أخيرا ..عرفوا الطريق الصحيح

عبداللطيف سعيد في الثلاثاء ٠١ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أخيرا .. عرفوا الطريق الصحيح

كنت شاهدا ومنذ طفولتي لكفاح الدكتور احمد صبحى منصور ،وعلاقاته بالقوى الوطنية و التنويرية فى مصر فى الثمانينيات و التسعينيات قبل أن يترك مصر مهاجرا ..
كان منهجه جديدا وواضحا في أن الإصلاح ومواجهة الأخوان وفكر التطرف لا يكون إلا من داخل القرآن ـ ورفع شعار(القرآن هو الحل ) وصار يكتب تحت هذا العنوان فى جريدة الأخبار و غيرها من الصحف المصرية ـ ثم أصبح يكتب اسبوعيا تحت عنوان جديد فى الأحرار هو (قال الراوى ) ثم كتب تحت عنوان ( من التراث ) فىrave; العالم اليوم.. وفي صحيفة الميدان تحت عنوان بدون شك ..الخ ..
في كل ما كتب كان يدعو للاصلاح السلمى والتنوير من داخل الإسلام ، وحيث كان محور حديثه هو القرآن الكريم لدرجة انه قلما يخلو سطر كتبه من آية قرآنية ..
كانت سنوات الثمانينات والتسعينات قاسية على الرجل فلم يترك بابا يستطيع أن ينشر فيه فكره إلا وسلكه إلى أن يقفل هذا الباب ، وكانت النتيجة أن نشر في عقد التسعينات وحدها ما يربو على الخمسمائة مقال وبحث وكتاب ، ولكن كل هذا لم تظهر ثمرته في التسعينات إلا في بعض الكتابات القليلة التي تعطي الرجل جزء من قدره وعلى استحياء من هذه الكتابات كان الشيخ محمد الغزالي وكتابه تراثنا الفكري في ميزان العقل و الشرع ،بالإضافة إلى بعض الأحاديث الجانبية الخاصة بين الأزهريين والتي تزكي الرجل علميا وأدبيا ..
وهذا ما جعلني أتدبر قوله تعالى "1 - { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } البقرة155 .. حيث فهمت من الآية أن النتيجة أو الثمرة من أي جهاد من الممكن أن يكون فيها ابتلاء ، حيث تجتهد وتكتب وتحضر من الندوات الكثير وتجد أن الثمرة قليلة أو معدومة في مقابل المجهود المبذول ، ولكن عندما تقرأ هذه الآية وتصبر على ما يحدث مؤمنا بالله وما تعتقده حقا يكون الجزاء هو البشرى للصابرين .. وهذا ما حدث فلم تنتهي فترة التسعينات إلا وبدأت البشرى واضحة حيث أن هناك الكثير من الصحفيين والكتاب وأساتذة الجامعات وكثيرين من الطبقة المثقفة يتردد بينهم فكرة " القرآن وكفى "
ونعود لفترة التسعينات حيث كان الدكتور أحمد صبحي يقف في منتصف الطريق بين معسكرين متحاربين.
معسكر التطرف فى الأزهر و الجماعات و الاخوان و السعودية و الوهابية ، وهذا المعسكر يتهم الدكتور منصور بانكار السنة و الخروج على الملة.
