وهابية الاخوان المسلمين والحكم العسكرى فى مصر

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٦ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

وهابية الاخوان المسلمين والحكم العسكرى فى مصر 

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية.  ج 2 الوهابية

الباب الرابع : الاخوان المسلمون فى مصر صناعة سعودية وهابية

الفصل السادس : وهابية الاخوان المسلمين والحكم العسكرى فى مصر

مقدمة :

1 ــ فى بدايته الأولى فى الاسماعيلية كان حسن البنا يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويمارس هذا فى الشوارع والمقاهى . كانت معه مجموعة قليلة تفتقر للنفوذ الذى يقوم بتغيير المنكر طبقا للدين الوهابى . والنفوذ لا يتأتى إلا بالقوة ، القوة المالية والعددية والعسكرية .

2 ــ  ترك الاسماعيلية الى القاهرة ، وسعى لأصحاب النفوذ . أعطاه السراى 500 جنيه ، وقبلها أعطاه الانجليز 500 جنيه ، وتقرب لرشيد رضا ومحب الخطيب وتعرف الى حافظ وهبة ، واصبح تابعا سريا للملك السعودى يتلقى منه الأموال . إستغل كل علاقاته فى تكوين جماعة قوية منظمة تدين له بالطاعة بلا نقاش ، ولها هدف واحد هو الوصول الى الحكم ، وتطبيق شريعتهم ، ومنها ( تغيير المنكر بالقوة ) وفقا للوهابية ، هذا مخالف لليبرالية والممارسة الديمقراطية ، ويعنى الخروج على نظام  الحكم . ولنظام الحكم  قواته المسلحة وقواته الأمنية .

3 ـ لذا كان حتميا لحسن البنا أن تكون له قواته المسلحة السرية . وضع البنا خطته فى مرحلتين : التربية والاعداد ( دعويا وعسكريا ) للوصول الى ( التمكين ) أو الحكم . بعد عشر سنوات ،أى في عام 1938م ــ  بدأ  حسن البنا  ( عسكرة ) جماعته ، فأنشأ  فرق الرحلات التى تطورت الى فرق ( جوالة )  بلباس عسكري ، ثم تطورت إلى كتائب  تحولت الى تنظيم مسلح ، هو الجهاز الخاص أو التنظيم السري، كانت شروط الإنضمام إليه بالغة الصعوبه لأن عناصره يتم اختيارهم بدقة بالغة. لتحقيق الوصول الى الحكم ، أو التمكين .

4 ـ  وبدأ البنا بإرسال شباب الإخوان من مصر إلى فلسطين في بداية الثلاثينيات خلسة، حيث  تسللوا الى فلسطين من الشمال ، وشاركوا مع الاخوانى عز الدين القسّام  فى القتال ، ودخل قسم من الإخوان تحت قيادة  جيوش العرب  ، وبلغ مجموع الإخوان المسلمين الذين استطاعوا أن يدخلوا أرض فلسطين بشتى الوسائل 10 آلاف ، وقاموا بنسف مقر قيادة اليهود وقاتلوا في مدينة  الفالوجة .

5 ــ واكب هذا التدريب العسكرى  ــ سرا ــ  لشباب الاخوان ، و فى  يناير 1948 م أعلن البوليس أنه اكتشف بمحض الصدفة مجموعة من الشبان تتدرب سراً على السلاح في منطقة جبل المقطم، وأنه بمداهمة المجموعة - التي قاومت لبعض الوقت - ضبط البوليس 165 قنبلة ومجموعات من الأسلحة، وقال زعيم المجموعة سيد فايز (وتبين بعدُ أنه أحد قيادات التنظيم الخاص ) : "إن السلاح يجري تجميعه من أجل فلسطين وإن الشباب يتدرب من أجل فلسطين".

6 ــ وفى هذا النشاط  توثقت الصلة بين حسن البنا  وبين من سمّوا أنفسهم ( الضباط الأحرار ) ، وهم مجموعات سرية من الناقمين على أحوال الجيش وأحوال الوطن ، هؤلاء الضباط من نفس جيل الاحتجاج الذى ينتمى اليه حسن البنا . كانوا فى حاجة الى ظهير شعبى مدنى بقدر حاجة حسن البنا الى ظهير عسكرى . إلتقت المصالح بين الناقمين المدنيين ( الاخوان المسلمين ) ، والناقمين من الضباط العسكريين .

