كدنا نيأس .!!

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١١ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كدنا نيأس .!!

جاءنى هذا التساؤل المرير : (  لقد ضقنا مرارة في بلاد المستبد العربي في ظل كهنوته الديني الذي يستخف به المستضعفين واحزابه المصطنعة للكذب على الشعب وفي ظل القهروالفقر وتدجين العبيد بمساجد الضرار بكلام لا يمت لله بصلة وقلة المناصرين العارفين للحق وللعبة السياسة اللعينة فبم تنصحوننا .وشكرا جزيلا.)

وأقول :

أولا :

1 ـ نحن ( أهل القرآن ) الحل . نحن الحل بدعوتنا السلميةالى الاصلاح الدينى والسياسى .

2 ـ ليس الحل بالوثوب الى الحكم . فالذى يثب الى الحكم بزعم الثورة على المستبد لا يلبث أن يصبح مستبدا آخر ، ربما يكون أعتى من السابق . هذا الذى ينجح فى الوصول الى السلطة بإنقلاب لا بد أن يكون صاحب سطوة وقوة يتمكن بها من إزاحة المستبد القائم والجلوس مكانه. وحتى ينجح لا بد أن يرفع شعارات الاصلاح يخدع بها الناس ، ليطمئنوا اليه . ثم بعدها يركبهم ويصبح أسوأ ممن سبقه .

تجربة مصر تثبت هذا . العسكر الذى يحكم مصر من 1952 أوصل مصر الى القاع بحسنى مبارك . حكم ثلاثين عاما ، وإحتار فى نهاية حكمه بين التمديد لنفسه والتوريث لابنه . وبينهما ضاع الأمل فى العسكر وفى الاخوان المنافسين للعسكر وفى شراذم السياسيين الراقصين على حبال العسكر والاخوان . فقامت ثورة من الشباب صاحب الحُلم ، تملك الحلم دون القوة . تدخل الأمن فأقام مذابح للشباب ثم عجز عن الاستمرار فانسحب تاركا مصر للفوضى ، فتقدم الجيش يقبض على زمام الأمور ، وأقال مبارك ، وحكم مصر المجلس العسكرى بوعود إنتقضها هو نفسه بمذابح إرتكبها ، ثم إنسحب خطوة ليعطى الاخوان المسلمين فُرصة الحكم بإنتخابات وديمقراطية مظهرية . كان الاخوان مستعدين لأى مساومة للوصول الى الحكم . فقد لبثوا أكثر من 80 عاما يتآمرون للوصول الى السلطة. ولأنهم قضوا ثمانين عاما يعملون فى سبيل الوصول الى السلطة فلم يتهيأ لهم ثمانون دقيقة للتفكير فى كيف يفعلون عند الوصول الى السلطة . ظهر فشلهم وفسادهم سريعا ، وجاءت فرصة العسكر فى إزاحتهم وعودتهم الى السجون التى أتوا منها . وظهر ضابط لم يكن شيئا مذكورا ، ولكنه تفوق على رؤسائه بالنفاق والكذب فأصبح هذا السيسى هو الرئيس المنتخب ديمقراطيا وبموافقة الأغلبية الساحقة من مظاهرات مليونية قامت بتأييده . وصل الى السلطة ، وهو أصلا فيها . وتبخّرت سريعا وعوده ، وصار أسوأ ممن سبقه ، وبه وصلت مصر الى أسفل سافلين . هذا السيسى كان بإمكانه أن يكون ديمقراطيا ، وكان بإمكانه أن يصلح مصر دينيا ، بل رفع شعار إصلاح الخطاب الدينى ليواجه الارهاب المتمسح بالدين . ولكنه لم يفعل سوى أن يكون أكثر إستبدادا وأكثر فسادا من مبارك وطنطاوى والاخوان . لذا فالذى يثب على السلطة بزعم الاصلاح لا يكون سوى سيسى آخر .

3 ـ قد نفتراض حُسن نيته . قد نتخيل قائدا لديه إمكانية النجاح فى الوصول الى الحكم ولديه أيضا التصميم على الاصلاح الديمقراطى . ولكن فى الحقيقة لا يمكنه أن يفرض الديمقراطية فى يوم وليلة . سيظهر له ملايين المنتفعين المفسدين الذين يزايدون عليه يستغلّون جهل الناس ، وبالجهل المترسخ فى الناس سينتصر عليه أولئك الفاسدون ، وينجح كبيرهم فى الوصول الى السلطة وينجح فى أن يعيد إنتاج الاستبداد الراحل ليكون أشد وطأة وأسوأ سيرة .

