آخر يوم في حياة محكوم بالإعدام

نهاد حداد في السبت ٢٦ - نوفمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

آخر يوم في حياة محكوم بالإعدام ! 
رواية للكاتب الكبير : فيكتور هوغو !  (Victor Hugo ) ، وهي رواية مؤثرة جدا عن نهاية رجل حكم عليه بالإعدام ، ترك زوجة وأما وطفلة بلا معيل ولا معين ! لا يقف الكاتب عند الجريمة التي ارتكبها المتهم ولكنه يقف عند الظروف والآلام التي يكابدها الأهل وسيكابدونها بعد أن يتم قتل معيلهم الوحيد ، كما يصف الحالة النفسية الأليمة لهذا الشخص وهو ينتظر  اليوم الذي سيوضع فيه رأسه تحت المقصلة ! 
يقولون بأن الألم ينتهي في رمشة عين ! فهل عاد أحدهم من هناك فأكد ذلك ! هل جرب أحدهم برد سكين المقصلة ليتحدث عن إحساسه اللحظي ؟ ثم هل تأكد أحدهم من توقف عمل الدماغ أو استمراره للحظات لاستمرار تدفق الدم في العروق ولو هنيهة ؟ ثم ماذا بعد ؟فالمعدوم ترك طفلة صغيرة تبلغ من العمر ثلاث سنوات ، بلا معيل ولا ولي في فرنسا القرن التاسع عشر ! طفلة ستتحمل وزر ذنب أبيها بلا ذنب ! طفلة ستمتهن أقدم مهنة في التاريخ لأن لا من معيل ، ولربما ستتسول أو تموت جوعا قبل ذلك! 
حين تقرأ هذه الرواية ، لايمكنك أن تنهيها دون الإحساس بالحزن والألم النفسي البشع ، الذي يعانيه هذا الإنسان ، خصوصا وأن الكاتب استعمل صيغة " الأنا " وهو يحكي القصة " بحيث يجعلك وانت في خضم الأحداث كأنك تتحدث عن نفسك ، وأن تلك الأنا وتلك النفس هي أنت ، فلا يمكنك إلا أن تحس بالرعب ! 
لا يمكن لهذا الشخص أن يحلم بالمستقبل ، فمستقبله محدد بتاريخ الإعدام ! 
أما ،أنت ، فإنك حين تنتهي من قراءة الرواية ، فإنك تتنفس الصعداء وتقول كما قال رب العزة " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت " يا إلاهي ، ما أجمل هذه العبارة وما أبلغ الإحساس فيها بالأمل رغم المرارة ! فالجهل هنا نعمة فعلا ، إذ تصور أنك تعلم لحظة وفاتك ؟ كنت ستشقى لأنك عوض الفرح لبلوغك سن العشرين ستأسى لأن لن يبقى من عمرك سوى سنوات أو شهورا أو أياما أخر ! وعوض أن تفرح لما قد يأتي ستأسى لاقتراب موعد حتفك ! 
عندماشاهدت مسلسل رأفة الهجان ، فكرت كثيرا في الآية " وماتدري نفس ماذا تكسب غدا ، وماتدري نفس بأي أرض تموت " حفظت الآية عن ظهر قلب لحظتها لما تحملها من فلسفة عميقة عن الحياة والموت ، ولكن الإنسان حين يفكر ، فإن الشيطان لا يكون بعيدا ، فيقول لك ، إن تقدم الطب والعلم جعل الناس يعرفون متى سيموتون وبأي أرض سيكون ذلك بل إنهم يقررون مكان الدفن والموسيقى التي سترافق جثمانهم أو جنازتهم ! ثم تجد قول الشيطان معقولا ولكنك أبدا لم تصل إلى لحظة الموت ، ولحظة قبض الروح لكي تعرف إن كانت النفس تعي في أي أرض هي أو في أي لحظة ستخرج آخر نفس! هل عادت من هناك أي نفس لتقول لك كنت أعرف أنني في الحبشة لحظتها وأن آخر نفس لي قد انقطع في العاشرة وأربع وثلاثين دقيقة ! ستبقى هذه الآية صحيحة ومطلقة إلى أبد الآبدين رغما عن أنف الشيطان ! فلا أحد يمكن أن يزعم أي الخلايا الدماغية ستنطفئ قبل الأخرى ، أهي خلايا الوعي بما يدور حولك أو إحساسك بالزمان والمكان ؟ 
هنا أحب تعابيرا قرآنية مثل: " قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يك شيئا مذكورا "وسيأتي  على الإنسان حين من الدهر لن يكون شيئا مذكورا! 
