حقيقة المعراج [1]
النجم والنجوم في القرآن الكريم

محمد خليفة في السبت ٠١ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

اللطائف القرآنية (55)

 حقيقة المعراج   [1]    

نظرات متجددة في أوائل سورة النجم

{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18) } النجم

 

 الناظر المتدبر لهذه الآيات سوف يلاحظ أنها بدأت بصيغة القسم " وَالنَّجْمِ.."

والنجوم وردت في القرآن بعدة معاني

المعنى الأول  :هي نجوم السماء والتي تظهر بوضوح إذا ما إدلهم الليل، أي إزداد سواده، خاصة في الليالي غير القمرية، حين يكون القمر في المحاق، وقد أشار القرآن إلى أنها وفي عشوائيتها الجميلة المنظورة فهي جُعلت لهداية المسافرين في الليل

{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (6) } الأنعام

{ وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) } النحل

 

المعني الثاني :هي نجوم الأرض أي النباتات التي لا ساق لها، من النباتات الزاحفة أرضــــــــا مثل ( اليقطين، الخيار ، القرع، البطيخ، الشمام، ...)، وأحسب أنه أطلق عليها هذا الإسم ذلك لأنها حين تنتشر زهورها فهي تحاكي إلى حد كبير إنتشار نجوم السماء، وقد تناول القرآن هذا المعنى في

{ الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) } الرحمن

 

فإذا ما أخذنا المقطع المكون من الأية (5) كلها ثم أضفنا إليه كلمة " وَالنَّجْمُ " والتي تتصدر الآية (6) فنكون قد حصلنا علي المقطع الآتي

[ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ ... (6) ]

وهكذا ينعطف لفظ النجم على ما قد سبقه من ألفاظ " الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ .." وفي هذه إشارة إلى أن النجوم المشار إليها هي من نفس طبيعة وتواجد الشمس والقمر أي هي نجوم السماء.

أما إذا أوقفنا القراءة عند الآية (5) ثم عاودنا القراءة للآية (6) فسوف نقرأ

{ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) }

وهذا يعني جمع النجم والشجر في مجموعة كونية واحدة، أو من ذات الطبيعة الأرضية، وفي ذلك الأشارة إلى أن النجم المذكور هو من نفس طبيعة الشجر أي أنه زروع لها صفة خاصة، فالشجر له ساق وأفرع، لكن النجم ليس له ساق وله فروع.

 

المعني الثالث  :وهو يأتي من كون النجوم سواء ذاك أو تلك، أي نجوم السماء، ونجوم الأرض، في أنه لا توجد صلة ظاهرية تجمعها، فكأن كل واحدة منها كيان منفصل عن الآخر ولا تربطه به ظاهرة مرئية للعيان، لكننا نعلم الآن أن هناك ثمة علاقات ثابتة وروابط غاية في القوة والإنضباط بينها وبين بعضها

{ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) } يس

 

وهذه التوجه يأخذنا إلى المعني الثالث من معاني النجوم، والذي تشير إليه الآية الكريمة

{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } الواقعة

يقسم الحق هنا ليس بالنجوم، لكنه يقسم بمواقع النجوم، ويؤكد أنه قسم لو مكنتنا علومنا من كشف النقاب عنه فإننا سوف نحكم أنه قسم عظيم، فلو أخذنا بالمعنى الأول من كون النجوم هي نجوم السماء، فسوف نجد أن العلوم التجريبية الفلكية قد نبأتنا بأن هناك فارق بين النجوم وبين الكواكب وبين الأقمار، فالنجم ذاتي الإضاءة، حيث أنه يولد الضوء والحرارة من تفاعلات ذرية وهيدروجينية هائلة، أما الكوكب فإنه يكون تابعا لنجم أي له علاقة به ويدور في فلكه وهو ليس مضيئا بذاته بل يعكس ما يسقط عليه من ضياء النجم الذي يتبعه، وكذلك القمر فهو تابع للكوكب ويدور هو الآخر في فلك خاص به حول الكوكب، وهو الآخر ليس ذاتي الإضاءة لذا وصفه الحق بأنه نور

{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) } يونس

 

