا فرق بين المنفذين وعده والمنفذين وعيده.

*****

ولفظ " مالك" علم عربي مقطوع بعربيته بلا خلاف ، لا مدخل فيه لشبهة عجمة. ومن ثم فهو يقع خارج نطاق مباحث هذا الكتاب.
ولكنك تستنبط من عربية هذا الاسم أمرا خطير الدلالة: العلم غير الموحي به في التوراة والإنجيل، ولا ذكر له في كتبهم وقصصهم، يجئ في القرآن على أصله عربيا، على خلاف الأعلام التي ثبتت لها العلمية من قبل بغير لغة القرآن، فيعربها القرآن.

وربما استنبطت من هذا أيضا - مستدلا بقوله عز وجل: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (77) سورة الزخرف - أن ثبوت العلمية على النداء من أهل النار لمالك باسم عربي - وأهل النار أمم شتي يتفاوتون لغات وأجناسا- يعني أن لسان الخلق أجمع سيرتد في الآخرة عربيا. وهو نفس ما تستنبطه من قيل الملائكة: {سَلَامًا سَلَامًا} (26) سورة الواقعة ، لأهل الجنة عربا وغير عرب، فتفهم أن لسان أهل الجنة عربي!


(3)
ميكــال

ميكال عليه السلام ملك مقرب، رفيع الرتبة في ملائكة الله عز وجل، أفرده الحق تبارك وتعالي بالذكر على التعظيم قريناً عليهما السلام في قوله عز من قائل : {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} (98) سورة البقرة. ولم ترد "ميكال" في كل القرآن إلا مرة واحدة، وفي هذا الآية فحسب.

و "ميكال" تعريب" ميكائيل" العبرية ، تكتب بالكاف في العبرية ، وتنطق بالخاء (ميخائيل) لاعتلال ما قبلها ، على ما مر بك من قواعد النطق في تلك اللغة. أما علماء العبرية، وعلماء التوراة أيضا ، فهم يفسرون " ميكائيل" بأنها اسم مزجي ، يتكون من ثلاثة أجزاء : مي - كا- إيل ( أي من - كـ - الله)، وليست هي عندهم على التقرير، بل على الاستفهام، أو إن شئت، على التعجب: " من كالله!"، لأن "مي" العبرية (والآرامية أيضا) لا تصلح إلا لهذا، فلا تقع اسما موصولا بمعنى "الذي" كما يحدث في "من" العربية.

ونحن لا نحيل على العبرية والآرامية اشتقاق الأسماء الأعلام من صيغ الاستفهام أو التعجب، فقد وقع هذا بالفعل لعبرية التوراة في تسمية "رئوبن" (رأوبين في الترجمات العربية لسفر التكوين) ابن يعقوب البكر من زوجته " ليئة" التي صاحت فرحا حين وضعت بكرها ذكرا: رئو بن... (أي انظروا... ابن " ذكر") فسمي به رئو بن. فلا يبعد أن يقع هذا في تسمية ميكال عليه السلام من كالله؟؛ أي "ميكائيل".
بل قد فعلناه نحن أيضا كما مر بك في اشتقاقنا اسم" مريم" عليها السلام من قول والدتها حين فوجئت بها أنثي: ماري-أما "أمة يارب أمة".

ربما قلت إن "مي" العبرية كانت قبل عصر التوراة ( وميكائيل بالطبع أقدم ظهوراً لأنبياء الله ورسله من نزول التوراة على موسى) تصلح لكل ما تصلح له "من" العربية، فتجئ على الاستفهام أو التعجب، كما تجئ على الاسم الموصول بمعنى الذي، فيكون معنى "ميكائيل" الذي هو كالله، على التقرير، أي ممثل الله عز وجل، المفوض منه تبارك وتعالي. وهذا نفسه غاية ما يستفاد من قولها على الاستفهام أو التعجب: من كالله؟!.

