قانون موحد لبناء دور العبادة

سعد الدين ابراهيم في السبت ٠٨ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

طالما هناك قانون خاص لبناء الكنائس، لن يعدم المشروع المسلم من وضع قيد هنا، أو قيد هناك فى حق حُرية الإخوة المسيحيين لبناء كنائسهم. وبما أن أغلبية أعضاء البرلمان، وكذلك مجلس الوزراء، من المسلمين، فسيظل هناك هذا الاحتمال، حتى لو كان معظمهم من ذوى النوايا الطيبة. وكما تذهب الحكمة الكوبية إلى أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة! كذلك هناك قول مأثور آخر، مفاده أن الشيطان يكمن فى التفاصيل!.

من ذلك أن مشروع القانون الذى يتم تداوله بين الخاصة وسمع عنه عموم الناس، ورغم أنه بكل المقاييس أفضل كثيراً من سابقيه، إلا أنه فى آخر لحظة، أو فى مشروع اللائحة التنفيذية ترك هامشاً كبيراً، لسُلطة الإدارة (المُحافظ، أو رئيس المدينة، أو مدير الأمن)، للموافقة أو الاعتراض على بناء الكنائس الجديدة، أو ترميم الكنائس القديمة. كما أن اشتراط وجود كثافة سُكانية مسيحية، يفتح الباب مرة أخرى لأحكام قد تبدو تعسفية من وجهة نظر المواطنين الأقباط.

إن تلك الشروط أو النصوص التنظيمية، أضيفت إلى صيغة متأخرة لمشروع القانون. وهو ما جعل الأرثوذكسية والكاثوليكية، ونُشطاء أقباطا يعترضون، ولسان حالهم يُردّد «وكأنك يا أبو زيد ما غزيت».

إن كل الدساتير المصرية، وآخرها دستور ٢٠١٤، وكل قوانين البلاد لا تفرق بين المواطنين على أساس الديانة، اللهم قانون الأحوال الشخصية (الزواج، والطلاق، والميراث).

فلماذا قانون خاص بالكنائس؟ أليس من الحكمة أن يكون هناك قانون واحد يشمل كلا من المساجد والزوايا والكنائس، يُنظم هذا الأمر، أسوة بقوانين البناء والإسكان؟.

إن قانون بناء الكنائس لم يكن قضية خلافية، إلى أن استحدث أحد وكلاء وزارة الداخلية فى الرُبع الأول من القرن العشرين، عشرة شروط لبناء أو حتى لترميم الكنائس. وظلت تلك الشروط تتحكم فى تفكير ومُمارسات وزارة الداخلية. وكان كثير من المشادات والتوترات بين مسيحيين ومسلمين متشددين. وكلما هدأت تلك التوترات، يقع حادث فردى هنا أو هناك، يكون أحد أفراده من الإخوة الأقباط، من جديد!.

طبعا معظم المسلمين لا يُدركون أن الأقباط هم أصل مصر، وورثة الفراعنة، وهم الذين حفظوا لمصر شخصيتها الأصلية، وهم سر استمراريتها. أما المسلمون فهم الوافدون إليها، أحفاد العرب القادمين مع عمرو بن العاص، الذى فتح مصر سنة٢١هـ المُوافقة لِسنة ٦٤٢م.

ويُحمد للأقباط الأوائل بقيادة المقوقس، كبير الأقباط، وقتها أنه رحّب بهؤلاء العرب المسلمين الفاتحين، الذين وجد فيهم قرابة وألفة وتسامحاً من ناحية، وفرصة سانحة للتخلص من حكم الروم الغُرباء المستبدين.

وخلاصة القول هنا، أننا كأغلبية مسلمة، عليها أن تعى هذا التاريخ من ناحية، وتسد الطريق على من يتربصون بمصر من الداخل، وهم المُتاجرون بالإسلام، سواء كانوا إخواناً أو سلفيين من ناحية، ويحترمون روح ونصوص الدستور من ناحية ثالثة.

لقد كان موضوع بناء الكنائس إحدى مظلوميات الإخوة الأقباط. ولكنها ليست المظلمة الوحيدة. فلا تزال هناك مظلوميات أخرى، ينبغى معالجتها.

من ذلك، مثلاً، أن الأقباط ليسوا ممثلين، كوزراء، أو مديرين، أو حتى كضبّاط، فيما يُسمى بالأجهزة السيادية ـ مثل جهازى الأمن الوطنى والمخابرات. كما أن المقبولين من أبنائهم فى الكليات العسكرية لا يزال ضئيلاً وبالقطع دون نسبة الأقباط فى مُجمل السُكان، والتى تتراوح بين عشرة وخمسة عشر من مجمل السُكان.

كما أن المناهج الدراسية، وخاصة التاريخ والتربية الوطنية والمُطالعة، تكاد تخلو تماماً من أى مواد تعليمية وتثقيفية عن الأقباط، ودورهم فى بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على التراث الوطنى، وفى كل نضالات ومعارك المصريين على مر التاريخين الأوسط والحديث.

وحسناً استن الرئيس عبدالفتاح السيسى سُنّة حميدة بمُشاركته الرمزية والفعلية فى احتفالات الأقباط بعيدى الميلاد والقيامة، وليت كل مسلم مصرى يقرأ هذا المقال يسأل نفسه: كم مرة تزاور مع صديق أو زميل عمل قبطى؟ وكم مرة قام هو بدعوة جار أو زميل قبطى إلى منزله؟.

طبعاً، لا بد من تذكير كل المصريين تحت عُمر السبعين، بأن جيلى، والأجيال الثلاثة السابقة كانوا يفعلون ذلك بسهولة ويسر، ودون تنبيه أو إلحاح من أحد.

طبعاً للتنشئة الأسرية، وللتعليم، وللإعلام، والفن دور فى استعادة تلك الروح التى يفخر بها جيلى والجيل الذى يكبرنى. ولكن إلى جانب ذلك كله، هناك إجراءات ردعية ضد كل من يمس الوحدة الوطنية، أو يحض على ازدراء وكراهية الآخر المختلف دينياً أو مذهبياً. وأقترح تغليظ عقوبة من يرتكبون هذه الرذائل، وربما يكفى إعدام شخص واحد منهم لكى يتعظ الآخرون. ولا أستثنى من ذلك خُطباء المساجد والمعلمين والإعلاميين.

اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد...

اجمالي القراءات 6382