المعسكر الثانى هو معسكر العلمانيين ، سواء بالفكر الغربى ـ وكان يتزعمه فرج فودة ، و الفكر اليسارى والذى لا يزال يتزعمه الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع. العلمانيون فى الأحزاب و فى مراكز المجتمع المدنى وحقوق الانسان كانوا ايضا يرفضون المشروع الفكرى للدكتور منصورـ ويرونه شيخا أزهريا ـ بل كان يتطرف بعض العلمانيين مثل الاستاذ خليل عبد الكريم وبعض المتعصبين من الأقباط والعلمانيين ويرون أحمد صبحى لا يختلف كثيرا عن الشيخ الشعراوى ، بل على العكس فإنه كما قال خليل عبدالكريم يحذر من خطورة الدكتور احمد أنه ليس أصوليا فقط مثل الباقين الذين نهاجمهم بل أنه يفوقهم في أنه لا يأخذ إلا بأصل الإسلام وهو القرآن الكريم .
وكان أسرع الناس اقتناعا بالدكتور منصور كان المفكر الراحل فرج فودة.
فى بداية علاقتهما كان الدكتور منصور يدعو فرج فودة للكتابة مثله فى الاسلاميات ، وكان الدكتور فودة يرفض ذلك بشدة قائلا أن هذا هو ملعب الشيوخ وانه لن يلعب فى ملعبهم. ثم لم يلبث فرج فودة أن إقتنع بوجهة نظر الدكتور منصور فقرأ كتب التراث خصوصا البخارى و الطبرى وغيرهما ، وفاجأ الجميع بكتب ومقالات جديدة ، وأصبح يتحدى الشيوخ فى المسائل الفقهية الدقيقة ، وانتصر عليهم. ثم انطلق الى آخر المطاف فى تحديهم فافتوا بقتله وقتلوه.
بعد اغتياله أقام الدكتور احمد منصور و طائفة من أهل التنوير (الجمعية المصرية للتنوير ) فى مكتب فرج فودة نفسه ، وكانوا يقيمون حفلا سنويا فى ذكرى اغتيال فرج فودة ، وبذلك توثقت الصلة بين الدكتور منصور و زعماء اليسار المصرى الذين كانوا عماد الجمعية المصرية للتنوير. ولكن حدث خلاف شديد فى المنهج بين أحمد منصور و الدكتور رفعت السعيد وكلاهما يواجه الاخوان فكريا و سياسيا. وفى ندوة فى الجمعية المصرية للتنوير علا الخلاف بينهما حيث أكد الدكتور رفعت السعيد رفضه مواجهة الاخوان فوق خلفية دينية أو تاريخية. بينما أكد د .منصور أنه مع ترحيبه بتنوع وجهات النظر فى المواجهة ضد الاخوان فهو يعرف أن طريقته هى الأجدى بدليل عجزهم عن مواجهته فى نفس الوقت الذى يسهل عليهم اتهام اليسار و العلمانيين بالكفر وكراهية الاسلام.
وأخير اقتنع الدكتور رفعت السعيد ، ولكن بعد أكثر من عشر سنوات.
ولقد قرأت له اليوم هذا المقال فلم أصدق نفسى..
حسبت أن الكاتب هو أحمد صبحى منصور وليس رفعت السعيد..!!
صرت أدقق مرة ثم مرة لأتأكد من اسم الدكتور رفعت السعيد. وسأنقل المقال بالكامل ـ ولكن لا بد أن أسأل قبلها الدكتور رفعت السعيد : لماذا انتظرت كل هذه السنوات لكى تقتنع ؟ هل بعد ان أصبح الطريق ميسورا و معبّدا لك وغيرك ؟ ولماذا تخليت عن مفكر مسلم مناضل وتركته يناضل وحيدا بدون من يؤيده من أحزاب أو تيارات أو جماعات الى أن ضاق به الحال فهاجر تاركا بلده وأهله ؟
لنقرأ مقال رفعت السعيد سويا ، لنرى كيف عرف الدكتور رفعت السعيد الطريق الصحيح .. متاخرا.. .


