(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ..)

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٥ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1 ـ  تحت عنوان : ( علينا تقديم الشكر ( الخالص ) لشيخ الأزهر د عبد الحليم محمود) كتب الاستاذ سعيد على تعليقا على المقال الأسبق : (فى محنة تغيير النفس الى الأفضل  ) يقول فيه :  ( قدم المدرس المساعد - وقتها - أحمد صبحي منصور رسالته للمناقشة عام 1977 و مات شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود عام 1978 و لحظة فارقة في حياة – المدرس المساعد – حيث قرر عدم الاستسلام و المضي قدما في مناقشة هذه الرسالة لنيل درجة الدكتوراه . هذه اللحظة ما كانت لتنبثق منه إلا بتحريك – العقل – و وضع كافة الاحتمالات.  و كما يقال فإن النجاح يولد من رحم المعاناة . هذه المعاناة الحقيقية أسست لعقلية لا تقبل التنازل و لا بيع الآخرة بدنيا فانية . لذا تجد في كتابة الدكتور أحمد نوعية مميزة من الصدق المعجون بالمعاناة . علينا شكر شيخ الأزهر فقد أوقد شرارة النور !! ــ  و يحسب أنه يطفئها !! ــ  التي أضاءت ــ و مازالت ــ دروبا كثيرة من الظلام ، المعاناة لا يشعر بها إلا من اكتوى بنارها . و تبقى فسحة الأمل في ( التغيير ) هي الأمل المرتجى. و مع كل مقال للدكتور أحمد تشعر برحيق العمر ينساب أفكارا رائعة و نصائح أبوية جميلة . أسأل الله جل و علا لك الصحة و العافية و لأهل القران الكريم مزيدا من القراءة و البحث و الكتابة . فنحن نجاهد بالقران . و هذا الكتاب العظيم يحتاج لمنهج بحث . و قد بيّن الدكتور أحمد هذا المنهج . دمت بود و لأهل القران دوام التدبر. ).

2 ــ ومع الشكر الجزيل له ــ جزاه الله جل وعلا خيرا . فإن تعليقه ذكّرنى بقاعدة قرآنية مذكورة مرتين فى القرآن الكريم ، وهى متصلة بموضوعنا ، وهى قول الله جل وعلا : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة ) وهى فى تعليق على قصة لبنى اسرائيل ، وقوله جل وعلا فى تعليق على تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام :(  وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ). ونتعرض لسياقهما القرآنى :

أولا : فى قصة بنى اسرائيل : ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة ). ونتتبع بإيجاز القصة من بدايتها :

1 ـ أنجى الله جل وعلا بنى إسرائيل وأغرق فرعون وجنده وقومه ونظام حكمه ، وأورث بنى اسرائيل مُلك مصر بمن فيها وما فيها من جنات وعيون ، ومن الطبيعى أن يهب الناس على قصور فرعون ومنئشاته تدميرا ، قال جل وعلا : (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف ). وقال جل وعلا عن وراثتهم كنوز مصر ومزارعها وجناتها بعد هلاك فرعون : (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)  الشعراء ).

2 ـ بالتدخل الالهى أهلك الله جل وعلا المستبد فرعون ونظام حكمه ومكّن بنى إسرائيل الذين كانوا مستضعفين ـ أرض مصر . وصاروا فيها ملوكا . جاء أوان أن يدخلوا الأرض المقدسة ( فلسطين ) التى كتبها رب العزة جل وعلا لهم . فى البداية قال لهم موسى يذكّرهم بنعمة الله جل وعلا عليهم : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (20) المائدة ) بعدها طلب منهم أن يدخلوا الأرض المقدسة التى كتبها الله جل وعلا لهم وحذرهم من التثاقل ، قال لهم :  (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21). رفضوا لأن فيها قوما جبارين ، ولن يدخلوها إلا إذا خرج منها الجبارون : ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)) . إقترح رجلان الآتى : ( قَالَ رَجُلانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (23). ورفض بنو اسرائيل :  ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)) عندها دعا موسى ربه جل وعلا : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)) نزل عليه الوحى الالهى بعقوبة التيه والحرمان من دخول الأرض المقدسة أربعين عاما :  ( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) المائدة  ).

3 ـ وقتها تعود بنو اسرائيل القعود والحنوع بسبب ما عانوه من الجبروت الفرعونى ، ثم ما نعموا به من تملك مصر بلا تعب ، وحتى وهم يغادرون مصر أنعم الله جل وعلا عليهم  بالغمام يقيهم حرارة الشمس وبالآبار تتفجر لهم بعصا موسى وبالمن والسلوى يأتى اليهم ، وكانوا يشتاقون الى ( الكُشرى ) المصرى طعام الفقراء .( البقرة 57 ، 60 : 61 ) . لذا كان منتظرا أن يتثاقلوا عن دخول الأرض المقدسة التى كتبها الله جل وعلا لهم . ولذا ــ أيضا ـ كان العقاب هو التيه أربعين عاما حتى يموت هذا الجيل الخانع ويأتى جيل جديد . يكون اقدر على النضال .

