هل كان ابن نوح ابنه حقا

سلطان الركيبات في الخميس ٢١ - سبتمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

   الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، ومن اقتدى بهديهم إلى يوم الدين، ينبه دائما الدكتور أحمد صبحي في العديد من كتاباته لكل باحث بالقرآن إلى عدم الدخول عليه بفكرة ما مسبقة والبحث عن الآيات التي تؤكدها، وتجاهل أو محاولة تأويل الآيات التي تعارضها، بل إن أس البحث القرآني أن تقرأ القرآن بتجرد وموضوعية، فتجمع كل الآيات محكمها مع متشابهها، فتجعل المحكم موضحا وحاكما على المتشابه، فتولد لديك الفكرة القرآنية الصحيحة وهذا معنى قوله تعالى (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الواقعة:79. ثم تعلنها على الملأ حتى لو خالفت فكرتكالمسبقة أو الوعي الجمعي لدى الناس فليس كل الموروث صحيحا وليس كله خاطئا.

هل زوجة النبي ممكن أن تخون زوجها؟

نعم، خيانة أزواج الأنبياء ممكنة وواردة، فالخيانة ليست أقل شأنا من الكفر بدعوته، ولا أحد يجادل أن زوجة نوح ولوط قد خانتا زوجيهما والخيانة بين الأزواج لا تكون إلا بالفراش، وليس كما يقولون الخيانة بعدم الإيمان بدعوة النبي السلام  وقد أثبت الله ذلك قائلا : (ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) التحريم:10. لو كانت الخيانة مقتصرة على عدم الإيمان بدعوة النبي فلماذا الله تعالى أحل لنا الزواج بمن لا تؤمن بدعوة خاتم النبيين عليه السلام.

 

   لو كانت الخيانة الزوجية لأزواج الأنبياء غير واردة وغير ممكنة، فلماذا الله تعالى هدد زوجات النبي بالعقوبة المضاعفة 200 جلدة إذا زنت، عكس بقية النساء تجلد 100 جلدة. قال تعالى مهددا نساء النبي: (يا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا) الأحزاب:30. فلو كان هذا الاحتمال لا يمكن حدوثه لكانت هذه الآية عبثا وحشوا في كتاب الله العزيز وتعالى الله عن ذلك علو كبيرا. ويلاحظ أن الله تعالى لم يهددهن بالكفر بنبيه فلا اكراه في الدخول أو الخروج من الدين بل بخيانة الفراش. لو قلت لأحد الرجال أن زوجتك تخونك فماذا سيفهم هل ارتدت عن الدين؟ أم أنها ضاجعت رجلا آخر غيره!!

الله تعالى لا يكذب ولا يخلف وعده

عندما كنت أناقش هذا الرأي لمن حولي من أصدقاء وأقرباء وزملاء وهم يرفضون ذلك رفضا قاطعا، كنت أسألهم لأحرك عقولهم قليلا وأحرجهم هل الله تعالى يكذب؟ أو يخلف وعده؟ فيقولون لا طبعا؛ فأقول لهم تأملوا معي هذا الحوار الذي جرى بين الله تعالى ونوح جيدا (وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) هود45-47.  

لقد وعد الله تعالى أن ينجي نوحا وأهله –إلا من سبق عليه القول- وهي امرأته ومن آمن معه، ففهم نوح عليه السلام أن ابنه يدخل ضمن أهله وأن زوجته من المغرقين، فلهذا نوح وبعاطفة الأبوة قال لربه وهو حزين جدا: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) ولم يسأله عن زوجه، وبعاطفة الأبوة أيضا وأثناء الطوفان طلب نوح من ابنه المزعوم الركوب معه بالسفينة لكنه أصر على عدم الركوب وأعتقد أن الجبل سيعصمه من الماء. وحيث أن الله تعالى لا يكذب ولا يخلف وعده، فأخبر نبيه لكي لا يذهب نفسه عليه حسرات أنه ليس ابنه شرعا (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) لاحظوا دقة الخبر الرباني....

1-  ليس من أهلك أي لا علاقة لك به نسبا.

2-  عمل غير صالح ولم يقل لم يكن صالحا.

ونوح عليه السلام لا يعلم الغيب كما أخبر الله تعالى بذلك فلهذا أخبره تعالى بحقيقة الأمر الخافي عليه كي لا يحزن على ابن ليس ابنه (ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وهذا يحدث كثيرا بأن يعيش الرجل ويموت ويظن أن ابنه ابنه؛ فالله تعالى لم يكذب على نبيه ولم يخلف وعده عندما قال له (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) هود:40. وهنا وبعد معرفة نوح عليه السلام بالحقيقة جاء الإذعان والاستغفار على عتابه المبني على جهله بالأمر والتعهد بعدم تكرار ذلك (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ). لأن الله تعالى لم يكذب عليه ولم يخلف وعده له.

خلاصة الأمر

قال نوح (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) وقال الله (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ). وعليه فأن زوجة النبي قد تخونه بالفراش وعقوبتها مضاعفة، وأن نوحا ظن أن ابنه –الذي ليس ابنه- سيكون من الناجين بناء على وعد إلهي لا يخلف، فلما مات ابنه وبكى عليه بعاطفة الأبوة وجاء معاتبا ربه أخبره الله تعالى بحقيقة الأمر وأن هذا الولد لم يكن ابنه الشرعي.

اجمالي القراءات 37303