بدائع فتاوي فقهاء الكراهية

مولود مدي في الثلاثاء ٣٠ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الأديان عموما جاءت لترسيخ مبادئ التسامح و قبول الأخر و محاورته بالحجة, لذا رسالة الاسلام العالمية هي رسالة اخلاقية قبل كل شيء فهي تأمر بحسن الخلق و حسن الجوار, لكن بعد التجديد الوهّابي اختفت كل معالم المعاملة الحسنة في نفوس المسلمين, لأن الوهّابية تعتبر اضمار الشر و الكره للطرف الأخر المخالف هو عبادة و تقرب من الله, و بالتالي لن نتعجب من " اسود السنّة و الكتاب "  و كبيرهم الذي علمهم السحر " ابو بكر البغدادي " ذبحهم للبشر بدم بارد تحت صيحات الله اكبر و قطعهم للرؤوس ليلعبوا بها كرة القدم.

ان الإرهاب هو سلاح الشعوب عندما تعاني المهانة والضعف والمذلة ، مطابقة مع حال المسلمين الأوائل الذي أقاموا قوتهم بالجهاد ، ومن ثم أصبح التصور الغيبي أن استعادة هذه الفريضة التي غابت كفيل وحده بعودة الله لنصرة دينه وعباده الصالحين كما حدث للمسلمين الأوائل وهم قلة أذلة ، دون أي اعتبار لمتغيرات الواقع الهائلة وموقع المسلمين المتميز في قاع هذا الزمن.

الطامة الكبرى هي أن " جهابذة الأمة الاسلامية " أو جهابذة الوهّابية اعتبروا أن كل تعايش سلمي بين المسلمين و اصحاب العقائد الأخرى هو نتيجة لضعف في ايمان المسلمين و جهل بأصول الشريعة السمحاء – الشريعة الوهّابية – فعلى سبيل المثال احد اساطين الوهّابية " ابن باز " - عالم الفلك الشهير الذي قال بأن الأرض مسطحة وليست كروية – يفتي بشان العلاقة بين المسلم و غير المسلم فيقول " اننا لا نكن العداء لليهود و اليهودية و اننا نحترم جميع الأديان " .. كلام جميل جدا و في غاية الانسانية لكن على ما أظن ان هذا الشخص كان في حالة هلوسة عندما قال هذا الكلام لأنه عاد و قال " هذا الكلام يخالف صريح الكتاب العزيز و السنّة المطهرة و يخالف العقيدة الاسلامية, فقد دل الكتاب و السنّة و اجماع المسلمين انه يجب على المسلمين أن يعادوا الكافرين منه اليهود و النصارى و سائر المشركين و أن يحذروا مودتهم و اتخاذهم أولياء, و الآيات في هذا المعنى كثيرة تدل دلالة صريحة على وجوب بغض الكفار من اليهود و النصارى و سائر المشركين و على وجوب معاداتهم و تدل أيضا على تحريم مودتهم " ( مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز 2, 187), و هكذا و بهذه البساطة يدعوا هذا الشخص المسلمين الى الكراهية و يتسربل بالكتاب و السنة بل و يكفّر كل من ابدى مودة للنصارى و اليهود و غيرهم و لا ندري لماذا يشغل نفسه بالدعوة الى الكراهية و بغض الأخرين و بلاده تلهث وراء امريكا الكافرة و اسرائيل اليهودية جهارا و نهارا بل ولا يدري أن بلاده هي نتاج اتفاقية بين " ال سعود " و " روزفلت " في 1945 أما سبب هذا الهذيان فمن المحتمل أن سماحة الشيخ افرط في شرب بول البعير الى حد الثمالة ثم جاء ليفتي و يكفّر.

و من جانبه يرى الديمقراطي الكبير و " حجة الاسلام " مفتي الدار الأبيض يوسف القرضاوي أن العلمانيين هم من يتسامحون مع المسلمين و هذا من كفرهم ثم يؤكد " ان المسلم اذا فرضت عليه العلمانية فقد فرض عليه أن يتحلل من دينه .. لأنه لا يستطيع أن يوالي او يعادي على اساس العقيدة, لأن العلمانية ترفض العقيدة أساسا للولاء و الانتماء " ( الاسلام و العلمانية 86, 87 ) و هكذا  " حجة الاسلام " يكفّر العلمانيين و يعادي مبدا المواطنة و يهتك عرض الديمقراطية علنا, فاتفق هؤلاء الكهنة و اتباعهم المخلصين الاخوان و الجماعات الارهابية على أن عدم معاداة غير المسلم هو كفر بواح و العياذ بالله , وهذا كلام كبار السدنة في بلاد المسلمين الذين يقدسون جهابذة الكره و البغضاء و يتهمون كل من ينتقدهم بالكفر و القدح في الاسلام فبربكم ان كان هؤلاء الاشخاص يمثلون الاسلام فلماذا تبرؤون الاسلام منهم عند كل حادثة ارهابية و تقولون انهم بشر يخطئون و يصيبون و تنزعجون من اتهام الغرب لكم بالكراهية و الارهاب ؟ ان كنتم تدعون أنه " لا اكراه في الدين " فأين أنتم من الأية بل في اي كوكب تطبقونها ؟!.

