الخلافة السعودية
الخلافة السعودية

أحمد أحمد في الخميس ١٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الخلافة السعودية

لم أتعجب من الخبر الذي نقلته أحد وسائل الإعلام عن طموح الزعامة لدى العاهل السعودي، الملك عبد الله آل سعود، و نظرته لنفسه على إنه عبد الناصر العصر، و إنه قد نصب نفسه زعيماً للمتحدثين بالعربية، مثلما لم أتعجب من الرد المصري الرسمي الذليل، المتمثل فيما صرح به سفير آل مبارك بواشنطن، تعليقاً على هذا الخبر، نافياً أن يكون هناك تنافس بين النظامين الحاكمين في السعودية و مصر، بل و تأكيده على قبول النظام الحاكم المصري لدور قيادي سعودي.

أما عد&aم العجب فمرجعه، أن الخبر قديم، قدم أسرة آل سعود، بل ما أراه من تاريخ تلك الأسرة، يجعلني أرى أن هذا الحلم، حلم الزعامة السياسية للعرب، هو حلم متواضع بالنسبة لمخطط أسرة آل سعود.

الأسرة السعودية أسرة طموحة جداً، و القول بأن كبيرها في هذه المرحلة، الملك عبد الله، يريد أن يصبح زعيم العرب السياسي، هو طموح متواضع جداً بكل ما تحمله كلمة متواضع من معاني، فماذا تعني زعامة سياسية بجانب طموح الخلافة؟؟؟

ماذا تعني زعامة سياسية شعبية، بجانب زعامة دينية روحية؟ زعامة روحية تدعمها طائفة دينية جديدة مستقلة خاصة بها، هي الوهابية السلفية، و التي تنتشر اليوم إنتشار النار في الهشيم مدمرة بإنتشارها قيم السلام و التسامح و التعايش الودي، لقد كانت كل خلافة إسلامية ترتكز على مذهب خاص بها ترى بإنتشاره إنتشار لنفوذها، فالخلافة الأموية في الأندلس إرتكزت على المذهب المالكي، فروجت له في كافة أنحاء بلاد المغرب، و الخلافة العباسية ثم من بعدها العثمانية على المذهب الحنفي، و الفاطمية مع المذهب الإسماعيلي.

ماذا تعني زعامة سياسية شعبية للمتحدثين بالعربية فقط، تهبط أسهمها و ترتفع، تبعاً لتغيرات عالم السياسية المضطرب، خاصة في منطقة كمنطقتنا الملتهبة و المعقدة، بجانب زعامة روحية ثابتة الدعائم، راسخة الأقدام، يعطيها إرتداء مسوح الدين حصانة من النقد و الهجوم، حتى لو أخطأت أو خانت أمتها، زعامة تبسط نفوذها على السنة، أي على حوالي ثمانين بالمائة من مجموع المسلمين في العالم الذين تعدوا المليار نسمة؟؟؟

لقد تأكد هذا الطموح الخطير، منذ اليوم الذي إكتشف آل سعود في فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي، فرصة ذهبية لبسط زعامتهم في مواجهة منافسيهم بالجزيرة العربية، فلبس مسوح المصلحين يعطي أصحاب تلك المسوح اليد العليا على منافسين يبدون في نظر المجموع على إنهم يتنافسون على الدنيا.

لهذا ليس من الفطنة، لمن يريد أن يعرف كيف يخطط آل سعود، إغفال لقب خادم الحرمين، الذي أطلقه آل سعود على أنفسهم، و الذي ليس إلا النسخة العصرية المطورة للقب الخلفاء في العصور الوسطى، حامي الحرمين، ذلك اللقب - و أعني خادم الحرمين - الذي إبتلعه معظم المسلمين للأسف بحسن نية، غافلين عما ورائه من خطط طموحة لمن قرروا أن يحملوه، بعد أن جرعه لهم، أي لمعظم عموم المسلمين، الإعلام السعودي العامل في معظم الدول الإسلامية، ذلك الإعلام الذي سكت عن جرائم آل سعود في السنوات الأخيرة بحق مكة المكرمة و المدينة المنورة، حين هدموا بيت ابو بكر الصديق، رضي الله عنه، ليبنوا بدلاً منه فندق هيلتون مكة، و بيت السيدة خديجة، رضي الله عنها، الذي عاش فيه الرسول، صلى الله عليه و سلم، قرابة ثلاثة عقود، ليقيموا مكانة مراحيض عمومية، و تدمير و إحراق قبر السيدة آمنة، أم خاتم المرسلين، ص، بواسطة الجرافات و إلقاء مواد نفطية عليه، فهؤلاء المجرمين بحق تراث الحرمين، و منتهكي حرمة الأموات، هم من يدعون بخدام الحرمين.

