جمود الفقه الاسلامي

مولود مدي في الجمعة ١٢ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما ينتشر الجهل في أوساط المجتمعات و تعلوا فيه قيم الأبوية و النرجسية يسهل الاحتيال و السيطرة عليه , و بما ان المجتمع الاسلامي يتم السيطرة عليه أو "  الضحك عليه " باستغلال الدين, فان جميع أفكار المسلمين في جميع المواضيع مقيّدة بأغلال فكر و تراث بالي أصبح عبئا على المسلمين و العالم, فالشيوخ أصبحوا نجوما لامعة في القنوات الفضائية حتى أصبحوا ينافسون الفنانين و مشاهير هوليوود في وقت اختفت فيه النخبة العربية و اندثر المثقفون و الفلاسفة العرب, و أصبح المشايخ يتدخلون في كل شيء حتى فيما لا يعنيهم عوض الانشغال بمشروعهم في نشر الأخلاق و الفضائل و انقاذ ما يمكن انقاذه من قيم الاسلام , فهذا شيخ يحرّم مشاهدة مباريات كرة القدم لأن المسلم سيرى " افخاذ الرجال " العارية وتلك فتنة عظيمة , وهذا يكفّر من يؤمن بكروية الأرض بحساباته الرياضية العبقرية , و ذاك يرى أن السبي حلال و أن الاستمتاع بملك اليمين يعتبر تكريما للمرأة , فأصبح همّ المسلم الأسئلة التي لا تنفع و لا تضر مثل هل صوت المرأة عورة ؟ و هل ذلك الشخص كافر أم مؤمن ؟ و ما هي الكيفية التي سيعذب بها الله عباده الكفّار ؟.

إن المحنة التي يعيشها العالم العربي تعود لسببين,  النظام السياسي الدكتاتوري المتخلف والجائر الذي يخنق إرادة الشعب ويخنق المبادرات العلمية  والثقافية ويخنق المبادرات الاقتصادية و أي مبادرة قد تزعزع عرشه، ومن ناحية ثانية النظام الديني المجمَّد على ما كان عليه في عصور الانحطاط جراء تعاقب السنين على افكارهم, فجل فكر المشايخ الديني هو فكر يعود الى القرن الرابع هجري, فهم أولا يرون أن علاقتهم بالجمهور هي علاقة " المفتي بالمستفتي " و هذا يعني أنهم يتصورون أنفسهم أكبر من الناس البسطاء و ما على الناس الا الاتباع و التقليد و عدم المناقشة و هذا ما دفع بالشيخ " الجويني " ليقول " من شروط المستفتي أن يكون من أهل التقليد " (شرح الورقات لإمام الحرمين الجويني ص 363) كما يطلب من المكلف الالتزام بما ورد في كتب الفقه والمذاهب دون إحداث قول جديد و بالتالي حولوا الدين و الفقه الى طقوس و طلاسم و شروط من اختراعهم لكي لا تتزعزع مكانتهم , وهذا ما أدى بالناس الى الوقوع في فخ الشيوخ و منطقهم الذي يقول أن الدين لا يحق الحديث فيه الا لمجموعة محددة وهذا ما حول الاسلام من دين يحارب الكهنوت الى دين يدعم الكهنوت, وثانيا هم لا يقبلون بالتجديد و الاجتهاد و استنباط أحكام جديدة توافق روح العصر و يرون أن كل من يقول قولا جديدا في الدين هو ضال و مبتدع لأن '' كل بدعة ضلالة ", فتوقف عقل الشيوخ عند عصر الأئمة الأربعة و السلف الصالح فلا فقه و لا تفكير الا تفكيرهم و كأن فقه السلف يعتبر قرأنا مقدّسا, ولو أخذنا بمنطق المشايخ الأعور سنجد أن اشهر الفقهاء المسلمين الذي استنبطوا قواعد جديدة في الفقه الاسلامي هم مبتدعون أيضا لأنهم أتوا بقواعد و وضعوا أصولا للفقه لم يعرفها الاسلام ولم يأتي بها لا الرسول ولا الصحابة فلا نفهم لماذا يتجاهلون هذه النقطة, لذا المشايخ لا يفهمون أن السلف صاغ فقها و فكرا دينيا حسب الواقع الذي عاش فيه فالحقيقة تقول ان أصحاب المذاهب ومؤسسيها لجؤوا إلى الاجتهاد كوسيلة معرفة الحق وإصابته والعمل به، وليس من أجل حمل الناس على التقليد, و كل شخص كان يرى الدين بمنطقه الخاص و البيئة التي كان يعيش فيها وهذا سبب ظهور التيارات الفقهية الاسلامية و تعددها و تشعبها و اختلف المسلمون حول تفسير القرآن و علوم الحديث فالسلف على الأقل أشغل عقله و استخدمه فلقب العلماء يستحقه " أبو حنيفة النعمان " و أمثاله لأنهم فكروا و صاغوا مذاهب فقهية و اجتهدوا وليس " العريفي و قرضاوي " و الدائرون في فلكهم الذين قضوا حياتهم في فقه التكفير و الإرهاب و جمّدوا الدين الاسلامي عند حدود أفهام " أبو حنيفة النعمان " و " مالك " و أخبار " البخاري " و قال فلان بن علاّن في قرار اسلامي انهزامي و كأن الاسلام نزل على مجموعة من الأغبياء الذين لا يستطيعون اعمال عقولهم فسادت المذاهب المتعصبة للتقليد و كفّرت أصحاب الرأي و العقل من أحناف فانتقل العالم الاسلامي من رحابة الفكر و حرية الاعتقاد الى التعصب الأعمى للطائفة.

