شعوب على ما تفرج

محمد حسين في الإثنين ٣٠ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

فى دولتنا اصبحت هناك مصطلحات عربية ، هى مصطلحات قديمة واعتادت الاذن عليها ولكن اختلفت معانيها باختلاف الطبقات المتحكمة فى الشعوب ، فالكلمة التى فى الماضى كان لها معنى او رونق اصبحت الآن لها مدلول ومعنى اخر تم سياقه حسب الثقافة الدارجة فى المجتمع وحسب الميول والاهواء . وعلى سبيل المثال كان هناك القاب متصلة بالدرجات التعليمية والثقافية فى المجتمع لها مدلول واضح على شخصية الانسان ومستواه الاجتماعى ككلمة باشا وبك وافندى على الترتيب ، فمنها كلمتان ظلا هنا مع اÎrc;تلاف مدلوليتهما وهناك كلمة منها اختفت بالتدريج نظرا للتحول الاجتماعى الواضح ، الا وهى كلمة بك . ولنأخذ كلمة افندى الان والتى اصبحت عبئا ورذيلة ولها مدلول دنئ ، فمثلا اذا ذهبت لبائع تبتاع شيئا ما وقال لك سعرا لا يعجبك او لا يأتى على هواك تقول له " انتى فاكرنى افندى ولا دق عصافير" بمعنى ان افندى اصبحت تعريفا مطلقا ودلالة واضحة على البلاهة وقلة الوعى ، وحل محلها كلمة "صايع" فاذا قلنا ان فلانا "صاع" على فلان فانها بديهيا تعرف بان ذلك الفلان " الصايع " غلب فلانا او استطاع ان يلف ويدور عليه حتى غلبه !! وكلمة باشا بعد ما كانت تقترن بطبقة معينة من المجتمع على درجة رفيعة من الثقافة والعلم وقبل كل شئ اجتماعيا مناسبة لهذا اللقب ، اصبحت الآن تطلق على بائع حقن "الكامننا" لانه يمتلك المقومات المالية مثلا او المكانة الملائمة بين الاشخاص ملقبينه بهذا اللقب ، وان احتفظت الكلمة بمكانتها بعد تغيير المدلول ، اى انها ليس معيبا اذا قيلت ولكننا لا نستطيع القول بانها تستخدم فى غير محلها ، نظرا لان الظروف الثقافية للمجتمع تبيح استخدام الكلمة حسب الاهواء ، فلو شاء بك القدر وذهبت الى مصلحة حكومية مثلا او اى مكان فيه منفعة لك ستجد انك لااراديا بدأت تستخدم الكلمة بعفوية حتى الى فراش المصلحة موضوع المنفعة .
وعلى هذا القياس المختصر الذى يمكن ان يكتب فيه مجلدات ودراسات تقاس اشياء كثيرة وكلمات كثيرة منها ما بقيت بمعناها وتغير مدلولها ، ومنها ما تغير كلاهما مدلولاها ومعناها ، ككلمة الضمير ، فمثلا اذا ذهبت الى بائع يبيع لك بميزان تقول له بديهيا "والنبى اوزنلى بضمير" تلك العبارة التى كانت فى السابق –فى زمن ما لا ادركه ولا اعلم عنه- عبارة عن سب مجرد ان تقولها لانك تشكك فى ضمير الانسان الذى امامك ، اما الآن فيرد عليك الشخص بابتسامة جميلة وبدلا من ان يقتص متين جرام فمائة واحدة تكفى ، ان فعلها ، والمفاجأة هنا ليست فى ذلك وانما فى الشخص القائل ، لانه يقولها بلا اى مغزى واصبح تدريجيا لا يعرف معناها ولو كان البائع "صايع شويتين" لكان اقتص ثلاثمائة جرام ، ولكن بما ان الشارى لا يفقه معنى الضمير وبما ان البائع تعريف الضمير لديه "تقليل الصياعة شوية" بمعنى انه بدلا من ان يقتص مائتي جرام فمائة ارحم شوية ، اى ان الضمير عنده له تعريف بان السرقة الشوية ضمير . وهذا يذكرنى برواية الكاتب الكبير "يوسف السباعى" رحمه الله فى روايته ارض النفاق عندما سال مسعود افندى عاهرة المنطقة عن معنى الشرف فلم تستطع الرد ، فبادرها قائلا الفلوس هى الشرف . ومن هنا فقياس الضمير فى مجتمعاتنا له تعريف اخر غير الذى كنا نسمع عنه ، فان اشترى مواطن "شوية طماطم" بقرشين فى حين ان مواطن اخر اشتراها بثلاثة قروش يقول فيها المواطن ابو قرشين للمواطن ابو تلاتة "اصل الراجل اللى انا باشترى من عنده عنده ضمير" مع ان ميزان ابو قرشين اقل من ابو تلاتة ، ولكن بديهيا تعرف بالضمير ، فاصبح الضمير له مدلولات اخرى غير تلك الكاذبة التى كنا نسمع عنها من قبل.
