ترامب ونُخبة السُّلطة فى الولايات المتحدة

سعد الدين ابراهيم في الأحد ٠٥ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

غم أن دونالد ترامب ترشّح وأدار حملته الانتخابية كوافد جديد من خارج المؤسسة التقليدية التى تحكم أمريكا. وكان هناك من الدلائل السطحية ما يؤيد ذلك. حيث إنه لم يُنتخب لأى موقع من قبل، لا على المستوى الفيدرالى، ولا حتى على المستوى المحلى (الولاية). إلا أنه لن يحكم ولا يستطيع حُكم الولايات المتحدة إلا بالانخراط والانسجام والانصياع لتلك المؤسسة.

فى منتصف خمسينيات القرن العشرين ظهر كتاب لعالم الاجتماع الأمريكى تشارلز رايت ميلز C.W. Milles بعنوان نُخبة القوة Power Elite. وهز ذلك الكتاب النحيل، الذى لم تتجاوز صفحاته مائتى صفحة، أمريكا من أدناها إلى أقصاها. وضاعف من أهمية الكتاب أن الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور، فى خطاب وداعه الأخير، حذّر أبناء وطنه من النفوذ المُتزايد، لما سمّاه أيزنهاور التحالف الصناعى- العسكرى (Military Industry Complex)، والذى هو تقريباً ما كان عالم الاجتماع الأمريكى C.W. Milles قد كشف عنه قبل خطاب الرئيس الأمريكى بأربع سنوات.

ولم يكن لا فى كتاب ميلز ولا فى تحذير أيزنهاور غير تقرير واقع موجود فعلاً فى الولايات المتحدة، وهو أن الذين يتحكّمون فى تسيير الأمور والسياسات فى الولايات المتحدة هم نُخبة من كبار رجال الأعمال وجنرالات القوات المُسلحة الأمريكية، وأن هذه النُّخبة لا تتعدى خمسمائة عائلة، يذهب أبناؤها وبناتها إلى نفس الجامعات، وهم أعضاء فى نفس الأندية، ويمتلكون مُعظم الأسهم فى نفس الشركات الكُبرى، ومن ثم يجلسون فى مجالس إدارتها. ويتزاوج أبناء وبنات هذه العائلات الخمسمائة، ويتناسلون، ويمر أبناؤهم وبناتهم بنفس المدارس ونفس الجامعات، ويتبوأون مواقع فى نفس المؤسسات الثلاث الحاكمة: القوات المُسلحة، وكُبرى الشركات، والكونجرس، وزعامة الحزبين الكبيرين، الجمهورى والديمقراطى.

وبين الحين والآخر، تضم نُخبة القوة إلى صفوفها وافدين جُددا، من أبناء المُهاجرين أو الأقليات الذين تميّزوا فى عوالم الاقتصاد والمال أو الفكر أو العلم أو الفن.

ولأن معظم إن لم يكن كل نُخبة القوة هذه هم من البيض White، ذوى الأصول الأنجلوساكسونية Anglo-Saxon، وينتمون إلى أحد فروع المذهب المسيحى البروتستانتى Protestant. والحروف الأولى لمفردات هذه الخلفية هى WASP. وهى نفس الحروف التى تُشير إلى الدبّور، الذى يميل لونه إلى خليط من اللونين الذهبى والأحمر. وهو نفس لون بشرة أبناء نُخبة القوة الأمريكية الذين أتى أجدادهم من إنجلترا وألمانيا والبُلدان الاسكندنافية. ويتعلم أبناء الـWASP هذه فى نفس الكُليات والجامعات الخاصة الشهيرة، مثل هارفارد Harvard، وبرنستون Princeton، وييل Yale، وفرجينيا Virginia، على الساحل الشرقى للولايات المتحدة، أو جامعة شيكاغو، فى أواسط أمريكا، أو جامعة تكساس فى جنوبها، أو جامعة ستانفورد على ساحلها الغربى.

وقد تخرّج فى هذه الجامعات السبع أربعون من رؤساء الولايات المتحدة الخمسة والأربعين، خلال القرنين الأخيرين، اللذين هما عُمر تلك الدولة الأعظم.