4 ـ فى فترة التيه سار موسى وهارون ببنى اسرائيل الى مكة حيث تعيش قريش والبيت الحرام الذى أسسه جدهم ابراهيم عليه السلام . ودعا موسى قريش الى ( لا إله إلا الله )وأراهم معجزة العصا فرفضوا واتهموه وأخاه هارون بالسحر ( القصص 48  )

5 ـ بعد موت موسى عليه السلام  دخلوا فى دور من الضعف وقد رجعوا الى قريب من فلسطين ، فهجم عليهم ( الجبارون ) وطردوهم من ديارهم وسبوا ابناءهم . إجتمع الملأ منهم وطلبوا من النبى الذى كان معهم أن يعين لهم ملكا يقودهم الى القتال . ذكّرهم النبى بأنه لو فُرض عليهم القتال فقد يتقاعسون عنه . فأعلنوا عزمهم على القتال بسبب ما تعرضوا له من تهجير قسرى وسبى أولادهم . يقول جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ )( البقرة 246 ) . إقتنع النبى برغبتهم فى القتال ، ونزل عليه الوحى بتعيين طالوت ملكا . فإستنكف الملأ أن يكون هذا الشخص العادى الفقير ملكا عليهم ، ورأوا أنهم أحق بالملك منه : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ) ردّ عليهم النبى بأن الله جل وعلا هو الذى إختاره ملكا وميّزه عنهم بالقوة البدنية وبالعلم : ( قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )، وان الدليل على إختياره ملكا أن الملائكة ستأتى لهم بتابوت العهد الذى سلبه منه أعداؤهم وفيه بقية من آثار موسى عليه السلام : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )( البقرة 248 )

6 ـ فى إبتلاء تغيير النفس من الخنوع الى الصمود والتصدى عقد  طالوت لجيشه إختبارا ليعرف من سيصمد منهم ، كانوا عطشى وسيمرون على نهر ، هل سيشربون منه أم سيتحملون العطش ، صمدت الأقلية وتحملت العطش ، والأكثرية لم تستطع قهر النفس ، لذا إنسحبوا قبل القتال وبقيت الأقلية الصامدة مع طالوت . قال جل وعلا : ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ). عند المواجهة قالت الأقلية المؤمنة : ( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) . ونصر الله جل وعلا هذه الأقلية المؤمنة الصابرة ، وبرز منهم الفتى داود الذى بارز جالوت وقتله ، ثم اصبح بعدها ملكا نبيا . قال جل وعلا : ( فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ).

7 ـ وبعدها تأتى القاعدة الالهية :  ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة 251 )

 

ثانيا : فى قصة النبى محمد عليه السلام  والمؤمنين معه :  ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج )

1 ـ أخرجت قريش النبى محمدا والمؤمنين من ديارهم وأموالهم وألجأتهم الى الهجرة الى المدينة ، ولم تكتف بذلك بل تابعتهم بالهجوم عليهم وهم فى المدينة ، وكان المؤمنين وقتها مأمورين بالكفّ عن القتال حتى يتأهبوا للقتال نفسيا وعسكريا . ونزلت تشريعات القتال فى الاسلام ، بأنه قتال دفاعى محصور فى الدفاع فقط دون الاعتداء ، وهذا معنى أن يكون قتالا فى سبيل الله وليس فى سبيل حُطام الدنيا ، قال جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة )( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة ) ،  وأن يستمر القتال الدفاعى بإستمرار الهجوم والعدوان ، فإذا توقف العدوان يتوقف القتال (فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) (فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة ) . والمقصد الأعلى من هذا القتال هو منع الفتنة أى الاضطهاد الدينى ، أى تقرير الحرية الدينية ليكون الدين لرب العزة جل وعلا وحده يحكم فيه بين البشر يوم الدين ، ويكون الوطن للجميع . قال جل وعلا : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة ) (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الانفال ) . إذ أن منع الاكراه فى الدين قاعدة تشريعية فى الاسلام ( البقرة 256 ، يونس 99 ) . ثم إن جنحوا للسلام فليكن السلام  حتى لو كانن الطرف الآخر مخادعا ( الانفال 61 : 62 ) .