فهل أتى على الإنسان حين من الدهر ليقبل بأنه مهما علم ، فإنه يجب أن يكون بالتواضع الكبير الذي يجعله يقبل بأن كلما يعرفه وسيعرفه نسبي فقط ، وبأن النفس لاتدري ماذا تكسب غدا وما تدري بأي أرض تموت ! 
لا يمكنك إذن ، أن تعرف أو تحس مهما بلغت بلاغة وإقناع فيكتور هوغو ، أن تحس بما يحس به المحكوم عليه بالإعدام ، ولا إن كان موته رحيما أو سريعا أو بطيئا ! لهذا فإنك حين تتدبر آيات أرحم الراحمين ، فإنك لا يمكن أن تسمح لنفسك حرمان نفس نعمة الحياة مدعيا أنك تطبق شريعة الله ! فأنت لا يمكنك إلا أن تقتل ولكنك لا تستطيع أن تهب الحياة ! تستطيع أن تحيي ولكنك لا تستطيع أن تخلق ! أن تحيي ؟ لا تغتر كثيرا أيها الإنسان ، فحين أقول بأنك تستطيع أن تحيي فهذا يعني أنك تستطيع أن تترك الناس وشأنهم فقط ! ولكن ماذا عن قوله عز وجل ومن "أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ! إنك لا تهب الحياة ، ولكنك يمكن أن تحافظ عليها ! فلماذا لا تختار الإيجابي أيها الإنسان بل تختار السلبي دوما ؟
أعتذر للقارئ عن الإطالة قبل الدخول في الموضوع مباشرة ، فموضوع مقالي اليوم هو القصاص ! 
ولكن قبل أن أتدبر آيات القصاص سأحكي للقارئ إن سمح - ما يرويه سياف السعودية عمن قتلهم ممن حكم عليهم بالإعدام ! 
يقول وهو يبكي - هو طبعا لا يبكي لأنه يزهق أرواح الناس - ، هيهات ! فهو لم يعد إنسانا بل مقصلة فقط ! ومع ذلك يعطي لنفسه الحق في انتقاد من يقتلهم ! طبعا هم لن يعودوا ليكذبوا أو يصادقوا على ما يقول ! ومن هنا حقارة هذا الوحش ! إذا لم تستح فقل ما شئت ! فلن يعودوا ليكذبوك ! لذلك قل ماشئت ! إن هذا الهمجي الممبرمج على سفك الدماء يعطي لنفسه حق إعطاء أحكام أخلاقية على من سيقتلهم ! ويحكي عن أحدهم قتله قصاصا لأنه كان مروج مخدرات ! سأتجاهل هنا حكم الإسلام عمن لم يَقتل أو لم يعرف بأنه يَقتل أو أنه قَتل خطأ أو أن مايبيعه أو يتاجر فيه يقتل الناس ، وكم قتل النفط وبيعه والبحث عنه من نفس ، فهل نرمي القنبلة النووية على آل سعود؟ 
أعود لأتحدث عن خواطرالسياف وهو يبكي ، طبعا ليس ندما على ما يفعل بل لأن المحكوم عليه لم يصل ركعتين لله قبل أن تقطع رقبته ! وهنا لا يمكنك إلا أن تتعاطف مع السياف وليس مع الضحية ! وما أدراك أيها الوغد إن كان هذا الإنسان يقرأ القرآن في سريرته فتاب لخالقه فتاب خالقه عنه ! 
طبعا لن يعود ليحكي فقد بادرت بقتله ! 