أما الرؤساء الخمسة الذين أتوا من غير تلك الخلفية، فأغلبهم أتوا من خلفية عسكرية، مثل أول رئيس بعد الاستقلال عن بريطانيا العُظمى عام 1789، وهو الجنرال جورج واشنطن، الذى قاد المُتمردين البيض ضد الحُكّام الإنجليز البيض. وكذلك الجنرال دوايت أيزنهاور، الذى قاد جيوش الحُلفاء الغربيين ضد ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية فى الحرب العالمية الثانية، عام 1945.

وفى كل الأحوال، فإن أى رئيس أمريكى لابد أن يعتمد على مُساعدين، يبدأون من نائب الرئيس، إلى وزير الخارجية والدفاع والخزانة وحوالى ثلاثة آلاف موقع آخر فى بقية المؤسسات، بمن فى ذلك حُكّام الولايات الخمسين التى تتكون منها الولايات المتحدة، وأعضاء الكونجرس، بمجلسيه الشيوخ والنواب، وأعضاء المحكمة الدستورية العُليا. ومعظم هؤلاء، طبقاً لعالم الاجتماع الأمريكى ميلز، يأتون من نفس الخلفية.

ولا يغفل ميلز عن أن كل قاعدة لها بعض الاستثناءات. من ذلك أن يأتى رئيس أو نائب رئيس أو وزير من خارج نُخبة القوة التى تحدث عنها فى منتصف خمسينيات القرن الماضى. ولكن حتى أصحاب وشخوص هذه الاستثناءات سرعان ما يتشبّهون بأعضاء نُخبة القوة الراسخين، وإلا وجدوا أنفسهم يُغرّدون خارج السِرب. وسرعان ما تلفظهم النُخبة الراسخة.

كما لا يفوت مؤلف كتاب (نُخبة القوة Power Elite) أن الأهم من أفراد النُّخبة هو السياسات العامة، والقرارات الكُبرى، ذات التأثير على مسيرة الولايات المتحدة والعالم. فهذه تحكمها فى النهاية مصالح المؤسسات الثلاث: كبار رجال المال والأعمال، وقادة الأفرع الثلاثة للقوات المُسلحة الأمريكية، سواء من هم فى الخدمة أو من تقاعدوا. ومن ذلك أن كل التعيينات الجديدة التى أعلن عنها دونالد ترامب إلى تاريخه، هى من كبار العسكريين المُتقاعدين، أو من كبار رجال الأعمال الذين كان يعرفهم ويتعامل معهم فى فترة صعوده كصاحب استثمارات عقارية كُبرى. وبالتالى لا نتوقع تغييرا يذكر فى سياسات أمريكا الخارجية. أما فى الداخل فإنه سيحاول الاستجابة لقواعد القطاعات الاجتماعية المُحبطة التى انتخبته. ومن ذلك أنه لن يُلقى بالاً لمطالب الحفاظ على البيئة التى تتعارض مع الصناعات القديمة الملوثة، أو أنبوب الضغط من وسط أمريكا إلى ألاسكا.

أما موقفه من الأقليات، خاصة من المسلمين، فستكون مصدر قلق لكثير من الليبراليين الأمريكيين، وأبناء الأقليات الأخرى غير المسلمين، مثل أولئك المُهاجرين المكسيكيين، وغيرهم من بقية بُلدان أمريكا اللاتينية.

■ أصاب حُسام حفنى ناصف وأخطأ هذا الكاتب

لا أخفى عن قرّائى أننى مثل كثيرين كنت قد تنبأت بفوز هيلارى كلينتون فى السباق الرئاسى مع دونالد ترامب، واختلف معى فى ذلك الوقت الناشط السكندرى حسام حفنى ناصف، الذى ناقضنى وتنبأ بفوز دونالد ترامب. لذلك لزم التنويه. فتحيته والترحيب به مُعلقاً سياسياً على الساحة المصرية والعربية. والله الموفق.

وعلى الله قصد السبيل..

اجمالي القراءات 7911