بدون الحرية الدينية يكون الفساد فى الأرض : حقيقة قرآنية .!!

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٦ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : الحرية الدينية المطلقة أساس فى الاسلام ، والإكراه فى الدين أساس الفساد والكفر

1 ـ  فى المقال السابق (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ..) وضح أن معنى دفع الله الناس بعضهم بعضا يعنى القتال فى سبيله كما جاء فى قصة بنى اسرائيل بعد موسى وكما جاء فى تشريع الإذن بالقتال للنبى محمد والمؤمنين معه بعد تعرضهم لاضطهاد دينى فى مكة . وقلنا إن دفع الله جل وعلا للناس يمنع إنتشار الفساد فى الأرض ، وأن دفع الله الناس يمنع هدم دور العبادة للبشر ، لأن تشريع القتال فى الاسلام له مقصد أعلى هو منع الاكراه فى الدين .

2 ـ وبعقد مقارنة بين الآيتين يتضح أن الفساد مرتبط بالاضطهاد فى الدين . فى قوله جل وعلا : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ ) (251) البقرة ) تقرير  بأن دفع الله جل وعلا للناس  بعضهم ببعض هو منع للفساد فى الأرض . وفى قوله جل وعلا :(  وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً )(40) الحج ) تقرير بأن دفع الله الناس بعضهم ببعض ينتج عنه حصانة لدور العبادة وحرية الدين . بالجمع بين هذا وذاك نستنتج أن حصانة دور العبادة وحرية الدين للجميع تساوى منع الفساد فى الأرض . وبالتالى فإن الإكراه فى الدين يعنى الفساد فى الأرض .

3 ـ والله جل وعلا يحرم الإكراه فى الدين ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) البقرة  ) ، وقال جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100)   ) ، هذا لأن الإكراه فى الدين فساد فى الأرض ، والله جل وعلا لا يحب الفساد . يقول جل وعلا : (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) البقرة ) ولا يحب المفسدين : (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) المائدة  )( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) القصص  ).  وفى الوعظ بما حدث للأمم التى أهلكها الله جل وعلا يأتى وصفهم بالمفسدين . مثل ( وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) الاعراف ) (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) الاعراف )

4 ـ وفرعون موسى موصوف بالفساد ، قال جل وعلا عنه : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص ) ، وقال عن نهايته غريقا بقومه ونظام حكمه ودولته العميقة : (  فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل  )، وقيل له وهو يحتضر عند الغرق وقد أعلن اسلامه ـ فى الوقت الضائع ـ ( الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) يونس )،. وفرعون هذا جمع كل أنواع الفساد، فهو  مستبد وصل به إستبداده الى تأليه نفسه والاعلان أنه ربهم الأعلى : ( النازعات  23 : 24)، وانه لا يعلم إلاها غيره للمصريين : ( القصص 38 : 39 )(غافر    36 : 37  ) وأدمن إضطهاد بنى اسرائيل فى مصر بسبب عدم إيمانهم بألوهيته ، وحين عصاه السحرة قام بصلبهم وتقطيع أيديهم وأرجلهم . لذا تكرر القصص القرآنى عن فرعون لأنه إمام لكل مستبد مفسد مصيره النار (القصص 41   ) وجاء وصف قريش الكافرة بأنها تسير على ( دأب فرعون ) ( آل عمران  11 ) ( الانفال 52 ، 54  )  أى على دينه فى الطغيان والاضطهاد الدينى والاستبداد السياسى .

5 ـ على العكس من ذلك تماما فى الاسلام . الهداية والضلال مشيئة فردية ومسئولية شخصية فى التعامل مع الله جل وعلا ، ومن إهتدى فلنفسه ومن ضل فعلى نفسه (يونس 108 ) ( الاسراء  15 ) ( النمل 92 ) ( الزمر 41 ) ، ومرجع الحكم فى الاختلاف الدينى هو لرب العزة جل وعلا يوم الدين ( الزمر  7 ،  46 ) ( سبأ 25 : 26 ) ، ولهذا مفروض ان تكون للفرد حريته حتى يكون مسئولا عن حريته الدينية ، وإلا فالذى يقع عليه إكراه فى الدين لا يؤاخذه ربه ( النحل 106 ) لأنه جل وعلا لا يحاسب إلا على التعمد (  الاحزاب 5 ). والدعوة فى الاسلام ترتبط بالاقرار بحرية الكافر فى عقيدته وإقامة شعائر دينه ، وأن يعمل على مكانته إنتظارا للحكم الالهى على الجميع يوم الدين ( الانعام 135 ) ( هود 93  ، 121 : 122) (  الزمر 39 : 40)

