لماذا قدّس المسلمون الصحابة ؟

مولود مدي في الأربعاء ١٠ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لكل أمة في هذا العالم الفسيح نصيب من العظمة و الابداع و نصيب من الجهل و التخلف, و هذه من سنن الطبيعة, لكن هذا لا يمنع الى النظر الى الأمور في حالتها الراهنة و محاولة فهم أسباب صعود الأمم و ازدهارها و تحضرها و مسببات سقوطها و ترديها, ورغم أن أسباب تخلف العالم الاسلامي كثيرة و متعددة لكن الجانب الديني لعب دورا كبيرا في التردي الحضاري, العيب ليس في الدين و لكن العيب في من حرّفوا رسالته وقيمه بحصر الدين في أشخاص معيّنين, فأصبحت أفعالهم و أقوالهم دينا و تشريعا الهيا لم تكن مصادرها النصوص الدينية و انما أفهام بعض البشر التي لا تليق الا بعصر الجهل و الانحطاط و التعصب للطائفة, وعندما يمر الوقت تصبح بعض الشخصيات مقدسة لا يجوز معارضتها بسبب تبادر مجموعة من الجهلة بطبيعة الإنسان إلى وضع هالة من القدسية حولها, تجعل نقد ما يقول أو يفعل من موبقات الإثم, فيظن المسلم العادي أن هذا العالم قد خلق من أجل هذا الانسان فقط فتزداد القداسة على ذلك الانسان ويصبح خاليا من جميع الصفات البشرية و لايخضع الى قاعدة " كل بن آدم خطاء " فيزداد أتباعه و يلجئون الى اختراع صفات له لا تليق الا بالذات الالهية, ولكن هذا لا يعني بالنسبة لنا ان تلك الصفات دائما صحيحة لأن مصدرها أصلا هي من بشر ليسوا أبرياء من النقص و الخطأ.

