النشر فى جريدة ( العالم اليوم ) ( 1 من 2 )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٤ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

النشر فى جريدة ( العالم اليوم ) ( 1 من 2 )

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية.  ج 2 الوهابية

الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية 

الفصل التمهيدى : النشر فى جريدة ( العالم اليوم )( 1 من 2 )

مقدمة :

1 ـ ( العالم اليوم ) جريدة يومية إقتصادية أسسها الأستاذ / عماد الدين أديب فى عام 1991. ونجحت من بداية صدورها ، إذ إستقطبت الكفاءات الصحفية المصرية ، وكان لها خطُ ليبرالى بالاضافة الى أن كانت تلبّى الحاجة الى جريدة تعبر عن التحول الاقتصادى فى مصر نحو الانفتاح وإقتصاد السوق ( الحُرّ ) وظهور قوى رأسمالية جديدة مصرية وعربية وأجنبية . على أنها لم تقتصر على المجال الاقتصادى وحده ، بل حرصت على التنويع فى الفن والرياضة والثقافة والتراث .

2 ـ  والتراث هو الجانب الذى أتخصص فيه . إذ كان لجريدة العالم اليوم رؤية سبّاقة هى تجسير الفجوة أو تقليل الفجوة بين الفقه التراثى فى ( المعاملات التجارية ) وعلوم الاقتصاد. وهى فجوة واسعة شاسعة ، إذ أنه برغم كل ما قيل عن ( الاقتصاد الاسلامى ) وتبريرات ( توظيف المال ) فإن الاقتصاديين ظلوا لا يفهمون الكتابات الفقهية ، بينما ظل الفقهاء فى كليات الشريعة عاكفين على تراث الفقه المكتوب فى العصور الوسطى ، والذى يعبر عنها ، ولا شأن له بظروف عصرنا ومستجداته . الشيخ صالح كامل البليونير السعودى كان من مؤسسى العالم اليوم ـ حسبما أعلم ـ وكان مهتما بتجسير الفجوة بين الفقهاء والاقتصاديين ، وأنشأ لذلك مركزا فى جامعة الأزهر . ويبدو أن هذا المركز لم يقدم شيئا سوى المزيد من المكافآت المالية للشيوخ المستفيدين منه . لذا كان الاقتراح أن تكون هناك صفحة فى العالم اليوم بعنوان ( معاملات إسلامية ) تعقد الصلح بين الفقه التراثى وعلم الاقتصاد المعاصر ، ويجتهد من يكتب فيها فى إنتاج رؤية فقهية معاصرة تعايش العصر .

3 ـ  إلتقيت بالاستاذ الكاتب الصحفى ( ماجد عطية ) فى مكتب الراحل فرج فودة . الاستاذ ماجد عطية من مواليد عام 1928 ، وهو واحد من أكبر الصحفيين المصريين المتخصصين فى الاقتصاد . بدأ حياته الصحفية فى السنة التى وُلدتُ فيها أى عام 1949 ، ورأس تحرير جريدة ( وطنى القبطية ) ، ووصل الى نائب رئيس تحرير مجلة المصور ، وأسهم فى تأسيس ( العالم اليوم ) ، ثم أسس جريدة ( الراية المصرية ) عام 1998 ، ورأس تحريرها عام 2001 .  كان ماركسيا فتعرض للسجن والتشريد فى عصر عبد الناصر ، وقال لى إنه بعد الإفراج عنه قابل عبد الناصر لعدة دقائق . مع إخلاصه للماركسية فقد كان مخلصا لعقيدته القبطية ، ومع إخلاصه لعقيدته القبطية فلم يكن على وفاق مع البابا شنودة. ماجد عطية ليس طائفيا متعصبا ، بل عهدته شهما يساعد الناس بغض النظر عن الدين ، هو من  نفس النوعية القبطية النبيلة الذين عرفتهم فى مصر : د يونان لبيب رزق ، ووجيه خير وكمال بولس والقس ابراهيم عبد السيد ود مارلين تادرس . بمثل هؤلاء تحلو الحياة .!

4 ـ كانت لماجد عطية حملات صحفية ضد شركات توظيف الأموال ، وكان هذا من عوامل تقاربه مع الراحل فرج فودة ، الذى قام بحملة موازية ، واصدر كتابه ( الملعوب ) فى الهجوم على قراصنة توظيف الأموال ، وقد شاركته فيها بمقالين فى الأخبار ، وتمت إحالتنا الى نيابة أمن الدولة العليا ببلاغ من شيخ الأزهر وقتها الشيخ جاد الحق .

