مفهوم الدين في القرن الواحد والعشرين

عمرو اسماعيل في الأربعاء ١٨ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما كتبت وأكتب في هذا الموضوع الشائك و أطرحه للنقاش سأحاول وصف الواقع وما يعبر عنه هذا الواقع من وجهة نظري وهنا يجب أن أوضح أنني لا أتكلم عن دين معين ولكنني أتكلم عن المفهوم العام للدين و لا أتكلم عن شعب معين أو حضارة معينة و ذلك لإيماني أن الحركة الأنسانية والحضارة الأنسانية هي حركة جمعية متداخلة رغم أنني بالطبع سأعطي معظم الأمثلة من منطقتنا وثقافتنا والأديان المؤثرة فيها.

وفي البداية أؤكد أن الدين بصفة عامة هو من أهم مكونات البعد الثقافي و الحضاري لأي شعب و تنطبق هذه الحقيقة أكثر ما تنطبق علي الإسلام و شعوب منطقتنا رغم أنها ظاهرة أنسانية عامة .. كما أن مفهوم الدين وكيفية ممارسة شعائره علي النطاق الشعبي وليس النخبوي هو ما يعبر عن المفهوم الحقيقي للدين لأي شعب في أي مرحلة زمنية .

والدين في الغرب لم يفقد أهميته علي المستوي الفردي أو الجماعي ولكنه تحول خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الي اختيار شخصي ليس فيه فرض لا من الكنيسة أو الدولة أو حتي المجتمع لا في الأعتقاد الديني و لا حتي في ممارسة شعائر الدين نفسه .. وهذا التحول لم يحدث بسهولة ولكنه حدث بعد قرون طويلة من القهر و الاستبداد والحروب الدينية.. و لعل محاكم التفتيش في اسبانيا و باقي دول أوروبا والتي راح ضحيتها الكثير كانت خير مثال .. ولكن أوروبا و من خلال التجربة و فلاسفة التنوير اكتشفت انه مهما أهدرت من دماء فلن يغير شخص أو تغير جماعة عقيدتها الدينية و أن الحل الامثل يكمن في التعايش وفلسفة تقبل الاخر بناء علي اتفاق غير مكتوب في معظم الأحيان وهو دعني أومن بما أشاء لكي أدعك أنت أيضا تؤمن بما تشاء ولنختلف بالكلمة بدلا من السيف .. وهكذا تدريجيا انفصل الدين عن الدولة و السياسة وتحولت العلاقة بين الإنسان والله الي علاقة علي المستوي الفردي دون أن يفقد الدين قيمته كحاجة إنسانية ضرورية .

ولعل أكثر فلاسفة الغرب الذين كان لهم أكبر الأثر في ذلك هو الفيلسوف الأنجليزي جون لوك وكتابه القيم رسائل في التسامح والذي استقي الدستور الأمريكي منه الكثير من بنوده.

في الغرب الآن اصبح من حق الأنسان أن يكون مسيحيا بروتستانتي أو كاثوليكي .. مسلما سني أو شيعي .. أو حتي بلا دين علي الأطلاق .. من حقه أن يذهب الي الكنيسة أو لا يذهب و المجتمع لا يستطيع أن يضطهد أي شخص بناءا علي معتقداته الدينية أو ممارسته لهذه الشعائر ويحترم المجتمع حق الفرد و الجماعة في الدعاية لمعتقداته طالما لا يمارس العنف أو التحريض عليه في هذه الدعاية .. ولن يستطيع أي شخص أن يدعي أن المسلمين في الغرب لم يستفيدوا من هذه المنظومة ويستمتعون بكامل الحرية في أقامة شعائرهم و الدعاية للأسلام أكثر من بعض الدول الاسلامية .. فالسني يمنع الشيعي من الدعوة لمذهبه وإقامة شعائره بحرية في الدول ذات الأغلبية السنية ونفس الشيء يحدث مع السنة في إيران .. في الغرب يستطيع أي شخص أن يدعو لمعتقده طالما لايستخدم العنف أو يحرض عليه .. والحقيقة التي ينساها الكثيرون هو أن التحريض علي العنف مجرم في كل قوانين الدول الغربية و هذه الحقيقة هى التي تضع بعض الدعاة المسلمين و أئمة المساجد في الغرب تحت طائلة القانون ويستغل بعض قادة جماعات العنف هذه الحالات القليلة لمحاولة أثبات تعصب الغرب ضد الأسلام .. قد يكون هناك بعض التعصب ضد الأسلام علي المستوي الفردي حتي من جانب بعض رجال الأدارة السياسية كما هي حالة بوش مثلا وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر ولكن القانون يحمي حرية العقيدة وهذه حقيقة لن يستطيع أي شخص في الغرب أن يغيرها حتي بوش أو بعض مساعديه من اليمين المحافظ .