7 ـ العصف بالاخوان المسلمين وإغتيال حسن البنا  لم يقض عليهم.  جزء كبير من الاخوان لم يكن معروفا للسلطة ولا حتى لمشاهير الاخوان . مثلا المستشار الهضيبى الذى خلف البنا لم يكن معروفا للجزء الأكبر من الاخوان . كان مديرا لإدارة النيابات، ثم رئيس التفتيش القضائي، فمستشارًا بمحكمة النقض . ثم ظهر للعلن فجأة حين استقال من سلك القضاء وليصبح  مرشدًا عامًا للإخوان  فى اكتوبر 1951م..

8 ــ  قبلها وفى عام 1950  اتفق الوفد مع الاخوان المسلمين علي تأييد مصطفي النحاس باشا في الانتخابات مقابل الافراج عن جميع الاخوان المعتقلين في هذا الوقت ، وبعد فوز الوفد الساحق في هذه الانتخابات  وفى أكتوبر 1951  ألغى النحاس باشا رئيس الوزراء  قرار حل الجماعة ، إحتاج النحاس باشا الى ظهير شعبى بعد أن ألغى معاهدة 1936 . وهكذا عاد الاخوان الى الشارع السياسى يعزز وجودهم الصراع الحزبى وضعف النظام فيما بين 1951 : الى يولية 1952 .

9 ـ ضعف النظام مهّد لنجاح حركة الضباط  الأحرار ، بما أُطلق عليه أولا ( حركة الجيش ) ثم تحولت الى ( إنقلاب عسكرى )، وبتأييد الإخوان وهتافاتهم فى الشارع حملت إسم ( الثورة ) . ونجحت (الثورة)  المصرية .

10 ــ ووصل عبد الناصر الى الحكم ، وألغى الأحزاب ، وتحالف مع الإخوان وابقى عليهم . ثم بدأ يتخلص من الكبار الذين عاونوه ، سواء من كان عسكريا مثل اللواء محمد نجيب أو مدنيا كالاخوان المسلمين . لم تكن هناك قوة للرئيس محمد نجيب ، فكان سهلا إعتقاله وإهانته . ولكن  لم يكن سهلا التخلص من الاخوان المسلمين . إستلزم التخلص منهم صراعا ، فاز فيه عبد الناصر، ولكن استمر الصراع بين الاخوان والعسكر حتى الآن . فى هذا الصراع إستعمل الاخوان المسلمون شريعتهم الوهابية التى تعنى الاغتيال والتفجير ، وما يسمى الآن بالارهاب فى مواجة جيش العسكر وقواته الأمنية .

11 ــ ونعطى لمحة سريعة .

 أولا : الاخوان والعسكر :

1 ـ  فى عام 1946 تمكن الضابط الاخوانى  محمود لبيب من تجنيد خالد محيي الدين وجمال عبد الناصر وكمال حسين للعمل مع النظام الخاص، وقد أقسم ثلاثتهم في يوم واحد على المصحف والمسدس بالولاء للجماعه والتنظيم السري والتضحيه بالنفس،  وكان ذلك أمام عبد الرحمن السندي مسؤول التنظيم . وتابع الصاغ محمود لبيب  تجنيد آخرين من أكبر الرتب ، منهم عبد المنعم عبد الرؤوف، وأبو المكارم عبد الحي، وتم إلحاقهم بالنظام الخاص تحت قيادة عبد الرحمن السندي. ودخل آخرون فى تنظيم الاخوان بعد عودة الجيش مهزوما من حرب 1948 ، وتنوعوا بين تابعين للإخوان أو متعاونين معهم .

2 ـ خفّف عبد الناصر من تبعيته للإخوان ، وجعل اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار التى يشرف عليها مستقلة عن الاخوان . وقام بعزل تنظيم الضباط الأحرار بعيدا عن سلطة الاخوان ، وأتباعهم فى الجيش . هذا فى الوقت الذى واصل فيه عبد المنعم عبد الرؤوف عضو اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار تجنيد المزيد من الضباط لحركة الاخوان ، بل ويدعو الى دمج تنظيم الضباط الأحرار الى الاخوان المسلمين ، مما جعل عبد الناصر يعزله من الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار .  