و شطحات الوهّابية كثيرة لا تنتهي فـابن عثيمين يحذر من الاقامة في البلاد الغربية و يعتبر ذلك خطرا كبيرا على عقيدة المسلم قائلا " ان الاقامة في بلاد الكفّار خطر عظيم على دين المسلمين و أخلاقه و سلوكه و آدابه " و الآداب التي يقصد بها هذا الشيخ هي كيف تدخل المرحاض و كيف تشرب الماء او تمص غيره مصا  وجميع تلك التصرفات التي تؤدي الى تحويل المسلم الى مطيع لسيده لا لربه تمهيدا لإطلاقه شرسا على اخوانه المسلمين او على غير المسلمين, و لا ندري المغزى من هذه الفتوى التافهة الصادرة من هذا الوهّابي الذي يكذب علنا و المضحك أنه يلوم المسلمين على الهجرة الى بلاد " الكفر و الالحاد " و لا يدري أنهم يحاولون الفرار باي طريقة من بلدانهم نحو بلاد " المشركين " باحثين عن الأمان و السعادة .. فالمسلم الذي لا يجد سعادته في حياته اليومية دوما ما يحاول أن يجدها في دينه لكن على ما يبدوا حتى السعادة في الاسلام تم تحريمها من طرف هؤلاء السدنة فالبكاء سنّة استحسنها هؤلاء الكهنة فعندما تصلي يجب أن تبكي وعندما تقرأ القرآن يجب أن تبكي و عندما تذكر الله يجب أن تبكي فلا عجب أنهم يريدون تحويل حياة المسلمين الى حياة كأبة و اكتئاب و تباكي ولن نتعجب عندما نسمع أن  فتاويهم طالت  الأعياد و الأفراح و المناسبات و كفّروا كل من احتفل بالأعياد الوطنية لأن الوطنية عندهم من الوثنية بل التحريم طال حتى المولد النبوي الشريف فيقول العبقري ابن عثيمين " انها بدعة محدثة في الدين " ( المجموع الثمين 1/126 ) أما الجائز في حياة المسلم فهو البكاء و التباكي التهريجي.

للأسف أصبح هؤلاء الشيوخ أشخاصا المتسبب رقم واحد في ترك الناس للإسلام لأنهم صوّروا للعالم أن الاسلام هو دين الكراهية و أن هذا العالم هو اما دار اسلام و دار حرب فليس هناك مكان لمصطلحات " التعايش السلمي " , فظهرت موجة الحاد لا يسبق لها مثيل في العالم الاسلامي رغم أن الشعوب الاسلامية هي من أكثر الشعوب المحافظة و هل تسائل الناس لماذا ؟ انها نتيجة لفتاوى شيوخ الاسلام المستفزة وتدخلهم في حياة الناس حتى غرف النوم و المراحيض بحجة " السنّة " و كأن كيفية دخول المسلم المرحاض أولى من حماية المسلم من الارهاب!!، ونتيجة لما فعله الارهاب في العراق وسوريا من جرائم ومرجعتيها دينية تزايد عدد اللادينيين حتى ان معظم الاحصائيات تقول انهم فى مصر وحدها بلغوا حوالي مليونين و لو كان هناك قانون حرية الأديان – و ليس فقط حبرا على ورق - في السعودية لتحوّل نصف الشباب السعودي للإلحاد بسبب ثقافة الجهل و الارهاب و التشدد الذي لا يحتمل التي نشرها على يد ما يسمونهم " أهل العلم " لديهم, فيبدوا أن مهمة المشايخ هي اخراج الناس من الاسلام و ليس الدعوة اليه!.

