من صفحات تدليس الإخوان د محمد عمارة نموذج

سامح عسكر في الخميس ١٥ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

بالصدفة البحتة وقعت على مقالات د محمد عمارة في جريدة الأهرام المصرية..

ولأني أعرف محمد عمارة من هو تتبعت مقالاته خصوصا تواريخ بدايتها ونهايتها، فإذا هي تبدأ من منتصف عام 2011 إلى أوائل عام 2013 ولذلك عدة دلالات سأذكرها

يعني عامين مثلوا حقبة المجلس العسكري وفترة د. محمد مرسي، وهي الفترة التي أسميها .."حقبة أخونة مصر"..بعد ما انتقلت مخططات الإخوان في السيطرة على مصر من جانب نظري (في زمن مبارك) إلى الجانب العملي بعد ثورة يناير..وكان د محمد عمارة أحد هذه الأساليب الموجهة –والمُهيئة- لاستقبال شريعة الإخوان..

من ضمن هذه المقالات (سلطنة العلماء فوق سلطنة الأمراء- البابا شنودة يشهد لصالح الإسلام- شهادات قبطية للشريعة الإسلامية- التكفير الشيعي ل90% من المسلمين-مصر والشيعة في التاريخ-شهادات قبطية للمرجعية الإسلامية- طه حسين والخلافة الإسلامية-الاستغلال الأمريكي للحداثيين العرب- تحرير العقل من الغزو القانوني)..

واضح من عناوين المقالات إنها تهدف لخمسة أشياء:

1- تمجيد الخلافة والشريعة كأصل ديني يجب تطبيقه في مصر

2- سيادة العلماء (يقصد فقهاء الإخوان) فوق أي سيادة أخرى

3- كراهية الشيعة والتحريض على الطائفية

4- الإيحاء بكفر المسيحيين بزعم اعترافهم بصلاحية الإسلام

5- العلمانية هي مؤامرة من الغرب (الاستعماري) لتدمير المسلمين

لاحظ أن هذه الأفكار كانت تُنشر في الأهرام..أكبر وأشهر جريدة مصرية، والمعروفة بانتمائها لسياسة الدولة..يعني فضيحة في حق الصحافة المصرية أن يدعو أحد كتابها للخلافة والشريعة علنا بدون ضابط أو رابط..أو حتى يرد عليه واحد من زملائه..كانت فترة عصيبة الهدف منها استدراج الشعب- ومنهم أنصاف المثقفين- لشريعة الإخوان، وأزعم أن هذا الجهد من د عمارة- وغيره من كتاب الإخوان -كان لها صدى ثقافي وحزبي أيضا، حتى رأينا الشباب (الليبرالي) في الشارع يهتف للشيخ حازم أبو إسماعيل أيامها ، بل ويدعون للخلافة والشريعة على اعتبار أن الليبرالية لا تتعارض مع (المرجعية الإسلامية) كما توهم ذلك بعض الجهلاء ..

بالمناسبة: كنت من تلاميذ د عمارة في السابق وعارف أسلوبه كويس، فهو شخص (انتقائي) يعني بتاع (قص ولزق) يأتي بما يخدم قضيته فقط ويجرد الأفكار والمعلومات من سياقها، وهذا أسلوب متبع من الإسلاميين خصوصا لو مست الفكرة أصل من أصولهم زي الخلافة مثلا، وقتها ممكن يأتي لك بأقوال لعمر بن عبدالعزيز أو حِكَم لعمر بن الخطاب، أو شهادة لبني أمية، وقتها تعرف إن اللي بيتكلم لامؤاخذة (جاهل بأبجديات الاستدلال والمنطق الصوري) بل بالواقع وماهية المُتحدّث..