4 ـ من تجربة الصومال ومصر وليبيا وسوريا والعراق وتونس نستنتج حقيقة سياسية مُرعبة : المستبد إذا طالت أيامه فإنه يقوم بإستئصال دولته ومجتمعه من كل العناصر الطيبة والخيّرة وأهل الكفاءة والمقدرة . فلا يبقى فى الساحة إلا أسوأ من فى الناس . الرعاع الفاسدون . يكونون هم الخبراء والحكماء والقادة فى السياسة والإعلام والثقافة ورجال الدين والتعليم وأصحاب المال . وهم فيما بينهم يتقاسمون لعبة الديمقراطية ، يلعب بعضهم دور المعارضة ـ يعارض بعض الوزراء من خدم المستبد ، ويلعب الباقون لعبة التأييد للمستبد حرصا على الاستقرار وخوفا من وقوع الفوضى وعملا بالقاعدة الفقهية السنية ( حاكم غشوم ولا فتنة تدوم . ). يلعب الجميع لصالح المستبد ، يتاجر رجال الأعمال بنفوذه ويشاركهم الأرباح ، ويدعو له رجال الدين بالنصر ،ويشاركهم فى الصلاة فى المساجد وفى حضور الاحتفالات فى الكنائس .

وتمر السنوات حتى يبلغ المستبد من الكبر عتيا ، فيسقط نطامه ويتولى الحكم غلمانه ، وليس منهم رجل رشيد . يتصارعون ويتقاتلون وتنهار الدولة بتدخل خارجى . هذا لأن فساد المستبد وفساد أعوانه أفسد الأغلبية الساحقة من الشعب . وبغياب العناصر الطيبة وصاحبة الكفاءة بعد قتلها وسجنها ونفيها وتشويه سمعتها لا يبقى مُصان السُّمعة سوى الرعاع المفسدين ، ولأن أولئك الرعاع المفسدين مجموعات من الأقزام وأشباه البشر وأنصاف الرجال ولم يكن لأحدهم سابق خبرة بالقيادة بل تنحصر خبرته فى التصفيق والتهليل والرقص فى مواكب سيده المستبد ــ فإن المفترض أن يحكموا معا لملأ الفراغ بعد سقوط سيدهم ـ وهذا مستحيل ، إذن فلا يبقى إلا الصراع على السلطة ، وبها قد تسقط الدولة فى حرب أهلية ، أو أن ينجح أحدهم ــ أخيرا ــ فى إنقاذ الدولة من الانهيار ليحكمها مستبدا . هذا لأن الفساد قد إنتشر فى جسد الدولة وشعبها .

هذا لو إفترضنا عدم التدخل الأجنبى بأسلحة وبقوات وأموال. ومستحيل ألا يحدث تدخل أجنبى . وهذا التدخل الأجنبى لا يكون إلا فى مصلحة الطرف الذى يتدخل ، لا فارق إن كان من يتدخل من ( الأجانب ) أو( الأشقاء ) أو ( الأصدقاء ) أو ( الأعداء ) أو منهما معا أى ( الأعدقاء ) ، مستحيل أن يكون التدخل الأجنبى بأسلحة وبقوات وأموال فى صالح الشعب . ومستحيل ألا يطلب طرف فى الداخل مساعدة أجنبية . والنتيجة هى الخراب والدمار والمذابح وحُكم الرعاع .

5 ـ المعضلة هى المناخ الفاسد الذى تعيش على فساد المستبد عقودا ، وبه فسد المجتمع أجيالا . حتى مئات الألوف من الشباب المصرى الذين تظاهروا فى ميدان التحرير ــ وقضى نحبه منهم آلاف على يد الأمن والجيش ــ هؤلاء المتظاهرون الأبرار ضاق بهم شعب القاهرة الفاسد وإعتبروهم مسئولين عن الفوضى . لأن الفساد إذا تمكن فهو لا يقبل بتغير الأوضاع ــ حرصا على الاستقرار ــ إستقرار الفساد بطبيعة الحال.

6 ـ نجح التحول الديمقراطى فى شرق أوربا بعد تحررها من الاستبداد الشيوعى . نجحت لأنه لم تكن هناك وهابية مسيحية تكون بديلا للشيوعية التى سقطت ، كان سهلا التحول الديمقراطى لأنه لا وجود لنفوذ الكنيسة وسيطرتها على مجتمع أوربا الشرقية . كان سهلا وجود البديل الآخر أو صناعته وهو الحكم المدنى الديمقراطى . لم تكن دول شرق أوربا محتاجة الى إصلاح دينى لأن الدين اصلا كان ممنوعا ومحاصرا فى أفضل الأحوال . نحن نتكلم عن الدين الأرضى المسيحى الذى أرهق أوربا بمذابحه وخرافاته وتسلطه فى العصور الوسطى الى أن تخلصت أوربا من سيطرة الكنيسة ورفعت الشيوعية شعار ( شنق آخر مستبد بأمعاء آخر رجل دين ).

7 ـ ليس هو نفس الحال فى بلاد المحمديين التى يرهقها تسلط الكهنوت الشيعى والوهابى وتصارعهما، وبحربهما تستمر المذابح ويتمزق الوطن كما فى سوريا والعراق واليمن . وحتى لو لم يكن هناك شيعة فإن الفرقاء السنيين الوهابيين يتصارعون ويتمزقون ويتمزق بينهم الوطن كما يحدث فى ليبيا والصومال ، وكما سيحدث فى الجزائر والسودان .