المنابع الفكرية لجماعة الاخوان
العنف من النشأة حتى الآن... رؤية تاريخية
د. رفعت السعيد

 تمهيد لابد منه:
أتى العنف إلى ساحة السياسة منذ زمن طويل.
ويمكن القول فيما يخصنا أنه أتى فى زمن الخليفة عثمان بن عفان. وجاء مرتدياً -وهذا طبيعي- ثيابا إسلامية حاول البعض أن يتخذها تبريراً لمواقفه.
أى إذا شئنا التدقيق اللغوى أتى "متأسلماً " طرفان أو أكثر اختلفا أو اختلفوا، ثم تحصن كل منهم بنصوص أو دعاوى أو حتى إدعاءات "متأسلمة" مؤكداً أن موقفه وحده هو " صحيح الإسلام".
أو بالدقة هو الموقف "الحلال" وإن الآخر- كل الآخر- هو "الحرام".
حتى مقتل عثمان. صاحب رسول الله، ورفيق معاركه.. وممولها، وخليفته الثالث أتي"حلالاً" عند البعض. بينما هذا الموقف ذاته هو الحرام بعينه.
واختلط "التأسلم السياسي" بالجاهليات القديمة فتبدى الأمر وكأن بعضاً من الناس قد نسوا إسلامهم أو بعضا منه، وعادوا إلى عادة الثأر الجاهلية والعادات القبلية التى نبذها الإسلام، ونهى عنها فى صريح وصحيح تعاليمه.
فعندما انتصر "الأمويون" تذكروا على الفور ثأر بدر. ونقموا على أهل المدينة مساندتهم للرسول صلعمفى حربه ضد جدهم أبى سفيان فى موقعة بدر. وعندما زار معاوية المدينة وقف فى سكانها -المرحبين به على مضض-خطيبا فقال: " أما بعد.. فإنى والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم , ولا مسرة بولايتي، ولكنى جالدتكم بسيفى هذا مجالدة".
أما مسلم بن عقبة قائد معاوية الذى ذهب إلى المدينة ليفرض على سكانها بيعة ابنه يزيد، فقد أشاع القتل والدمار والسبى فى بنات المدينة، ويقال أن رجاله قد فضوا بكارة ألف بكر من بنات المدينة.. وأنه صمم على أخذ بيعة الناس هناك كالعبيد، فمن قال بايعته على كتاب الله وسنة رسوله قتله لأنها بيعة مشروطة، وقال: أريد بيعتكم كبيعة العبيد بغير شرط".
ويزهو يزيد بن معاوية بالانتصار على أهل المدينة ويتشفى فيهم شعراً:
ليت أشياخى ببدر شهدوا
فزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا
ولتعالوا ليزيد لافشل
ونعلم ما فعلوه فى عبد الله بن بكر إذ تعقبوه حتى الفسطاط، طالب بشربة ماء فأبوا، ثم أحرقوه حياً وخاطوا عليه بطن أتان وهو لم يمت بعد.
إنها تقاليد الجاهلية الأولى والانتقام القبلى بكل بشاعته تأتى مرتدية ثياباً جديدة.
متسربلة أيضا بالحلال والحرام. ومستندة كذلك إلى أحاديث نبوية مصنوعة.

وتمهيد آخر:

وعندما احتدم الصراع السياسى سعياً وراء الحكم، واتخذ من كل طرفيه زيا إسلاميا بدأت حيلة الاستناد إلى السنة. وأخذ فقهاء السلطان فى اصطناع أحاديث تعطى هذا الطرف أو ذاك سندا ضد خصمه، فمعاوية عندما تمسك بالخلافة مستخدما السيف والخديعة معا، محاربا مسلمين مثله بل مسلمين أقاموا أركان الإسلام الأولى مع الرسول بينما كان هو جاهليا، حاول أن يبرر ذلك مستنداً إلى حديث مصنوع فقال فى الناس والله ما أردتها لنفسى أى الخلافة لولا أنى سمعت رسول الله يقول: يا معاوية إن حكمت فأعدل.
ولم يكن الأمويون وحدهم وضاعين للأحاديث فعندما أتى العباسيون على رماح فارسية وهزموا بنى أمية بحد السيف وباشروا ضدهم أبشع أنواع الانتقام، وفرضوا فارسيتهم لغة وتقاليداً وحضارةً على هؤلاء البدو فتبدى تحديهم وكأنه موجه لا إلى الأمويين وحدهم، وإنما إلى العرب جميعا.. وأصبح الموالى سادة فى بغداد وسادت لغتهم فيها حتى صاح المتنبى غاضبا:
وأضحى الفتى العربى فيها
غريب الأهل واليد واللسان
ملاعب جنة لو سار فيها
سليمان لسار بترجمان
ولكى يتسق ذلك كله مع المعطى الدينى الذى يظل دوماً المكون الفكرى الأساسي.. وضعوا هم أيضاً أحاديث نسبوها للرسول يبررون بها سلطانهم..
سئل رسول الله عن الآية الكريمة وأن تتولوا نول قوماً غيركم من هم هؤلاء القوم؟ فوضع يديه على منكبى سلمان الفارسى قائلا هذا الفتى ورهطه، والله لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لناله قوم من فارس.
وتبارت الأطراف المتصارعة فى وضع الأحاديث حتى جمع البخارى ستمائة ألف حديث لم يصح لديه منها إلا ثمانية آلاف بعضها مكرر بمعنى أنه روى بأكثر من نص مختلف.
ولقد أفسح هذا المجال لكثير من المنافقين أن ينفثوا سمومهم مثل عبد الله بن سبأ الملقب بإبن السوداء، الذى قال بالرجعة أى رجوع الرسول، وقال العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع، ويكذب أن محمداً يرجع، وقد قال تعالى إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ومحمد أحق بالرجوع من عيسي. ثم قالإنه كان لكل نبى وصي، وعلى وصى محمد.. محمد خاتم الأنبياء وعلى خاتم الأوصياء
ابن الاثير- الكامل - ج3 - ص770