من أدراك إن كان مظلوما أو بريئا أو حتى ظالما مغررا؟ من أدراك بالظروف التي أدت به إلى اختيار الطريق الخطأ ! 
ثم تعال هنا أيها الوغد ! لقد فرض الله تعالى خمس صلوات ولم يفرض صلاة الموت ! فحتى النبي حينما كان يحتضر وهو يعرف بأنه سيموت ، لم يقم ليصلي ركعتين قبل الرحيل ، أين توجد في الدين أو في القرآن صلاة الموت ! وكيف تكون التوبة بين المخلوق وخالقه ؟ هل هي بالتوبة حقا أم بإظهار التوبة أمام السياف ! 
رحمة الله على الضحية ! ومايدريك بأن تلك الضحية في داخلها كانت تناجي ربها وتقول " رب إنني لن أظهر التوبة أمامهم لخوفي من حتفي وإنما أنا أتوب إليك وأنيب إليك وأطمع في رحمتك في الآخرة لا في الدنيا ، رب إنني أقبل هذا القصاص طامعا في جنتك لأنهم حرموني هنا من الحياة ! رب إني قد أخطأت فلا تمهلني واقبض روحي مؤمنة بك ! رب إني أعلم أنك لا تحب المنافققين فلا تجعلني أنافقهم بالسجود أمامهم فلا أبتغي إلا وجهك ! طبعا لن يعود هذا الشخص ليقول لنا هذا ! ولكن السياف عاد وحكى ! 
قال بأن المحكوم عليه قال له : وهل ستغنيني الركعتين عن وضع سيفك على رقبتي ثم طلب سيجارة ! 
أيها السياف ، لماذا لم تتساءل ولم تتراجع ولو للحظة بما أنك تؤمن بالله بأن تقول ! إن ركوعك لله قد يمنعني فعلا من قتلك ، فلربما وضع الله الرحمة في قلبي وجعلني أضع السيف أو أعتذر عن تنفيذ الحكم شخصيا وجعل شخص آخر يفعل ذلك مكاني ؟ ماذا كان سيفيده الركوع أمامك ؟ هل كان سيجعلك تحس براحة الضمير لأنك ستقتل تائبا أو على الأقل لتقول لنفسك ، لقد كنت على حق في قتله ، لقد تاب أمامي ولو لم يكن ظالما لما تاب ، فتذهب مرتاح البال لتجامع زوجتك وتصرف مال القتل على أبنائك ، وتطمئن عليهم في أسرتهم قبل أن يناموا ! 
ما أدراك بأن  الرجل كان مظلوما ولذلك أحس بأنه لا يريد أن يركع أمام ظالميه لأنه لم يفعل شيئا أو لأنه كان يظن أنه لم يفعل شيئا ! 
نسيت ، آه ، لقد دخن سيجارة ، ومنذ متى كانت السيجارة حراما؟ سيقول أبلدهم أو أحدهم ! لقد حرم العلماء السيجارة لمضارها على صحة الانسان مصداقا لقوله تعالى " ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة "! ربما ! ولكن ، ماالضير في تدخين سيجارة لن يترك لها الوقت قتل بالسرطان بعد حين  لأنه سيموت لحظتها ! أي فلسفة هاته ؟ 
لقد طلب سيجارة يا إخوان ! عوض أن يركع ركعتين لخالقه ! 
لقد حرمتم السيجارة لضررها ولم تكن لتضره لأنه مات بعدها بسيفك بلحظات ! ولم تكن لتعلم بتوبته فإن الله لم يفرض صلاة الموت ! ولم تكن لتعلم سريرته لأن الله هو الوحيد الذي يعلم الجهر وما يخفى !  إنه لن يعود ليقول لك ذلك ولكنك عدت ! وفتحت صفحة على اليوتوب وحدثت! 
إنك تستطيع أن تغتر بقدرتك على القتل ، لكنك لا تستطيع أن تحيي ولا أن تهب الحياة !
