هل الأزهر مرجعية للإرهاب؟

سامح عسكر في السبت ٢٢ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في بداية القرن العشرين حدثت صدمة فكرية عند المسلمين للفارق الحضاري والعلمي الكبير بينهم وبين الغرب، وهي الصدمة الشهيرة (بصدمة الحداثة) نتج عنها ردود أفعال إما بالتصديق والدعوة، أو بالرد والإنكار، أو بالتكفير والتحريض..

الفئة الأولى سار على خطها عديد من المثقفين وزعماء التنوير كمحمد عبده وقاسم أمين والكواكبي وطه حسين وغيرهم..الفئة الثانية كمحمد فريد وجدي ومصطفى صبري في تركيا، أما الفئة الثالثة فيجتمع فيها شيوخ الأزهر والإخوان والسلفية على حد سواء..

الصدام مع الحضارة لم يكن فقط على أيدي الإسلام السياسي، بل كان للأزهر دور فاعل في التحريض وتكفير كل جديد وافد من الغرب، وفتاوى شيوخ الأزهر في النصف الأول من القرن العشرين حتى السبعينات كانت كلها في اتجاه واحد..العلمانية والليبرالية والشيوعية كفر بالله، وإشاعة للفاحشة، تحكيم شريعة الله فرض عين..حتى السادات تأثر بهذا الاتجاه الأزهري بعد ذلك، وبحكم سيطرة فقهاء الأزهر على المنابر اعتقد أن الشعب متدين على مذاهبهم فأراد التقرب للشعب وأعلن دولة (العلم والإيمان) وفي وسط هذه البيئة انتشر الإسلام السياسي لإحياء فتاوى الأزهر باعتبار أن لها قاعدة شعبية ومرجعية من الدولة..

تريد أمثلة؟

مفتي الديار الشيخ حسنين مخلوف عام 1953 أفتى بأن الشيوعي كافر وملحد.
الشيخ محمد بخيت المطيعي أفتى عام 1919 أن البلشفية كفر ومعتنقيها في مصر ارتدوا عن الإسلام..

هذا رغم أن الشيوعية مذهب اقتصادي اجتماعي لا علاقة له بالدين، وكثير من شيوعيين مصر اعتنقوا الإسلام السياسي بعد ذلك ولم يكفروا بما كانوا عليه لأنهم فهموا أسس ومعتقدات هذا المذهب..بعكس شيوخ الأزهر الذين جهلوا طبيعة الأفكار والنماذج الوافدة الجديدة فكفّروها جُملة..

في بداية السبعينات دعم الملك فيصل آل سعود الأزهر بمبلغ 100 مليون دولار أعطاها للشيخ.."عبدالحليم محمود"..شيخ الأزهر آنذاك بشرط أن يُكفّر شيوعيين وعلمانيين مصر، وأن ينشر حملة لتحكيم الشريعة والعودة إلى صحيح الدين..وهي الحملة المشهورة التي تبناها الأزهر وقتها وتبين بعد ذلك أنها (الوهّابية المتطرفة) الداعمة للإسلام السياسي، حيث سار الأزهر بالتوازي وقتها مع الإخوان المسلمين في الشارع..

ولأن الأزهر ممثل للدولة نظر إليه الشعب كمسئول عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عانى منها في حقبة السادات، فخطف الإخوان المبادرة واعتلوا المنابر وتفشت جماعات الإسلام السياسي، وارتفعت أسهم تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة والإخوان المسلمين، وحين أفاق بعض الأزهريون لحجم الكارثة كان التيار أقوى منهم ، فتم اغتيال الشيخ الذهبي أحد أبرز فقهاء الأزهر خصوم الجماعات .

لم يفطن الأزهريون وقتها أن المشترك الفكري بينهم وبين الإرهابيين هو الذي أعطى القوة والدافع لهم بالانتشار، فعكفوا عن مسألة تجديد الخطاب الديني، وأشاعوا التكفير والرؤية العنصرية في المجتمع، حتى من فرط تخبطهم ادعى بعضهم أن مؤسس الشيوعية زرادشت المجوسي ، رغم أن زرادشت اعتبره أبو حنيفة الدينوري (ت 282هـ) من الأنبياء، وساق قصته مع الفرس على أنه رسول من الله، نفس الشئ فعله الطبري في تاريخه والمسعودي في التنبيه والإشراف، كذلك عده بعض المعاصرين نبيا مصلحا..

كذلك ومن فرط جهل الأزهريين بالاقتصاد أفتوا بحُرمة أموال البنوك والقروض، من هؤلاء الشيخ جاد الحق علي جاد الحق عام 1981 حين أفتى بأن الودائع والقروض البنكية وشهادات الاستثمار هي من الربا المحرم، وكان وقتها الشيخ مفتيا للديار وبعدها بعام واحد تقلد مشيخة الأزهر، ولم يراع الشيخ وقتها أن هذه الفتوى كانت تخدم جماعات الإسلام السياسي في رؤيتهم التكفيرية للدولة ومؤسساتها الحديثة من البنوك والبورصات وربما شركات القطاع العام التي تستدين من هذه المؤسسات لتشغيل العمال..

كان الأزهر يسير بخطى متوازية مع جماعات الإسلام السياسي، ولم يخالفهم سوى في مسألة الخروج على الحاكم التي تمثل لدى الأزهريين (أصل ديني) يترتب عليه عدة مفاسد ، أي أنهم لم يهتموا بالرد على الجماعات إلا في مسألة الخروج، وقد أعطى ذلك انطباعا عند الشعب أن كل ما يدعيه فقهاء وشيوخ وزعماء الإسلاميين صحيح...فالخلافة صحيحة بل واجبة..والحدود واجبة..والمسلم أقرب إليهم ولو كان هنديا..والكافر أبعد منهم ولو كان مصريا، فذبحوا مفهوم المواطنة وشاعت في البلاد الرؤى الطائفية وتعددت حوادث قتل الأقباط..

ختاما: فالأزهر هو ممثل الفقه التقليدي الذي يعتبر المكون الرئيسي لجماعات الإرهاب، وهو الفقه الذي ورثناه منذ قرون وعجزنا عن تجديده أو النظر إليه بعين الفحص، وبخلاف ما يستدعيه زماننا في الثورة على القديم تم تقديس هذا القديم أكثر مما كان شائعا، وبمرور الوقت أصبح أئمة الإرهاب -كابن تيمية وابن عبدالوهاب- زعماء الأمة وشيوخها العظام، حتى ابن تيمية عقدوا له 3 مسلسلات تلفزيونية حكوا فيها قصته وعظّموا من سيرته وأحيوا فكره الإرهابي وفتاويه التي أجزم أن الأزهريين والفنانين الذين عظّموه لم يقرأوا له حرف واحد..

اجمالي القراءات 10420