القاموس القرآنى : ( إن شاء الله )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٣ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى  : ( إن شاء الله )

أولا  : ( إن شاء الله ) بين الغرب والاسلام من ناحية والمحمديين من ناحية أخرى :

1 ـ فى الثقافة الأمريكية فى التعامل لاحظت أنهم نادرا ما يقولون ( إن شاء الله :  God Willing)    حين يلتزم أحدهم بأن يعمل شيئا ، أو أن يعد بوعد . هو فقط يعطى وعدا: (I promise, I give you my word  ) ، وحين ينطقه فهو ينفذ ما يقول . والمعروف الذى يقدمه أحدهم الى الآخر يكون ـ فى العُرف ـ دينا يجب الوفاء به : (I owe you. You owe me    ) حتى لو كان شفويا .

2 ـ على النقيض من ذلك تجد مجتمعات المحمديين الواقعة تحت سيطرة أديانهم الأرضية الموغلة فى التخلف والفساد والنفاق والتدين السطحى والاحتراف الدينى . لا يكتفى أحدهم بأن يعطى وعدا ويخلف وعده ، بل هو يعطى الوعد ويستعمل إسم الله جل وعلا وسيلة لكى يخلف وعده . يقول : إن شاء الله سأفعل لك كذا ، وهو ينوى ألا يفعل هذا الكذا ، ويعلق نقض وعده على مشيئة الرحمن ، يكذب مقدما متمسحا بإسم الله قائلا ( إن شاء الله ).!

3 ـ هذا الذى يقول وعدا عازما على عدم الوفاء به مقدما ، ثم يُحمّل إثمه وإخلاف وعده على رب العزة لم يأت بجديد . هو من أولياء الشيطان الذين يرتكبون الشرور والفحشاء ثم يزعمون أن الله جل وعلا أمرهم بها ، وهكذا كانت قريش فى جاهليتها ، قال جل وعلا عنهم : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) الاعراف ).

بل كانوا ينسبون عقائدهم الضالة الى مشيئة الرحمن ، وقد ردّ عليهم رب العزة جل وعلا : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148 ) الانعام )( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) النحل  ) ( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (20)  ) الزخرف ).

القرشيون حين حكموا فى عصر الخلفاء ( الراشدين ، الأمويين ) إرتكبوا جريمة الفتوحات والاستبداد على أنها مشيئة الرحمن ، وناقشنا هذا فى مقال عن فلسفة الجبرية فى الدولة الأموية . وجاء الغزالى ت 505 ، فجعل ضمن عقائد التصوف ما أسماه بوحدة الفاعل ، أى إن الله جل وعلا هو الفاعل لكل تصرفات الانسان ، فالذى يسرق ليس هو السارق بل الفاعل هو الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

وإنحدر الى ثقافة المحمديين عبر القرون أن يقول أحدهم ( إن شاء الله ) حين يريد الكذب فى الوعد .

4 ـ التمسح بمشيئة الرحمن فى الضلال والفسق والعصيان حيلة شيطانية قوية ، وهى مبرر لاستمرار الضلال والفسوق تستحيل معه التوبة ، فكيف تتوب وأنت تعتقد أنها إرادة الله ؟ ولهذا يستمر ضحايا الأديان الأرضية الشيطانية فى ضلالهم كما يحدث مع المحمديين عبر القرون . ، لا يخرج البشر من الفساد الأخلاقى للدين الأرضى المتحكم فيهم إلا بنبذ هذا الدين الأرضى وشتى مقولاته .

5 ــ وفى الاسلام الحقيقي فإن الهداية أو الضلال هى مشيئة البشر بالأساس ثم تأتى مشيئة الرحمن تالية ومؤكدة لما شاءه الفرد .يختار الفرد الهداية فيزيده الله جل وعلا هدى ، قال جل وعلا عمّن يريد الهداية : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) محمد ) ويختار الفرد الضلال فيزيده رب العزة جل وعلا ضلالا ، يقول جل وعلا عمّن يختار الضلال . (  فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة ) . وعن الحالتين معا يقول جل وعلا : (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة ) ( قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) مريم ). يحدث هذا بمجرد المشيئة البشرية . يقول جل وعلا عن القرآن الكريم : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) التكوير ) . وهذا الذكر مُتاح لمن يشاء الهداية من البشر ، يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) التكوير) . وبمجرد أن يشاء الفرد الهداية تأتيه مشيئة الله جل وعلا مؤكدة، يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) التكوير ). ويتكرر هذا فى سورة ( الانسان ): ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30)).