هذا عن الغرب فماذا عنا في الدول العربية و الأسلامية .. أني أدعي أن نفس الشيء حدث عندنا علي المستوي الشعبي دون أن نعلن عن ذلك و لا أقول علي مستوي نظم الحكم التي تفصل الدين عن الدولة وتمنع قيام الأحزاب علي أساس ديني كما هو الحال في مصر أو نظم الحكم التي تتمسك بالشريعة الأسلامية كما هو الحال في السعودية أو أيران .

أني أعلنها أن الدين تحول في مجتمعاتنا الي اختيار شخصي علي مستوي العقيدة و علي مستوي ممارسة الشعائر.. سواء رضينا أم لم نرضي .. سواء اعترفنا بهذه الحقيقة أم لم نعترف .. ولن تستطيع أي جماعة سلفية أن تغير هذه الحقيقة مهما استخدمت من عنف بدني أو معنوي .. لن تستطيع جماعة الأخوان المسلمين باسلوبها السلمي المغطي بعنف معنوي أن تغير هذه الحقيقة ولن تستطيع القاعدة و حلفاءها مهما استخدمت العنف ومهما أهدرت من دماء أن تغير هذه الحقيقة .. لن يستطيع شيخ الأزهر و لا البابا أن يغير هذه الحقيقة .

أن تحول الدين الي اختيار شخصي هو اتفاق غير مكتوب و غير معلن علي المستوي الشعبي .. هل يستطيع أحد في عالمنا أن يجبر شخص علي ممارسة شعائر الإسلام أن لم يرغب في ذلك .. هل يستطيع شخص أو تستطيع جماعة أن تجبر شخص علي الذهاب الي المسجد أو الكنيسة أن لم يرغب هو في ذلك .

أن الدين علي المستوي الرسمي و العملي تحول الي خانة في البطاقة الشخصية .. أما علي المستوي الفردي و الفعلي فهو اختيار شخصي .

لقد تحولت كل المؤسسات الدينية في مصر سواء الأزهر أو المؤسسات البابوية الي مؤسسات استشارية بفعل حركة المجتمع الغير معلنة وليس فقط بسبب تدخل الدولة .. نحن نحتاج الي رجال الدين ولكن الحقيقة أننا نحتاجهم بنفس الطريقة التي يحتاجهم فيها اي أمريكي أو أوروبي .. حاجة معنوية و روحية ولكن في نهاية اليوم سيفعل كل منا ما هو مقتنع به سواء أطلق لحيته أم لا .. سواء قصر الثوب أو لبس الجينز .. سواء تحجبت المرأة أو قررت أن تكون مثل روبي .. لن تستطيع الدولة او المجتمع أو حتي الأسرة أن تفرض علي الفرد مفهوم للدين سواء في المظهر أو في الشعائر او في العقيدة نفسها شيئا ليس نابعا من داخله.

للأسف هذه هي الحقيقة في الغرب و عندنا الفرق بيننا أن الغرب اعترف بحرية الأختيار وجعلها دستورا .. أما نحن كالعادة نخفي رؤوسنا في الرمال كالنعام و نرفض الأعتراف بالحقيقة التي تمثل حركة التاريخ .. فيتقدمون و تزاداد معانتنا وتجاربنا الأليمة .

أن الإنسان ذاق بعد معاناة طويلة طعم الحرية و طعم حرية الأختيار ولن تستطيع قوة مهما كان جبروتها أن تحرمه من نعمة حرية الأرادة التي منحها الله له عندما استخلفه في الأرض .. لقد ذاق الأنسان طعم الحرية ولن يستطيع أحد أن يحرمه منها بعد الآن.

أن الحقيقة التي يجب أن نعيها جميعا أن الدين في القرن الواحد و العشرين هو اختيار شخصي وعلاقة خاصة بين الفرد و ربه .. أما ما يجمع بيننا جميعا فيجب أن يكون احترامنا للقانون الوضعي والذي نستطيع تغييره بالأتفاق والذي يستمد بنوده من كل الأفكار السامية والتي هي موجودة في كل الأديان من عدل و حرية و مساواة .

مهما علت الأصوات الصاخبة في الجماعات و الأحزاب الأسلامية و المسيحية فسيظل الدين و ممارسة شعائره هو اختيار شخصي لا يمكن فرضه.

فلتوفر كل جماعات العنف من جميع الأديان علي نفسها و علينا المعاناة ولتتحول الي الدعوة السلمية وتترك لنا حرية اختيار طريقنا لنتحمل أمام الله مسئولية هذا الأختيار في الآخرة .. هذا هو المفهوم الحقيقي للأسلام و المسيحية وكل الأديان السماوية من وجهة نظري وأنا لا أدعي أنني علي حق لأنني لا أدعي أنني أمتلك الحقيقة .. ولكنني أدعي أن الواقع يقول أن هذا هو مفهوم الدين في القرن الواحد و العشرين في الغرب و عندنا حتي لو رفضنا الأعتراف بذلك .. والله أعلم

اجمالي القراءات 12255