القاموس القرآنى ( الفتح )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٨ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

يأتى ( فتح ) بالمعنى المباشر مثل : ( فتح فلان الباب ) .

1 ـ  وقد يكون التعبير حقيقيا مثل قول رب العزة جل وعلا عن اخوة يوسف:( وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ) ( 65 ) يوسف ). وقد قام ذو القرنين بحجز وسجن جنس يأجوج ومأجوج فى باطن الأرض ، وقبيل قيام الساعة سيكونون أول من يحس بها فيفتحون أبوابا فى القشرة الأرضية ويخرجون الى سطح الأرض يموجون بين البشر ، قال جل وعلا :  (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ  ) 96 ) الأنبياء ).

2 ـ وقد يكون الفتح مجازيا .

كفار قريش كانوا يطلبون معجزات حسية منها عروجهم الى السماء ، فقال جل وعلا : ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ)(14) : 15 ) الحجر ) ( الفتح )هنا يعنى لو عُرج بهم الى الفضاء لأنكروا هذه الآية المعجزة ، وقالوا أنها سحر أعمى ابصارهم .

ويقول جل وعلا عن طوفان قوم نوح : (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ ) القمر 11 ). الفتح هنا بمعنى تساقط المطر من الغلاف الجوى منهمرا .

3 ـ ويأتى نفس التعبير عن قيام الساعة وتدمير النظام الكونى الذى كان مُحكما ، ويأتى التعبير عن ذلك مجازيا بقول رب العزة جل وعلا : (وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا ) النبأ 19 ). وعن إستحالة دخول الكافرين الجنة يقول جل وعلا باسلوب مجازى :  ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) 40) الاعراف).

 بينما يصف رب العزة الجنة بأن أبوابها مُفتّحة ، يقول جل وعلا : ( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ ) 50 ص ) . هذا بينما أبواب النار مؤصدة ، يقول جل وعلا: ( عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ ) البلد 20 ) ( إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ  ) الهمزة 8 : 9 ). وعن فتح ابواب جهنم لأصحاب النار قال جل وعلا  : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ).  

وعن فتح ابواب الجنة لدخول أصحاب الجنة قال جل وعلا : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ )الزمر 71 : 73 ).

ثانيا :

الفتح بمعنى ( النصر )

يأتى السياق يدل على مدلول للفتح بأنه النصر .

1 ـ قد يكون بالترادف بين كلمتى الفتح والنصر . وقد يكون هذا الترادف صريحا ، كقوله جل وعلا : ( وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) الصف 13 )( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ).

2 ـ وقد يكون ضمنيا مفهوما كقوله جل وعلا عن المنافقين : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( النساء 141 )، أى فى حالة النصر والفتح للمؤمنين يزعمون مشاركتهم فى صُنع النصر والفتح .  وكقوله جل وعلا عنهم أيضا : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة 52   ) . يأتى بالفتح أى بالنصر .

3 ــ  وجاء التبشير مقدما ب ( فتح مكة ) فى سورة ( الفتح ) فى قوله جل وعلا : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ) الفتح 1 )، ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) 18 ) الفتح )، ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) الفتح    27 ).

4 ــ وقال جل وعلا عن الانتصار فى موقعة ( بدر ) يحث المؤمنين على التبرع جهادا بالمال فى سبيله جل وعلا : ( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) الحديد 10 )

الاستفتاح أى طلب النصر 

1 ـ السين والتاء فى أول الفعل تفيد الطلب فى اللسان العربى . مثل ( إستغفر ) أى طلب الغفران . ومنه ( إستعصم ) أى طلب العفة ( يوسف 32 ). وكلمة ( إستفتح ) أى طلب النصر .

2 ــ من قبائل بنى اسرائيل من هاجر الى يثرب لعلمهم من المكتوب فى كتبهم بأن خاتم النبيين سيهاجر اليها . وفى نزاعاتهم مع الأوس والخزرج سكان المدينة كانوا يستفتحون عليهم بإقتراب ظهور وهجرة خاتم النبيين ، وعندما يأتى سينصرونه وينتصرون به عليهم . فلما هاجر خاتم النبيين آمن به معظم الأوس والخزرج وكفر به معظم أهل الكتاب . قال جل وعلا : (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ  ) ( البقرة   89 ) . يستفتحون هنا أى يطلبون النصر .