6 ـ وفى تطبيق هذه الشريعة الاسلامية فى دولة النبى فى المدينة كانت المواطنة ليست بالاسلام القلبى ( لا إله إلا الله ) بل على اساس الاسلام بمعناه السلوكى أى ( السلام ) فكل مُسالم لا يرفع السلاح ضد الدولة والمواطنين هو مواطن بغض النظر عن عقيدته وشعائر دينه . لذا تمتع المعارضون المنافقون ـ الكافرون ــ بحريتهم المطلقة فى المعارضة السياسيةوالدينية لأنها كانت سلمية ، بل كان من المؤمنين من تمسك بعبادة الأوثان والقبور المقدسة وجرى وعظهم فقط ، ( الحج 30 : 31) . فاستمروا على ما هم عليه ، ونزل فى آواخر الايات ما يؤكد إستمرارهم مع التقرير انه ما على الرسول إلا البلاغ ( المائدة 90 : 92) .  لا إكراه فى فرائض الدين . فريضة القتال فى الاسلام ليست بالإكراه بل بالتطوع ، وكذلك تقديم الصدقة ( التوبة  53 : 54 ،  81 : 83  ) وكذا بقية العبادات . هذا يؤكد على أن مهمة الدولة الاسلامية ليس إدخال الجنة ، فهذه بالهداية التى هى مسئولية شخصية ، بل إن وظيفتها هى ضمان حقوق الفرد فى حريته الدينية والسياسية وفى العدل وفى الأمن . الأمن من الغزو الخارجى يتحقق بأن تستعد عسكريا بكل المستطاع من قوة لردع من يفكر فى الاعتداء عليها مع الجنوح للسلم لو جنح الى السلم ( الانفال 60 : 61  ) وفى العقوبة القاسية للعصابات التى تهاجم المواطنين فى الداخل ( المائدة 33 : 34  ). وهذه شريعة الرحمن فى عقوبة الارهابيين فى عصرنا .

7 ــ على أن مسئولية الدولة الاسلامية تقتصر على مواطنيها المقيمين فى داخلها ، ولهذا تأتى الدعوة للمؤمنين المُسالمين خارجها الى الهجرة اليها ليتمتعوا بالأمن وسائر حقوقهم بلا إكراه فى الدين ( الانفال 72 ) و تأتى الدعوة للمؤمنين أن يوالى بعضهم ضد الكافرين المعتدين معتنقى الاكراه فى الدين الذين يوالى بعضهم بعضهم بعضا ، وبدون هذا سيكون فى الأرض فتنة ( أى إكراه فى الدين ) وفساد كبير ، يقول جل وعلا : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) الانفال ). وواضح فى الاية الكريمة الربط بين الفتنة ( الإكراه فى الدين ) وبين الفساد الكبير الذى يمكن أن يعُمّ الأرض.

ثانيا : الاكراه فى الدين أساس فى دولة المحمديين

1 ـ قريش المعتدية الكافرة ما لبث أن دخلت فى الاسلام بعد إنتشاره حفاظا على مكانتها ، ثم تحكمت فى المسلمين بعد موت النبى ففرضت على الأعراب دفع الصدقات ، قاندلعت حرب الردة ، وبعد إخمادها إستغلت قريش قوة الاعراب فى الفتوحات ، والتى كان شعارها الإكراه فى الدين ، فالجيش العربى يطرق أبواب الدولة يخيّرها أو بمعنى أصح يجبرها على القبول بواحد من ثلاث : الدخول فى الاسلام أو دفع الجزية أو الحرب . وحازت قريش فى عهد خلفائها ( الراشدين ) على  كنوز وثروات ايران ومصر والشام والعراق ، فترتب على هذا الفساد ( الفتوحات والسلب والنهب والسبى ) فساد آخر هو الحرب الأهلية أو ( الفتنة الكبرى ) . وعلى أساس هذين النوعين من الفساد ( الفتوحات والفتنة الكبرى ) تكونت أديان المسلمين الأرضية ، وفيها تحول الخلفاء والصحابة الى آلهة مقدسة لا يجوز نقدهم أو مناقشة ما ارتكبوه من فساد .