لقد وصل التقليد بالمشايخ الى استخدام الألفاظ المحنطة التي تعود الى البيئة العربية البدوية حيث " الخيل و البغال تعرفني " و هذا يدل على أنهم لا زالوا يعيشون في القرن السابع ميلادي وجل ما يفعلونه هو الترديد لأنهم عندما تعلموا الفقه فقد تم برمجتهم من طرف معلميهم على الحفظ و الترديد و العنعنة فلا فهم ولا هم يحزنون, فأغلبية التعابير المحنطة التي يستخدمونها و التي توارثوها أبا عن جد لا تزيد الدين الا غموضا, فيستحضرون الألفاظ من قبور تعود الى 1425عاما مضت ثم يحاولون عبثا اسقاطها على واقعنا  المعاصر و كأن الحياة عندهم لا تسير الى الأمام لذا هم يمشون الى الوراء, إنهم لا يفهمون أن لكل لفظة في أي لغة مدلول محدد يتصوره الذهن ويعرف معناه، لكن في عصر بذاته محدد زمنياً ومكانياً أيضاً بذاته له صفاته الخاصة لأن اللفظ يكتسب مدلوله من الخبرة بالمكان والزمان والبيئة ودرجة التحضر ومكونات المجتمع, وهذا ما أدى بهم الى عدم التمييز بين الدين و الدنيا والنظر الى الدنيا بلونين فان قلت لهم " ديمقراطية " قالوا لك " شورى " و ان قلت لهم " حضارة و ازدهار " قالوا لك " الأخرة خير و أبقى " فالأمور عند الشيوخ مختلطة.

عندما فتحت الأمة الاسلامية الأبواب للحضارات الغربية و أخذت منها و ترجمت علومها ارتفع شأنها,أنجبت لنا " ابن رشد " و " الجزري " و " ابن سينا " الذين لا تزال الأمة الاسلامية تفخر بهم الى يومنا هذا و هذا لأن المسلم كان يقبل بوجود المختلف بينه, فكان الملحد  يناظر المسلم بكل حرية و كان اليهود يعيشون في أوساط المسلمين بأمان فظهر منهم أطبّاء كبار أمثال " حسداي بن شبروط " الذي كان طبيب بلاط الخليفة " عبد الرحمان الناصر لدين الله " و مبعوثه الخاص في الدول الأجنبية, لكن المشايخ أسقطوا كل هذا لأن ذلك العصر انحدر الى البدع و المحدثات و مودّة " الذين كفروا " فخير العصور هو عصر " معاوية " و " ابن تيمية " رغم أن العالم لا يعرف شيئا عن هؤلاء بل نتحدّاهم ليأتوا لنا بشعب غير مسلم يعرف حرفا واحدا عن " ابن تيمية " و أمثاله , ان العكس هو الصحيح فالمسلم العادي لا يعرف أن سبب شهرة " ابن سينا " و " ابن رشد " ليس فقط علمهم الذي أفاد البشرية بل هو تكفيرهم و رميهم بالزندقة بل لا يوجد عالم مسلم معروف عند الغرب الا و تم اتهامه في دينه و تكفيره من طرف أعداء الانسان و الحضارة, وتحولت الأمة الاسلامية الى أمة منغلقة بسبب الفقه المتحجر فكان السقوط مروعا فالانغلاق على فكر و نظريّات هو فاتحة التخلف لا محالة, فاستوعب غير المسلمين الدرس وراجعوا انفسهم و استخلصوا أسباب تخلفهم و ما أشبه ظروف و أسباب تخلف  الأوربيين في عصر الظلمات بحال المسلمين في واقعنا, ففي أروبا في عصر الظلمات كان النقاش الكبير الدائر بين قساوسة أروبا المتحالفين مع الاقطاع هو " ما حكم الضحك ؟ " فتجاهلوا أن الأوربي كان يعيش الجهل و الفقر و المعاناة مع الأمراض و الأوبئة و انشغلوا ب" ما حكم الضحك ؟ " فمشايخ  المسلمين يفعلون نفس الشيء حاليا ويعيدون انتاج التخلف الأوروبي بطريقتهم الخاصة, فيشغلون المسلمين بالأمور التي لا تنفع و لا تضر مثل حكم الاحتفال بعيد رأس السنة و حكم تهنئة غير المسلمين في أعيادهم و حصر مشاكل الأمة العربية الاسلامية من فقر و جهل وانتشار الارهاب و التطرف الديني الى مشاكل أقل ما يقال عنها أنها تافهة.