3 ـ جيس قريش فى تكبره قادما  صوب ( بدر ) إستفتحوا بالنصر على المؤمنين متأكدين منه ، فقال لهم رب العزة بأسلوب السخرية : ( إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) الانفال 18 : 19 )

4 ـ وتكرر نفس الموقف فى تاريخ كل نبى . كل قوم هددوا النبى بالطرد إن لم يعد الى ملة السلف ، وكل قوم إستفتحوا طلبا للنصر فخابوا بكل جبروتهم وعنادهم ، قال جل وعلا : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) ابراهيم 13 : 15)

ثالثا :

الفتح بمعنى النجاة للنبى والمؤمنين من القوم المستكبرين فى الأمم البائدة

1 ـ فى الأمم التى أهلكها الله جل وعلا كان المستكبرون يحتكرون القوة ولم يكن هناك فرض بالقتال على المؤمنين بسبب ضعفهم ، لذا كان التدخل الالهى بتدمير الكافرين ونجاة المؤمنين . وهذه النجاة هى المعادل لمعنى النصر ، أى كانت ( فتحا ). وهنا يأتى التعبير ب ( الفتح بيننا وبينهم ) ، أى بالأسلوب اللازم ولس بالاسلوب المتعدى ، لأن المنتصر هنا لم يكتسب نصرا بقوته ، بل أنجاه الله جل وعلا من سطوة الكفرة المستكبرين .

2 ــقال نوح عليه السلام عن الفتح بمعنى النجاة : ( قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ). ( الشعراء 117 : 119) جاء الفتح بينه وبينهم بنجاته والمؤمنين معه وبإهلاك الكافرين  .

3 ـ ونفس الحال مع شعيب فى كلامه مع مستكبرى قومه من ( مدين )، هددوه والمؤمنين معه بالطرد إن لم يعودوا الى دين السلف : (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ  ) (الاعراف 88  ) . وجاء الفتح بينه وبينهم ، قال جل وعلا عنهم : ( وَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنْ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ (92) الاعراف )

رابعا :

( الفتح ) بين النعمة والنقمة ، بين المنحة والمحنة :

1 ـ الله جل وعلا  حين يرسل رحمة فلا يستطيع أحد منعها ، وحين يمنع نعمة فلا يستطيع أحد إرسالها  . بقول جل وعلا : ( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ) فاطر 2 ). إرسال ( الرحمة ) أى النعمة جاء بتعبير الفتح (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ ) . وعكس ( الفتح ) هنا هو الإمساك .

2 ـ وقد يكون الفتح ) بالنعمة إختبارا ، فإذا كفروا وإغتروا بها بنعمة الله جل وعلا حلت بهم النقمة . قال جل وعلا : ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) الانعام 44).

3 ـ وشكر النعمة والقيام بحقها إيمانا وتقوى وعملا صالحا هو الدرس الذى يجب أن يتعلمه البشر ، قال جل وعلا : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) الاعراف 96 )

4 ـ وبكفران النعمة يكون الانتقام بالمحنة عسى أن يتضرعوا ويتوبوا . إذا لم يتوبوا يكون عذابهم شديدا . وهنا أيضا يكون إستعمال ( الفتح ) فى هذا العذاب الشديد . قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ )المؤمنون 76 : 77 ).

خامسا :

الفتح من أسماء يوم القيامة :