3 ـ وبسبب تغلغل الاخوان فى تنظيم الضباط الأحرار يزعم  بعض الاخوان أن الاخوان هم الذين قاموا بتكوين الضباط الأحرار داخل الجيش المصرى . وأن حسن البنا  كوّن نظاماً خاصاً للإخوان المسلمين يضم مدنيين وعسكريين يؤهلون تأهيلاً عسكرياً للقيام بأعمال فدائية يتطلبها نشاط الجماعة. فلما تكاثر عدد الضباط بدأ الأستاذ حسن البنا يفكر في تشكيل قيادة خاصة لهؤلاء الضباط وتكون مستقلة عن النظام الخاص ، وأسند رئاستها للصاغ محمود لبيب وكيل الجماعة باعتباره ضابطاً سابقاً بالجيش. وكان محمود لبيب يري أن يجعل لهذا النشاط اسماً حركيا بعيداً عن الإخوان المسلمين فسماهم  " الضباط الأحرار".  

3 ــ بعدنجاح  ثورة 23 يوليو 1952م، طلب عبد الناصر أن يرشح لهم الاخوان  أسماء للاشتراك في الوزارة، فرشَّح مكتب الإرشاد لهم ثلاثة من أعضاء الجماعة، ولكن عبد الناصرأراد شخصيات مشهورة مقبولة شعبيا ، من أمثال الشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ محمد الغزالى . وعرض عبد الناصر وزارة الأوقاف على الشيخ الباقوري، فقبل، وإستقال من الاخوان .  وكان هذا بداية الخلاف بين الاخوان وعبد الناصر ، وتعزّز بسبب رغبة المرشد العام للإخوان أن يكون المرجعية لعبد الناصر .  

4 ـ فى 9 سبتمبر 1952 أصدر عبد الناصر قانون الاصلاح الزراعى ، فرفضها الهضيبى مرشد الاخوان ، فأمر عبد الناصر بإعتقاله فى 13 يناير 1953 . ثم أفرج عنه فى شهر مارس من نفس العام،وبعث اليه بكبار الضباط يعتذرون له .

 5 ـ حلّ تنظيم الاخوان والعصف بهم عام 1954 :  حاول محمود عبد اللطيف إغتيال عبد الناصر في ميدان المنشيه عام 1954 ، فأصدر عبد الناصر قرار حل الجماعة ، وإعتقل منهم عددا كبير منهم ، تعرض بعضهم للتعذيب  .   وفى ديسمبر 1954  صدر الحكم باعدام المرشد العام ، ثم تم تخفيف الحكم إلى المؤبد. وبعد عام من السجن أصيب بالذبحة ، ولكبر سنه نقل إلى الإقامة الجبرية.  وبسبب قسوة التعذيب ظهر التطرف الاخوانى  العنيف ممثلا فى ( مذهب القطبية ) نسبة لسيد قطب بداية من عام 1955. وقد أصبح هو المسئول عن الدعوة والفكر .

6 ـ العصف بالاخوان عام 1964  :  أفرج عبد الناصر عن جميع الاخوان من السجون عام 1960 ، مع صرف حقوقهم ومستحقاتهم بأثر رجعى وعودتهم الى وظائفهم ، لإعادة إدماجهم فى المجتمع وتأهيلهم فى الثورة ، ولكن خرج معظم الاخوان من السجن يحملون آثار التعذيب مؤمنين بالانتقام طبقا لفكر سيد قطب الذى وضعه فى كتاب ( معالم على الطريق ) . وبعد اطلاق سراحهم بدأت عودة تنظيم الاخوان بقيادة سيد قطب وعضوية علي عشماوي وعبد الفتاح اسماعيل وعوض عبدالعال ومحمد عبدالفتاح شريف وغيرهم.  وتوفر لهم تمويل خارجي كان الشيخ عشماوي سليمان هو حلقة الاتصال المسؤول عن توصيل هذا التمويل الى الداخل. ووضع التنظيم الجديد قائمة بالاغتيالات تشمل عبد الناصر وعدداً كبيراً من رجال الدولة والكتّاب والادباء والصحافيين والفنانين وأساتذة في الجامعات وغيرهم رجالاً ونساء. وخططوا لإدخال بعض عناصرهم في القوات المسلحة عن طريق الالتحاق بالكلية الحربية، كما حاولوا اختراق الشرطة ايضاً بالاسلوب نفسه، يضاف الى ذلك تجنيد عدد لا بأس به من شباب الجماعات خاصة في كليات العلوم والهندسة لاعداد المتفجرات بأيسر الطرق، كما كان داخل التنظيم قسم لتجميع المعلومات يتولى مسؤوليته احمد عبد المجيد الموظف بإدارة كاتم اسرار حربية بوزارة الحربية. كانت لعبد الناصر عيونه داخل هذا التنظيم ، فأسرع عام 1964 باعتقال من تم الافراج عنهم من الإخوان مرة أخرى، وبالأخص سيد قطب وغيرهم من قيادات الإخوان، وأعدم سيد قطب مفكر الجماعة في عام 1966 ومعه خمسة من قيادات الإخوان. وذاق الاخوان تعذيبا قتل منهم حوالى 350 .   

