مقال إفتراضى : أمريكا عندما جاءها النبى محمد عليه السلام

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٥ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقال إفتراضى :  أمريكا عندما جاءها النبى محمد عليه السلام  

أولا : تعقد الموقف السياسى الأمريكى حول الاسلام

1 ـ وصل النبى محمد الى العاصمة واشنطن ، وأمريكا تعيش من سنوات جدلا مستمرا حول الاسلام .

2 ـ هو جدل شبّ وإستعر لهيبه بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ، ووصل الى الذروة مع ظهور داعش وخطرها على الغرب وأمريكا ، ودخول الهجوم الارهابى ـ بها ـ الى مستوى آخر ، هو تجنيد المسلمين الأمريكيين للقيام بأعمال إرهابية ، وإستغلال المساجد (ألأمريكية ) فى إستقطاب الأنصار وتحويلهم الى إرهابيين إنتحاريين . هو نفس ما تفعله داعش فى أوربا .

3 ـ وساعد على نجاح داعش الاستغلال السياسى الأمريكى والغربى لجماعات الارهاب وضربها ببعضها لتحقيق إنتصارات فى سوريا والعراق واليمن وليبيا ، فى سياسات معقدة تتداخل فيها عومل محلية وإقليمية ودولية ، هذا مع محاولات أمريكا وأوربا ألا ينعكس هذا الاستغلال للإرهابيين فى الشرق الأوسط فى تهديد أمنها فى الداخل . وهذا مستحيل تجنبه فى القرية الكونية الحالية وفى الحرب الفكرية التى تشنها داعش واخواتها بالانترنت تصل به مباشرة الى قلوب وعقول الشباب السُّنّى المولود فى أمريكا وفى أوربا ، والذى يعانى من التهميش والفقر فلا يجد ذاتيته إلا فى المسجد ، فيكون فريسة سهلة لقادة الارهاب . وبات عجيبا أن تتحالف امريكا فى سوريا مع جماعة ارهابية تنتمى الى القاعدة بينما تحارب القاعدة فى الأراضى الأمريكية ، وأن تساعد السعودية داعش فى العراق وسوريا مع العداء المستحكم والمعلن بينهما . وأن تحارب روسيا داعش فى سوريا وتتصالح مع جماعات إرهابية أخرى فى سوريا تناوىء وتحارب داعش ، وروسيا نفسها تواجه خطر الارهاب السنى فى أرضها وفى الدول التابعة لها فى آسيا الوسطى . وجود خسائر بشرية فى الغرب وأمريكا ، لا يزعج صانعى السياسة فى امريكا وموسكو والعواصم الأوربية ، لأنهم يؤمنون بأنه فى هذه الحروب لا بد من تحمل قدر من الضحايا بين مواطنيهم مقابل ربح بالبلايين من بيع السلاح .

ثانيا : إستقطاب إعلامى وثقافى فى أمريكا حول الاسلام

 1 ـ على المستوى الاعلامى يوجد إستقطاب بين رأيين ينتهيان الى نتيجة واحدة ، هى تحميل الاسلام مسئولية ما تفعله داعش . فى هذا الاستقطاب قلّما يُشار الى الوهابية التى خرجت من عباءتها كل تيارات الارهاب ، وقلما يشار الى أنه يوجد فى أتباع كل دين ارهابيون ومتعصبون ومتطرفون . النغمة السائدة هى أن الاسلام هو المسئول ، وأن تلك الجماعات ( إسلامية ) والسائد هو ( الاسلام الراديكالى ) و( الجهاد الاسلامى ) .

2 ـ  فى هذا يقف طرفان متناقضان : السعودية والدول السُّنية التى تدور فى فلكها ، والتى تؤمن بالوهابية على أنها الاسلام الصحيح ، والطرف الآخر هم المتعصبون من المسيحيين والعلمانيين فى أمريكا والغرب والذين يكرهون إسم الاسلام وإسم المسلمين ، والذين رضعوا ثقافة الصراع العربى الغربى من عهد الفتوحات الى الحروب الصليبية الى الاستعمار . هم يرون الاسلام العدو الأكبر ، ولا يعرفون عنه إلا الفتوحات العربية والعثمانية والتى توغلت فى اوربا واستعمرت أجزاء منها وجاء الرد بالحروب الصليبية ثم بالاستعمار الأوربى الغربى.  يلتقى الطرفان النقيضان فى أن ما يحدث هو شريعة الاسلام ، وبشعار الاسلام وأنها سُنّة النبى محمد عليه السلام . وهنا تأتى أهمية وجود النبى بنفسه للتوضيح .