1 ـ من أسماء يوم القيامة يوم الفصل أو يوم الفتح ، حيث يكون يوم الحساب نصرا للمؤمنين وخسارا على الكافرن . يقول جل وعلا عن نُصرته للرسل وللمؤمنين فى الدنيا ويوم القيامة أيضا : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) غافر  )  هؤلاء الكافرون يؤمنون بالله جل وعلا ويؤمنون أيضا بآلهة وأولياء مع رب العزة . يقدسون رب العزة ويقدسون معه أنبياء وأئمة ، وبتقسيم هذا التقديس وذاك الايمان على الله وشركائهم سيكون إيمانهم بالله جل وعلا قليلا . ومثل فإن المحمديين يؤمنون بالله ويؤمنون بمحمد شفيعا ويحجون لقبره ويقرأون ( التحيات ) فى تعظيمه ، ويقرنون إسمه باسم الله جل وعلا فى الأذان وفى الصلاة وفى الشهادة بالاسلام ، ثم يضيفون الصحابة والأئمة والأولياء على إختلاف بين السنيين والشيعة والصوفية فى عدد البشر المقدسين مع ( محمد ) ومع ( الله ) جل وعلا. وبالتالى فإن نصيب رب العزة ضئيل من مساحة التقديس الواجب له جل وعلا وحده . لذا فلن ينفعهم إيمانهم القليل يوم ( الفتح )  قال جل وعلا :  ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ  فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ) السجدة 28 : 30 ).

2 ـ ولأنه لا إكراه فى الدين ولأن الحرية مطلقة فى الدين فى شرع الرحمن جل وعلا ومن شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء أن يكفر فليكفر فإنه يتم التأجيل فى الخلافات الدينية بين البشر ليحكم فيها رب العزة جل وعلا يوم الفتح . قال جل وعلا  فى تعليم خاتم النبيين أسلوب الحوار مع المشركين بأعلى مستوى من التحضر : ( قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ) سبأ 26 ).

3 ـ يعتقد المشركون أنهم على الحق ، ويكذبون على أنفسهم ، فقد زين لهم الشيطان أعمالهم فأراهم الباطل حقا والحق باطلا . لذا يؤمن المحمديون بالأحاديث الشيطانية المنسوبة زورا للرسول محمد عليه السلام بعد موته بقرون عبر إسناد زائف مضحك ، والمحمديون يعتبرون هذا الوحى الشيطانى ( الأحاديث التى فى البخارى وغيره ) فتحا . بهذا أقنعهم الشيطان. وتتكاثر فى تراثهم وصف كتبهم بالفتح مع أنها متخمة بالكذب على الله جل وعلا فيما يعرف بالحديث القدسى وبالكذب على رسوله فيما يعرف بالحديث النبوى . وقبلهم كان الضالون من بنى إسرائيل يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون بما يفعلون . ( البقرة 75 ) . وكانوا يعتبرون هذا التحريف ( فتحا ) يضنُّون على المؤمنين أن يعرفوه . قال جل وعلا عن خداع الضالين من بنى إسرائيل للمؤمنين فى المدينة : (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ   ) ( البقرة 76 ).

أخيرا :

1 ـ بأسلوب ( المشاكلة ) يأتى وصف رب العزة بصفة بشرية على سبيل المجاز وليس الحقيقة لأنه تعالى ليس كمثله شىء . ولكن المجاز هنا ـ بالتشبيه والاستعارة والمشاكلة ـ يأتى لتقريب المعنى للإدراك البشرى . يقول جل وعلا عن خلقه للبشر : (  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ).ثم يقول رب العزة جل وعلا:( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون ). أحسن الخالقين يعنى وجود خالقين مجازا ، إذ يستطيع البشر تجميع اشياء لتكون شيئا جديدا ، سيارة أو طائرة ، أو عجينة بشرية بإستنساخ من بشر . لكن لا يستطيع البشر خلق بشر من جسد ونفس . يستطيع البشر ( خلق ) شىء من مواد وعناصر مخلوقة من قبل . لذا يقال عن رب العزة جل وعلا أنه أحسن الخالقين  ، لأنه يخلق مالا يستطيع البشر خلقه ، ولأنه جل وعلا يخلق أشياء من لاشىء . فأنت قبل مولدك بسنة واحدة كنت لاشىء : (  هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1)الانسان  ) وقد قال جل وعلا لزكريا (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) مريم ). الذى يخلق من لاشىء هو ( الفاطر ). ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ  )(1)  فاطر ).

2 ـ هذه لمحة (طويلة ) نفهم منها وصف رب العزة جل وعلا   بأنه خير الفاتحين : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ  ) (الاعراف 88  ). ذلك أن فعل ( الفتح ) يأتى من البشر ، قال جل وعلا عن أخوة يوسف : ( وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ) ( 65 ) يوسف ).

اجمالي القراءات 6265