وقد قسم علماء هذا الحقل من العلوم النجوم إلى عدة أنواع حسب حجمها ووزنها ودرجة الحرارة المولدة فيها وكذا كمية الضوء المنبعث منها، وهذه تفصيلات أود لو أنأى بالقارئ عنها، لكن الطريف في الموضوع أن الشمس المذكورة في القرآن هي بمثابة واحدة من أصغر نجوم السماء، ويصلنا الضوء المنبعث منها في ثمان دقائق، وثمة نجوم يصلنا ضوؤها في أزمان تقدر بالسنين الضوئية - أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة، سرعة الضوء = 300000 كيلومتر في الثانية الواحدة - وهي مسافات هائلة، ولنضرب مثلا بنجم يبعد عنا أربع سنين ضوئية، فهذا يعني أننا سوف نرصده بعد أن يصل ضوئه إلينا بعد مرور أربع سنين زمنية، مما يعني بالتبعية أنه غادر المكان المرصود منذ أربع سنوات، وأصبح في مكان أخر، ويصبح رصدنا لموقعه ماض، أو كأننا نقرأ فى ماضي حياة هذا النجم، ولا ينبأ بحال عن صحيح موقعه الآني.

ظاهرة أخرى طبيعية كشفت عنها العلوم الفيزيائية، وهي أن مسار الضوء في الفراغ الكوني يكون منحنيا وليس في خطوط مستقيمة، لكن أعيننا لا تستقبل إلا خطوط الضوء المستقيمة، مما يعني أن الضوء الساقط من النجم المرصود سوف يسافر إلينا في خطوط منحنية - يعرج - لكن حين تستقبله أبصارنا فسوف تستقبل مماسات للإنحناءات القادمة، مما يغير من مكان رصد النجم.

وموجز هذا الذي أشرنا إليه، أننا نخطأ خطأين في رصد مواقع النجوم، خطأ ناتج عن المسافة، والآخر ناتج عن أسلوب العين في الرؤية، سبحان الله

إذاً.. فقد وافق هذا القول، قول الحق  وهو يشير إلى عظمة هذا القسم

{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } الواقعة

كان هذا عن المعنى الأول من معاني النجوم.

فلو عرجنا إلى المعنى الثاني للنجوم، والذي يشير إلى الزروع التي لا ساق لها، فأيضا لا يستطيع كائنا من كان أن يرصد مواقع هذه الشجيرات على مسطح الكرة الأرضية مهما تزود بأعتي أجهزة الرصد وأكثره دقة.

ومع أن المعنيين السابقين قد توافقتا مع المعاني التي وردت في آيتي سورة الواقعة، إلا أننا لو أكملناالقراءة في الآيات التالية، فسوف نجد أن الحق يقول

{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) } الواقعة

 

إذاً ..مواقع النجوم المذكورة هنا ليست كما تصورنا، أو جنحت إليه أفكارنا، بل هو شئ مختلف، فالنجوم هنا تشير إلى سور القرآن وآياته، لأنه تنزل على قلب رسول الله عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم مفرقا - منجما- وهذه الكلمات تشير إلى حقيقة هائلة، وهي أن ترتيب نجوم القرءآن الكريم  - سوره وآياته - ، قد تم ترتيب مواقعها من لدن حكيم عليم، طبقا لمعايير شديدة الإحكام والخصوصية، وأن هذه التكوينة شديدة الإتساق، وتحكمها روابط وعلائق غاية في الإبداع والتماسك، وطالما أن الحق أشار في الآية المذكورة إلى " .. لَوْ تَعْلَمُونَ.." ففيها إخبار من الحق أن البشر لو علموا وتعلموا وفكروا وتحققوا وتدبروا ومحصوا وأعملوا عقولهم فسوف يهديهم الله إلى بعض أسرار هذا الترتيب المعجز والذي وصفه الله بالعظمة.

وأود وقبل أن أغادر هذه النقطة، أن ألفت النظر  إلى الآية الكريمة

"  لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) "

والمطهرون هنا ليسوا كما تصور البعض من ضرورة التطهر بالإغتسال أو الوضوء عند الإمساك بالمصحف، فالبشر متطهرون وليسو مطهرون، ذلك لأن المطهرون هم من الملائكة العليين الذين طهرهم الله طهرا دائما سرمديا، وخصصهم للتعامل مع كتاب الله المكنون ولوحه المحفوظ.