ان الدارس لتاريخ الأمم السابقة سيجد أن مرض تقديس البشر قد أصاب كل الأمم و لكن يجب أن نعترف انه لم يوجد أمة من الأمم لم يبتليها الله بمرض تقديس الأشخاص كما ابتلى أمة العرب, فبعض العقليات السائدة والرائجة هذه الأيام عقلية تقديس " الصحابة '' و هذا التقديس هو ناتج عن عقلية " خير القرون ", و تقديس الصحابة هو من الأسباب الرئيسية في افتراق المسلمين الى " سنة و شيعة " و السبب الرئيسي في الفتن الطائفية بينهم فالطرف " السنّي " هو من أكثر الأطراف تقديسا للصحابة بل لا تستطيع أن تفصل رؤيتها للإسلام عن رؤية الصحابة و السابقين و هذا الطرف يجتهد في اختراع الخرّافات التي تعظّمهم و ترفض انتقادهم و محاسبة أفعالهم فلا يجوز للسنّي عندما يتكلم فيهم الا أن يدعوا لهم, فمناهج الفقهاء التي عرضت السيرة النبوية  صوّرتها بلا أخطاء وذنوب وبذلك نزعوا البشرية من الصحابة، وهذا أدى لفجوة بين الصحابة بين المسلمين , ولا يمكن انكار ان الاحاديث التي تعظم من الصحابة و تجعلهم فوق البشر هي احاديث اخترعت في العصر الأموي من طرف مجموعة من الفقهاء تقربا لبني أمية, فحتى التعريف الذي وضعه علماء السنة للصحابة هو تعريف يهمل سيرة الصحابي و أفعاله و صدق ايمانه فالصحابة عندهم من رأى الرسول و لو ساعة فيقول البخاري: " من صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه" ( تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير لابن الجوزي ص 101 ) فبهذه الطريقة يصبح المنافقون الذين صاحبوا الرسول ومن اشتهروا بالبغي والفجور صحابة كرام !, وقد وصل التطرف والغلو بقدسية الصحابة إلى درجة تفضيل معاوية وهو الخليفة غير الراشد الذي تلطخت يداه بدماء آلاف الأبرياء، وعلى يديه عادت عقلية الجاهلية بأقبح صورها إلى واقع المسلمين على الخليفة عمر بن عبد العزيز والمعتبر من الراشدين، لا لشئ إلا لكون معاوية صحابي وعمر تابعي ، بالرغم من كل ما اشتهر به عمر من تقوى وعدل، بحيث تكون مقارنته بمعاوية في واقع الحال كمقارنة ملاك بشيطان ! فلقد أعاد عمر بن عبد العزيز السيرة العطرة للخلفاء الراشدين في عدلهم و شعورهم المرهف بالمسؤولية، و انشغالهم التام بمراعاة مصلحة الرعية عن حظوظهم الخاصة، ناهيك انه رحمه الله خيّر نساءه بين اللحاق بأهلهن أو المكوث معه دون مباشرة جنسية, فلم يقرب امرأة في يقظة او منام، ناهيك انه لم يغتسل من احتلام أو جماع ( بشهادة زوجته فاطمة )، حتى لقي الله شهيدا سعيدا ليلحق بسجلّ الخالدين, مستحقا عن جدارة لقب خامس الخلفاء الراشدين. أما معاوية فكان دينه السلطة و شعيرته قتل الأبرياء و الويل لمن تسول له نفسه معارضته كما استغل الدين استغلالا خسيسا بتجنيده الفقهاء ويظهر التطرف جليا بقول ابن كثير: " إن يوماً واحداً من أيام معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته " ! فوصل التطرف الى الادعاء بأن كل من صاحب الرسول حتى ولو كان مسيئا هو في الجنة ! فروي عن أبي صخر حميد بن زياد قال :  " أتيت محمد بن كعب القرظي فقلت له : ما قولك في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنة محسنهم ومسيئهم " فيظهر لنا أن " أهل السنّة و الجماعة '' متحدثين رسميين باسم الله فأصبحوا يقرّرون من يدخل الجنة أم لا, كما أن شطحات بعض الشيعة لا يمكن قبولها أيضا فهم أكثر الناس تقديسا لأل البيت و يعتبرون أن الامام  " علي بن أبي طالب " بشر معصوم لا يخطئ وهذا غير صحيح ورغم أن هذا الامام الجليل من أقرباء الرسول وأصغر من أمن بالدعوة و ساهم في حماية الرسول من اغتياله من طرف " قريش " وكان أعلم النّاس بتفسير القرأن, لكن من غير المقبول أن تكون هذه العوامل مبررا لتقديسه و الاعتقاد بعصمته فهو بشر في نهاية الأمر.

لقد علّمنا التاريخ أن التقديس المبالغ فيه للبشر الذين حملوا الرسالات الدينية و بلّغوها أن هذا التقديس يؤدي الى  تحرف الرسالة الدينية و تغيير معانيها و أهدافها مثلما حدث في المسيحية, ففي بادئ الأمر كان الحواريون " صحابة المسيح " مجرد بشر مساعدين للسيد المسيح في تبليغ رسالته للناس ومدونين لأقوال السيد المسيح و طرق دعوته, وبعد موتهم أصبحوا مقدّسين الى درجة غير مسبوقة و أصبحت كتبهم دينا بحد ذاته بل هناك من ألّف كتبا و نسبها اليهم و تم اعتبارها أناجيل وهذا ما أدى الى انشقاق المسيحية الى عدة مذاهب أحدها تؤمن بجميع اسفار " الكتاب المقدس " و هي الفرقة الكاثوليكية و فرقة البروتستانت التي ترفض بعض الأناجيل و التي أسمتها " الأبوكريفا " اي الاناجيل المدسوسة و الملفقة حسب وجهة نظرها, فلماذا نفس الوضع تكرر مع المسلمين ؟ ان الواقع يقول أنه عندما يعتقد الانسان بنقصه و عدم قدرته على فهم العلاقة بينه وبين الله يلجأ الى ما يعتبره " قوى الخير " في هذه الأرض لتشرح له أسس هذه العلاقة و بعد ذلك يعتبر الانسان ان " قوى الخير '' هي وسيط بينه و بين الله فتنشأ الوثنية فمن الغريب على المسلمين أن يحاولوا أن يعودوا الى زمن الجاهلية بأية طريقة عندما كان الدين الوثني مسيطر على النّاس وعندما كانت اصنام " اللات " و " " العزى " تقوم بدور الوساطة بين الانسان العربي..