وما أدراك ماقال إسماعيل قبل أن يضع أبوه إبراهيم السكين على رقبته ؟ هل فكرت في ذلك يوما ؟ وهل منعك ركوع أحدهم من قتله على أنه رقبة مؤمنة ! وهل دار في خلدك يوما أن عتق رقبة في القرن العشرين هو عتقها من الموت وليس من العبودية لأنه لم يعد هناك عبيد ؟ فماذا أراد الله بهذا مثلا ؟ وماذا أردتم بأن القرآن صالح لكل زمان ومكان ؟ لم تعد هناك عبودية ! فلماذا تحدث القرآن عن عتق الرقاب إلى يوم الدين ؟ 
ولكن القصاص مذكور في القرآن وهنا بيت القصيد ! ولأن القرآن وضع لأناس يتدبرون فتعالوا يا أولي الألباب لنتدبر آيات القصاص بعيدا عن تفسير السفاكين ! 
باسم الله الرحمان الرحيم :" {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} البقرة 178
{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب…} البقرة
{الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} البقرة 194
{وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة 45.
حاولت أن آخذ من القرآن مقدار ما أعرف من الآيات التي تتحدث عن القصاص ، وسأفصل تدبري لها كل آية على حدة دون أن أذهب إلى ماذهب إليه المفسرون من أن آية النفس بالنفس قد نسخت آية الحر بالحر حين عجزوا عن حل التناقض الموجود بين الآيتين ! وأنا أرى بأن الآيتين لا تناقض بينهما بل فيهما من الرحمة ما يجعلهما صالحتان لكل زمان ومكان إلى يوم الدين ! 
لنبدأ بالآية الأولى التي ذكر فيها القصاص ، وهي في رأينا تتحدث عن الفداء لا عن القصاص ! 
مهلا سأفسر : قد تقتل الأنثى رجلا فهل نقتل رجلا من أهلها ؟ وقد يقتل العبد حرا ، فهل نقتل مالك العبد ؟ لا أريد أن أطيل في ذكر الاحتمالات ودراستها فلا جدوى من ذلك لأننا إذا قتلنا من لا ذنب له اقتصاصا من مرتكب الذنب فلن يكون هذا عدلا بل تدميرا لآية أخرى وهي : " لاتزر وازرة وزر أخرى " ! لذلك عوض الهروب إلى الناسخ والمنسوخ والقول بأن النفس بالنفس نسخت العبد بالعبد ، نقول : لننظر إلى سياق الآية الأولى كلها : " {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}! هكذا أفهم الآية : إنه لايمكن افتراض أن الآية تتحدث عن شيء آخر غير الدية أو الفداء أو القصاص المادي أو المالي : إذا قتل عبد عبدا : فدية العبد ثمنه وإذا قتل العبد حرا ، فدية الحر ليس عبدين أوثلاثة أو أربعة لأنه حر وإنما ديته هي الدية العرفية في ذلك المجتمع كثمن للحر والأنثى إذا قتلت رجلا فلن نقتل به امرأتين لأن أنثى أذنبت أي واحد باثنتين وإنما الدية التي هي معروفة حسب عرف القبيلة أو المجتمع على أنها دية رجل ليس إلا ! ثم تلي الآية الكلمات التالية لتقول " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء بإحسان" يقول فمن عفي له من أخيه شيء ، أي إذا تسامح آخذ الدية في شيء من المال الذي سيدفع له وأخذ مثلا فقط مايعطى في دية الأنثى أو في دية العبد في قتل رجل حر مثلا  فأداء له بإحسان ، أي إن هو عفا ، أحسنوا إليه وأدوا إليه أكثر مما طلب ولا علاقة في هذه الآية بالقصاص بمعنى الإعدام أو القتل ، لأن الآية لا تقول " فمن عفى على أخيه أي بمعنى عفى عليه من القصاص بمعنى القتل وإنما تقول " فمن عفي له من أخيه شيء " أي إذا تسامح معه وعفا له عن شيء من الدية المعتمدة عرفا في ذلك المجتمع او تلك القبيلة   وليس إذا عفا عنه من القتل " كما أن هذه الآية جاءت بنفس صيغة فرض الصيام لو تذكرون :" كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذي من قبلكم " لقد جاء هنا القرآن مصدقا لشريعة موسى ولكنه نسخها بالدية والعفو أي أنه نسخ ماجاء في شريعة اليهود بالعفو ، وهذا مانراه في الآية " العين بالعين التي جاءت في التوراة ولكن القرآن الذي جاء رحمة للعالمين ، قال : " فمن تصدق به فهو كفارة له : أي أن الشريعة التوراتية التي كتب فيها "وكتبنا عليهم. " كما قال رب العزة "{وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة 45. : أي أن البديل موجود وهو العفو ، فشريعة موسى ذكرت القصاص فقط ولم تذكر الكفارة ولا العفو ! وهذا ما استجد في الاسلام " أي هو العفو واعتبار جرحك صدقة منك تكفر عنك ذنوبك اذا تنازلت عن حقك في الرد والمعاملة بالمثل !