5 ـ حاول ماجد عطية العثور علىّ إذ رشحنى للإشراف على صفحة ( معاملات إسلامية ) فى جريدة العالم اليوم . لم يكن لدىّ تليفون وقتها ، وكان الاتصال بى صعبا . وإتصل ماجد عطية بالراحل فرج فودة فلم يتمكن من العثور علىّ . كنت أذهب الى مكتب فرج فودة بلا موعد ، لأستريح نفسيا . وقد زرته مرة فأخبرنى بأن ماجد عطية تعب من محاولة العثور علىّ ، وأعطانى تليفونه . إتصلت بماجد عطية فقال لى حزينا إنه كانت هناك فرصة لأن أشرف على صفحة معاملات إسلامية فى جريدة اليوم ، ولكنها ضاعت ، إذ أسندوا المهمة لصحفى شاب تخرج فى الأزهر إسمه عبد الرسول الزرقانى . قلت له : لا بأس ، لا مانع عندى من الكتابة فى الصفحة وليس مهما أن أتولى الاشراف عليها . وبهذا اصبحت كاتبا فى ( العالم اليوم ).

6 ـ حضرت جلسة للتحرير ، وسمعت الاستاذ عماد الدين أديب ينبّه على عدم الخوض فى الاختلافات الدينية ، وكانت رسالة موجهة لى بالطبع . كان هناك تدقيق لما أكتبه قبل النشر ، يقوم به الاستاذ ( كمال ) ( نسيت مع الأسف بقية إسمه ) سكرتير التحرير ، والذى كان يراجع بكل دقة كتاباتى ، ويطلب من الكتابة فى موضوعات معينة تخدم رسالة الصفحة ( معاملات اسلامية ).

7 ــ وقد إتخذت منهجا لما أكتب لأتفادى النفوذ السعودى فى الجريدة ، هو أن أكتب فى الإقتصاد برؤية قرآنية فى الأساس . وحاز هذا المنهج القبول من إدارة التحرير ، وأفادنى علما ، إذ كان بابا جديدا من التدبر القرآنى فيما ينفع الناس فى الحياة الاقتصادية ، كما كان ردا غير مباشر على عقم الوهابية وعجزها عن الاجتهاد فيما ينفع الناس ، وعلى هجر الوهابية للقرآن تمسكا بتفاهات الحديث والسُّنّة . ولكن ضاق النفوذ السعودى بما أكتب ، وحرصا على إستمرارى كاتبا جاءتنى النصيحة بأن أكتب فى التراث وتاريخ المسلمين الاقتصادى . فكتبت تحت عنوان  ( التراث ) مقالات هامة عن الجانب الاقتصادى فى تاريخ الخلفاء . وهذا أيضا لم يُعجب النفوذ السعودى فقاموا بإلغاء الصفحة بأكملها حتى يتخلصوا منى . !! . وتركت العمل فى العالم اليوم ، ومع ذلك إستعانوا بى فى تزويدهم بمقالات فى الصفحة الرمضانية ـ دون ذكر إسمى .

8 ـ أنشر أربع مقالات  ممّا سبق نشره فى ( العالم اليوم ).

أولا : السبت 1/ 4 /1995  : معاملات إسلامية . د / أحمد صبحي منصور.

مقال : ( التشريع القرآني يحرم الاكتناز ويشجع التنمية

  1 ـ  إن القرآن الكريم يحرم اكتناز الأموال ، أي يدعو لتشغيلها ودورانها في الحركة الاقتصادية ، أي يدعو لتنميتها اقتصادياً ، فالمال المكنوز قد يبقى كما هو على أحس الأحوال ـ إذ لم تنخفض قيمته بالتضخم ـ فإذا دار مع الحركة الاقتصادية للمجتمع أسهم في التنمية الاقتصادية وفي سرعة حركتها وحقق لنفسه فائضاً ونجا من التضخم الذي يقلص حجمه يوماً بعد يوم .

 2 ـ وكما يحرم القرآن اكتناز المال فإنه في المقابل يحرم أيضاً الإسراف على المستوى الفردي والمستوى الجماعي ، وقد يبدو أن الإسراف يشجع على زيادة الاستهلاك ، وينعش الأسواق ويحقق التنمية الاقتصادية ، ولكن النظرة المتعمقة تؤكد أن الاستهلاك الترفي القائم على عادة الإسراف يقضي على الطاقة الإنتاجية للمجتمع ويبدد ثروة المجتمع في النهاية.

