النبي لن يشفع لك لتدخل الجنة بدلا عن النار
النبي لن يشفع لك لتدخل الجنة بدلا عن النار

أنيس محمد صالح في الأحد ١١ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

النبي لن يشفع لك لتدخل الجنة بدلا عن النار

بسم الله الرحمن الرحيم

1 ـ ان القرءان يتحدث عموما فيؤكد ان اى نفس بشرية لا تجزي عن اى نفس أخرى شيئا ولن تشفع فيها
(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (48)
(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (123)البقرة)،

وانه في ذلك اليوم لا ينفع الوالد ابنه ولا ينفع الابن اباه:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان33).

فكيف نقول بأن الشهيد يشفع في أربعين من أهل بيته بينما يقول الله تعالى بأنه لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً...إننا نهوى الانحراف عن دلالات النص القرءاني.

وجاءت الايات الكريمة السابقة مشفوعة بالامر بالخشية والخوف من هذا اليوم يوم الحساب والتحذير من خداع الشيطان وغروره.وأكد القرءان ان كل امرئ سيفرّ من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس )وكل ذلك ينطبق على الانبياء جميعا .

2 ـ الا ان القرءان اكد على أن خاتم النبيين لا يملك ان يجزى عن احد شيئا يوم الحساب ،وهذا التأكيد فيه اعجاز ضمنى يردعلى من جاء بعد القرءان ليثبت شفاعة النبي خلافا للقرآن ، ان رب العزة جل وعلا يقول عموما

(يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)الانفطار ).

ويقول للنبى خصوصا: ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) آل عمران128)،

كما يقول تعالى للنبى في سؤال استنكارى: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) الزمر)

أى لا يستطيع ان ينقذ احدا من النار إذا دخل النار ،لأن كلمة الله تعالى إذا حقّت فلا تتبدل ،وهذا معنى قوله تعالى يوم القيامة لأهل النار: ( مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ):( ق29).

3 ـ وعند الحساب بالذات لا يملك النبي ان يساعد أصحابه ولا يملك أصحابه أن يساعدوه،يقول تعالى عنه وعن اصحابه المؤمنين

(وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ (52) الانعام 52)

وهى مساواة بينه وبينهم في الحساب . كما لا يملك ايضا اعداء النبي ان ينفعوه يوم الحساب (إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) الجاثية 19).

وهذه حقائق القرءان من شاء فليؤمن ومن شاء فليكذب :

(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )(114)الانعام ). وصدق الله العظيم.!

النبي محمد عليه السلام سيأتى شاهد خصومه على قومه

1 ـ ان كل نفس ستأتى يوم القيامة تجادل وتدافع عن نفسها ( النحل 111)وينطبق هذا على خاتم النبيين ، فسيأتى يدافع عن نفسه بأنه بلغ الرساله وانه يتبرأ من كل من هجر القرءان.

صحيح ان الله تعالى سيجمع الرسل يوم القيامه ويسألهم عن مدى استجابة الناس اليهم ، وصحيح انهم سيردون بأنهم لا يعلمون ، لأن الله تعالى وحده علآم الغيوب :

( يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ )(المائدة 109).

إلّا أنّ ذلك يتعلق بسرائر الناس وحقيقة اعمالهم وهذه غيوب لا يعلمها إلّا علام الغيوب جل وعلا ، ولهذا فهو وحده الذى يعطى ملائكة تسجيل العمل الإذن بشفاعة العمل لمن يعلم بصلاحهم ويرضى عنهم .

أمّا شهادة النبي على قومه وشهادة الاشهاد على اقوامهم فهى تتناول الاقوال والافعال الظاهرة فقط لأن النبي لا يعلم ما بالضمائر .

2 ـ ويقول سبحانه وتعالى عن يوم الحساب (وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ )الزمر 69 -70)

أى يوضع الكتاب ، الكتاب الالهى أو الرسالة السماوية في كفة الميزان ،وكتاب الاعمال لكل فرد في كفة أخرى (الأعراف 8-9) .... ثم يؤتى أولا بالانبياء والشهداء الذين يأتون شهداء على قومهم فيعطوا شهادتهم ، ويقضى رب العزة بينهم بالحق ،.....

ثم بعدها يأتى حساب كل الانفس وكل الامم ليحاسبهم رب العزة فردا فردا بما عملوا ، وهو جل وعلا الأعلم بما كانوا يفعلون وما يُسرّون وما يعلنون .

