عبد الكريم الخطابي بين الحيف و التاويلات الممكنة؟

مهدي مالك في الأربعاء ٠٨ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

   عبد الكريم الخطابي بين الحيف و التاويلات الممكنة؟

مقدمة متواضعة                                                  

يشرفني ان احاول ان اكتب هذا المقال المتواضع حول شخصية  مغربية اصيلة تنتمي الى منطقة الريف العزيزة علينا حيث هذه الشخصية مازالت تخلق الجدل العميق بالرغم من رحيلها الى دار البقاء منذ 54 سنة في ارض بعيدة بالاف من الكيلومترات عن منطقتها الريفية .

ان هذه الشخصية الشامخة تميزت باعتبارها بدرة  امازيغية ريفية ذات النزوع القوي نحو التقدم و دولة المؤسسات و محاربة اي نزوع الى ما نسميه الان بالمشروع السياسي السلفي اي ان هذه الشخصية لم تكن على الاطلاق من ثمار ايديولوجية المشرق العربي الدينية و العرقية او من ثمار الحضارة الغربية ببعدها الاستعماري بل كانت من ثمار الحضارة الامازيغية الاسلامية كما اسميها بمعنى  ان عبد الكريم الخطابي ظهر في اوائل العشرينات من القرن الماضي بصفته زعيم الثورة  الريفية ضد الاستعمار الاسباني بعد انتصاره العظيم و التاريخي في معركة انوال الخالدة في احدى ايام يونيو سنة 1921 و بصفته رئيس الجمهورية الريفية كحقيقة تاريخية لا يمكن ان نتجاهلها الان حيث ان قبل دخول الاستعمار المسيحي الى بلادنا كانت جل القبائل الامازيغية تتمنع  بنوع من الحكم الذاتي عن السلطة المركزية و عن ثقافتها المخزنية الغارقة في ما يسمى بنهج السلف الصالح اي ان بلاد المخزن كانت تطبق الشريعة الاسلامية بينما ان بلاد السيبة كما تسمى في ادبيات الحركة الوطنية اي القبائل الامازيغية كانت ذات نظام ديمقراطي علماني اصيل و هذا باعتراف السلطة المركزية نفسها طيلة قرون من الزمان.

لكن عندما جاء الاستعمار الفرنسي  الى المغرب رسميا بعد التوقيع على عقد الحماية بمدينة فاس بتاريخ 30 مارس 1912 ساهم بشكل حصري في بناء الدولة العصرية لكن مع تقوية نفوذ المخزن السياسي و الديني على التراب الوطني كاملا ما بعد سنة 1956 حيث هذه حقيقة لا يعلمها العامة من الناس بمعنى ان فرنسا  لم تساهم في تقوية نفوذ الامازيغيين كمشروع ديمقراطي علماني اصيل اطلاقا كما يقال ........

الى صلب الموضوع                                       

اننا اليوم نخلد الذكرى 54 لوفاة عبد الكريم الخطابي حيث تعددت التاويلات الممكنة و التاويلات السطحية التي استغلت تواجد هذا المقاوم بمصر في اواخر الأربعينات كمطرود من المغرب سنة 1926 على اثر انهزامه  امام التحالف الاستعماري العظيم بين اسبانيا و فرنسا و بالاضافة الى خوانة  الداخل حسب تاويلات البعض الممكنة بهدف اقبار جمهورية الريف الى الابد.