   إن المسرف حين يشتري ما لا يحتاج ما إليه فإنه يجمد  أمواله فيما لا نفع فيه ، أي أنه يقوم بعملية اكتناز عيني لأمواله ، وتلك السلع الاستهلاكية غير الضرورية التي أسرف بشرائها تتناقص قيمتها سريعاً أو تصبح عديمة القيمة وتنتهي فيضيع فيها المال، هذا بينما يستهلك الفرد المسرف غير المحتاج حصة أخ له معدم كان في حاجة قد تكون ضرورية لنفس السلعة.

 3 ـ وهذا التوجه القرآني في تحريم الإسراف والاكتناز بالغ الأهمية للتنمية الاقتصادية . وإذا أنفق كل فرد ما لديه من فائض في شراء ما لا يحتاج إليه كان ذلك إسرافاً والإسراف حرام وإذا أخفى الفائض لديه تحت البلاطة كان اكتنازاً للمال ، وذلك أيضاً حرام ، إذن فليس أمامه ــ  إذا أطاع الله تعالى ورسوله ــ إلا أن ينمّى أمواله بالحلال عن طريق الأوعية الادخارية المشروعة أو في مشروعات إنتاجية تنمي ماله وتحقق التنمية  الاقتصادية للمجتمع ، وبذلك تدور عجلة التنمية سريعاً بطاقة استثمارية ضخمة .

4 ــ  وفضلاً عن ذلك فإن تشريعات الزكاة والصدقات عظيمة الأثر في دفع عجلة التنمية الاقتصادية ، لأنها ــ بالإضافة إلى تشريعات قرآنية أخرى ــ تحث على إعطاء الفقراء والمحرومين حقوقهم ، وتمنع الأغنياء من أن يأخذوا شيئاً من الفئ ، أو ما يفئ إلى بيت المال ، يقول الله جل وعلا : (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر ) ، (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ  ) أي حتى لا يتركز المال بين الأغنياء فقط فتتعاظم الفجوة بين الأغنياء المترفين المتخمين والفقراء الجوعى المحرومين ، فيتفجّر المجتمع من الداخل وتضيع معه التنمية الاقتصادية .

5 ـ ولكن خطوات التنمية الاقتصادية تتسارع حركتها إذا أخذ الفقراء حقوقهم في الزكاة والصدقات والفئ ، لأن الفقير ينفق ما يأتي إليه في إشباع حاجاته الأساسية اليومية من غذاء وملبس ، أي هو بطبيعته كائن مستهلك ، وكل ما يأتي إليه من مال يعود إلى السوق سريعاً في حركة شراء مستمرة ، أي أن الأغنياء من أصحاب المصانع والمزارع والمتاجر حين يعطون الفقراء حقوقهم فسرعان ما تعود إليهم هذه الأموال في ازدهار حركة الشراء  وتتحقق التنمية الاقتصادية.  وقد فطنت الرأسمالية الغربية إلى هذا الحل الذي سبق أن أشار إليه القرآن ، فقد اقتنعت أوروبا وأمريكا واليابان بأهمية إعطاء العالم الثالث الفقير قروضاً ومساعدات وحين تتخطى هذه الشعوب أزماتها تكون قادرة على شراء منتجات الغرب واليابان فتنتعش الرأسمالية ويصبح العالم الثالث أسواقاً مفتوحة لها .

6 ــ  وتشريعات القرآن ـ حين نطبقها بإخلاص ـ لا تحقق التنمية الاقتصادية فحسب بل وتخلق أيضاً طبقة من الاقتصاديين الشرفاء الذين يتنافسون فيما بينهم في إنتاج أفضل سلعة وفي تقديم أكمل خدمة للمجتمع وبأرخص الأسعار ، وعلى أسس من الوضوح والشفافية يتنافسون في تحقيق أفضل استثمار ممكن لثروة المجتمع المالية والبشرية والاقتصادية .

 7 ــ   هؤلاء هم الذين يفهمون أن قوله تعالى "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" لا يعني مجرد الإيمان والعبادات ولكن عمل الصالحات يضم كل عمل نافع للمجتمع من صناعة وزراعة وتجارة وتنمية اقتصادية يؤديها المؤمن لينفع بها قومه والناس جميعاً وابتغاء أجر الله تعالى له في الدنيا والآخرة .  )

 انتهى المقال .

 

ثانيا : مقال : ( التجار والمستهلكون بين رؤية القرآن والتراث

1 ـ للقرآن الكريم نظرة متوازنة ، لا يقف مع المستهلك " المشتري " على طول الخط ، كما لا يقف مع البائع دائما ، وإنما يقف مع العدل والقسط ، فالقرآن حين يتوعد المطففين لا يقصد بهم الباعة فقط ، وإنما يقصد المستهلكين أيضا ، فالمستهلك الذي يريد أن يأخذ من البائع فوق حقه فهو مطفف ، والبائع الذي يتلاعب بالميزان هو أيضا مطفف ، وكلاهما له الويل : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) ( المطففين ) .

