( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) : تعليق على المقال السابق

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٨ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) : تعليق على المقال السابق :

مقدمة :

1 ـ لم ينتشر الاسلام بالسيف بل إنتشر فى الجزيرة العربية بالسلام . عن الاسلام السلوكى ( الاسلام من السلام ) نتحدث . قبيل موته رأى النبى محمد عليه السلام الناس يدخلون فى دين الله أفواجا . هو لا يعلم ما فى القلوب ، فقد كان لا يعلم من مرد على النفاق من المحيطين به . كان لا يعلم شيئا عن ( الاسلام القلبى ) لأن الذى يعلمه هو رب العزة جل وعلا وحده الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور . محمد عليه السلام رأى الناس تدخل السلام أفواجا ، وهو الاسلام فى التعامل بين الناس ، وهو الذى يستطيع أن يحكم عليه الناس .

2 ـ  دخل العرب فى الاسلام السلوكى ( السلام ) لهذه الأسباب  :  

2 / 1. الحرية المطلقة فى إعتناق الاسلام القلبى : إسلام التقوى 

نزل القرآن الكريم يدعو للتعقل يؤكد عبثية التوسل بالأحجار وبالبشر ، ولا يدعو لتدمير الأوثان بل مجرد إجتنابها . ولا يلزم أحدا بهذا ، بدليل حرية الدين المطلقة فيما يخص ( إسلام التقوى ) بحيث أن بعض المؤمنين ظلوا يعبدون الأنصاب أى القبور المقدسة ويشربون الخمر ويمارسون القمار ويعتقدون فى الأزلام ( أى التنبؤ بعلم الغيب ) وهم مواطنون فى الدولة يكتفى رب العزة بنصحهم ، فإن لم ينتصحوا فما على الرسول الا البلاغ المبين . وكان من أواخر ما نزل قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ).

 أى المطلوب من العرب أن يعتنقوا السلام ( الاسلام السلوكى ) ، ثم إن مسئوليتهم أمام الله جل وعلا يوم القيامة فيما يخص ( إسلام التقوى : لا إله إلا الله ) . والله  جل وعلا قال :( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) الزمر ). أى هو وحده الذى سيحكم بين الناس فى إختلافاتهم العقيدية .

2 / 2 : الاسلام السلوكى يعنى الأمن والرخاء ، والحروب تعنى الفقر والشقاء :

عاش قبائل العرب فى خوف وضنك ، كانوا يتبادلون الغارات ، يحترفونها سبيلا للرزق ، بينما يتركون قوافل قريش تعبر بأمان حرصا على أوثانهم فى البيت الحرام. عاشت قريش فى أمن ورخاء تستغل جهل العرب . وفى الصراع بين قريش ـ بجبروتها وطغيانها ـ وبين المسلمين المسالمين بما فيهم من وهن وكراهية للقتال ـ خسرت قريش ، ولم ينفعها جبروتها ولا آلهتها . ثم إن ( المدينة ) عاشت فى رخاء إقتصادى مزدهرة تجارتها بسبب السلام الذى يخيم على دولتها وأهلها . أدرك العرب هذا خلال عشر سنوات من الصراع بين دولة النبى والمعتدين عليها من العرب وأهل الكتاب . رأوا من مصلحتهم فى النهاية أن يدخلوا فى السلام ( دين الله ) أفواجا .

3 ـ إن السلام مقصد ضمن المقاصد العليا فى الاسلام مع :( العدل والحرية ). والاستعداد الحربى للدولة الاسلامية هو لتعزيز الاسلام السلوكى أى السلام . فالدولة المسالمة يجب أن تكون قوية حتى لا يفكر المعتدون فى الهجوم عليها أى هى ( ترهب ) المعتدين بقوتها وأسلحتها وإستعدادتها فيخافون من الهجوم عليها ، بهذا يتم حقن الدماء وتأسيس السلام . وعندما يجنحون للسلام فيجب مقابلتهم فى منتصف الطريق ، وحتى لو كانوا مخادعين فى دعوتهم للسلام يجب المضى فى طريق السلام إعتمادا على الله جل وعلا . ( الأنفال 60 : 62 ).

4 ـ ندخل بهذا على تدبر قوله جل وعلا فى سورة الحشر :( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ):.

 أولا :

1 ـ الله جل وعلا هو الذى أخرج الذين كفروا ( المعتدين ) من أهل الكتاب . لم يكن متوقعا خروجهم هاربين من حصونهم ، بل كانوا يعتقدون أن حصونهم المنيعة ستحميهم حتى من رب العزة . ولكن الله جل وعلا ألقى الرعب فى قلوبهم  حتى إنهم خرجوا من حصونهم يخربون بيوتهم بأيديهم ، ويعاونهم المؤمنون فى تخريبها . ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2)) . وهم يرضون بهذه المساعدة  حتى لا يستفيد أحد من الذى يتركونه قائما صالحا للإنتفاع .

