هم شعوب هندية بنغالية تسكن في جنوب غرب بورما في ولاية .."أراكان"..يعني مختلفين عرقيا ولغويا عن بقية الشعب البورمي الذي ينتمي في أغلبيته العظمى للعرق البورمي أو pamar
يطلق عليهم.."الروهينجا"..وهم شعوب مسلمة بدأت هجراتها لبورما في القرن 15 وزادت هجراتهم بعد الحروب الهندية الباكستانية ، ثم أضخم هجراتهم بعد حرب تحرير بنجلاديش التي أدت لاستقلال بنجلاديش عن باكستان عام 71، والطابع الغالب على تلك الهجرات هي الفرار من المعارك حيث بورما كانت دولة آمنة في هذا التوقيت..
بورما عدد سكانها حوالي 60 مليون تشكل البوذية فيها 88%، أما مسلمي الروهينجا فعددهم 800 ألف، أي حوالي 1,3 % فقط من المجموع.
يعني باختصار: هم مختلفين دينيا وعرقيا ولغويا مع الأغلبية البورمية، وفي السياسة هذا الاختلاف مقدمة لانشقاق وظلم مجتمعي إذا حُكِمَت الدولة بالدكتاتورية..التي غالبا تتقرب للأغلبية الشعبية باحتقار الأقليات المهمشة..
وبالفعل عام 1962 حصل انقلاب عسكري في بورما أدى لاستقلال الدولة عن انجلترا، وحَكَم الدولة دكتاتور وزعيم شعبي إسمه.."ني وين".. شئ أشبه بثورة 1952 في مصر، حتى الأفكار والأيدلوجيات متشابهة، أي كان الانقلاب البورمي على الاحتلال الإنجليزي له توجه.."اشتراكي"..وزي ما حدث في مصر من طرد لليهود في زمن عبدالناصر بدأ اضطهاد مسلمي الروهينجا على نفس المنطق..وهو التقرب للأغلبية البورمية على حساب طرد الروهينجا..
جذور الخلاف قديمة، وبدأت مع تأييد مسلمي بورما لباكستان في انفصالها عن الهند بالأربعينات، والتاريخ يذكر إن قيادات المسلمين وقتها اتفقوا مع محمد علي جناح بالانفصال عن بورما وضم إقليم أراكان لباكستان، ومن يومها ينظر البورميين للروهينجا (كانفصاليين) إضافة لعوامل اللغة والدين والعرق زادوا مع تلك الرؤية مشاعر مركبة من الكراهية والاحتقار.
تخيل حضرتك لو اليهود رجعوا مصر وعملوا مظاهرة في الشارع هايحصل إيه؟
بدون مقدمات ستحدث مجزرة لليهود، لأن النظام الناصري وأجواء ما بعد عام 52 سادت فيها مشاعر الكراهية لليهود في مصر، نفس الحال في بورما ، سادت مشاعر الكراهية للمسلمين، وبعد الانفتاح الديمقراطي عام 2011 استغل الروهينجا الوضع ولكن بدون حساب للعواقب السياسية، فأشعلوا مظاهرات في الشارع البورمي للمطالبة بحقوقهم الطبيعية، فكانت النتيجة تحريض المتطرفين البورميين ضدهم وحدثت المواجهات التي سجلت وقتها ك.."فتنة طائفية"..راح فيها العشرات من الطرفين، وبعدها بدأ الانتقام البورمي بحصار الروهينجا وحرق قراهم وإجبارهم على مغادرة البلاد، وبالطبع كانت أقرب الدول لهم جغرافيا باكستان وبنجلاديش، ودينيا السعودية، وفي هذه البلدان عاشت جاليات الروهينجا إلى اليوم..
استمر الدكتاتور ني وين في السلطة حتى عام 1988 كانت نسبة كبيرة من الروهينجا تم طردها فعلا من بورما، وحكم الدولة مجلس عسكري حتى عام 2011 استمر في نفس سياسات ني وين تجاه الروهينجا وهو القمع والاضطهاد، إلى أن حدث التحول وانتقلت بورما للديموقراطية ، لكن ظلت مشاعر كراهية البورميين للروهينجا موجودة بفضل الحكم العسكري..
معلومة: عدد ضحايا الروهينجا قليل جدا وليس كما يشاع في الإعلام العربي إن فيه مجازر ضخمة ضدهم، أكثرية الصور مزورة ومفبركة من أحداث أخرى، كل ما يحدث لهم هو طرد وقمع سياسي وأحيانا حرق للبيوت، وكلها تجاوزات رصدتها الأمم المتحدة وقالت إن فيه قمع فعلا (واحتمال يكون فيه جرائم) ولكن بيانات الأمم المتحدة لم تتحدث عن مجازر ولم تؤكدها..
