المرشد والمقطم في الدوحة
ثعبان في قطر!

محمد عبد المجيد في الأحد ١٨ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كل دولة صغيرة تحتاج لبودي جارد بقباب الكرملين أو بحماية كاوبوي عصري، إلا دولة قطر فقد اختارت الاخوان المسلمين لحمايتها، وإضفاء الشرعية الدينية على آل ثاني.

لم تنس السلطة في قطر أن تستبدل بالدبابة قناة تلفزيونية يتجمع فيها محترفون، وملكات جمال، وخبراء في اصطياد الضيوف وفبركة الأخبارفتجعل مظاهرة من عشرين كسيحـًـا في زقاق ضيق، أو زنجة .. زنجة مجهولة وفقا لأدبيات العقيد سابقا الذي تم الإفراج عن ابنه، ، كأنها مليونية انفجرت في ميدان التحرير بالقاهرة فتناثرت في الدوحة.

في منتصف السبعينيات كان الدكتور يوسف القرضاوي لا يكترث لغير الدعوة والكتب الدسمة فخرج" الحلال والحرام في الإسلام، من تروس المطبعة، وتلقفه القراء فرحين به. وتفتحت له المنابر والمصارف، وبدا أن مقبرة حسن البنا انتقلت إلى هناك.

 

عندما تـَـقـَطـَّـرَ فكره وحصل على الجنسية القطرية هناك، استأجرت الجماعة مساحة من الهواء تتنفس فيها، وتصبح الـقــِـبلة الثالثة بعد استانبول.

لو أن القيادة القطرية تفرّغت للصراع مع الرئيس السيسي لتبرعت عشرات الجهات بإمدادها بما لذ وطاب من شهود ووثائق ومثقفين ومعارضين، لكن الأمير الأب والأمير الابن اختارا جماعة تاريخها ملوث بالصراع مع ذباب وجوههم وتظن أن الطنين يأتي فقط من السلطة التي ترفض تحكيم الشريعة بشريــًــا!

قطر دولة رفضت أن تلعب دور العروسة "باربي"، وهذا حقها، لكن الجنون هو لعب دور كنج كونج أو جودزيلا فالجيران من حقهم أن يناموا بسلام في أحضان الخليج الدافيء، فلا يُعقــَـل أن ينصتوا إلى صيحات الحرس الثوري الإيراني القادمة من الضفة الأخرى ثم يأتي صدىَ الصوت في الجارة الصغيرة ..  قطر.

ظنت القيادة القطرية أن نقل عاصمة الدولة إلى الأستديو سيجعل الناخب اليانكي يخطيء؛ فيصوّت لأمير قطر بدلا من الرئيس الأمريكي، وتناسىَ سموه أن الإعلامي العربي الذي يعمل في قناة أخرى في غير بلده معرَّض أن تُسرَق حنجرته لمكان آخر؛ فحفيف أوراق النقد فيه أعلى صوتًـا، وكل إعلامي يحتفظ بالاتجاه المعاكس في نفسه، وينتظر الفرصة المناسبة ليقفز بدون باراشوت من قناة إلى قناة ليقدّم برنامجـًـا في اتجاه مغاير تماما لما كان يقدمه.

 

ولكن لماذا اختارت قطر الاخوان المسلمين لتحتضنهم وكل الدلائل والشواهد كانت حاضرة يوم أن سبّبت الجماعة مشاكل أمنية واضطرابات وقلاقل فكرية وشعبية ودينية للعالم الإسلامي برمته، من باكستان إلى الأردن، ومن سوريا إلى تونس، ومن مصر إلى البحرين، ومن الصومال إلى غزة؟

في قطر يأكلون الأخبار بالشوكة والسكين لئلا تصاب الجماعات الدينية بعسر الهضم، وفي قناة "الجزيرة" يسير الحلم والكابوس معـًـا؛ أقصد المرشد والسيسي، ويقوم المذيع بتزييت لسانه لئلا يخطيء فيقول: الانقلاب في الدوحة بدلا من الانقلاب في مصر!

الشعب القطري لا يختلف في طيبته وعفويته وسماحته عن الإماراتيين والبحرانيين والعُمانيين والكويتيين والسعوديين، لذا يخطيء من يبحث عن صفات شعب داخل قصر الحُكم، لكن العدوىَ والأوامر والتوجيهات تأتي من القصر كأي مكان في الدنيا.