لو حاول المسلمين مراجعة أنفسهم وبحثوا في تاريخ الدعوة الاسلامية و درسوا سيرة الصحابة ( على الأقل الخلفاء الراشدين ) لوجدوا أن الصحابة هم في الاخير بشر يخطئون و يصيبون و قد يتصرفوا حسب أهوائهم فباختصار هم بشر مثل سائر البشر, فحادثة السقيفة بينت أن هناك الكثير من الصحابة استثمروا الدين استثمارا انتهازيا من أجل المصالح الشخصية و السّلطة و الحكم, فوصل الخلاف بين الصحابة الى سلّ السيوف و التهديد بالحرب رغم أن رحيل الرسول لم يمر عليه سوى فترة قصيرة بل و جثمانه لم يدفن بعد فتركوا جثمانه و هرعوا الى السقيفة ليتصارعوا من أجل الحكم, لو قرأ المسلمون التاريخ لوجدوا أن آفة كلّ دين رجاله، يستحوذون على حقّ فهمه وتأويله، ويعرضونه على النّاس وفق أمزجتهم وتكوينهم ورؤاهم الإيجابيّة والسلبيّة، ويوجّهونه إلى أغراض وغايات تُرضي ميولهم ونفوسهم، وتوافق رغبة السّلطة القائمة,  فلو قلت لي أنه يجب أن تكون للصحابة مكانة خاصة بين المسلمين و يجب الاقتداء بأفعالهم لأنهم سبقونا بالأيمان فسأقول لك أن الايمان ليس ملكية شخصية لفلان و علاّن فكما أمنوا بالدعوة الاسلامية و نصروها و ماتوا من أجلها توجب على الخلف أيضا أن يفعلوا نفس الشيء و بالتالي الايمان لا يعترف بالزمن و الأشخاص, ولو قلت لي أن خير القرون هو خير قرون الصحابة و التابعين فأين انت من النص القرأني الذي قال " ان أكرمكم عند الله أتقاكم " ؟؟ فلنفترض أن خير القرون هو قرون الصحابة فأين الخير في التابعين الذين أحرقوا الكعبة و ضربوها بالمنجنيق  ( الحجاج بن يوسف الثقفي رضي الله عنه !! )؟  هذا هو خير القرون عند أهل " العلم " فهم لا يجدون أي حرج في قول " رضي الله عنه " لصحابي أحرق الكعبة و قتل الصحابة و استباح الصحابيات و اغتصبهن و الطامة الكبرى أنهم سيلجؤون الى أي طريقة للدفاع عن افكارهم و حتى ان لم يقتنعوا بهم ثم يبدؤون باللف و الدوران ولي أعناق الأيات لتوافق منطقهم الأعور . ؟ اين الخير في التابعين الذين ذبحوا الصحابي " الزبير بن العوام " ؟ اين الخير في الصحابة الذيم قتلوا الخليفة عثمان و دفنوه في مقبرة يهود ؟ ان الأحداث تؤكد لنا زيف ادعاءات المشايخ الذين يدّعون أن الصحابة كانوا على قلب رجل واحد من الشريعة فلو كانوا كذلك فلماذا قتلوا بعضهم بعضا ؟ .. لقد ذبحوا الصحابي " سعد بن عبادة " الذي رفض مبايعة " أبي بكر " ثم " عمر بن الخطّاب ثم كذبوا و اخترعوا خرافة تقول أن الجن هي التي قتلت سعدا, بل و ذهبوا بعيدا في نسج الخزعبلات و قالوا أن الجن نشدت شعرا عندما قتلته ( نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة / و رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده !! ), فلا ندري ما مشكلة الجن مع " سعد بن عبادة "!!.