2 ـ لقد كانت " مدين " في العصور القديمة تتوسط الطريق التجاري في الشام ،وكان أهلها ذوي قوة وبأس شديد ، وقد استخدموا موقعهم الجغرافي وقوتهم في احتراف التجارة بمنطق السلب والنهب ، فأرسل الله لهم النبي شعيب عليه السلام وكان محور رسالته يدور حول التوحيد والقسط في البيع والشراء : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) (هود ) . كانوا إذا باعوا بخسوا الكيل والميزان ، وكانوا إذا اشتروا بخسوا السلع حقها في السعر ، فاستحقوا مقت الرحمن ، وأبادهم الله تعالى .

3 ــ على أن المفهوم من القرآن في قصة النبي شعيب وقومه التي ترددت في مواضع كثيرة أن القوة أو النفوذ والسلطة هي التي تمكن القوم من تحويل التجارة إلى سلب ونهب. وهذه حقيقة اقتصادية تنبه إليها العالم العلامة ابن خلدون وأكد عليها في مقدمته المشهورة ، حين حذّر من احتراف الحاكم للتجارة وتدخله فيها ، لأنه بذلك يفسد السوق ويقع في استغلال النفوذ والاحتكار . وحتى حين تعرض ابن خلدون لموضوع التجارة فإنه أكد تحت عنوان " الجاه مفيد للمال " إن صاحب الجاه يتقرب إليه الناس بالخدمة والعمل فإذا كان صاحب الجاه والنفوذ تاجرا اتسعت تجارته ، وإذا كان معدوم النفوذ كانت ثروته بقدر سعيه . لذلك ينصح ابن خلدون التاجر الذي لا جاه له بأن يتجنب احتراف التجارة لأنه سيعرض ماله للضياع .   وصحيح أن ابن خلدون لم يتكلم عن المستهلك مباشرة ، ولكن نفهم بين سطوره أن التاجر صاحب النفوذ يستخدم نفوذه في ظلم المستهلك سواء بالاحتكار أو بالغش في الميزان ، وهذا في حماية أولي الأمر ، وهو آمن من سطوة المحتسب الذي يضبط حركة الأسواق أو يفرض السعر الذي يريده . وفي كل الأحوال فالمستهلك هو الذي يدفع فاتورة النفوذ والقوة لدى التاجر الجشع .

4 ـ ويؤكد ابن خلدون في عنوانين إن أخلاق التجار : ( نازلة عن خلق الأشراف ، لأنهم يمارسون البيع والشراء على أساس المساومة ، وكثيرا ما يلجأون إلى الغش والحيل والأيمان الكاذبة والخداع ، وكل ذلك بعيد عن الشرف والمروءة وقريب من الذل والخسة ، ولذلك يتحاشى ذوو النفوذ والمروءة والشرف العمل بالتجارة. ).! ، ومن الطبيعي حينئذ أن يكون المستهلك في أسوء حال إذا وقع في براثن تجار ذوي نفوذ ، وذلك ما حذر منه القرآن العزيز حين نهى عن أكل أموال الناس بالباطل عن طريق الرشوة واستغلال النفوذ ، قال جل وعلا : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) ( البقرة ).

5 ـ إن من أشد أنواع الفساد إيلاما أن يعمل ذوو النفوذ بالتجارة أو أن يظاهروا التجار ويؤيدوهم بالجاه والنفوذ ليزدادوا تسلطا على المستهلك العاجز . فإذا كانت وظيفة الدولة هي العدل والقسط وإقرار الأمن فإنه إذا استغل أصحاب السلطة نفوذهم في التجارة فقد أصبحوا قطاع طرق ينهبون الشعوب التي ائتمنتهم على حياتها وأموالها . ولذلك نفهم الحكمة من ترديد القرآن لقصة أهل مدين والنبي شعيب عليه السلام ، والذي كرر القرآن مقالته لقومه بإقامة القسط في البيع والشراء ، ويظل مصير أهل مدين عبرة لكل المفسدين ، فإذا عجز البشر عن عقاب المفسدين فإن رب البشر تعالى لا يعجزه شيء ، والعادة أن يتسلط المفسدون بعضهم على بعض لتكون نهايتهم عبرة مثل نهاية قوم شعيب ، وصدق الله العظيم حين يقول :( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)( يوسف  ).

اجمالي القراءات 6643