انذاك قامت فرنسا بنفي عبد الكريم الخطابي في اول الامر احدى مناطقها الاستعمارية ثم الى مصر سنة 1947  حيث تم تنصيبه من طرف بعض رموز الوطنية الكاذبة في دول المغرب الكبير من قبيل المرحوم علال الفاسي على رأس لجنة تحرير المغرب العربي حيث يمكن تاويل الموضوع كله بان عبد الكريم الخطابي عندما جاء الى مصر وجد الكل هناك يرفعون شعار تحرير دول المغرب العربي بحكم ان العروبة تمثل الاسلام حسب المنظور السلفي للاسلام و عليه فان الخطابي قد قبل هذا المنصب من منطلق الوحدة من اجل تحرير دولنا المغاربية من ايادي الاستعمار المسيحي تحريرا حقيقيا  لكن عندما استقل المغرب عن فرنسا رسميا سنة 1956 عرفت العلاقات بين الخطابي و حزب الاستقلال العديد من المشاكل خصوصا بعد قمع انتفاضة منطقة الريف سنة 1958 و 1959 من طرف السلطة و ميليشيات حزب الاستقلال حيث ان هذه الحقيقة تم تداولها اعلاميا في زمن هيئة الانصاف و المصالحة حيث لازلت اتذكر  جيدا ان الرئيس الحالي للمجلس الوطني لحقوق الانسان محمد صبار قد صرح بهذه الحقيقة للقناة الثانية في سياق عمل هيئة الانصاف و المصالحة....

لكن البعض سيقول انني اعادي حزب الاستقلال و هذا صحيح بحكم ان هذا الحزب هو الابن الشرعي للحركة الوطنية بدون ادنى شك حيث على المغاربة الادراك ان هذه الاخيرة عندما ظهرت في مغرب الثلاثينات لم تنطلق من اهداف ثورة عبد الكريم الخطابي و هي ديمقراطية البربر  بل انطلقت من منطلق تكفير الامازيغيين و انظمتهم الاصيلة..

ان ديمقراطية البربر مصطلح وجدته في كتاب حول اعمال ندوة علمية بشان هذا المقاوم البطل من تنظيم مؤسسة سيدي امشيشي العلمي اي احدى الزوايا الصوفية حيث ان هذه الندوة نظمت بمدينة القنيطرة سنة 2011 لكن هذه الاخيرة لم تخرج عن اطار العروبة و الاسلام غير انها تتضمن على حقائق كثيرة من قبيل اعجاب عبد  الكريم الخطابي الشديد  بتجربة مصطفى كمال اتاتورك العلماني في تركيا حيث من البديهي هذا الاعجاب بحكم ان الخطابي لم يؤسس امارة اسلامية بمعناها السلفي اطلاقا بل اسس جمهورية الريف في اوائل عشرينات القرن الماضي حيث لو استمر هذا المشروع التقدمي لاصبح المغرب دولة ديمقراطية  علمانية الان حسب اعتقادي المتواضع طبعا مع الاحترام الواجب للملكية و الوحدة الوطنية من طبيعة الحال لان امريكا نفسها هي في نهاية المطاف دولة فدرالية بمعنى دولة الجهات...

ان ما يحز في النفس و القلب معا هو ان عبد الكريم الخطابي  مازال يعاني من الحيف في بلادنا الان عبر مقرراتنا الدراسية و عبر وسائل الاعلام العمومية بالرغم من بعض المحاولات القليلة في السنوات الاخيرة لكنها لم تستطيع اعطاء الصورة الكاملة عن هذا الرجل العظيم و عن فكره التقدمي حيث اعتقد ان السبب راجع الى تراكمات الماضي الاليم بالنسبة لمنطقة الريف التي عانت بشكل اشد من التهميش و القمع الشديد حيث  كان ممنوعا من مجرد ذكر اسم عبد الكريم الخطابي في الاعلام العمومي لان المرحوم الحسن الثاني له عداء عميق تجاه منطقة الريف المجاهدة و تجاه هذا المقاوم باعتباره رفض دستور سنة 1962 ....

انني استغل هذه المناسبة الطيبة للترحم على  شهداء منطقة الريف و لعل اخرهم هو المرحوم محسن فكري ....

ارجوا ان يكون مقالي هذا في مستوى هذه الذكرى ...

توقيع المهدي مالك   

اجمالي القراءات 7860