2 ـ لماذا كتب رب العزة عليهم هذا الجلاء ؟

مصطلح ( الطرد ) ليس مستعملا هنا ، فلم يطردهم احد ، هم الذين إختاروا ( الجلاء ) عن بلدهم وعن حصونهم . الاجابة فى ألايتين التاليتين : إنهم إرتكبوا إثما عظيما فكان أسهل عقوبة عليهم هى الجلاء بدلا من عذاب اشد فى الدنيا ، وهذا الذنب العظيم هو حربهم الله ورسوله : قال جل وعلا : (  وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقَّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4)) .

المفهوم أن جريمتهم هى الاعتداء الحربى على دولة المدينة المسالمة . المدينة بلا حصون ، وهم لديهم حصون وأسوار ، ويمكنهم القيام بغارات سريعة على دولة النبى المجاورة لهم ، ثم يرجعون سريعا الى حصونهم المنعة الى لا يقدر المسلمون على إقتحامها .

ونفهم أيضا مجاورتهم للمدينة من قوله جل وعلا عن الرعب الذى أصابهم : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) الحشر ) . الاشارة هنا الى أهل الكتاب الذين ظاهروا الأحزاب ، فأصابهم الله جل وعلا بالرعب ، فنزلوا يقاتلون مرعوبين فإنهزموا وجلوا عن بلدهم.قال جل وعلا عنهم : ( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) الأحزاب ) هو نفس الوضع الحربى لأهل الكتاب الكافرين المعتدين فى سورة الحشر :( الصياصى هى الحصون ) و ( الرعب ) و ( الجلاء ). أى أن أهل الكتاب الكافرين فى سورة الحشر كانوا يعيشون بالقرب من المدينة أيضا ، وأنّ جلاءهم كان بعد موقعة الأحزاب وليس قبلها ، ونفهم أنهم حاولوا الانتقام مما حدث لإخوانهم ( كفرة أهل الكتاب بعد موقعة الأحزاب ) فقاموا بهجمات عسكرية على المسلمين ، ثم أصابهم رعب شديد من إنتقام المسلمين فإختاروا االجلاء قبل أن ينشب القتال .

3 ـ ليس صعبا على المسلمين الخروج من المدينة بجيش يقابل جيشا قادما للهجوم عليهم قبل أن يصل الى المدينة . ولكن من الصعب أن يهجم عليهم جيرانهم بسرعة يقتلون وينهبون ثم يتحصنون بسرعة فى حصونهم وخلف أسوارهم . هنا نصر مؤكد لأولئك المعتدين ، ولا طاقة للمسلمين بمواجهة هذه النوعية من الحروب الخاطفة من جانب جار معتد . لذا جاء التدخل الالهى بأن قذف فى قلوبهم الرعب . هزمهم من الداخل، فأصبح المؤمنون المسالمون أشد رهبة فى صدورهم من الله ( الحشر 13 ).

4 ـ يؤكد هذا قوله جل وعلا عنهم : ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)الحشر ) أى كانوا قوما محاربين مقاتلين يعيشون فى قرى محصنة ، يحيطونها بأسوار منيعة وخطوط دفاعية . ومع هذا فالخوف يعيش فى داخل قلوبهم ، ومهما يبدو على السطح من تماسك ظاهرى فقلوبهم شتى وهم شركاء متشاكسون . وفى هذا الريب والشكوك تتشابك خيوط الرعب والذعر ، وينهزمون من الداخل بدون تدخل خارجى .  

5 ـ وهكذا ، فقوله جل وعلا (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) جاء تذييلا للآية الثانية ، وفيها عبرة : قوم أقوياء فى حصون منيعة جبابرة معتدون ( أى كافرون سلوكيا ) تصيبهم نوبة من الذعر تجعلهم يسارعون بالهرب وتدمير ممتلكاتهم ، فالله جل وعلا هو الذى القى الرعب فى قلوبهم .

ثانيا : كيف يلقى الله جل وعلا الرعب فى قلوب الكافرين المعتدين ؟

1 ـ إن الكفر السلوكى ( بمعنى الاعتداء الحربى وارتكاب الجرائم ضد الأبرياء  ) يكون الضحية الأولى له هو المعتدى نفسه . المعتدى يعيش هواجس الانتقام من ضحاياه ، يدفعه هذا الى حماية نفسه من هواجسه بالمزيد من الانتقام ، ثم إنه لا بد أن يتنافس مع غيره من الأقوياء المعتدين ، فتثور الحرب بينهم ، وهكذا يتسلط الظالمون بعضهم على بعض . هذه قاعدة معروفة ، تراها فى الحاكم المستبد الذى يقهر شعبه ويخاف من شعبه فيظل يدور فى دائرة الظلم والرعب الى أن يموت ، وهو فى نفس الوقت فى صراع حقيقى أو محتمل مع مستبد آخر ، أو يقع أسيرا لهواجس أن مؤامرات تُحاك ضده من الخارج ومن الداخل ، فلا يهنأ بنوم ولا يأخذ راحة من قلق .