وهكذا كان التأسلم السياسى أى إلباس الموقف السياسى أو المصلحة السياسية ثياباً دينية سبيلا للعبث بالمقدس وبالقيم والتعاليم.

وتمهيد ثالث:

 وتتمادى عملية أسلمة السياسة فتتخلق من ثناياها مقولات وأقاويل.
مثل جماعة المسلمين.. وهذا التعبير قصد به فى أيام الرسول التمييز بين مجموع المسلمين أى مجموع الناطقين بالشهادتين وبين الكفار الذين ينكرون على الرسول دعوته ونبوته وما يدعو إليه.
وإذا يتمادى الصراع على الحكم تلجأ كل جماعة إلى الإدعاء بأنها وحدها الجماعة المسلمة وأن الآخرين خارجون عن ملة الإسلام.
ثم أتى تعبير أهل الحل والعقد فى الإسلام.. من والاهم فقد والى صحيح الدين، ومن خالفهم خالفه، ومفارقهم مفارق للإسلام هذه العبارة لم ترد أبداً فى قرآن أو سنة لكنها وردت ولأول مرة على لسان الأمام المواردى.توفى عام 400 هجرية فى كتابه الاحكام السلطانية.
وتستخدم هذه المقولات حينا لدعم الصفوة الحاكمة وفى أحيان أخرى لدعم جماعة سياسية بعينها.
ويتكاثر فقهاء السلطان.. ليجعلوا من شخصه محطاً للخضوع والولاء المطلق وأحيانا للتقديس فأبو بكر الطرطوشى صاحب كتاب سراج الملوك يعطى للسلطان كل السلطة والسلطان فالله سبحانه وتعالى جبل الخلق على عدم الانصاف. فمتى لم يكن لهم سلطان قاهر، لم ينتظم لهم أمر، ولم يستقر لهم معاش. ومن الحكم التى وردت فى إقامة السلطان أنه من حجج الله على وجوده سبحانه ومن علاماته على توحيده.. العالم بأسره فى سلطان الله كالبلد الواحد فى يد سلطان الأرض.
الطرطوشى يقارن بين سلطان الله فى الأرض، وبين سلطان الحاكم على بلده.ومن ثم يعطى للحاكم سلطاناً ما بعده سلطان.
ويأتى المتأسلمون الجدد إذ ينكرون سلطان السلطة الجاهلية كى يعطوا لأنفسهم هذا النوع من السلطة التى تحدث عنه أمثال المواردى والطرطوشي.
بل إن الطرطوشى يمجد القهر والطغيان كذلك السلطان إذا كان قاهراً لرعيته كانت المنفعة به عامة، وكانت الدماء فى أهبها محقونة، والحرم فى خدورهن مصونة، والأسواق عامرة والأموال محروسة سراج الملوك، الباب السابع ص 1560
وبسهولة ويسر ينقل المتأسلمون المحدثون كل هذا السلطان الطاغى بل والباغي.. إلى أنفسهم باعتبارهم المسلمين أو الجماعة المسلمة أو أهل الحل والعقد سيان.