أن الفقه الذي يجتهد الشيوخ في الدفاع عنه حتى لو كان ضد الانسان و الانسانية هو سبب انحطاط المسلمين و الغاء دور المسلم و فاعليته و احالة كل شيء الى الغيب و التقديس المبالغ فيه لكل قديم و اختراع الخرافات للدفاع عن أشخاص قتلوا بعضهم بسبب اختلاف في الفكر, ان هذا الفقه الذي يستميت الشيوخ في الدفاع عنه هو الذي تسبب في تشتت المسلمين و انقسامهم و حصر الاسلام في فرقة معينة و الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة و ليذهب الأخرون الى الجحيم, و عندما يصبح الفقه يوائم أهواء السلطان و يحلل له ضرب الرقاب من المعارضين يصبح المعارض كافرا فبهذه الطريقة انقرض المعتزلة أخر قلاع العقلانية في العالم الاسلامي باختراع أدلة لا تعود الى القرآن و انما أدلة حديثية و محدثين لا نعرف صدقهم من كذبهم و اصبح ما يقول فلان و علان تشريعا مقدسا حتى لو ما قاله عبارة عن هلوسات و خزعبلات بالإضافة الى الاعتماد على معايير غير معقولة في قبول الأحاديث و أكثر المعايير اثارة للسخرية هي " صدق المحدث " فيمكن اتهام المحدث بالكذب ان أتى بحديث لا يخدم مصالح فقهاء السلطان, وهذا ما أدى الى تحويل " علم الرجال " الذي حاول اثبات صدق الأحاديث الى مهزلة لأن من اخترعوا هذا العلم خرجوا بتفسيرات نسبية فمنهم من مدح الراوي و منهم من قال بكذبه وبعد ذلك يلفقون بأي طريقة الأحاديث ثم يقولون لك أن الرسول قال ذلك.

ان الخروج من هذا الوضع يتطلب عقلنة الفقه الاسلامي و الزام كل من يريد الاشتغال بالفقه أن يتعلم قواعد المنطق و العلوم التجريبية لأن هذه العلوم هي التي تجعل الفقيه عقلانيا متنورا لا مروج تخاريف و أساطيركما يجب على الفقيه تعلم أصول البحث العلمي و أن يتعلم أن يجتهد بنفسه لا أن يأتي ليملأ المكتبات بفكر ببغائي فجل المكتبات العربية لا جديد فيها في مجال الفقه الا ما قال فلان و علان وهذه مضيعة للوقت و المال و الجهد في سرد كتب الفقه واجترارها, فالتحجر والانغلاق والفهم الشكلي الضيق المتعصب للنصوص، وضد كل ما يعيق التفكير الحر والاجتهاد الذي يسهل الحياة ويفتش عن التوافق بين الحياة والدين لن ينتهي الا بتفعيل النضال الفكري و الفلسفي و أن يتوقف المسلمون على تكفير و تبديع و مطاردة الأدباء و المفكرين و المجددين فلا نفهم سر الخوف من كل جديد الا لأن المسلمين متشبعين بعقلية " المؤامرة الغربية العلمانية الصهيونية الماسونية " فهم يقبعون في التخلف و يتخبطون فيه و مع ذلك يرددون أن الغرب أخذ منا الكثير لبلوغه الحضارة ولكن نحن لا نريد أن نحذو حذوه لأننا " خير أمة أخرجت للناس " و الأمة الكاملة التي تملك كل المعارف اليقينية فنستطيع حل مشاكلنا بالدعاء و التوسل لرب السماء ليخرب لنا بيوت الكفّار وأن يحرقهم عن أخرهم ويغنم المسلمين أموالهم, ان مشايخ اليوم إن يطلبون ذات الميراث لإبقائنا عبيدا لهم و يدعون أن فقه السلف لم يترك شيئا للخلف و لم ينسى أي تفصيل ليفكروا فيه بعد أن فكروا هم فى كل شئ و حسموا كل شأن و نختم بالنص القرأني الذي يقول " ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ".

اجمالي القراءات 8932