واكمالا لمشوار الكلمات نقترف من نفاية الزبالة التى تسمى باللغة العربية الحديثة كلمة "مصلحة" ، وهى ذلك النوع الذى يندرج تحت تصنيف الكلمات المطلقة ، التى ليس لها معنى بالتحديد ، والكل يراها بمعنى منفرد على حدة ... فيقول احدهم تلك الامر ضد مصلحتى الشخصية .... ويقول الاخر المصلحة العامة تتطلب ذلك ... واذا تحدث نصابان او مجرمان او سارقان سيقول احدهما للاخر داعيه على جرم ما "تعالى فى مصلحة" مثل ما حدث فى بداية فيلم تيتو الشهير للمثل احمد السقا ... فى حين ان رأى احدهم فتاة من اياهم وساومها وقبلا الاتفاق يقول لصاحبه "تعالى انا معايا مصلحة" ... اما ان ذهبت الى مسئول او نائب فكلامه ينحدر فى اتجاه اخر ، فيقول احدهما السياسة العاقلة تراعي المصالح العليا أو السفلي للوطن والأمة... ونحن نفعل مافيه صالحكم وصالحنا.. وكل ما يتعارض مع مصالحنا نرفضه.. وماكان يصلح بالأمس لايصلح اليوم . وانا شخصيا يعجبنى من يعطى للكلمة المعنى الدال اللانهائى بقوله "الحياة مصالح" .
تلك الامثلة التى هى بضع نقاط فى بحر خضم من النفاية العربية الحديثة ، اعنى اللغة ، ماهى الا دلالة على ثقافة شعب ... واسف لكلمة ثقافة ، ولكن غيرى من اباطرة الكتابة والفلاسفة اطلقوا على الجهل درجة من درجات الثقافة ... وان كانت هى الدنيا ...
وفى رواية المتحذلقات للكاتب المسرحى الفرنسى موليير والذى سخر فيها من لغة الطبقة الارستوقراطية من النساء فى المجتمع الفرنسى وكان سببها ان تلك الطبقة كانت تتحدث بلهجة ومفردات مختلفة عن العامة ، فى طريقة اشبه بانهم يحاولون ان يميزوا انفسهم عن عامة الشعب ، اتساءل ماذا كان سيكتب موليير عن شعب عامته وعلياءه يتحدثون بلغة كالتى احاول ان اتحدث عنها ، هل كان سيصر على تمسكه بالمتحذلقون "كجزء ثانى للمتحذلقات" ام كان سيكتب "الزبالون"؟!
وكم من المرات قد سمعنا تلك العبارات او الكلمات وصدقناها ، اى نعم نحن صدقناها ، لاننا شعبا نالف ونعتاد الطيب والبذئ ، لانه لا فرق بينهما فى حياتنا ، والدليل على كلامى اننا فى الماضى الذى ليس بالبعيد كنا نثور على الشخص الذى يلفظ بكلمة بذيئة فى وجود النساء حولنا ، ولكن بما اننا اعتدنا البذائة كعادت اقوامنا فاصبح الان السباب والكلمات البذيئة تقال فى تواجد النساء والفتيات وكالعادة ما كان يثار عليه فى الماضى تم التآلف عليه فى الحاضر ونقابله بابتسامات او على اسوأ الظروف نقابله بصمت اكاد اقول انه اصبح مجردا من حتى الاحتجاج ... ومن يناقضنى اقول له عينتى الاختيارية هى ما تشاهده فى المباريات بالاستاد واستمع للالحان والمعزوفات الغنائية والسيمفونيات البديعة من السبابات وفى وجود النساء بل والادهى هو رقص النساء وتصفيقهم مع المصفقين !!! فما كان في بدايته صدمة أصبح عادة وما كان في أوله كارثة صار مألوفا ومعتادا لايلفت النظر ولا يسترعي الانتباه ...
قس على ذلك عبارات البذائة والسلام والاستهجان والاستنكار والشجب والتشنج ولا والنبى يا عبده والعنب العنب ...
ان ما يحدث هناك وحاولت ان ارويه فى تجربتى الشخصية فى زيارتى لوطنى ماهو الا صيغة مستحدثة لميرامار وثرثرة فوق النيل ، كارثة محدقة لا يأبه بها الآبهون ، وانا واقسم بخالقى اتمنى لو ظلوا ذلك ، فالفرق الثلاثة التى رأيتهم منهم ما الف الشئ واعتاده ومنهم من يثور فى الضلمة ويفر فى النور والثالثة التى تدعو للآخرين بالشفاء وهم معلولين متعللين بان الفساد كل حين ويحدثونك وكأنهم يريدون منك ان تشاهد معهم الفساد وتقلب القناة لكى تشاهد قناة اخرى والا اصبحت مريضا يجب لك الشفاء ، ولا اعلم اى منهم يستحق ماذا ، ولكن الكل سواء هذا او ذاك وانا منهم على مشارف النهاية .... ولكن النهاية تلك المرة ليس لها علاقة بالستار ولا بالكراسى ولا بالمشاهدين ، فانها ستكون نهاية ذات طابع خاص ، وهى بهدم المسرح على من بداخله .... وياخذ معها ممثلون ومتفرجون وستار وكومبارس وكراسى وكله كله كله ...!!