وكمثال سريع على إحكام ترتيب سور القرآن، والذي منَّ الله بفتح منه وكرم منه على بعض من التنويرين، نقول وبالله التوفيق، أن سورة النمل بدأت باستفتاح من الأحرف المقطَّعة

{ طس ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) } النمل

ولسورة النمل نفحات كثيرة وفضائل كيثر، إلا أنني سوف أعرض هنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه، في شرح المعنى الثالث من معاني النجوم.

الإستفتاحة هي  " طس ۚ " ،  وبهداية هذين الحرفين، فإننا لو أحصينا عدد الكلمات التي وردت في سورة النمل، والتي إحتوت في بناءها على حرف ( الطاء ) لوجدناها (26) كلمة، فلو أضفنا لها حرف الطاء المنفرد والذي ورد في الإستفتاحة لصار العدد (27)، وهو يماثل ترتيب السورة التوقيفي أي الترتيب الذي عليه المصحف والذي حدده وأوقفه الله سبحانه وتعالى.

وكذلك، وعلى نفس المنوال، وأجرينا نفس الإجراء على الحرف الثاني من حروف الإستفتاحة، ألا وهو حرف " السين "، لحصلنا على العددية (93)، وهي بذاتها عدد آيات سورة النمل...!!!

قد يتشدق البعض معللين بأن ذلك مجرد صدفة عددية، لكن

هل يمكن أن تكون هناك صدفة بهذا الإتقان ؟؟؟

وما قولهم في أمثلة كثيرة من هذا القبيل على طول القرآن وعرضه، لكن لا يتسع المجال لعرضها جميعا، خاصة وأن موضوع البحث الأصلي كان عن المعاني المختلفة للنجوم.

 

 

المعني الرابع  :

 

وهو معنى مجازي، ذلك الذييشير إلى علية القوم على أنهم نجوم المجتمع، وينسحب ذلك على من يعملون في المجالات الفنية، والرياضات البدنية، فكل من يعلو شأنه فهو نجم..!!

 

لكن هناك معنى مجازي آخر، وهو يخص مجال الدعوة إلى الله، عن طريق أنبياءه ورسله الكرام، فقد بدأت دعوة الوحدانية منذ بدأت الخليقة فجـــاء نبي الله آدم، ثم نبي الله نوح، ثم نبي الله إدريس، وكانت تتلخص هذه الدعوات فقط في ترسيخ عقيدة الوحدانية وبأنه لا إله إلا الله، فلا تشريع هناك ولا شرائع، وليس ثمة أوامر إفعل ولا تفعل.

 

وما أن جاء نبي الله إبراهيم، إلا وصاحبت دعوته إفعل ولا تفعل، وكذا نوعا من الشعائر من صلاة وزكاة وصوم، بل كان هو أول من أذن في الناس بالحج، كما وردت معه ولأول مرة تعاليم مكتوبة على صورة صحف إبراهيم.

 

أنجب نبي الله إبراهيم، ولده البكر إسماعيل من جاريته هاجر، كما منَّ الله عليه بولده إسحاق من زوجته السيدة سارة، وكليهما كان رسولا نبيا، إلا أن إستمرار الدعوة وقع أول الأمرعلى ذرية إسحق، فجاء نبي الله يعقوب ( إسرائيل )، ومن بعده نبي الله يوسف، ثم توالت أنبياء بني إسرائيل، يتناقلون الدعوة والبركة والملك، إلى أن جاء نبي الله موسي وصاحبته الألواح وفيها التوراة وفيها هدى ونور ، ثم كان آخر أنبياء هذا الفرع ببعثة نبي الله ورسوله المسيح عيسى إبن مريم، حتى ظن بني إسرائيل أن النبوة والبركة والملك لن تغادر بني إسرائيل بل ستظل حكرا عليهم، ورسخ في أذهانهم أنهم شعب الله المختار وخاصته.

لكن الله كان له تدبير آخر، فقد توقفت الدعوة في فرع إسحق عند هذا الحد، وانتقلت إلى فرع إسماعيل، والذي جاء من صلبه نبي الله ورسوله محمد عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم وخاتم النبيين، واعتبر بني اسرائيل أن نجمهم قد أفل وانتقلت البركة والملك والدعوة إلى الفرع الآخر، لذا جاء الوصف

 { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) }

و هَوَىٰ        هنا تعني سقط واندثر، وليس له من قيام.

ولنا بإذن الله لقاء آخر بل لقاءات مع سورة النجم.

 

م / محمد ع. ع. خليفة

الخميس 29 سبتمبر 2016  

اجمالي القراءات 27687