لا يخفى علينا ان اوضاع بلداننا المزرية التي ابدعت في انتاج التخلف في جميع الأصعدة هي بحاجة ماسة الى الاحتكاك بالغرب لتأخذ منه العلم و الطب و السياحة و كل أسباب التقدم, و لأننا لم نبدع و لم ننتج أي شيء يستحق الاهتمام الا الارهاب, فأصبحت الحاجة أكثر من ماسة الى الغرب ولكن على ما يبدوا أن المسلمين لا يريدون ذلك بل يريدون أن يبقوا في هذا الوضع الكارثي باعتقادهم الخرافي أن هذه الاوضاع هي ابتلاء من عند الله و بما انهم خير أمة أخرجت للناس فان الله سينصرهم عاجلا أم أجلا أما الطريقة التي سينصرهم بها فلا لا نعرف كيف هي!, ان اوهام العظمة التي ساهم في انتاجها كهنة الاسلام هي التي تسببت في رفض المسلمين كل مراجعة في سلوكياتهم مع الأخرين و حتى طريقتهم في فهم الدين الاسلامي, كما لا يستطيعون التخلي عن أوهام سيادة العالم فهم يريدون كل شيء و لا شيء للأخر لأنه ليس مسلما, كما لا يريدون قراءة التاريخ قراءة موضوعية لأن التاريخ عندهم عبارة عن سيطرة على الدول و الاحتلال و فرض الجزية, فهذه هي الحضارة عند أغلبية المسلمين اما العلم و الفكر فليذهب الى الجحيم, و اصبحت الهزيمة في المنظور الاسلامي هي هي أن يكتسب العرب المسلمون ثقافة العلم والتنوير والصناعة وحقوق الإنسان وفصل السلطات ودولة المؤسسات و القانون، لأن هذا "تقليد للعدو" الذي هزمهم في معارك سابقة، والنصر هو أن يبقى العرب على حالهم من التخلف وأن يعيشوا بين الخرائب ولا يجدون معبرا إلى العصر، أن يعيشوا كما عاش أجدادهم تماما سواء في نسق الدولة أو في التقاليد والعادات الاجتماعية أو في أسلوب تدبير شؤون الحكم، أو في الاقتتال الهمجي الذي يعود إلى ما قبل الحضارة، فـ"القيم الأصيلة العريقة" تتضمن كل شيء، وفيها الملاذ والمنقذ والعلاج لكل الأدواء. والحداثة والحرية صناعة غربية، والغرب منحلّ وقبيح متأمر، ويمثل الشرّ لأنه يرعى مصالحه المادية، والعرب المسلمون هم الأخيارالمعصومين، أنبياء العصر وأطهاره، لا مصالح لهم في أي مكان، ولم يسبق أن هاجموا غيرهم واستعبدوه أيام قوتهم العسكرية، وكانوا يعيشون قبل مجيء الغرب في بحبوحة العيش الرغيد والنعمة الوافرة، حتى ملّوا من المساواة والعدل والحرية، وتعبوا من الاستقرار والرخاء، ولهذا ليس للغرب أي شيء يقدمه لهم، بينما هم حملة رسالة خالدة إلى كل أمم الأرض، هذه الأمم التي إن كانت لا تأخذ ما بين يديّ العرب من حكمة، فذلك يعود إلى أنانيتها وجهالتها وعجرفتها وسوء نيتها فقط.. سيبقى المسلمون يتحدّثون عن تاريخهم و غزواتهم وعن الأمجاد التي صنعها أجدادهم و ليس هم لكي يكفّروا عن ذنوبهم و تخلّفهم و انحطاطهم و ضعفهم حتى أنه يمكن للانسان أن يطلق عليهم " شعب الأمجاد القبورية " لأن أمجادهم التي يتحدّثون عنها هي موجودة في قبور أسلافهم و لايرونها الا هم أما العالم فلا يراهم الا أمة لا تزالت تعيش في الماضي و في سجون نظرية المؤامرة السخيفة, في الوقت الذي يجتهد فيه الغرب في بناء مستقبل أبنائه لا زال المسلمون يتحدّثون عن أمجاد اجدادهم.

عندما انهزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية اضطرت إلى التوقيع على وثيقة الاستسلام والاعتراف بهزيمتها أمام الولايات المتحدة، وقررت القطع مع ماضيها السيئ المليء بالمذابح والعنف الوحشي ضد جيرانها، والانكباب على إعادة بناء اليابان الحديثة الناهضة مثل المعجزة من بين أطلال الحرب وخرائبها. بعد بضعة عقود أصبحت اليابان قوة اقتصادية هائلة منافسة للولايات المتحدة في العلوم والتكنولوجيا، ولم تعد أبدا إلى المغامرات الحربية والأوهام الإمبراطورية العتيقة و نفس الشيء حدث لألمانيا، فبعد هزيمتها وخراب بلدها خرابا تاما بسبب الأوهام التوسعية النازية، قررت أيضا إحداث قطيعة حاسمة ونهائية مع ماضيها السيئ المليئ بالكراهية و العنصرية، والاتجاه نحو بناء الذات بناء على إرادة الشعب الألماني القوية، وعلى العقل العلمي الجبار الذي استطاع تحقيق ما أصبح معروفا في التاريخ بـ"المعجزة الألمانية"، وها هي ألمانيا اليوم تحتل المرتبة الأولى في الاتحاد الأوروبي.

قد يحتاج العقل العربي الإسلامي إلى وقت طويل ليدرك معنى التسامح و تقبل الأخر لأنه في هذه الحالة ان كان الاسلام يمثل هذه القيم فهم ابعد الناس عن الاسلام و عيب و عار كبيرين ان يجهلوا اساسيات دينهم الذي يبلغ عمره اكثر من اربعة عشر قرنا الذي يأمر بحسن معاملة الأخر دون النظر الى انتمائه, وان أراد المسلمون حقا العودة الى الاسلام فعليهم اولا القيام بتخليص انفسهم من عرّابي فتاوي فقه الكراهية الذين  بسببهم يتعرض المسلمون الى حمامات دم وقهر وتعذيب وإذلال فى بلادهم، ثم إذلال خارجها إذا رحلوا فارين من بلادهم لاجئين الى دول أخرى ، حيث يجدون سُمعتهم السيئة تسبقهم ، ويدفعون ثمن الجرائم الفكرية لهؤلاء الكهنة.

اجمالي القراءات 8687