ومن منكم يقال له بأنه إذا فقأ أحدهم  عينك وسامحته فهو كفارة لك يغفر لك الله بها ذنوبك سيتمر في طلب الانتقام الا مجنون ، ان عينك لن تعود لك اذا انتقمت من الاخر بفقئ عينه ، ولكن الثواب الذي يقترحه عليك الله  هو تكفير ذنوبك وجعلك من الابرار ، وقس انت يامحب القياس، ان شتان بين الانتقام اللحظي والثواب في الاخرة ! ماذا ستختار ! طبعا اذا اخترت الانتقام فهذا حقك وعلى الحاكم ان يحكم بما انزل الله ولكن قبل ان يفعل يجب ان يُعرِّفك  مالذي  ستجنيه في الحالتين : الانتقام او الكفارة ! وليتدبر هذا أولوا الالباب ! ولنطبق هذه الاحكام كما انزل الله لسنا في حاجة للعودة الى مجتمع النبي بل نحن حققناه في مجتمع القرن العشرين ، فانت حين تصادق على دستور يحكم على من جرحك بالسجن ، فانك مقدما ومسبقا تصادق على الكفارة التي اقترحها عليك عز وجل في حالة جرحك او جذع انفك ، وهذا مايجب ان يفهمه هؤلاء المشرعون من الاية : ومن لم يحكم بما شرع الله فاولاءك هم الظالمون " فانت حين تصادق على دستور يسوده التسامح فقد حكمت فعلا بما امرك به الله ، لانك وافقت على انك لاتريد ان تجذع من جذع انفك وانما ذلك كفارة لك حين حدوثه ! 
فحين يقول عز وجل " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" يمكن فهم ذلك بطريقتين ، الطريقة  الاولى التي فهمها السلف الصالح وهي منطقيا مغالطة : فهم يقولون بأنك حين تقتص من القاتل وتقتله فإنك تمنعه من قتل الآخرين ، هذه  مغالطة كبيرة إذا كنا نؤمن فعلا بالقدر ، لأننا إذا كنا نؤمن بقدر الله ، فيقينا ان الذي سنقتله لن يقتل احدا ، ولكن ليس معناه اننا سنحيي الاخرين بفضل قتله ،  فهو اذا مات اصلا فهذا لا يعني شيئا لأنه في كل الحالات كان سيموت ولم يكن ليتسنى له ان يقتُل احدا ، ولكن ما أراه صوابا ، هو "ان لكم في القصاص حياة " هو ان الدية تترك فرصة الحياة للذي اعطى الدية ، وتترك فرصة الحياة لابناءه وعشيرته بوجوده ! وليس لمن سيعيش بفضل موته لان من سيعيش بعده سيعيش اصلا لان الله كتب له الحياة ! 
هذا مافهمته وافهمه لان قرآني كتاب رحمة وكل سورة فيه تبدأ ب باسم الله الرحمان الرحيم ! فلا تجاذلوني بأسماء الله الحسنى الاخرى كالمنتقم مثلا ، لانه فعلا ينتقم للظالم من المظلوم في الدار الاخرة ولسنا آلهة شريكين معه لنعطي لأنفسنا الحق في الحكم على خلقه ! فهو في نهاية المطاف يعلم السر وما يخفى ! أما نحن فلا! 
اجمالي القراءات 13831