وترى هذا فى صراعات عصابات المافيا فى حروبهم الأهلية فى السيطرة على الأحياء وعلى المدن ، يقتلون أنفسه ببعضهم اكثر من قتلاهم من الضحايا  . وتراها فى التاريخ الدولى القديم والحديث والمعاصر؛ صراع فارس والروم ، وصراع قريش مع الأعراب بعد الفتوحات ، وصراع أوربا والخلافة العربية ، وصراع دول الاستعمار الأوربى مع بعضها ، فى حروب انجلترة وفرنسا ، وفى الحربين العالميتين ، وتراها حاليا فى صراع الوهابيين ، السعودية ضد القاعدة وضد داعش ، والفصائل الوهابية المتصارعة مع بعضها فى سوريا ، وفى الخصومة الجارية بين ( قطر ) و ( السعودية والامارات ) وكانوا من قبل معا فى تخريب سوريا واليمن وليبيا .

2 ـ تفسير هذا قرآنيا كالآتى :

2 / 1 : المؤمن سلوكيا هو المأمون الجانب ، والمسلم سلوكيا هو المسالم . هو طالما لا يخلط إيمانه بظلم فهو فى أمن : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الانعام )

2 / 2 : إذا قرن إسلامه السلوكى باسلام قلبى بالتقوى فخاف الرحمن جل وعلا وإتّقاه فلن يخاف من مخلوق ، هذا بينما تجد العكس ، فى الكافر المعتدى ولى الشيطان الذى يخوّفه الشيطان ويجعله يعيش فى رُعب وفى فزع ، قال جل وعلا : ( إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران )

2 / 3 : الظالمون الكافرون سلوكيا يلقى الله جل وعلا الرعب فى قلوبهم ، قال جل وعلا : ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران ). وهو نفس ما حدث لقريش فى بدر :( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ )( 12) الانفال )، ولأهل الكتاب المعتدين فى سورتى الحشر ( آية 2 ) والأحزاب ( آية 26 ) .

2 / 4 : وبينما يعانى المتجبرون الظالمون المعتدون من الرعب فإن الله جل وعلا يثبت قلوب المؤمنين المسالمين حتى فى حروبهم الدفاعية ، كما حدث فى موقعة بدر ( الأنفال 9 : 12 )( آل عمران 123 : 126 ).بل إن أول تشريع بالإذن بالقتال جاء فى بدايته قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) الحج ) ثم كان التشريع بحيثياته : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ) ثم كانت نهاية التشريع بقوله جل وعلا  (  وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ) ، أى بتأكيد نفس الحقيقة الى جاءت فى ( الآية 38 ). وبنفس التأكيد عن نصر الله جل وعلا للمؤمنين والمرسلين قال جل وعلا : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) غافر )

أخيرا : ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ )،

1 ـ المحصلة النهائية أن من يبدأ حربا معتديا ظالما لا يستطيع أن ينهيها حسبما يريد ، قد تطول أو تقصر ، وقد ينتصر عسكريا أو ينهزم ، ولكنه فى كل الأحوال خاسر . وبعد أن تهمد الحرب تتبدّل الأحوال وتتغير التحالفات ، وتنشأ على أرض الواقع معطيات جديدة ؛ قد يتحول حلفاء الأمس الى أعداء اليوم ، ويتحول أعداء الأمس الى حلفاء اليوم ( قارن بين موقع ألمانيا وأمريكا والاتحاد السوفيتى أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية ) .

2 ـ ( إعتبر ) الغرب والشرق من معاناة الحرب العالمية الأولى فنشأت الدعوة لتكوين عصبة الأمم لتحافظ على السلام ، وفشلت بسبب رغبة النازى فى الانتقام من الاهانات التى لحقت بألمانيا . نشبت الحرب العالمية الثانية ، ومن معاناتها ( إعتبر ) الغرب والشرق وتأسست الأمم المتحدة التى تحاول إحلال السلام ، ولكن قيادتها فى أيدى من يملك صناعة السلاح ، وصناعة السلاح تحتاج الى  حروب . وإذا كان الغرب والشرق المتقدم حضاريا يرفض أن تتحول بلاده الى ساحات حرب فقد تكفّل المحمديون عنهم بالمهمة . هم يريدون أن يقتلوا أنفسهم بأيديهم و ( أيدى المؤمنين ) فتطوعوا بشراء السلاح من الشرق ومن الغرب وحوولوا بلادهم إلى أنقاض حالية وستتحول البقية الى أنقاض آتية .

3 ـ المحمديون ــ مع هذا ــ يقرأون سورة الحشر ، ويعرفون قوله جل وعلا ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ )، ولكن هم لا شأن لهم بهذا الخطاب ، فليسوا من أولى الأبصار .!!

اجمالي القراءات 18416