ثانيا : التحالف بين الاخوان والسادات وإستمرار الاخوان فى شريعتهم الوهابية

1 ـ فى عام  1973 قام السادات يغلق السجون وبدأ التحالف مع الاخوان ، وبدأ الاخوان التعبير عن وهابيتهم بدعوة المرشد عمر التلمسانى الى فرض الجزية على الأقباط وإعتبارهم أهل ذمة ، أى ليسوا مواطنين مصريين . وبدأ الاخوان بهذا تطبيق شريعتهم فى بث الفتنة الطائفية ، فتأسست مبكرا العمليات الارهابية ضد الأقباط وكنائسهم . وفى عام  1977 الهضيبي أعلن مأمون الهضيبى مرشد الاخوان وجوب منع الاقباط  من التجنيد فى الجيش المصرى متهما اياهم بالخيانة الوطنية .  

2 ـ وفى ابريل 1974  كانت حركة صالح سريه لقلب نظام الحكم والاستيلا ءعلى الكليه الفنيه العسكريه واستخدامها لعمل انقلاب عسكري . وفى  يوليو 1977 قتلوا الشيخ الذهبي وزير الأوقاف لأنه كتب ضد الوهابية .

 3  ـ وبدأت الملاسنة بين السادات والاخوان ، فى حوار علنى بينه وبين الطالب الاخوانى عبد المنعم  ابو الفتوح  عام 1977،  وفيها اتهم السادات بأن من يعمل معه مجموعة من المنافقين .  ثم فى حوار علنى آخر مع المرشد التلمسانى عام 1979 . وأعلن السادات عام 1981 ندمه على التحالف مع الاخوان ، وصار واضحا بعد قرارات سبتمبر 1981 بإعتقال الاخوان أن إغتيال السادات قريب . وإغتالوه فى السادس من اكتوبر عام 1981 .

أخيرا :

1 ـ إحتاج مبارك الى تدعيم حكمه بسياسة التخويف من الاخوان ودولتهم القادمة ، فقام برعاية الوهابية ونشرها فى التعليم والاعلام والمساجد ، وإضطهد أهل القرآن الذين تصدوا لمواجهتها ، وفى نفس الوقت إضطهد الاخوان كتنظيم . أى مكّن لدين الاخوان بينما إضطهد تنظيم الاخوان . وبدأت ظاهرة غريبة ، أن يتشبع الشباب بدين الاخوان الوهابى ، ثم إذا تصرف على أساسه وجد نفسه فى السجن يتلقى العذاب . أى أصبح النظام مؤسس الارهاب ، ينشره  دينا ، ويدعمه بسياسة الإفقار والفساد ليؤسس جيلا ناقما مستعدا للتحرك ضد لدولة ، وعند أى بادرة يجد نفسه فى المعتقل.

2 ـ ادت سياسة مبارك الى إشعال أكبر ثورة شعبية مصرية فى تاريخها ، وبعد طرده تولى الجيش مؤقتا ، ثم تأخر الجيش خطوة تكتيكية فأتاح للإخوان فرصة للحكم ، ومعلوم مقدما فشلهم فيها . وفشلوا سريعا ، فعاد الجيش للحكم بتأييد شعبى ساحق كراهية فى الاخوان .

3 ــ  وبوصول السيسى حاكما باسم الجيش تصالح مع الوهابية وركع للسعودية واذاق الشعب المصرى صنوف الهوان والحرمان .  

اجمالي القراءات 6273