3 ـ وفي مفهوم القرءان فالشهداء في الآخرة هم الذين يشهدون على اقوامهم. وهؤلاء الأشهاد أوالشهداء هم من الانبياء والدعاة للحق الذين ساروا على طريق الأنبياء وتواصوا بالحق وبالصبر وتمسكوا بالكتاب وتحملوا الأذى في سبيله .

وسيدلى الأنبياء والشهداء بشهادتهم يوم القيامة على العصر الذي عاشوا فيه والناس الذين شهدوهم وعايشوهم في نفس الزمان والمكان . يقول تعالى : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ) النحل 84 ).

ويقول جل وعلا لخاتم النبيين عليه وعليهم السلام ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا ) النساء 41).

أى جىء بك على هؤلاء القوم من قريش خصما أو شهيدا عليهم ، فلكل امة شهيد يشهد عليها يوم القيامة وسيكون النبي على السلام شهيدا على قومه ، أى شاهد خصومة لأن (شهد على) تفيد الخصومة يقول سبحانه وتعالى للعرب وقريش
( إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا ) المزمل 15) . فهو شاهد عليهم .

4 ـ وبعد موت النبي يظل طريق الدعوة للحق مفتوحا لكل من يتبع سبيل الحق الذى سار عليه النبي :

(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف 108).

ويقع عليهم عبء المواجهة للضلال الذى يزحف متسللا بعد موت النبي ، لأن الشيطان لا يقدم إستقالته ، بل يظل يتفنّن في إغواء البشر ، إذا تنبهوا له من اليمين أتاهم من الشمال ، ولا ييأس حتى ينجح في إضلال الأكثرية من البشر ، وهكذا فعل بالمسلمين المحمديين :

(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )(الأعراف 16 : 17).

وكلما إزداد إضلال الشيطان للناس إزدادت المعاناة لدعاة الحق ، ويوم القيامة يؤتى بدعاة الحق يشهدون على اقوامهم وعلى إئمة الضلال الذين زيفوا في دين الله وإفتروا على الله ورسوله كذبا ، وأقاموا على أنقاض الدين السماوى أديانا أرضية بالتزوير والبهتان .

يأتى دُعاة الحق يوم القيامة يشهدون على هؤلاء الظالمين الذين إفتروا على الله تعالى كذبا وكذّبوا بآياته . يقول جل وعلا عن أولئك الظالمين:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )، ويصف عرضهم أمام الواحد القهّار جل وعلا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ ).

ويذكر جل وعلا شهادة الشهداء الأشهاد عليهم شهادة خصومة:( وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ...

ويذكر الأشهاد كيف أن أولئك الظالمين أصحاب الجاه في الدنيا كانوا يصدون عن سبيل الله ويحاربون كتابه وصراطه المستقيم ليبغونها عوجا:

( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) ...... وكأن الايات الكريمة تنزّلت لتصف بالضبط عصرنا البائس .!!.

ويقول جل وعلا عن أولئك الظالمين المفترين أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ).

ويقول تعالى عن الرسل والاشهاد من الذين آمنوا ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ).غافر 51-)

5 ـ وقد ذكر رب العزة ـ مقدما ـ شهادة عيسى عليه السلام على قومه في مشهد حسابه يوم القيامة اذ سيسأله ربه جل وعلا :

( أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ) ......

ويرد عيسى عليه السلام مدافعا عن نفسه : ( قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ).....

وفي شهادته يؤكد عيسى عليه السلام أنه كان شهيدا عليهم المدة الى عاشها بينهم الى أن توفاه ربه جل وعلا ، وهو جل وعلا الرقيب عليهم وهو على كل شىء شهيد :

( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ).

ثم في تأكيد تبرئه منهم يقول عيسى عليه السلام لربه : ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) لم يقل:(وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم) حتى لا يكون متعاطفا معهم وميّالا للعفو عنهم .

وتأتى شهادة الله جل وعلا لعيسى بالصدق وباستحقاقه الجنة في يوم الدين:( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(المائدة 116 : 119).

تركزت شهادة عيسى عليه السلام في موضوع تأليهه الذي سيسبب له حرجا يوم الحساب أمام الواحد القهّار جل وعلا .

6 ـ أما الحرج الذى سيقع فيه خاتم المرسلين فهو أشد . سببه تلك الأحاديث التي نسبوها له إفترءا وكذبا وظلما بعد موته . وبها جعلوه إلاها مقدسا متحكما في يوم الدين .

لذا فإن شهادة محمد عليه السلام ستتركز في هجر قومه للقرآن بسلوكياتهم ، ثم سار اللاحقون على سيرة هذا السلف غير الصالح حيث قاموا بتشريع هذا الفساد السلوكى بإفتراء أحاديث نسبوها زورا للنبى عليه السلام ،ومن أجلها اتخذوا القرءان مهجورا، ولذلك فإنّ رب العزة يعتبرهم الله تعالى اعداء للنبى .