ثالثا : إستقطاب وجهل على مستوى المعرفة بالاسلام ــ فى أمريكا

1ـ لا يختلف الأمر كثيرا فى أقسام الدراسات الاسلامية والعربية والشرق أوسطية فى الجامعات الأمريكية وفى المراكز البحثية المستقلة . كان  معظم الأساتذة المتخصصين فى هذه المجالات من اليهود ، ولديهم بعض من الحياد والموضوعية ، ويرون الاسلام أقرب اليهم من المسيحية من حيث الايمان بالوحدانية ورفض الثالوث ، وكثرة الحديث فى القرآن عن  ابراهيم وموسى وبنى إسرائيل وأنبيائهم وقصصهم ، بما يتفق فى الكثير مع ما لديهم فى التوراة . ثم عدم تعرض اليهود فى تاريخ المسلمين الى إضطهاد دينى وعرقى بنفس ما حدث فى أوربا المسيحية . سيطر اليهود على أقسام الدراسات الاسلامية فى الجامعات الأمريكية ، خصوصا فى فترة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى وحيث لم يكن الاسلام وقتها ظاهرة جدلية خلافية ، ولم يكن للسعودية نفوذ ولا دور ضاغط .

2 ــ إختلف الأمر بعد حرب اكتوبر وإستعمال الملك فيصل لسلاح البترول ورفع ثمنه أضعافا مضاعفة وإمتلاء الخزانة السعودية بفوائض النقد ، وإحتلالها مركز القيادة للعرب والمسلمين على حساب مصر التى بدأت تتدهور بإضطراد خلال عهد السادات ومن جاء بعده . الملك فيصل إستغل فوائض عائدات البترول فى نشر الوهابية ( باسم الاسلام وسُنّة النبى عليه السلام ) فى أمريكا والغرب ، فظهرت سريعا آلاف المساجد الوهابية فى أمريكا وآلاف الجمعيات والجماعات التى تستغل المناخ الحُرّ والديمقراطية الأمريكية والاموال السعودية .

3 ـ ولأن الجامعات الأمريكية تعتمد على التبرعات ، فقد تدفقت الأموال السعودية والخليجية عليها ، واصبح من أسرع الطرق للثراء إنشاء مراكز إسلامية بحثية داخل تلك الجامعات وعقد مؤتمرات تستقطب الأساتذة . وتكاثرت المنح الدراسية مدفوعة الأجر واضحت الرياض مقصدا يحج اليها أساتذة أمريكيون لا يعرفون عن الاسلام سوى بضع سطور ولا يعرفون من العربية سوى بضع عبارات ، ويظهر الى جانبهم مرتزقة سماسرة من العرب والباكستانيين والهنود واليهود ، وبسرعة يتم إنشاء مركز بحثى أو قسم للدراسات الاسلامية أو العربية أو الشرق أوسطية ، وتنهال عليه التبرعات بالملايين .

4 ــ  بعد 11 سبتمبر ظهرت الحاجة الى دراسة (هذا الاسلام ) . ولم تعد هذه الدراسة ترفا فكريا بل أضحت ضرورة علمية وأمنية فى الجامعات الأمريكية. ولأنه ممنوع مقدما أى إنتقاد للوهابية أو مجرد بحثها موضوعيا فإن كل تلك الأقسام فى الدراسات الاسلامية والعربية والشرق أوسطية تجاهلت الموضوع مكتفية ببحث القشور . من هنا ظهر البديل فى مراكز علمية ليست بعيدة عن الأجهزة الأمنية ، تبحث فى الوهابية على انها الاسلام ولا ترى فارقا بينه وبين الوهابية ، وتتخذ منه موقفا عدائيا مسبقا فهو الذى أنتج القاعدة وهو الذى ترعرع فيه ابن لادن .

5 ــ وكالعادة فى الدراسات الاجتماعية والسياسية لا يوجد إهتمام ببحث جذور الموضوع . وهذا خطأ فادح حتى فى بحث الشيوعية ذات الجذور القريبة التى تنتمى الى قرنين فقط  ، فكيف بظاهرة تنتمى للماضى وهى ( ظاهرة سلفية ) و ( ماضوية ) ويأتى إلهامها من مؤلفات صيغت فى العصور الوسطى وتهدف الى إرجاع المسلمين الى عصور الخلافة فى القرون الوسطى . هنا لا بد من التركيز على الجذور الأصولية والتاريخية التى نبتت فيها تلك الحركات الوهابية الارهابية . تلك المراكز البحثية المستقلة نظرت الى شجرة الارهاب فلم يستحوذ على إهتمامها سوى الثمرة الوليدة ، ولم تر الورقة ولا الأغصان ولا الساق ولا الجذور . رأت فى  ثمرة الارهاب السامة المتفجرة شخصية مرسومة للنبى محمد وسُنّته . وهى نفس الرؤية السعودية الوهابية . وهنا تأتى أهمية وجود النبى بنفسه للتوضيح .

رابعا : جهل بالاسلام وتعصب بين خبراء السياسة الأمريكيين ( السنيين والصليبيين )

1 ـ العادة أن الخبراء فى موضوع الاسلام يؤتى بهم من تلك المركز البحثية وأقسام الدراسات الاسلامية والعربية والشرق أوسطية . وهم المُستشارون فى البنتاجون والخارجية الأمريكية والكونجرس و الأجهزة الأمنية .. والبيت الأبيض .

2 ـ يجمع بينهم جميعا إتقان اللغة الانجليزية والجهل بالاسلام والمسلمين ، وعدم وضع فاصل بين الاسلام كدين والمسلمين كبشر.

