خدعة فهْم السلف

مولود مدي في الثلاثاء ٠٦ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

من المصطلحات الرائجة كثيرا في الأوساط الفقهية الاسلامية, و بين عامة المسلمين, مصطلح " فهم السلف ", '' فهم السلف للقرأن "," فهم السلف للسنة " الخ .. و " فهم السلف " هذا من القواعد المقررة عند دين السنة والجماعة على أنهم يعتمدون تفسير الصحابة وفهمهم للنصوص, و حجّتهم في ذلك أن السلف حضروا التنزيل, وخصهم اللَّه تعالى بالفهم الثاقب حسب ما يدّعي دين السنّة و الجماعة .. أي أن ما يطلقون عليه " حجّية فهم السلف " نابعة من العاطفة لا أكثر و لا اقل و الدليل:

النصوص القرأنية الكريمة عندما خاطبت المسلمين لم تذكر هناك " فهم السلف " بل قالت (يا أيها الذين آمنوا ), لذا فهم النصوص القرأنية و الاجتهاد فيها هو من واجب كل المسلمين, و قولهم حضروا التنزيل فهذه أصلا ليست بحجة, فليس كل طالب دائم الحضور في الجامعة هو بالضرورة يستوعب كل الدروس التي يحضرها, ولو نتقيد  ب " فهم السلف " فماذا سنفعل بالأية القرأنية ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ؟, سيقولون لأن عقولنا قد تخطئ الفهم، وسلفنا هم خير القرون والأقدر منا على الفهم, و سأقول ماذا لو أخطأ سلفكم في مسألة أو مسائل واتبعتموهم فكيف تعتذرون إلى ربكم يوم القيامة ؟ أم لديكم الحل الاحتياطي المتمثل في " الشفاعة " ؟!, لذا ليس هناك في القرأن ما يمنع المسلم من فهم النص ان وصل درجة الاجتهاد و الفهم.

و المغالطة الثانية التي نشروها هي تحريفهم لمعنى الأية القرأنية ( ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم  ), لاحظوا هنا القرأن يقول الرسول و اولي الأمر و أولي الأمر بوضوح شديد هنا معناه المجتهدون في كل عصر و ليس السلف, بل لا يوجد في هذه الأية أية اشارة للسلف و لا هم يحزنون.

حتى الصحابة الذين يعبدونهم و يقدّسونهم و يجعلونهم بشرا لا يجوز نقدهم, لم يلتزموا بـ " فهم السلف ", ويؤيد هذا ما جاء في صحيح البخاري (1/204) وغيره عن أبي جحيفة قال : قلت لعليّ – بن أبي طالب - هل عندكم كتاب ؟ قال : (لا إلا كتاب الله أو فَهْمٌ أُعْطِيْهِ رجل مسلم ... ), فأين فهم السلف هنا ؟ الصحابة لم يلتزموا به فكيف يجبروننا أن نلتزم به نحن ؟.

للأسف دين السنّة و الجماعة يتعامل مع النصوص و كأنها تركة ابائهم لا يحق لأحد مناقشتهم فيها, و بسبب الجهل السائد في وسط المجتمع العربي احتكروا فهم هذه النصوص, و زاد الطين بلّة تقديسهم للصحابة, فيجعلون فهمهم لهذه النصوص صالحا لكل زمان و مكان, فلا يقيمون فرقا بين عصر البداوة و التداوي ببول النياق مع عصر التكنولوجيا و العلاج بأشعة الليزر, فلا يفهمون أن السلف رغم البيئة القاحلة التي عاشوا فيها لم يمنعهم ذلك من معايشة واقعهم ، ومعالجة مستجداته, لكن يرمون هذا وراء ظهورهم ويقولون أن زمن السلف هو خير القرون و هذه أكذوبة كبرى, فما أن توفي الرسول حتى " عادت حليمة الى عادتها القديمة " فنشأت بينهم الخلافات و الصراعات السياسية و سالت الدماء و كفّروا بعضهم بعضا و فرّقوا دين المسلمين شيعا.

أما حجّتهم في ان السلف كانت لهم نظرة ثاقبة للنصوص – ذكاء - و دراية جيدة باللغة العربية, فأننا نرد أن العلم يستلزم وجود العقل السليم و ليس فقط الخواص العقلية كـالعبقرية و الذكاء التي هي أصلا خواص مشتركة بين جميع البشر بدرجات متفاوتة, فلو كان العلم يعتمد فقط على " النظرة الثاقبة " فلن يكون للعلم أية قيمة, فتصبح الحقيقة لها قيمة فقط عند العلماء, لذا العلم يتحقق بحب البحث عن الحقيقة, أما الضعف العقلي للأخرين فهو نتاج ركون الناس المتسرّع للجهل, فالناس يفضّلون من يفكّرون نيابة عنهم و يشمئزّون من الجهد العقلي.

على المسلم أن يكون مثل القاضي الذي يجلس للقضاء, فيحمل الشهود على الاجابة عمّا يطرح عليهم من أسئلة, لا أن يكون مجرد تلميذ, مثلما كان الفقهاء الأسبقون الذين تركوا معلّميهم يقولون ما يحلوا لهم, ولهذا خرج فهمهم للنص القرأني مشوّها, فتارة يذهبون لأقوال السلف, و تارة يتنصّلون منها ليتّبعوا تفسيرات شيوخهم, فدفعنا نحن الخلف الثمن غاليا بظهور الارهاب الفكري و الجسدي في مجتمعاتنا و فوضى الفتاوى و أحكام التكفير, وباختصار لم يلتفتوا أبدا لعقلانية التأويلات, و اكتفوا بما قاله السلف, أو بالفهم الحرفي للنصوص, فأصبح من يحفظ تفسير " ابن كثير " أو " القرطبي " أو " السيوطي " عالما و مفكّرا اسلاميا لا يشق له غبار .. لقد نسوا أنهم لن يكونوا علماء عن جدارة الا بأخذهم لمناهج الذين سبقوهم و نقدوها و استخلصوا منها ما ينفع و يواكب تطور الانسان لأن فهم السلف ليس قرأنا مقدّسا لا يقبل الحفظ و الاضافة. 

اجمالي القراءات 8161