في وداع صديق لزميل سابق
الجنازة

محمد عبد المجيد في الخميس ٠٦ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

اليوم، 6 ابريل 2017، حضرت جنازة في أوسلو, كانت الكنيسة القديمة الملحقة بالمدافن مكتظة عن آخرها. القسيسة متوسطة العُمر، شقراء، تبدو كموديل أنيقة لكن لم تهرب منها هيبة الدين.
 الحُزن قد يتجزأ دينيا ومذهبيا وقوميا وعاطفيا؛ فإذا ظهر الموت لا يملك الإنسانُ الطبيعي نحوه إلا الصمت.
 الموت هو سحب البساط من تحت أقدام المولعين بإعلاء شأن الراحل في السماء كما كان على الأرض، فلا نملك حيال الموت إلا المشاركة.
 كلنا نتساوى أمام القدَر في هذا الأمر بالذات، حتى الكتب المقدسة تتشابه في وصفها للحظات النزول تحت الأرض قبل الصعود إلى السماء.

 

 

تتعادل الكتب المقدسة في منها خلقانكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى وهي تلك اللحظات التي يتخيل الحاضرون أنفسهم فيها حتى لو كانت الحقيقة مؤجلة.
 في صلاة الجنازة تنسى الصلة الأرضية بالراحل وتبدأ في تخيل نفسك وأحبابك وأقاربك.الألحان الجنائزية دامعة، فهي أنغام تحمل رسائل للمتوفىَ، قد يأخذها معه قبل الوفاة بوقت طويل، أو تأخذها أنت لتعيد إرسالها في مناسبة أخرى.
 يتحدث أقرب الناس للمتوفىَ؛ فيسرد شطرًا من حياته، ويُدخل على جو الكنيسة بهجة ولا مانع من ضحكات لكنها لا تنال من الحزن أو تقلل من رهبته.

ربما كنتُ المسلمَ الوحيد في الكنيسة والجنازة، لكنني شعرتُ بدفءِ المودة الإنسانية في العزاء والمصافحة والعناق، فهذا هو الدور الرئيس في العلاقات الاجتماعية بحيث يلتحم العزاء في أعمق مشاعر التعاضد والتكاتف، والشجاعة أمام الموت فكل الحاضرين سيختفون في يوم من الأيام ولو طال انتظاره، وكل من قدّم العزاءَ سيتلقاه أحبابه فيه يوم يقوم الضيف غير المرغوب، ملك الموت، بالزيارة، رغم أنه تلقى دعوة الحضور من رب الكون العظيم وممهورة بتوقيع سماوي: النهاية!

المغترب من الجيل الأول الذي لا يشارك أهل البلاد الأصليين في الأحزان قبل الأفراح، يجب عليه أن يعود إلى بلده الأم، ومع ذلك فربما تكون غربته غربتين، ووداعه عدة وداعات.
 بعض الأحزان تقوم بتنظيف أفراحٍ مزيفة، وبعض الأفراح تتولى تطهير أحزان مغشوشة؛ لذا ينبغي أن نحمل معنا الإنسانية في الحالتين؛ فإذا فرحت فقد كبحت، وإذا حزنت فقد أذنت!
 الأحزان والأفراح تجارب تتراكم في أعماق النفس، وتثري الذاكرة، وتجدد الماضي، وتستعين بمخزون كلما كان صادقا، في الألم والأمل، جعلك تتمكن من تجديد حياتك وتزيين حوافها بتوازنات تعيد إليها الوئام والسلام والانسجام.

تلك لمحات من فلسفة السعادة مع تبييض اللون الأسود.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 6 ابريل  2017

اجمالي القراءات 8733