3 ـ منهم مسلمون ( معظمهم هنود وباكستانيون لا يعرفون العربية ) وهم جميعا سنيون محافظون نشأوا تعلموا فى الحقبة النفطية السعودية التى قدمت الوهابية على أنها الاسلام والسُّنّة الصحيحة  ، ولا يعرفون عن القرآن إلا ما يقرأونه من الترجمات ، وأبرزها الترجمات الصادرة عن السعودية والتى تحمل فى هوامشها تأويلات الوهابية للقرآن الكريم . وإختصارا نقول عنهم ( الخبراء السنيون ) .  ومنهم مسيحيون وعلمانيون كارهون لاسم الاسلام وكارهون للقرآن ، ومعلوماتهم عنه جاءت من الرؤية الوهابية ومن معاناتهم من الارهاب الوهابى والفساد السعودى والعربى . وإختصارا نقول عنهم : ( الخبراء الصليبيون ).   

4 ـ فى إجتماعات مغلقة لأولئك الخبراء ( السنيين والصليبيين ) وفى حضور صانعى السياسة الأمريكية جرى إستعراض مجىء النبى محمد الى أمريكا ، ودرجة الاستفادة منه . كان اللوبى السعودى قد إستخدم كل نفوذه فى الإعلام الأمريكى فى الهجوم على النبى محمد ووصفه بأنه ( كذاب ) و ( ساحر ) و ( كاهن ) بنفس ما كانت تفعله قريش . وقد إتفق الخبراء السنيون والصليبيون مع اللوبى السعودى فى الهجوم على النبى وفى رفض دعوته وحضوره الى أمريكا ، وطالبوا بترحيله لأن وجوده سيعقّد الأزمة ، وتوقعوا أن داعش ستنتقم من أمريكا لأنها تدخلت لإنقاذه من الحبس الاحتياطى ، وقد تحاول إغتياله فى الأرض الأمريكية ، والسعودية الحليفة الكبرى لأمريكا آلمها تدخل أمريكا لانقاذ من تعتبره ساحرا كاذبا مدعيا للنبوة . أما وقد جاء النبى محمد فعلا الى أمريكا فلا بد من كشف مزاعمه وفضح إدعائه بالنبوة . وقدم الخبراء السنيون والصليبيون رؤيتهم  الموحدة فى النقاش مع النبى محمد . ووضعوا برنامجا لندواته التى ستنقلها أجهزة الاعلام الأمريكية والعالمية . وقالوا إنه بدلا من قتله جسديا ــ كما كان الرئيس المصرى يريد ــ فالأفضل قتله معنويا بفضحه أمام أعين العالم . وبهذا تعود الأمور فى الشرق الأوسط الى ما كانت عليه من نزاع وحروب وشقاق .

5 ـ  طلب صانعو السياسة الأمريكية من الخبراء السنيين والصليبيين إعداد تقرير بنموذج للأسئلة ، وفوجئوا بأن الخبراء قد جلسوا معا وأعدوا هذا النموذج للاسئلة . توزعت نُسخ التقرير على صانعى السياسة الأمريكية ، وإرتفعت لدى كل منهم ــ وهو يقرأ ــ (حاجب الدهشة ) من براعة الأسئلة وخبثها ومكرها .

خامسا :

1 ـ كل هذا والنبى محمد يتجول فى واشنطن تحت حراسة غير ظاهرة وبعيدا عن ملاحقة الاعلام . كان يرتدى زيا أمريكيا عاديا بحيث لم يستطع أن يعرف عليه أحد .

2 ـ فى واشنطن  رأى البيت الأبيض والبنتاجون و الخارجية الأمريكية والكونجرس ، وطاف بالمتاحف ودخل المتاجر والمنتزهات  والمكتبات وبعض الجامعات . تكلم مع الناس بلسان إنجليزى سليم ، أدهش مرافقيه وجعلهم يرونها معجزة ، إذ كيف تعلم الانجليزية بهذه السرعة ، وهو ينطق بها بلا لحن شأن أى أمريكى عريق .بعد واشنطن زار نيويورك وبوسطن وهيوستون ولوس انجليس .

3 ــ  لوحظ أنه رفض دخول أى مسجد سُنّى أو شيعى ، وكان يصلى منفردا فى غرفة الفندق . وأنه كان يغض البصر عندما يرى إمرأة كاسية عارية ، ولكنه كان يغضب ـ دون كلام ـ حين يرى إمرأة منقّبة أو رجلا ملتحيا يرتدى جلبابا سعوديا أو باكستانيا .

4 ــ قضى شهرين فى هذه الجولات ، والجدل قائم حوله يملأ مقدما الصحف و مواقع الانترنت والقنوات الفضائية . أغلبها هجوم عليه وتعليقات على الهجوم ، وهو يقرؤها ويبتسم . والجميه يترقب الندوات التى سيعقدها والأسئلة التى سيحاصره بها الصحفيون و( العارفون ) بالاسلام .   

اجمالي القراءات 8141