وتستطيع أن تقول أيضا -وأنت هنا إلي الصواب أقرب- إن الألف في الخط العبري، على خلاف الحال في الخط العربي، تكتب دائما غير مهموزة ، وإنما هي تهمز نطقاً فحسب إن وقعت في أول الكلمة أو وقعت في وسطها مشكولة بإحدي حركات الفتح والكسر والضم والسكون، وتسهل فيما عدا ذلك فتنطق ألفاً لينة، أي مفتوحة ممدودة غير مهموزة. وتقول أيضا إن الشكل والنقط في النص العبراني لأسفار التوراة التي بين يديك، ليست لهما حجية الشئ الموحي به، وإنما هما كما مر بك من صنع طائفة غلبوا على أمرهم من أهل الأثر ما بين القرن الثاني والقرن العاشر للميلاد في ظل المسيحية ثم في ظل القرآن، عصرا اضمحلال عبرية التوراة وتراجعها على الألسنة والأقلام، لم يخل عملهم مع ذلك من نقد، وأنه لو خلي بينك وبين حروف ميكائيل بالخط العبري في التوراة دون شكل أو نقط (م-ي-ك-ا-ل) لجاز لك أن تنطقها "ميكال" كما نطقها القرآن، وتكون "ميكال" لا اسما مزجيا مؤلفا من ثلاثة أجزاء (من كالله؟!)، بل اسم وحيد الجذر، على زنة "مفعال" من الجذر العبري "يكل"، وصفا بالمصدر على المبالغة، وهو جذر عبري مكافئ لـ "وكل" العربي في أصل معناه: أوكلت إليه الأمر، ووكلته إليه ، فهو موكل ووكيل، بمعنى فوضته فيه ، أصلها أمكنته منه، واقدرته عليه، فأصبح عليه قديرا. هذا هو أصل المعنى الرئيسي للجذر العربي "وكل" - لازما غير متعد - بمعنى القدرة، وبه يكون التفسير الجيد لقوله عز وجل: { وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (12) سورة هود، أي قدير مقتدر. لم تستبق العربية "وكل" - لازما غير متعد- بمعنى قدر وتمكن، ولكن هذا وحده هو المعنى الباقي في الجذر العبري " يكل" - لازما متعديا باللام- بمعنى قدر عليه وتمكن منه. فيكون معنى" ميكال" - عبرياً- الوكيل الموكل المفوض، بمعنى القدير الممكن.
وهذا هو نفسه معنى " ميكال" - عربيا- وإن لم تسمع من العرب، إن اشتققته على " مفعال" من " وكل" لازما غير متعد، بمعنى الوكيل، الذي يفيد القادر المقتدر ، أو الموكل المفوض. وهكذا هو ميكال صلوات الله عليه وعلي من عنده عز وجل من الملائكة المقربين.

******

أما مفسروا القرآن الذين تصدوا لتفسير اسم " ميكائيل" ، فأنت تذكر ما رواه الماوردي في تفسير اسم "جبريل" منسوبا إلي عبد الله بن عباس (راجع تفسير القرطبي للآيتين 97و 98 من سورة البقرة) ، وقد زاد فيه أن "ميكائيل" معناها في العبرية - الآرامية "عبيد الله" ، كما قال من قبل إن "جبريل" معناها في هاتين اللغتين "عبد الله" ، يريد أن " ميكال" هي تصغير "جبر" ، أي تصغير"عبد"، فهو "عبيد" ، فلا تدري كيف استجاز أن تجئ تصغيرا لــ"جبر" وهي من غير مادتها، بل لا وجود لــ"ميكا" هذه في العبرية - الآرامية أصلا ، ولا تدري - إن صحت الرواية - كيف استجاز الراوي لنفسه - دون سند من حديث صحيح - الخوض في لغات لا يعرف من أمرها شيئا. إن أحسنت الظن بالراوي فربما تعللت له- كما تعللت له في "جبريل" - بأنها دست عليه من أهل كتاب تحسن بهم الظن أيضا فتقول إنهم لا يعلمون الكتاب إلا أماني.
ولكنك لا تعذر الراوي: كان عليه أن يتثبت قبل أن يُحمل وزرها ابن عباس.

*******

فسر القرآن كما تري "ميكائيل" بالتعريب وحده، فأصاب المعنى وأصاب التعريب، وقطع أيضا بعجمة هذا الاسم فجره بالفتح في موضع الكسر: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} معطوفاً بالواو على المجرور باللام في لله، ممنوعا من الصرف غير منون، ولا علة لها إلا العجمة.

ومن إعجاز القرآن أنه يصحح لأهل العبرية نطق "ميكائيل" ، ويصحح لهم أيضا اشتقاقه: لا يجمل اشتقاق "الوكيل" على المماثلة بالله عز وجل في عبارة "مي- كا - ايل" (من هو كالله) لا على الاستفهام ، ولا على التعجب والإكبار، بل ولا على التقرير... إن جاز هذا لغة، وهو بعيد، فلا يصح البتة في أدب الحديث عن الله عز وجل.



... يتبع


http://e3gaz1.blogspot.com

اجمالي القراءات 21171