مثلما ليس من الحكمة تناسي مصحف آل سعود، أو مصحف خادم الحرمين، و الذي يعملون على تعميمه في أرجاء العالم الإسلامي، و الذي أصبح - تقريبا - في كل يد تحمل مصحفاً، و أصبح هو المثال الذي تطبع على مثاله المطابع المصاحف في الدول الإسلامية الأخرى، كما في سوريا و مصر، و الذي إحتل مكان المصحف الذي كان يطبع في مصر.

هل يمكن تغافل عن محاولات آل سعود، أن ينصبوا من أنفسهم حماة لسنة العراق من العرب؟ فالإعلام السعودي يتعامل مع الشعوب و كأنها بلا ذاكرة، لتعلم أن نكبة العراق ما كانت لتتم بدون المباركة السعودية، و دون قواعد الولايات المتحدة في كافة دول الجزيرة العربية.

الحلم السعودي أكبر كثيراً، من أن يحتل كبير عائلتهم، مكان عبد الناصر، أو غيره من الزعماء السياسيين، حلم شغل مكانة عبد الناصر، ليس أكثر من خطوة لما هو أكبر من ذلك بكثير.

و لكن إذا كانت الخلافة هي طموح آل سعود الحقيقي، ذلك الحلم الذي ولد بعد لقائهم مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مؤسس الطائفة الوهابية، فإن طموح مبارك، و منتهى أمله، هو أن يخلفه ابنه الأثير في ملكية عزبة مصر العربية، ليستمر من بعده في سرقتها، لهذا لم أتعجب حين قرأت أن سعادة سفير آل مبارك في واشنطن يرى إنه لا مانع لدى النظام المباركي في أن ينصب الملك عبد الله آل سعود من نفسه زعيماً للعرب، و بل و ينفي كذلك وجود أي نوع من المنافسة بين البلدين، و يعني بالتأكيد بين النظامين، فلا مكان للشعوب هنا، حتى كاد السفير أن يؤكد على تبعية مصر لآل سعود، بما يؤكد أن هناك صفقة، تم بمقتضاها حصول مبارك الأب على وعد من آل سعود بأن يساندوا مطالب إبنه في وراثة ملكية عزبة مصر من بعده، لدى أصدقائهم الحميمين في البيت الأبيض، طالما ساعدهم في تحقيق أحلامهم في الزعامة السياسية و الدينية، التي يشهد عليها إنسحاب مصر من المسرح السياسي، و بيع حق إحتكار الساحة الدينية المصرية لمذهب آل سعود، الوهابية السلفية.

لقد كان من أوضح الأمثلة على تبعية مبارك لآل سعود، هو ما كتبه الصحفي الكويتي، أحمد الجار الله، في جريدة السياسة الكويتية، في نهايات شهر مارس 2007، معلقاً على لقاء العاهل السعودي، مع الرئيس السوري، بشار الأسد، ذلك اللقاء الذي عقد على هامش مؤتمر القمة العربية في الرياض الشهر الماضي، مارس 2007، و الذي حضره مبارك الأب، كشاهد، كما وصف حضوره الجار الله، و هو الصديق المقرب لمبارك، و الذي كثيراً ما خصه مبارك بالكثير من التصريحات الهامة خلال مقابلاته المتكرره معه، لعل أشهرها التهديد الذي أطلقه مبارك للمعارضة المصرية، قبل إنتخابات الرئاسة في 2005، و الذي توعد فيه المعارضة بالشر الوبيل، و قد كان.

