دخان السيجارة .. قصة قصيرة

شادي طلعت في الثلاثاء ٠١ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في ليلة عاصفة من شتاء يناير، خرج سعيد الطالب بالجامعة، يملؤه الإحباط، كباقي أبناء جيله من شباب مصر، يفكر في المستقبل المظلم، والحاضر القاتم، الذي لا يملك فيه قوت يومه، وأثناء سيره قابل صديق له، طلب منه صحبته لشراء حاجه، وأثناء السير، بدأ المطر بالهطول، فتوقف الإثنان تحت مظلة، يرتجفان من البرد، ينتظران إنتهاء المطر، حتى أخرج الصديق علبة سجائر من النوع الرديء، ويعطي له سيجارة، فتناولها سعيد، وأخذ منها نفساً عميقاً، لينفث بعدها دخان السيجارة مع شعور بالسعادة لا يعلم مصدره، حتى فرغت أول السيجارة، ولا زالت الأمطار تهطل، فيناوله صديقه سيجارة أخرى، ويمتن سعيد للصديق.
ثم ينتهي المطر ليستكملا سيرهما، ويحصل سعيد على السيجارة الثالثة، ويستمر شعوره بالنشوة، والسعادة، والتفاؤل، إلى أن إنتهت حاجة الصديق، وافترق الإثنان.
 
وتمر السنين، ويتخرج سعيد من الجامعة، ليتألق في عمله، ويجني كثير من المال، ويدخن أفخر أنواع السجائر، لكن ضغوط الحياة ومسئولياتها تستمر وتزيد، ويظل عقل سعيد مشغولاً بالتفكير في الحاضر والمستقبل.
 
وبعد مضي أكثر من عشرون عاماً، على لقاء سعيد بصديقه، وفي ليلة عاصفة من شتاء يناير، تتعطل سيارته على الطريق الصحراوي، لا حياة فيه ولا ماء، فيقف على الطريق طالباً المساعدة من السيارات المارة، لتتوقف له سيارة نقل، يقودها سائق تبدو عليه البساطة، يتطوع  لإصلاح العطل في سيارته.
 
لكن الأجواء الباردة جعلت سعيد في حرج من السائق المسكين، بسبب البرد والسماء الملبدة بالغيوم، حتى هطل المطر على كليهما، والسائق لم ينتهي بعدُ من إصلاح العطل، فيأتي سعيد بمظلة ليقي السائق من المطر، ثم يخرج السائق من عباءته علبة سجائره، كانت من النوع الرديء، ويعطي سعيد سيجارة، فيأخذها فقط كتقدير للمسكين، علماً بأنها سيجارة رديئة.
 
لكن بعد أن أشعل سعيد السيجارة، وأخذ منها نفساً عميقاً، إذ به ينفث دخانها مع شعور بالنشوة، والسعادة، والتفاؤل لا يعرف مصدرهم، بيد أن ذاكرته عادت عشرون عاماً للوراء، يوم أن إلتقى صديقه القديم، وشاركه في سجائره، وما أن إنتهت السيجارة الأولى، حتى أعطاه السائق الثانية.
 
ومع إنتهاء المطر، إنتهت السيجارة، وإنتهى عطل السيارة، ليعود سعيد بعدها إلى سيجارته الفاخرة، لكنه يفقد شعور السعادة، وبعدما وصل إلى وجهته، إذ به يشتري علبة من السجائر الرديئة، لعلها تعيد له الشعور بالسعادة، لكن ما لبث أن أشعلها، حتى شعر بردائتها، وألقاها في القمامة.
 
في النهاية :
لم يصل سعيد إلى سر النشوة، والسعادة، والتفاؤل، الشعور الذي أحسه منذ أكثر من عشرين عاماً مضت، كما أحس به أثناء وقوفه مع السائق المسكين، هل السر كان في : دخان السيجارة، أم في شتاء يناير، أم في صحبة بسطاء لا يكنون حقداً، أم حنيناً إلى الماضي القديم.
 
شادي طلعت
اجمالي القراءات 9119