من يقرأ هذه السطور يقول أن و كأنه لدي مشكلة شخصية مع الصحابة لذا أقول انه لو كانت المشكلة في الألقاب و مدح الصحابة و فضل كل واحد منهم على الاسلام و المسلمين لكان الأمر عاديا .. ولكن أن يصل الأمر الى تقديس السابقين و تسفيه اللاحقين لمجرد صحبتهم للرسول و رؤيتهم له فلعمري تلك هي المصيبة و الفتنة, فتلك الادعاءات عن الصحابة و التقديس المبالغ لهم لا تصدر عن رسول حكيم بل تصدر عن من يسمون انفسهم " أهل العلم " و " اسود السنّة و الكتاب " فتجدهم يدافعون عن " وثنيتهم المقنعة " لأنها تتسبب بإيقاع الكثير من اللذين لا يعرفون شيئا عن دينهم و المتلهفين للأساطير المخترعة للصحابة, وما تسبب في دمار المجتمعات و الأوطان الا بسبب التعميم والتقديس المبالغ فيه للبشر مثلما قدّس الألمان هتلر فدمّروا بلدهم بيدهم, فوقع المسلمون في نفس الأخطاء، ولا أفهم أين الضرر على الإسلام عندما نقول أن صحابياً قد أخطأ؟! هل الصحابة هم أنصاف ألهه و نحن عن هذه الحقيقة غافلون ؟!.

ان حديث " خير القرون " المنسوب للرسول, تسبب في التغاضي عن انتقاد خلفاء الجور و الظلم الذين أتوا بعد الخلفاء الراشدين سوى لأن حديث " خير القرون " يشمل عصرهم فلم يكن لهم همّ سوى النساء و الجمع بين ملك اليمين لتحقيق أقصى درجات المتعة فلا مشروع لهم و لا شيء سوى الحروب لصرف أنظار المسلمين عن أفاعيل " الخليفة ", و حتى المحاولات الفردية لبعض العلماء المسلمين في نقد سياسات " الخليفة " و جرائمه و تمتعه بأموال بيت مال المسلمين انتهت بالتكفير و النفي و القتل و الصلب و السحل و الرمي من شواهق الجبال برعاية فقهاء البلاط و لدينا في محنة " غيلان الدمشقي " خير مثال, كما تسبب هذا الفهم في تشكل عقدة نقص عند المسلمين, فلا تديّن أكثر من تديّن الصحابة ولا اجتهاد أكثر من اجتهاد الصحابة ولو بلغ علمك المريخ, وباختصار ليس في الإمكان أكثر مما كان , ان هذا الاعتقاد الزائف هو أصلا مخالف للنص القرآني الذي قال أكثر من مرة  ان الانبياء و الصالحين هم أقلية في أقوامهم كما أن الاجتهاد في الدين مرتبط بعلم الانسان و ليس ان كان صحابيا أم لا فالنص القرأني ينطبق على الجميع وليس هناك خرافة أفضلية قرون الصحابة في القرأن و لا هم يحزنون, فصراحة لن تجد ضربا من ضروب الجهل الا عند الاعتقاد بأفضلية زمان على زمان و كأن الأزمان التي أتت بعد زمن الرسول و الصحابة كلّها متشابهة, وهذا ما أدى بالمسلمين الى التشكيك في كل مجدد و وضع كل الثقة في القديم ثم قاد الى انتصار أهل التقليد على أهل الرأي و العقل, فظهر التكفير وبعد ذلك الجماعات الارهابية التي تبرر فظائعها بقال فلان و علان و فقه " أهل العلم ".

اجمالي القراءات 11230