الوفاء بعهد الله يشمل بيعة المسلمين للرسول ويشمل كل عهد على معروف يأمر به الله .
نقض العهد سبب تدهور المسلمين

محمد صادق في السبت ٢٢ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 

نقض العهد سبب تدهور المسلمين

 

" إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "(سورة آل عمران 77)

مقدمة:

 العهد: الجذر اللغوى " عهد " يأتى كلمة العهد على عدة معانى... الوصيّة، الأمان ، ويأتى بمعنى الزمان ، الضّمان ومعانى كثيرة أخرى.

الميثاق: الجذر اللغوى .. " وثق " أهم المعاني التي وردت لمعنى الميثاق.. كلمة الميثاق تدلّ على عَقْد وإحْكام، وَوَثَّقْت الشيء: أحكَمْتَه، عَقْدٌ أو عهد يؤكد بيمين، وأخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف. 

العهد والميثاق فى الحياة العامة:                                                                             

فى حياتنا اليومية وتعاملاتنا مع بعض، يأتى أحيانا طرفين إتفقا فيما بينهما إتفاق شراكة أو دين أو حتى زواج، فنجد ان هذان الطرفان عقدا إتفاق وتمت كتابته وقاما بالتوقيع على هذا الإتفاق بينهما. هذه الورقة الموضحة للإتفاق وتوقيعهما عليها ليس كافيا ليأخذ صفته الرسمية فيما لو حدث أى خلاف بين الطرفين إلا إذا ذهبا سويا إلى من له سلطة قانونية ليعتمد هذا الإتفاق المكتوب فيوقع المسئول ويحضر شاهدين لتوقيع وبعدها يتم وضع خاتم الجهة المسؤولة على هذه الورقة وبذلك يصبح الإتفاق قانونيا وبذلك تتحول هذه الورقة من إتفاق أو عقد إلى وثيقة قانونية يؤخذ بها لدى السلطات القضائية..

القرءآن الكريم يُسمى المرحلة الآولى – الإتفاق أو العقد الذى أبرم بين الطرفين والمُوَقَّعْ بينهما – يسميه

القرءآن العهد.  فى المرحلة الثانية بعد توثيقة فى الجهة المعنية، يسميه القرءآن وثيقة وتعتبر ميثاق.

بعض أنواع العهد فى القرءآن الكريم :

" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " (سورة الفاتحة 5) ... هذا عهد.

" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "(سورة البقرة 285) ... هذا عهد.

" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " سورة الأَعراف 172 ... هذا عهد.

" وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " المائدة:7 ... هذا الميثاق.

" قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ " (يوسف: 66 ... هذا ميثاق.

 

يقول تعالى: " وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ "  البقرة 26، 27

وكما أن الضلال والفسق عاقبة الذين ينقضون عهد الله، تأتي آية أخرى لتقابل معنى هذه الآية حيث جعل التقوى جزاءالوفاء بعهده: " بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " آل عمران:76  فجعل نقض العهد في الآية الأولى ملازما للفسق، وجعل التقوى في الآية الثانية ملازمة للوفاء بالعهد.

آية سورة النحل 92 تبين سبب تدهور المسلمين

الوفاء بعهد الله يشمل بيعة المسلمين للرسول ويشمل كل عهد على معروف يأمر به الله . والوفاء بالعهود هو الضمان لبقاء عنصر الثقة في التعامل بين الناس , وبدون هذه الثقة لا يقوم مجتمع , ولا تقوم إنسانية .

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95)

القرءآن ضرب لنا مثلا بعمل المرأة فى الجاهلية، هذا العمل الذى يحتاج إلى جهد ووقت فى الغزل ويحتاج إلى أكثر فى نقضه كالذى جاءه القرءآن فآمن به وبعدها نقض العهد وكما قال سبحانه إشتروا الضلالة بالهدى  .

" مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ " كلمة قوة هنا تعنى المشقة أثناء المراحل التى تمر بها عملية الغزل فكأن القرءآن شبه الذى يعطى العهد ويوثقه بالإيمان ويجعل الله وكيلا وشاهدا على ما يقول بالتى غزلت هذا الغزل وتحملت مشقته ثم

راحت فنقضت ما أنجزته وفكت ما غزلته.  لذلك قال تعالى فى آية أخرى "{ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } (البقرة 63 - 93)"."

   وقوله "أَنْكَاثًا " وهو الشيئ الذى نُقٍضْ  

وقوله " تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ " الدخل : تعنى أن تدخل فى الشيئ شيئا أقل منه على سبيل الغش والخداع كمثال ان الأيمان القائمة على الصدق يعطيها صاحبها وهو ينوى بها الخداع فيحلف بالإيمان وهو يقصد عكس ذلك .

وقوله "  أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ "

ويدخل في مدلول النص أن يكون نقض العهد تحقيقا لما يسمى الآن "مصلحة الدولة " فتعقد دولة معاهدة مع دولة أو مجموعة دول , ثم تنقضها بسبب أن هناك دولة أربى أو مجموعة دول أربى في الصف الآخر ,

والنص هنا يحذر من مثل ذلك المبرر , وينبه إلى أن قيام مثل هذه الحالة: (أن تكون أمة هي أربى من أمة)هو ابتلاء من الله لهم ليمتحن إرادتهم ووفاءهم وكرامتهم على أنفسهم وتحرجهم من نقض العهد الذي أشهدوا الله عليه: (إنما يبلوكم الله به ).

ثم يكل أمر الخلافات التي تنشب بين الجماعات والأقوام إلى الله في يوم القيامة للفصل فيه: (وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) يمهد بهذا النفوس بالوفاء بالعهد حتى لمخالفيهم في الرأي والعقيدة:(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة , ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون).

وقوله " يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ " أى يختبركم الله تعال بهذا العهد فهو يعلم وقت عقدتم العهد إن كان فى نيتكم الوفاء أم الغدر والخداع. والإبتلاء هنا بمعنى الإختبار.

وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)

يستعملوا الأيمان للخداع والتضليل...ويمضي السياق في توكيده للوفاء بالعهود ونهيه عن اتخاذ الأيمان للغش والخديعة وبث الطمأنينة الكاذبة للحصول على منافع قريبة من منافع هذه الدنيا الفانية . ويحذرعاقبة ذلك في زعزعة قوائم الحياة

النفسية والاجتماعية  وزلزلة العقائد والارتباطات والمعاملات . وينذر بالعذاب العظيم في الآخرة  ويلوح بما عند الله من عوض عما يفوتهم بالوفاء من منافع هزيلة  وينوه بفناء ما بأيديهم وبقاء ما عند الله الذي لا تنفد خزائنه  ولا ينقطع رزقه.

أول صفة من صفات أولو الألباب:

إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) (الرعد 19 - 24).

وفى المقابل:

وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَعَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ "(سورة الرعد 25)

بهذا القدر ولنا لقاء قريبا إنشاء الله وإن كان فى العمر بقية والحمد لله ودائما صدق الله العظبم ...  أكتفى

اجمالي القراءات 10204