لقد رفعنا وترفعنا وخلعنا عباءة العلم "اللى مالوش لزمة يا جدعان علم ايه وبتاع ايه" وارتدينا عباءة التخلف والانحدار فى كل شئ بداية من لغتنا ونهاية باخلاقنا ، واصبحت شعوبنا تكن الولاء الصريح المرقع باصداف الذل والهوان لحكومات البلطجية وكانها تستعطف شيئا ما لا اعلمه ، فلا هناك ادمية او حقوق او ضمير او شرف ، وتلك الكلمات التى كانت يوما قاموسا حيا لآدمية الشعوب وسقطت عندنا ولا اعلم ماذا يمكن ان يطلق علينا بعد هذا ... بل ويتساءل الشعوب فى سذاجة تدعو ضغط الدم للارتفاع اللا مشروط اين هى حكوماتنا وودنك منين يا عم جحا الله يكرمك ... ويذكرنى هذا بجملة كوكب الشرق "واسال عنك والقفا ياما شال منك ... واحمل همك وان اللى طول ذلى ماهمك" مع اعتذارى للشاعر الكبير احمد رامى عن التحريف ..!!
ولا اخفى الامر باننى ارفع قبعتى لجميع الحكومات العربية فى تصرفاتها مع شعوبها ، لانها قد وعت الدرس جيدا وعرفت "آخرنا" وأننا سنهتف قليلا ونصرخ ونتظاهر ونسخط وربما نسب ونشتم بعض الوقت ونبكي يوما أو بعض يوم وينتهي الأمر إلي عودة ريمة لعادتها الجديدة القديمة وهي الألفة والتآلف والاعتياد.. وتعود كل المياه إلي مجاريها ويمضي النهر في جريانه من منبعه الي مصبه دون أن يحدث ما يعكر الصفو.
ولا أريد أن أعدد المصائب والكوارث والحوادث والأحداث والدماء التي تسفك والأعراض التي تنتهك والجرائم التي ترتكب في حق الشعوب فهي أكثر من أن تحصي وليس منكم من يجهلها.. لكن المدهش حقا أن أقل هذه الكوارث لو وقعت لدي شعوب حية لقلبت الدنيا رأسا علي عقب ولكنها عندنا لاتحرك شعرة في رأس مسئول ولا تجعل عربيا واحدا يتوقف مع نفسه ليتساءل: ما هذا الذي يحدث لنا ويحل بنا؟.. فنحن علي ما يبدو أمة أليفة مستأنسه لايعنيها شئ وكلما وقعت واقعة نردد مثلنا الشعبي الأثير بمنتهي اللامبالاه: "ياسيدي ياما دقت عالرأس طبول". وهذا ببساطة لاننا شعوب على ما تفرج ...
*******
نظرة :
على قول وزير مالية دولتنا المصونة والذى ظهر فى احدى البرامج وكان له تصريحا "او اشبه بالتصريح" بان دولتنا العفيفة شهدت نموا اقتصاديا بمعدل 7% فى السنة الماضية -وهذا له قياس لا اعلم عنه شيئا فى علم الاقتصاد والذى امتهنه ، ومدى جهلى بهذا القياس الشعبى "كالكساء الشعبى" ليس مفاجأة لى لاننى لم ادرس التقلبات القياسية ، والتى تأتى ضمن قياسات مجتعاتنا التى انقلبت كما تنقلب الشاه عند سلخها- اقول له "يا اخى ارحم جهل الشعب هيبقى جهل وبحلقة" فمنظمة الاحصائيات الاقتصادية اظهرت مصر كابطأ دولة فى النمو الاقتصادى وتأتى بعد زيمبابوى بمراحل "اى والله بعد زيمبابوى" واخرى متخصصة فى دراسة الاقتصاد العالمى وضعت مصر فى الترتيب الواحد وخمسون -وكانت اكثر تفاؤلا- .... وانا اساله "بامارة ايه" اى خدمة تقدمها على المستوى العالمى كى ينمو اقتصادك يا حاج .... الحكاية كلها الشركات التى تباع والاراضى تاتى ببضع الدولارات التى ستصرف عن بكرة ابيها قريبا .... والشعب الفهلوى الذى يصمت الان تباع ارضه وسيردد كالعادة "يا سيدى ياما دقت على الراس طبول" وسلملى على الاشتراكية ... على فكرة انا ضد الاشتراكية ولكنى لا اقبل الكذب .... الا ايه هى معنى الاشتراكية والنبى؟!!!
وفى هذا حديث اخر ان شاء الله


اجمالي القراءات 11313