ولهذا يتحمل الفرد مسئوليته على مشيئته ، وهنا الاختيار والاختبار . الله جل وعلا أوضحها فى حرية المشيئة البشرية فيمن يشاء الكفر وفيمن يشاء الايمان ، ثم المسئولية المترتبة على هذه الحرية ، فقال جل وعلا :  ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف )

5 ـ على هامش هذا الإفك الذى ينسب مشيئة العصيان الى الرحمن ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ تأتى رذائل أخرى تنتشر فى مجتمعات المحمديين يتمسك بها السلف عن الخلف صاغرا عن صاغر . تجد أحدهم يبالغ فى كذبه بأن يُشهد الله جل وعلا على ما فى قلبه أنه مخلص فيما يقول وفى الوعد الذى يقطعه على نفسه ، ويحلف بالله جل وعلا ويقسم أغلظ الأيمان وهو كذّاب أشرّ . ينطبق هذا على حُثالة من البشر تصل الى موقع القيادة والريادة حين يسود النفاق الدينى والكهنوت ، وقد أخبر رب العزة بهم فقال : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة ). وهذه النماذج فضحها رب العزة من قبل فى تصرفات الصحابة المنافقين الذين إتّخذوا أيمانهم ( جُنّة ) أى وقاية لهم من المُساءلة ، فما أسهل عليهم أن يقسموا بالله جل وعلا جهد أيمانهم وهم يكذبون مع انهم يُهلكون أنفسهم وهم لا يشعرون ، وقد قال جل وعلا عن حلفهم بإسم الله جل وعلا بالباطل وكذبا : ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة ).

6 ـ  هؤلاء يقرأون قول الله جل وعلا :( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) الاسراء ) ولا يعملون به، بل ينقضون الوعد وينسبون هذا الى مشيئة الله يقولون ( إن شاء الله ).!! .

يقرآون آية كريمة تكررت مرتين فى وصف المؤمنين المفلحين أصحاب الجنة : ( وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) المؤمنون )، ((32) المعارج)، وهم يخونون الأمانة ولا يراعون العهد والوعد .

لقد قال رب العزة : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل ) ، وفى الاستبداد الراسخ فى دول المحمديين لا تجد عدلا ولا إحسانا ـ والاحسان يعلو العدل ، وتجد الفحشاء والمنكر والبغى ، بل تتم ممارسته بإسم الدين وتحت شعارات الاسلام والجهاد وجهاد المناكحة . يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) النحل ). لا يوجد وفاء للعهد ، بل نقض له بكلمة ( إن شاء الله ) ، بل يقسمون بالله جل وعلا يؤكدون القسم ثم ينقضون ما أقسموا عليه . تجد البائع فى السوق يقسم أغلظ الأيمان ويجعل الله جل وعلا شاهدا وكفيلا ، وهو كاذب فيما يقول . قد يفعل هذا بائع الخضروات ، فيكون الضرر واقعا على ضحايا بالمئات . ولكن المتاجرين بالدين للوصول الى الحكم والمتاجرين بالدين ليستمروا بالحكم حالهم أسوا ، وضحاياهم بالبلايين ، من عصر الخلفاء الملاعين وحتى عصرنا الحزين .

أخيرا : قول ( إن شاء الله ) فى القصص القرآنى

1 ـ المؤمن حين يعزم على فعل أمر أو حين ( يشاء ) فعل شىء فهو يقول: (إن شاء الله )، وهو يقصد أن يفعل ما يعدُ به ، ويقرن مشيئته بمشيئة الرحمن أملا فى أن يتحقق ما يعد به . وهذا المؤمن فى كل أحواله مستمر فى ذكر الرحمن ، وإذا نسى فهو سرعان ما يتذكر يسبح الله جل وعلا ويحمده . قال جل وعلا : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (24)  الكهف ).