وتمهيد رابع

ومن أبواب التأسلم السياسى ما يسمى بالتفسير النصى للقرآن. أى عدم الاعتداد بأسباب التنزيل وبواعثه، وظروفه، والاستناد فقط إلى تفسير حرفى للنصوص.
ولنا فى ذلك تفصيل نأمل إلا يكون مملاً.
كان الخوارج ممن يأخذون بالتفسير النصى للقرآن، فلما عرضت عليهم الآية الكريمة التى تقول على لسان نوح عليه السلام وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك أن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً فأفتوا بقتل الرجال.. والنساء وكذلك الأطفال حتى لا يشبوا كافرين، ويلدوا كفاراً مثلهم.
وأما الآية الكريمة: فقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وينصركم عليهم ويشفى صدور قوم مؤمنين فأخذوا يعذبون خصومهم ويعملون فيهم القتل ويتمتعون بذلك.. استناداً إلى فهمهم النصى الخاطئ.
ولنا أن نتوقف الآن لنراجع ما يجرى فى الجزائر من مذابح استناداً إلى هذا الفهم الخاطئ.
ويروى ابن حزم أن الصحابى الجليل عبد الله بن خباب كان يمضى هو وزوجته فى طريق به جماعة من الخوارج.. فعلق المصحف فى عنقه، فأمسك به الخوارج وقالوا: إن الذى فى عنقك يأمرنا بقتلك، فقال كيف؟ فقالوا له ما قولك فى أبى بكر؟ قال: خيراً. و ما قولك فى عمر؟ قال: خيراً. ثم قالوا ما قولك فى على وقبوله التحكيم؟ قال: على أعلم منى ومنكم بالقرآن.. فذبحوه ويمضى ابن حزم قائلا وكان إلى جوارهم ضيعة صغيرة لأحد النصارى فقالوا لصاحبها: بعنا بعضاً من تمر، قال خذوه بلا ثمن، قالوا: ديننا ينهانا عن ذلك. فقال لهم: أتقتلون ابن خُباب وتحافظون على تمري؟ وكان النصرانى محقا فى سؤاله.
وفى ذات الطريق سلك واصل بن عطاء فسأله الخوارج هو وجماعته، من أنتم؟ فقال ابن عطاء: مشركون نستجير بكم.. فقال الخوارج ابتعدوا. فرد عليهم واصل: ألم تسمعوا بالآية الكريمة فإن أحداً من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله فأجلسوهم وأسمعوهم كلام الله.. ثم أكمل لهم واصل الآية ثم أبلغه مأمنه فأرسلوا معهم حراساً منهم حتى أبلغوهم مأمنهم.
وصارت مثلا لما يمكن أن يؤدى إليه التفسير النصى من خلل، فالذى علق المصحف فى عنقه قتلوه، والذى قال إنه مشرك حرسوه حتى أبلغوه مأمنه. المبرد - الكامل فى اللغة والأدب- ج2- ص1220
والجماعات المتأسلمة الحديثة يقوم فقهها على التفسير النصي.. فحسن البنا عندما يتعرض إلى أول خلاف داخل جماعته اختلف معه بعض إخوانه عندما قبل دعماً مالياً من شركة قناة السويس الاستعمارية.. أمر بالمخالفين فضربوا وبرر ذلك مستنداً إلي: من خرج على الجماعة فاضربوه بحد السيف.
أى جماعة..؟ هذا هو مصدر التلاعب النصى جماعته هو، أى تنظيمه، أم جماعة المسلمين أى مجموع المسلمين؟
.. وشكرى مصطفى أستاذ التشبث بالتفسير النصي.. فالآية الكريمة وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل يقول عنها فى كتابه التوسمات هذا خطاب موجه للمؤمنين فى أول الزمان وفى آخر الزمان، والقوة كما جاء فى الحديث هى الرمي، والخيل هى الخيل فإذا جاء من يقول إن الخيل لا تصلح الآن نقول له عندما نقاتل سيكون قتالنا بالسيف والرمى والخيل.
ويقول: جاء فى الحديث الشريف الجنة تحت ظلال السيوف فالجنة هى الجنة، والسيف هو السيف ولم يقل الرسول تحت ظلال البنادق التوسمات، مخطوط، ص 52 ونلاحظ أن جماعة شكرى مصطفى كانت ترفض استخدام المطبعة باعتبارها عتادا كافرا.
يستخدم السيف لأن وسائل المسلمين وسائل متكررة، والله برحمته وعزته قد برأ الجماعة المسلمة من وسائل الكافرين الجاهلية الحديثةص 580
وشكرى مصطفى يستند إلى الحديث الشريف قل أعوذ بالله من علم لا ينفع
ليقول كانت جماعة محمد تتعلم هذا الدين، لا تتعلمه لمجرد العلم ولا تتعلمه للدنيا، ولكن تتعلمه للتطبيق والعمل والعبادة، العلم وسيلة لعبادة الله، وكل علم يتعلمه الانسان لغير العبادة فقد تعلمه لنفسه، وتعلمه لغير الله.. وهذا شرك ص 22 وبهذا أفتى أن تعلم العلوم الحديثة حرام.
لكن الغريب أن شكرى مصطفى الذى أفتى بتحريم استخدام المعدات الحديثة كافة، استخدم المسدس فى اغتيال الشيخ الدهبي.