2 ـ الدولة الاسلامية التى أقامها النبى محمد وفق تشريع القرآن كانت نقطة إعتراضية فى الثقافة السائدة فى تلك القرون الوسطى ، حيث ساد الفساد السياسى والدينى بتحالف الاستبداد مع الكهنوت الدينى ، ساد هذا الفساد العالم المعروف وقتها من الصين الى الهند الى ايران والروم . قريش تصالحت مع هذه الثقافة وأقامت على أساسها امبراطوريتها والتى امتدت من حدود الصين الى جنوب فرنسا فى الدولة الأموية القرشية . ثم قامت الدولة العباسية بإختراع تشريعات دينية تتناقض مع القرآن الكريم ، ومن اجلها تم هجر القرآن . بهذه النشريعات وأديانها الأرضية توطد الكهنوت السياسى للمستبد سواء كان قرشيا أو مملوكيا أو عثمانيا . وكان هو نفس الحال فى اوربا .

3 ـ إلا إن أوربا ما لبث أن تحررت من الكهنوت الكنسى والكهنوت السياسى الاستبدادى بعد ثورات وحروب وحمامات دم . وإختارت أوربا العلمانية وفرضت حظر التجول على الكنيسة ، فلم يعد لها سوى العمل الخيرى . وبعلمانيتها تقدمت وسارت فى الأرض فاكتشفت امريكا واستراليا ، وحكمت العالم واستعمرت بلاد المحمديين . وحاول بعض المصلحين فى مصر وغيرها الأخذ عن الغرب ، وتحقق نجاح فى مصر فى هذا المجال ، وكان ممكنا أن تسود العلمانية وينتهى حكم الكهنوت الدينى لولا ظهور الوهابية خصما للحداثة ، داعية الى أسوأ شريعة وهى الحنبلية السنية . أقامت الأسرة السعودية بالوهابية دولتها الأولى وسقطت على يد محمد على والى مصر ، وأعادت إقامتها ثم سقطت ، ثم أعادها عبد العزيز آل سعود ، وأعطاها إسم أسرته السعودية عام 1932  وبالبترودولار السعودى والخليجى انتشرت الوهابية  فى العالم ، ومعها انهار الدماء والاستبداد والفساد . وبها اصبح المحمديون فى الدرك الأسفل ، وصار الاسلام الذى ترفعه الوهابية شعارا ـ متهما بفظائع الوهابية .

أخيرا

1 ـ ظهر اهل القرآن رد فعل إيجابيا يدعو الى الاصلاح الدينى اساسا لأن الاصلاح الدينى هو الذى يدمر الاستبداد السياسى . الاصلاح السياسى فقط لا يجدى لأن الديمقراطية لا تصلح مع شعب يركبه الكهنوت السُّنى أو الشيعى . لا بد أن يتحرر الفرد من عبوديته لهذا الشيخ وذلك الامام . لا بد للفرد أن يستعمل عقله  رافضا تصديق ما يقال اليه وفق الدين الأرضى القائم على الثقافة السمعية . لا بد للفرد أن يناقش وأن يختار من الأفكار والأديان ما يريد وأن يدعو اليها  شريطة عدم الاكراه فى الدين .

2 ــ لقد رفعت أوربا شعار ( أشنقوا آخر ملك بإمعاء آخر قسيس ), ولا نرغب فى هذا الشعار ، فقد قضى على الملايين من الأوربيين . نريد إصلاحا سلميا يحقن دماء الأغلبية المستضعفة التى تدفع هى الثمن بلا ناقة لها أو جمل . مجرد تنوير العقول يجعل الأفراد يستهزئون بالكهنوت بدلا من تقديسه ، وإذا تم تحييد الكهنوت وهجره لن يجد المستبد المستند الذى يستند اليه . بل إن الأفراد الذين تعلموا حرية الفكر فى الدين ووهدموا الأبقار المقدسة لن يكون عسيرا عليهم الثورة على المستبد . سيتحول إستهزاؤهم به الى مقاومة جسدية لوجيستية له . وحين يتحرر العقل وتتوحد الارادة الشعبية على الصمود والتصدى سيسارع بالخروج آمنا قبل الهلاك ـ لو كان لا يزال لديه بعض العقل .  وهذا ما نرجوه ونجاهد سلميا من أجله .

3 ـ انظروا الى ما يفعله الفساد الكهنوتى والسياسى بسوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال ، وما سيفعله بمصر والسعودية والخليج وشمال أفريقيا . نحن أهل القرآن لا نتصالح مطلقا مع المستبد الشرقى والعربى ، ولا نركن اليه ولا نثق فيه . وسياستنا معه هى الهجوم الدائم عليه ، مع إستمرارنا فى هدم الكهنوت الدينى وتأسيسا للشريعة القرآنية التى ظلت محجوبة ومهجورة منذ 14 قرنا .

4 ـ وبعون الله جل وعلا : إنّا لمنتصرون مهما كره المحمديون .!

اجمالي القراءات 7353