8 ــ ليس سهلا تطهير المناخ السائد القائم على ثقافة الاستبداد والاستعباد والفساد فى هذه البلاد . ليس فقط أنه تجذّر بمرور السنين ( فى مصر تجذر منذ حكم العسكر عام 1952 ) ولكن أيضا لأنه تجذّر بالدين السائد ، حيث تسلح المستبد بالكهنوت ، وحتى الثائر على المستبد هو الذى يمثل الكهنوت الوهابى . فالاخوان المسلمون ممثلو الوهابية هم الثائرون سياسيا على المستبد العسكرى الذى يركب الكهنوت السنى الوهابى . وهناك جانب هائل من الوهابية يسير فى ركاب المستبد العسكرى ــ وهم السلفيون . ويتبارى هؤلاء وهؤلاء فى تفعيل ثقافة الوهابية الفاسدة فى أفئدة الناس . ولهذا لا يمكن تفعيل الديمقراطية وثقافة الحوار والوصول الى حلول وسط .

9 ـ المستبد العربى يحتاج الى الكهنوت ويركبه فيركب به الشعب . إذا تخلص الشعب من هذا الكهنوت وأزاحه من على ظهره تدحرج المستبد . بإزاحة المستبد وبقاء سُلطة الكهنوت يصبح الحال أسوأ . وجاءت أحداث العراق تؤكد هذا . فى العراق ديكور ديمقراطى بالغ الروعة ، وفيها فساد أكثر روعة ، وحمامات دم هائلة الروعة.! ففى العراق ديكور ديمقراطى بلا ثقافة ديمقراطية ، لأن تسلط الكهنوت الدينى السنى والشيعى فى العراق يمنع الثقافة الديمقراطية .

10 ــ نفعيل ثقافة الديمقراطية  لا يكون إلا بالاصلاح الدينى . وهذا الاصلاح الدينى نضال ثقافى عقلى بالأساس ، يقوم بفضح خرافات الكهنوت و حصر ومحاصرة نفوذ كهنوت رجال الدين وتخفيف قبضتهم على عقول الناس . بسيطرة التفكير المدنى العقلانى يتهيأ المجتمع لاحتضان ثقافة الديمقراطية ، ويتأهل لتطبيقها .

قلنا هذا كثيرا ، بلا فائدة.!!

أخيرا:

1 ــ نحن ( أهل القرآن ) الحل . نحن الحل بدعوتنا السلميةالى الاصلاح الدينى والسياسى .

2 ـ نحن أهل القرآن نملك قوة المعلومة ولكن ينقصنا قوة الامكانات التى تصل بها دعوتنا الى آفاق المسلمين لتقوم بتوعيتهم .

3 ـ عدونا ( المستبد والكهنوت ) يقومون بالتعتيم علينا ويستميتون فى منعنا من الوصول الى شريحة كبرى من الناس . لو لدينا قناة فضائية لقضينا على خطر الوهابية فى عدة سنوات .

4 ــ بإمكان من يقتنع بدعوتنا أن يساعدنا بتوصيل ما نكتبه عبر الانترنت . وليس هذا بالعسير . ولقد بحّ صوتنا فى طلب هذه المساعدة بلا جدوى .

5 ــ طبعا نحن نحتاج الى عون مالى للإنفاق على إستمرارية الموقع وإستمرارية المركز العالمى للقرآن الكريم . الذين يملكون البلايين هم الوهابيون والكهنوت الشيعى وهم خصوم لنا . الغرب المسيحى لا يحبّ دفاعنا عن الاسلام . لو خلطنا بين الاسلام والوهابية لانهالت علينا الملايين من الغرب لأننا بهذا نحقق غرضه فى جعل الاسلام مسئولا عن تلك المذابح ، وأن هذه التنظيمات الوهابية تمثل الاسلام . هذا نرفضه تماما ، وأساس دعوتنا هو إصلاح المسلمين بالاسلام بتوضيح حقائقه المهجورة وبتوضيح التناقض بين الاسلام والوهابية والكهنوت الشيعى والسُّنّى . بهذا نظل فقراء ، ولكن نتحرّج من طلب المساعدة مع مسيس الحاجة اليها ، ولأننا نعرف أن الأغلبية من الأحبة أهل القرآن فقراء مثلنا . ونأمل أن يكون هناك من أهل الخير والثراء ممّن يقتنع بأهمية دعوتنا فى إنقاذ المسلمين وفى تبرئة الاسلام العظيم من شرور أولئك الذين يحملون إسمه ويشوهون سُمعته .

6 ـ بعد نضال أربعين عاما أحمل فيه مشعل الأمل كدت أيأس، فالمذابح تنتشر وتلتصق باسم الاسلام ، وما نكتبه يتم التعتيم عليه  .. حتى كتابة هذه السطور لم يظهر بصيص أمل فى تغيير حقيقى آت .

7 ــ يبقى أن أقول كلمة النبى شعيب عليه السلام : (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) هود  ). 

اجمالي القراءات 7064