وأنا عرفت ملائكةً في قطر يمشون في الأرض مطمئنين وبين أضلعهم يعيش بشر من كل الجنسيات، لكن هبّت رياح وافدية، عربية وإسلامية وفارسية، عاتية ومسممة تبذر كراهية في وسائل الإعلام وتحاول أن تصنع انقلابا في كل شارع عربي فإذا تطرقت إلى انقلابي الأب على الجد، والابن على الأب صمتت، وخرست، وسكتت فرنينُ المال يربط ألسنتها.

 

منذ سنوات طويلة كتبت مقالا تحت عنوان: الرجل الثاني يحكم باسم الرجل الأول، وعجبت أنه لم يخطيء أحد في معرفة الثاني قبل الأول في الدوحة.

والآن تستدعي العائلة الحاكمة في قطر من شقة لندنية فاخرة الرجل الثاني في زمنه، فالشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني يستطيع أن يرسم من جديد لوحات عليها طواحين الهواء ليمارس هواة المبارزة من آل ثاني بدعم جزيري(!) معركة قرضاوية لا تفرّق بين الشقيق في الخليج وبين العدو، كما يرون، في مشارق الأرض ومغاربها، فــ" دون كيخوت" لم يَمُتْ بعد.

 

التوسع العُمراني القطري كأن يمكن أن يتحول إلى معجزة؛ لولا أنه أطال معه رجال الحُكم فبلغوا الجبال طولا، وخرقوا الأرض، كما يظنون، فرأى الشيخ تميم ووالده من أعلىَ الناطحات أن الناس كلهم أصبحوا كعلب الكبريت يتحركون كما يُشاء لهم، والفضل في ذلك يرجع لتبني الفكر الاخواني؛ ولولا الحياء لجعلوا على العـَـلـــَـم القطري صورة محمد مرسي.

قطر لم تُحاصَر من أشقائها، لكنها حاصَرتهم بدعمها السخي لقوىَ التطرف والإرهاب والتدين الزائف طوال سنوات احتلت فيها الدوحة الكرة الأرضية وتصورت أن سكانها سيسقطون من جوانب الأرض إلى الفضاء.

إذا تألم قطري وفرح لألمه شقيقه في الخليج فهذه جريمة في عُرف السماء، لكن الحقيقة الناصعة هي أن قطر فتحت النار الإسلامية على كل مكان ينعم بالهدوء حتى أنها استضافت وجدي إبليس غنيم وهو عبقري في بث الكراهية في الصدور، ويمكنه أن يقذف دماءً من فمه عليها آيات قرآنية سامية، ويزعم أنها تقوىَ القلوب.

 

قطر الصغيرة كانت تدير معاركها الليبية والسيناوية والأردنية والبحرانية والسورية والعراقية والفلسطينية ثم تذيع قناة "الجزيرة" بيانات شيطانية وحوارات مع ضيوف يستبدلون بالحق الباطل شريطة أن تتكاثر الأصفار على يمين حساباتهم.

وفي النهاية يرفع ترامب الإصبع الأوسط للعرب، ثم السبابة والوسطى لشعبه، ثم الأصابع الأربعة للمراكز الإسلامية التي تأوي أجنة الدواعش ..  ويختفي القاتل في المصرف أو في الأستديو أو في المسجد.

لعبة عبثية ككرة الشراب في أحد الساحات الشعبية الصغيرة، وفي النهاية يقتنع اللاعبون أنهم كانوا يتدربون لمونديال 2022!

أخشى أن يكون كل المتفرجين في عام الحسم العالمي بالدوحة من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين الذين سيقومون بتوزيع تذاكر مجانية لأعضاء داعش.

 

لو التزمت دولة قطر منذ سنوات بلائحة الإرهاب التي قامت الإمارات بتوزيعها ؛ فكشفت، وفضحت المراكز الإسلامية في أوروبا لكان أمير قطر يستلقي على رمال الشاطيء فلا توقظه موجة شبه ساكنة لا تلحق بها موجة أخرى.

إن الدولة التي تنحاز إلى جماعة دينية تُربي في صدرها ثعبانـًـا موحيةً لنفسها أنه مصحف شريف؛ فتخسر الاثنين: الدنيا والآخرة.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 18 يونيو 2017

 

 

  

اجمالي القراءات 9250