2 ــ وتردد فى القصص القرآنى قول بعضهم ( إن شاء الله ) . ونعرض لها سريعا :

2 / 1 : طلب قوم نوح منه أن ينزل عليهم العذاب فأوكل نوح عليه السلام ذلك الى مشيئة الله جل وعلا ، أى قال ما معناه : ( إن شاء الله ) : ( قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) هود)

2 ـ رأى ابراهيم عليه السلام فى المنام أنه يذبح إبنه الطفل . ذهب الى ابنه وعرض عليه الأمر (   قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) ردّ الاين الطفل المؤمن بأنه سيصبر وسيجده أبوه صابرا (إن شاء الله ) : ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (102) . وإستسلم الأب والابن لما إعتقدا أنه أمر الاهى وأوشك ابراهيم على ذبح إبنه : ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وجاء الوحى نداءا من الرحمن بنجاحهما فى الاختبار :( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) الصافات ).

3 ـ دعا يوسف عليه السلام أباه وأهله الى المجىء الى مصر ، وإستقبلهم عند الحدود المصرية، وقال لهم: إدخلوا مصر إن شاء الله آمنين:( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) يوسف). كان يوسف عليه السلام  وقتها عزيز مصر المسيطر عليها وبإمكانه أن يضمن أمن وسلامة أهله فى الطريق من الحدود المصرية الى عاصمة مصر وقتها ( أفاريس / صا الحجر حاليا فى محافظة الشرقية ) . ولكنه نبى مؤمن يعرف أنه لا يعد بأمر إلا أن يقرنه بمشيئة الرحمن .

من المؤلم  أن قوله جل وعلا : (  ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ )، مكتوب على لافتة فى مطار القاهرة تستقبل الزائرين .  كنت حين أعود الى مصر من رحلة خارجية أتعذب بين الشوق لرؤية أسرتى ووطنى والخوف مما ينتظرنى فى المطار ، من وجود إسمى فى لا ئحة ترقب الوصول ، وما يعنيه من إستجواب وإحتمال الاعتقال . وحين اصل للمطار وأرى لافتة :(  ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ )، يتملكنى الرعب عكس ما تقوله الآية الكريمة .  

4 ـ عرض الرجل الصالح فى ( مدين ) على موسى أن يزوجه إحدى إبنتيه : ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (27) القصص ). قال الرجل الصالح (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ  ). لم يكن محتاجا لأن يقول هذا لموسى . ولكن لأنه رجل صالح فقد تطوع بطمأنة موسى وعزمه على أن لا يشق عليه ، ثم اشهد الله جل وعلا على عزمه أن يكون من الصالحين فى تعامله المستقبلى مع موسى ، وأنه سيجده إن شاء الله من الصالحين . هو وعد بالصلاح مقرون بمشيئة الرحمن جل وعلا .

5 ـ وُجد قتيل فى قوم موسى ، ولم يعرفوا القاتل . جاء الوحى لموسى بأن يذبح بنو اسرائيل ( بقرة ) ــ أى بقرة ــ وأن يضربوا جثة القتيل ببعضها فيحيا القتيل ويخبر بمن قتله . طلب موسى عليه السلام من بنى إسرائيل أن يذبحوا بقرة ــ أى بقرة ـ ولكنهم دخلوا فى الجدل فى تحديد وتوصيف هذه البقرة ، وفى نهاية الجدل قالوا له :( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) البقرة ) حين قالوا (وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ) إنتهى الأمر :  ( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) البقرة ) .

6 ـ بسبب نشأته فى قصر فرعون وتوقعه الخطر كان موسى عليه السلام سريع الخوف سريع الانفعال قليل الصبر . ولكى يتعلم التأنى جاءه وحى إلاهى بأن يقابل نبيا يصحبه ليتعلم منه . هى تلك القصة المذكورة فى سورة الكهف والتى حورها ائمة التراث عند المحمديين بإسم ( الخضر ) وقد ناقشنا هذا فى كتاب منشور هنا عن ( الخضر ) . يهمنا هنا هذا الحوار بين موسى والنبى العبد الصالح : ( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) ). وعد موسى بمشيئة الرحمن أن العبد الصالح النبى سيجده صابرا ولا يعصى له أمرا . ولم يستطع موسى الصبر .!. ( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (72) قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) الكهف ) 

اجمالي القراءات 8331