تمهيد أخير:
ومن مخاطر التأسلم السياسى ما يسمى بالتفيقه. أى محاولة اعتصار مواقف دينية حول مستجدات دنيوية لم ترد فى أصول الشريعة ولا فى فروعها.
ناسين قول الرسول أوغلوا فى هذا الدين برفق.
وناسين ان عمر بن الخطاب سئل عما هو الأب فى الأية الكريمة وفاكهة وأبا فقال: لا أعرف والتفيقه سمة فى كل حركات التأسلم السياسى الحديث وعلى رأسها جماعة الاخوان..
ولا نريد أن نطيل فى ذلك فقط نكتفى بهذه الواقعة: جاء جماعة إلى عبد الله بن عمر وكان من فقهاء عصره فسألوه: ما حكم قتل حشرة الفراش فى الأشهر الحرم، فقال من أى البلاد أنتم؟ قالوا: من الكوفة قال: لعنكم الله أتقتلون الحسين وتسألون عن حشرة الفراش؟.

ما بعد التمهيد:

ولقد شربت جماعة الاخوان من كل هذه الآبار المريرة المياه، وتكونت عقليتها على هذه الأفكار وتلونت مواقفها وتوجهاتها بألوانها، لكنها أضافت إلى كل ما سبق كأساً أخرى أشد مرارة.
هى الخلط بين الدين كمعطى سماوى وبين الفكر الدينى وهو بالضرورة معطى إنساني. الدين مطلق الصحة، والفكر الدينى نسبى الصحة لأنه رؤية إنسانية لكن حسن البنا فعلها. وخلط بين الاثنين خلطاً متعمداً كى يعطى أفكاره قداسة، ويمنحها حصانة ضد النقد وضد الانتقاد.
وعندما قدم البنا ما أسماه عقيدة الجماعة للمؤتمر الثالث للجماعة 1937 أردفها بتأكيد أكد عليه المؤتمر كله يقول فيه على كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج كله من الإسلام وأن كل نقص منه، نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة.حسن البنا - مذكرات الدعوة والداعية - ص.183
الأمر الذى دفع الاستاذ طارق البشرى فى كتابه الحركة السياسية فى مصر 45 - 1952، وفى طبعته الأولي، أى قبل أن يغير ما فيها بعد أن تغيرت مواقفه، إلى القول ان الجماعة بهذا البرنامج تصادر الدين لمصلحتها، وبهذا لا تصبح مجرد جماعة تطبق الدين، وإنما تؤكد أن منهجها هو وحده الاسلام الصحيح، ومن ثم فإن من يقف ضدها كجماعة يكون خارجا على الإسلام، أنه مبدأ يسعى للسيطرة على الإسلام لا للاتصاف به ص52
وتتمادى عملية الخلط بين الجماعة و بين الإسلام فيكتب صالح عشماوى أحد قادة الإخوان فى ثقة مثيرة للدهشة إن أى اضهطاد للاخوان هو إضطهاد للإسلام ذاتهالدعوة - 24 -4- 1951.
وعندما قبض عبد الناصر على بعض الاخوان مارس 1954 خطب الأستاذ عبد القادر عوده فى المتظاهرين قائلا: الاسلام سجين.
والخلط المتعمد بين الدين و فكر الجماعة بين العقيدة والاخوان يقتاد الجماعة بطبيعة الحال إلى الاستعلاء على الجميع، وإلى وصم كل خصومها بأنهم ضد الإسلام.. أليس منهجها كله من الإسلام، وكل نقص منه نقص من الفكرة الإسلامية ذاتها؟
بل إن حسن البنا الذى اعتبر نفسه إماماً، ولم يزل تابعوه وتابعو الجماعة يسمونه بالإمام.. يقول ببساطة وبلا أى قدر من التواضع.. إن الإمام هو واسطة العقد، ومجمع الشمل، ومهوى الافئدة ثم..وظل الله فى الأرض وهكذا وببساطة ظل الله فى الأرضحسن البنا - رسالة المؤتمر الخامس ص48
فإن كان سيادته ظل الله فى الأرض فمن يتجاسر بقول أو بفعل أوبموقف يختلف ولو بأقل قدر مع حضرة ظل الله فى الأرض؟.
ويسرى ذلك من الإمام إلى الجماعة، ومن هنا فإن المسلم الذى لا ينهج نهج الجماعة ينال من الامام سخطاً، وما هو اكثر من السخط:أتحسب ان المسلم الذى يرضى بحياتنا اليوم ويتفرغ للعبادة، ويترك الدين والسياسة للعبثة الآثمين يسمى مسلماً؟ كلا أنه ليس بمسلم الإخوان المسلمين - 4-3-1945
تأملوا العبارة مسلم يتفرغ للعبادة
.. إنه ليس بمسلم.

ثم يكمل حسن البنا الحلقة حول أعناقنا فيقول: لاتحيا الدعوة إلا بالجهاد، وليس فى الدنيا جهاد بلا تضحية، ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم حسن البنا- دعوتنا فى طور جديد.. فأما أن تكون معه وإما أن تكون آثما.والحقيقة أن البنا قد رفض- من حيث المبدأ- قيام أى حزب سوى حزبه هو، فقد طالب صراحة بحل كل الأحزاب السياسية ثم قيام حزب واحد على أساس برنامج إسلامى صحيح حسن البنا- الرسائل الثلاث..إذا لا مكان لهذا الآثم إذا أراد ألا يكون آثما إلا جماعة الإخوان )



اجمالي القراءات 15448