2 ـ لكن معظم المؤمنين الذين تعودوا الخنوع كرهوا القتال مع إنه الخير لهم ، قال جل وعلا:(كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) البقرة  ). وطلبوا تأجيله فقال جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77)  النساء )

3 ـ فى إبتلاء تغيير النفس من الخنوع الى الصمود والتصدى كان لا بد من تحريضهم على القتال خصوصا وقد كان المؤمنون وقتها أقلية عددية تواجه عدوا أكبر عددا ، لذا قال جل وعلا للنبى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) الانفال ) .كان التحريض علاجا للانفس وتغييرا لها الى الأفضل لتواجه عدوا فاجرا كافرا معتديا ، قال جل وعلا للنبى محمد ( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84) النساء )

 

4 ـ هذا هو السياق الذى نزل فيه قول رب العزة جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ). هنا تقرير إلاهى بأنه جل وعلا يدافع عن المؤمنين لأنه لا يحب المعتدين . ثم الإذن بالقتال للذين يقع عليهم الهجوم القتالى مع وعد بالنصر لهم ، و ذكر لحيثيات اللإذن بالقتال ، فقد أخرجهم الطُّغاة البُغاة من ديارهم وأموالهم لمجرد أنهم يقولون ربنا الله .

5 ـ ثم يأتى التأكيد بالمقصد الأعلى للقتال فى الاسلام وهو حرية الدين و إقامة الشعائر وحصانة بيوت العبادة للجميع من صوامع وبيع وصلوات ومساجد . وهذا هو سبب دفع الله جل وعلا الناس بعضهم بعضا .: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ).

أخيرا :

1 ـ الحرية الدينية أساس الحرية السياسية ، كما أن سيطرة الكهنوت الدينى ترتبط بالاستبداد السياسى وتحالف المستبد مع رجال دينه .

2 ـ  الدول القوية المتقدمة فى العالم هى الدول التى تضمن الحرية المطلقة فى الدين لكل المواطنين . ومنها إسرائيل التى تتأكد الحرية الدينية فى قوانينها وفى ممارساتها ، وفيها يعيش يهود ومسلمون وبهائيون ومسيحيون وشتى المذاهب ـ فى سلام وأمن . دخل رئيس إسرائيلى السجن ، و الذى حكم عليه بالسجن هو قاض مسلم الديانة اسرائيلى الجنسية .!

3 ـ الأجهزة الأمنية الاسرائيلية تتخصص فى حماية المواطن الاسرائيلى ـ وليس فى قهره وتعذيبه . والجيش الاسرائيلى تعود هزيمة الجيوش العربية فى كل المعارك ، وهو فى حالة حرب من عام 1948 وحتى الآن ، ولم يحدث أن فرضت اسرائيل قانون الطوارىء . والجندى الاسرائيلى مخلص فى الدفاع عن دولته لأنها .. دولته !!. وحرص اسرائيل على الجندى الاسرائيلى فى حياته تمتد الى حرصها على جثته إذا قُتل , لا بد أن تجدها لتكرمها بالدفن فى وطنه .

4 ـ هذا بينما الجيش المصرى ــ أقوى جيش عربى ـ قد إنهزم عام 1948 ،فأسس دولة اسرائيل . وانهزم بالضربة القاضية عام 1956 وترك سيناء لاسرائيل وجعل عبد الناصر هذا عيدا للنصر . وبالتدخل الدولى  وبالتنازل عن قرية ام الرشراش أعادت اسرائيل سيناء الى مصر , وإنهزم الجيش المصرى عام 1967 بهزيمة ساحقة ماحقة . وانهزم عام 1973 وظهرت هزيمته فى إتفاقية كامب ديفيد .

5 ـ ولكن ــ والحق يقال : إن الجيش المصرى ينتصر دائما على الشعب المصرى ، وهو يحقق هذه الانتصارات اليومية منذ أن حكم مصر عام 1952 ، ومنذ أن فتح عبد الناصر السجن الحربى لتعذيب المدنيين المصريين ، ومنذ أن حول السادات مصر الى جبهة داخلية بعد  الصلح مع اسرائيل ، أى أصبح العدو للجيش المصرى هو الشعب المصرى . ثم هبطت مصر الى الحضيض فى عهد السيسى بطل معركة بيع تيران وصنافير .! .

6 ــ بالمناسبة هذه المقولة : ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) هل تنطبق على العرب والمسلمين أم على إسرائيل ؟

أخيرا :

1 ـ ضمن دفع الله جل وعلا الناس بعضهم ببعض ظهر أهل القرآن رد فعل إيجابيا صامدا متصديا ضد الوهابية وتحالف الاستبداد السياسى والكهنوت الدينى .

2 ـ  نرجو أن يتحقق فينا قول رب العزة جل وعلا : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج )   

اجمالي القراءات 8975