ونعايش السياق الذى جاء فيه جل وعلا بشهادة خاتم النبيين على قومه العرب :

(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلا الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القرءان مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفي بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) ( الفرقان 25 : 30).

فالظالم يوم القيامة يندم أشد الندم ـ حيث لا ينفع الندم ـ لأنه لم يتخذ مع الرسول سبيلا ، ولأنه لم يتبع ( الذّكر ) أى القرءان، فالرسول هنا أو (الذكر ) هو الرسالة أو القرءان ، أي إن الندم يشمل كل الظالمين الذين اتخذوا القرءان مهجورا من قوم الرسول محمد الذين عايشهم ومن جاء ويجيء بعدهم من الظالمين ، فكلهم اتخذوا القرءان مهجورا.

يدخل ضمنهم ( صحابة الفتوحات ) الذين آمنوا وهاجروا ، ثم بعد موته عليه السلام إرتدوا بما قاموا به من احتلال لأوطان وقهر سكانها وقتل مئات الآلاف من أحرارها واغتصاب نسائهم واسترقاق ذرياتهم ونهب أموالهم ، مما تسبب عنه وقوع أولئك الصحابة في الحرب الأهلية أو الفتنة الكبرى بسبب نزاعهم على ثروات الأمم المفتوحة المنهوبة .

والله جل وعلا أنبأ بذلك مقدما في مكة بتكذيبهم للقرآن حين قال لقوم النبي محمد عليه السلام : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) ( الأنعام ) .

7 ـ والمستفاد أن الذين يتخذون القرءان مهجورا هم الأعداء الحقيقيون للنبي محمد عليه السلام ، ذلك أنه لكل نبى يوجد أعداء من المجرمين أولياء الشياطين الذين يتخصصون في اتخاذ الرسالة السماوية مهجورة ، وفي إنتحال الكذب والافتراء على النبي وتأسيس دين أرضى يجعل الدين الحق مهجورا .

وهنا نتذكر أيضا قوله جل وعلا عن أعداء الأنبياء : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)( الأنعام )

8 ـ ويتأكّد هذا في آية أخرى يوضح فيها الله تعالى ان القرءان الذي نزل تبيانا لكل شيء هو شهادة النبي على قومه وشهادة الأشهاد أو الشهداء من بعده على أقوامهم ،يقول سبحانه وتعالى :

( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(:النحل 89) .

أى نزل القرءان الكريم تبيانا لكل شيء يحتاج الى التبيين والتفصيل . فيه تفصيلات جاءت على (علم ورحمة ) لمن يفقه ويتعلم ويريد الهداية من المؤمنين :
(وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الأعراف ) .

وفيه الاسترشاد والعمل بالعُرف والمعروف المتعارف على أنه عدل وقسط وخير ، وهذا في الإجماليات من الأمور التي لا تحتاج الى تفصيل .

أى جاءت تشريعات القرءان بميزان دقيق (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى ) وبالقول الفصل (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17) الطارق ) ولكن أعداء القرءان يكيدون للقرآن كيدا وموعدهم الساعة.

هم يصدون عن القرءان ويبغونه عوجا وهو الصراط المستقيم . هم يقولون ان القرءان وحده لا يكفي وينكرون قوله تعالى ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ) العنكبوت 51 ).

ويسمون أكاذيبهم (سُنّة ) ويجعلونها فوق القرءان ، ويقولون لا كتاب بدون سنة !!. واذا تعارضت آيات القرءان مع تلك الأحاديث الكاذبة تمسكوا بالأحاديث ورفضوا القرءان . ومن أجل ذلك يتمسكون بشفاعة النبي التي تتناقض مع القرءان.

لذا ستأتى شهادة النبي عليهم وشهادة ( أهل القرءان ) عليهم بأن القرءان كتاب مبين

• (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف ).
• وأنّ آياته بينات (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ )(16) الحج) فليس محتاجا لتفسيرهم المزعوم .
• وأنه جاء تفصيلا وبيانا لكل ما يحتاج للتفصيل والبيان ، فليس محتاجا لأحاديثهم الضالة .
• وجاء كاملا تاما وليس ناقصا لتكمله أحاديثهم وسنتهم (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) الانعام )
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً (3) المائدة ).

هذا هو فحوى الشهادة عليهم يوم الحساب وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (النحل 89).
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض وباحث إسلامي

اجمالي القراءات 10621