حتى يكون لسماحة الإسلام معنى
القرآن والأعراف والمواثيق الدولية

نهاد حداد في السبت ٢٨ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أن تكون قرآنيا فهذا يعني أن تكون منضبطا للأعراف والمواثيق الدولية وحقوق الانسان 
 
عندما تكون مسلما قرآنيا فإن أهم ميثاق تتعامل به مع العالم المحيط بك ينبثق من هذه الآية : ﴿  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] 
إذن قبل أن تخرج إلى العالم منظمة كمنظمة العفو الدولية كان للمسلمين كتاب يأمرهم بالعفو ، ليس في هذه الآية فقط وإنما في العديد منها ونأخذ على سبيل المثال : "  وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22] . 
باسم الله الرحمان الرحيم : أيضًا: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134] 
ستحدثني عن الحدود فأقول لك دعنا نتحدث عن علاقاتنا بالبشر والعالم ثم نهتم بعد ذلك بما يهمنا كمسلمين داخل كيان واحد ، وحين ذاك ، فلنتحدث عن شرائعنا كأمة واحدة يسودها قانون واحد ودستور واحد ، وإلا فلا حق لنا في أن نحكم شريعتنا ونفرضها على من لا يؤمن بها ! ومن هنا يأتي الدستور المسالم المتسامح مع العالم أجمع ، الذي وضعه الدكتور أحمد صبحي منصور مطابقا لشريعة الله في قرآنه . "﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد " ! فمالكم أيها المسلمون لا تتدبرون قرآنكم أم على قلوب أقفالها ! 
نحن نعيش في بلدان تكفل حرية العقائد للجميع ، في عالم يعبد الناس فيه أكثر من أربعة آلاف إله ! لا يمكننا أن نلزمهم بشرائعنا وعقائدنا بل علينا نحن أن نلتزم بالأعراف والمواثيق الدولية ، فقرآننا يأمرنا بالأمر بالعرف ! " وأمر بالعرف ". إن الله يريدنا أن نعيش بسلام وأن نمتثل للأعراف ، وقد جعلنا شعوبا وقبائل وأعراقا وألوانا لنتعارف ويكون أحسننا أتقانا . 
يقول عز وجل :" وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) ! 
لا يمكننا أن نعاهد الآخر ، وننقض عهودنا معه ونحن نشهد أن لا إله إلا الله ! فالشهادة التي تجعلنا مؤمنين مسلمين لله عز وجل تفرض علينا بالضرورة الصدق مع الآخر وعهودنا التي يشهد علينا خالقنا بأننا قمنا بها ، لا يمكننا نقضها ! كيفما كانت أنواع العهود ، وكيفما كان من نعاهدهم أو انتماؤهم ! مع التأكيد على أن العهود تكون غالبا مع المخالف لك في العقيدة وإلا لما كنت لتتخذ معه عهدا ! إلا أن يكون بينكما ما يدعو للمعاهدة على عدم الغدر؟ 
وقد قال رب العزة في هذا " وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلفون ". 
لا يمكن الحديث عن سماحة الإسلام دون تطبيق سماحته فعلا ، لايمكنك آن تتبجح بالرحمة إلا إن كنت رحيما فعلا ومطبقا لكتاب إلهك فعلا ! ولا يمكنك أن تنسلخ عن ذاتك وإنسانيتك وتنسخ كل آيات القرآن بآيات القتال التي تحدثت عن زمن بعينه ومكان بعينه وتوجهت إلى أناس بعينهم في مرحلة حرب بعينها ! 
الملائكة كانت تحارب مع النبي لأن حربه كانت بموافقة الله فبعث إليه ملا ئكته ليدعمه بهم نفسيا وماديا ! أما أنت أيها الإنسان ، فإنك لا تملك دليلا واحدا يعطي مشروعية لحروبك على البشرية ! 
هل تريد أن تدخلهم في دين الله ؟ 
فإن الله يقول لك : " وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد ". 
" هل تريدهم أن يكونوا أمة واحدة كي تطبق عليهم شريعة دينك ، في هذه الحالة ، إما أنك أكثر الناس عصيانا وتمردا على الله لأنه جل وعلا قال :" وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) ! 
وإما أنك أكثر البشر سادية وتبحث عن إضفاء المشروعية على غرائزك الوحشية للفتك بالبشرية ظلما وعدوانا ! 
أحيانا ، أتساءل إن كان المسلمون يعون فعلا مايقولون ومايفعلون ، لقد نزل القرآن منجما واستمر الوحي ثلاثا وعشرين سنة ، أجل ، ثلاثا وعشرين سنة من الموعظة والهدي والأوامر الإلاهية ، يختزلها خونة الدين في آيات الحرب وتطبيق الحدود. وهل كان عصيا على الله عز وجل أن يختزل آياته في جملتين ؟ 
قاتلوا الناس كافة ، واسبوا وانهبوا وانكحوا واقطعوا الرقاب وارجموا النساء واجلدوا راميي المحصنات واقطعوا أيادي السارقين ! 
عذرا ، ولكن في هذه الجملةاختزل المحمديون دينهم فجعلوا منه جريمة لا دينا ! 
لقد أصبحوا أعداء للإنسانية كلها وجعلوا من الله عز وجل الذي هو إله العالمين والبشرية كلها ، إلها عنصريا خلق كل الأمم ليحرقها وفضل عليهم أعراب الصحراء ! الذين اختزلوا النهي عن المنكر والفحشاء  في الزام النساء بلبس القفازات والنقاب ، ونسوا بأن الآية نفسها تنهى عن البغي ، وهو الظلم والعدوان ! فاعتدوا وظلموا وتجبروا ! وصنعوا عجلا اسود " بتروليا " عبدوه من دون الله ! 
وصدروا الإرهاب للعالم أجمع ! 
خذ العفو وامر بالعرف ! هذي هي العملة القرآنية التي يجب أن يتعامل بها المسلم مع الآخر !  ولأن الله خلق الأرض للبشرية كلها ، فلا مجال لتطبيق الحدود على الغير إلا في حالة تحقيق مجتمع يختار لنفسه القرآن شريعة له والأئمة من أولي العلم القرآنيين المخلصين لله الدين ، وبرضا من الناس ! 
لهذا ، وبالرغم من بلادة المذاهب الإمامية عند الشيعة ، فإن هذا الاختيار لا يخلو من الصحة ، فالوحيد الذي يمكنه ومن حقه تطبيق الشريعة ، هو إمام نزيه منزه معصوم ، وبما أننا لا يمكننا أبدا من التأكد من نزاهة وصدق ومعصومية من سيحكمنا ، فالأجدر بنا أن نقدم الصفح والعفو ، لأننا مهما فعلنا ، فلا ضمان لنا بأن من سيتحكم برقابنا معصوم لا يخطئ! 
حقيقة وبالرغم من موقفي من الأحاديث ، فإن خير تعبير عن هذا جاء في حديث نبوي مفاده أنه من الأفضل للمؤمن أن يخطئ في العفو ولا يخطئ في العقاب ! فأنت حين تعاقب أحدا ويتبين لك أنك قد ظلمته ، لا مجال لك في العودة عما فعلت ! خصوصا في العقوبات الجزرية والجسدية ! أما إن أنت أخطأت فعفوت ، فالعفو عن المخطئ أمر واجب عليك في دينك ! " فليعفوا وليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم " . 
 
 
 
اجمالي القراءات 7609