معلومة أخرى: الدولة الوحيدة التي أخذت موقف سياسي مما يحدث للروهينجا هي.."إيران"..بل كانت أول دولة تسلط الضوء (إسلاميا) على ما يحدث هناك منذ عام 2012، كل الدول العربية لم-ولن-تتخذ موقف لثلاثة أسباب:
أولا: أن النظام البورمي.."مطبع مع إسرائيل"..وأي موقف عربي ضد بورما سيواجه أمريكيا وأوروبيا
ثانيا: بورما لا علاقة لها بالعرب لا سياسيا ولا جغرافيا، يعني مفيش أي أدوات عربية وإسلامية للضغط على بورما، وكل ما يملكه المسلمون هو مجرد.."وساطات"..من أندونيسيا وماليزيا اللي بيحاولوا احتواء الأوضاع..خصوصا إن هجرة الروهينجا للدولتين زادت في السنوات الأخيرة، وهما مش عاوزين روهينجا عندهم..
ثالثا: خشية تدخل الصين، فالأغلبية البورمية تتفق (دينيا وثقافيا) مع أغلبية الشعب الصيني، والتحريض ضد البوذية في الإعلام العربي قد يواجه بردة فعل صينية وربما من اليابان ودول جنوب شرق آسيا.
إيران عندما تدافع عن الروهينجا بتعمل حساب للصين، وإعلامها وتصريحات قادتها ليست دينية على الإطلاق، ويحصرون خلافهم مع سلطات بورما في الجانب السياسي..وهو ما أعطى للحجة الإيرانية زخم إقليمي وانتشار أممي، والإعلام الإيراني المحلي جعل من قضية الروهينجا (مظلومية) أشبه بمظلوميتي فلسطين واليمن.
كذلك تركيا اهتمت كمان بالروهينجا وزيارة أردوجان ومراته لبورما وبكائهم هناك مشهور..كذلك باكستان عارضت على استحياء.
شئ آخر جعل إيران تدافع عن مسلمي بورما، وهو إن المسلمين هناك ليسوا وهابيين، الأغلبية العظمى منهم صوفية على طريقة سنة إيران إضافة لأقلية شيعية منتشرة جدا في بورما وهي الأنشط الآن بحكم علاقاتهم مع رهبان البوذيين، والإعلام الوهّابي استغل هذه العلاقة البوذية الشيعية في بورما للادعاء بأن إيران تحرض البوذيين على المسلمين..وهذا غير صحيح، الشيعة في بورما أصحاب نظرة تواصلية وتسامح وحنكة سياسية وفكر تنويري جيد، وقادتهم مدعومين من أكبر دولة شيعية بخلاف سنة بورما..تقريبا معزولين فكريا وسياسيا عن المحيط الإسلامي..
يوجد بعض مسلمي الروهينجا في الخليج يتحدثون عن الأزمة (طائفياً) وهؤلاء متأثرين بالإعلام السلفي، وليهم مواقع على النت، ولا يوجد احتمال لعودتهم أو تفاهمهم مع الشعب البورمي، فمطالبهم انفصالية عقيمة حتى وصل بيهم الغباء لتسمية ولايتهم بولاية.."أراكان المحتلة"..وهي نفس التسمية التي رفعها آبائهم في الأربعينيات، ونتج عنهم تدخل الجيش البورمي والقضاء على الانفصاليين..
أخيرا: حل أزمة مسلمي بورما سياسي وليس ديني، أي أن تدخل السلفيين ودول الخليج يعقد الأزمة لأن تدخلهم طائفي، ويُفضل أن تشكل لجان أممية -لا تنتمي لأي دين- كي تضع حد للانتهاكات بحق الروهينجا ، خطير جدا أن يتحدث المسلمون فقط عن الأزمة يجب توسيع نطاق المعارضة لوقف التجاوزات والطرد الممنهج للمسلمين، يجب أن يتحدث المسيحي واليهودي والملحد، حتى البوذي ، فمشاعر الكراهية ضد المسلمين هناك موروثة وربما الأجيال التي تعيش الآن وفي المستقبل لا ذنب لها في حماقات أجدادهم..
المصادر
الفتنة الطائفية عام 2012.. http://bit.ly/2izj3A9
إيران تدعو لقمة إسلامية من أجل بورما.. http://bit.ly/2hLPk53
تمرد الروهينجا في الأربعينات.. http://bit.ly/2j4IWLk