الجار الله حين يصف مبارك في لقاء هام كهذا، بمجرد شاهد، فإنه بالتأكيد لا يكذب، فكما هو واضح قربه من مبارك، كما أسلفت، و تصريحات السفير المصري، تؤكد على أن وضع رئيس مصر أصبح بالفعل لا يزيد عن كونه شاهد، يسحبه زعيم العرب و خليفة المسلمين القادم، من يده ليكون شاهد على ما سيدور بينه و بين الرئيس السوري، ليس أكثر، و إن كان بالتأكيد شاهد من غير ذوي العدل.

لا يمكن أن أنهي هذا المقال دون أن أعلق على بقية تصريح سفير آل مبارك في واشنطن، حول زعامة الملك عبد الله، و الذي جاء فيه ما يثير السخرية، و المتمثل في الجزء الذي يقول فيه – أي سعادة سفير آل مبارك في واشنطن – إنه يساند كلياً ما يفعله الملك، و يأمل أن يفعل المزيد.

فهل لنا أن نسأل سعادة السفير، ما هو المزيد الذي يأمل سعادته أن يفعله أمير المؤمنين عبد الله آل سعود، و لم يفعله بعد؟؟؟؟؟

ألا يكفي سعادة السفير فتح آل سعود الجزيرة العربية للوجود العسكري الأمريكي الدائم؟؟؟

ألا يكفي إحتلال دولتان ذاتا أغلبية ساحقة إسلامية، بمباركة و تغطية سعودية؟؟؟

ألا يكفي ما تم من توفير الغطاء الديني الشرعي للعدوان على لبنان، في حرب يوليو 2006، و الفتاوى التي صدرت بوجوب، ليس فقط عدم مساندة المقاومة اللبنانية بأي وسيلة، و لو كانت تلك الوسيلة هي الدعاء، بل و بخذلانها، أي بمساندة المعتدي الإسرائيلي؟؟؟

ألا يكفي ما قام به آل سعود، و أتباعهم من الأنظمة العربية، حين قاموا، تلبية لطلب أمريكا و إسرائيل، بتجويع الشعب الفلسطيني، عقاباً له على إنتخابه لحماس، و التي شخصياً لا أقبل نهجها و سياستها، و لكن بالتأكيد أحترم إختيار الشعب الفلسطيني، ذلك الإختيار الذي يبرهن على أن الشعب الفلسطيني قد فاض به الكيل من فتح الفساد، و المقربة اليوم من آل سعود و أمريكا و إسرائيل؟؟؟

هل يعني السفير، ممثل النظام المباركي، بالمزيد إحتلال إيران، أو على الأقل تدمير قدراتها النووية، و قدراتها العسكرية التقليدية، لصالح الولايات المتحدة و إسرائيل؟؟؟؟ خاصة و أن حملة الإعلام السعودي، و الإعلام العربي الممول سعودياً على أشدها منذ عام 2005، و المتمثلة في الترويج للفتنة بين السنة و الشيعة، و الحديث الذي لا ينقطع عن قصة الخطر الإيراني، و كأن أمريكا و بريطانيا و إسرائيل و غيرهم، لا يحتلون أراضي عربية و إسلامية.

هل يريد سعادة السفير مزيداً من نشر التعصب و العنف و الكراهية في البلدان العربية و الإسلامية، و مزيداً من تشويه الإسلام في نظر غير المسلمين؟ فمن المعلوم إنه كلما إزداد التعصب و العنف و الكراهية في بلادنا، و زاد خوف الأخرون من الإسلام و المسلمين، إزداد رسوخ كراسي حكم طغاة منطقتنا.

اليوم أعلن آل سعود رغبتهم في زعامة العرب، و غداً ستكون الخلافة، و سيسمع من سيدرك ذلك الغد إسم الخلافة السعودية، مثلما قرأنا نحن عن الخلافة الأموية و العباسية و الفاطمية و العثمانية، و بعد غد ستصبح مصر مجرد إمارة من إمارات آل سعود، كحائل و عسير و الحجاز، تلك الإمارات التي كانت يوماً مستقلة، و غداً لناظره قريب.

أحمد حسنين الحسنية

حزب كل مصر

19-04-2007

اجمالي القراءات 3973