مثال: يقول الدكتور عمارة أن البابا شنودة شهد لصالح الإسلام في سياق أن الإسلام وشريعته حق، ولم يأت بشهادة شيخ الأزهر لصالح المسيحية وأن شريعتها حقة..!..المقصود من الاستدلال الأول خدمة أهدافه وهي الخلافة والشريعة، وهي مبادئ تصطدم مع المصلحة المسيحية، ولو البابا شنودة علم أن د عمارة استخدم كلماته لتطبيق الشريعة الإسلامية عليه (والتي يعرفها جيدا) لرفض بل ربما أقام دعوى تزييف وكذب وتشويه..وربما سب وشتم كمان..

طبيعي أن يمدح بعض رجال الدين (المعتدلين) أو في ظل (حالة نفسية ومزاجية رائعة) طبيعي أن يمدحوا الآخر..ليس من باب الاعتراف به وبدينه، بل من باب التعايش والانسجام..والدكتور عمارة زيّف هذه الحقيقة بل قلبها لصالح شريعة الإخوان 180 درجة..

مثال آخر: أن الشيعة يكفرون 90% من المسلمين، هذا على أساس أن السنة لا يكفرون الشيعة أصلا، أو على أساس أن الشيعة ليسوا بمسلمين..هو طرح هذا الادعاء في سياق (تمجيد السنة) من جانب طائفي، وفي مقاله بعنوان.."مصر والشيعة في التاريخ"..أكثر من عبارة (الجيش السني) و (الجيش الشيعي) باعتبار أن جيش الشيعة انهزم من الصليبيين، بينما جيش السنة انتصر في حطين، وبالتالي هذا دليل أن السنة أفضل وهم على الحق..ولا أعرف أي استدلال غبي هذا..فلم يفترض مثلا أن جيش السنة هُزم قبل ذلك في معركة احتلال الفاطميين لمصر، وأن جيش كافور الإخشيدي (السني) بالتعبير المصري (ماأخدش غلوة) في يد جيش المعز (الشيعي) القادم من أقصى بلاد المغرب..!

المعارك الحربية يبقى فيها العُلوّ للأمهر قيادة والأفضل تكتيكاً والأعظم إدارة وجندية، ولا علاقة لذلك بالأديان والمذاهب البتة، فكم من معركة بين المؤمنين والكافرين انتصر فيها الكفار، والعكس..هذا ليس بمقياس إلا عند أمثال د عمارة من المُزيّفِين لحقائق التاريخ.

مثال آخر: يقول أن العلمانية مؤامرة من الغرب..ولم يقل أن العلمانية مُوصّل لها في أفكار ابن رشد (الفقيه السني الشهير)، بل لم يفترض أن العلمانية هي رد فعل على (تغوّل) رجال الدين في الحياة العامة وعلى السلطة، هنا تعامل مع (مصطلح ومعنى) بينما السائد في الزمكان هو (المعنى قبل اللفظ) فالأوربيين لم يثوروا على الكهنة إلا بعد ظُلمهم وتصديهم للعلم ومحاربتهم لأعظم فضيلة وهي (العدل) بالتالي على الدكتور عمارة عليه أن يسأل: ماذا لو عمل رجال الدين لصالح العدل وطبقوا المساواة ومنعوا ظلم الآخرين والمختلفين في الدين..هل سيستدعي ذلك الثورة عليهم؟!

كذلك في استدلاله (العبيط) للشريعة والخلافة قال أن.."الشيخ علي عبدالرازق تبرأ من كتابه الإسلام وأصول الحكم واعترف أن الشريعة حق والعلمانية ضلال"..وذلك بعد ما شهد بنفسه أن الشيخ عبدالرازق تعرض لمحكمة تأديبية، ونزعت منه شهادته العالمية بسبب كتابه هذا..ولم يربط د عمارة بين الاثنين، وهل القهر والتسلط الذي حدث للشيخ هو سبب تراجعه أم لا..(على فرض صحة هذا التراجع)..ولو كان ذلك سبب هل يعترف أن ما فعلوه لا يمت للإسلام بصلة؟

بالمناسبة: آفة كبيرة في الإسلاميين والتراثيين أنهم يستدلون على أقوالهم (بتوبة أو رجوع) مخالفيهم، في حين لا يناقشوا الفكرة بل يناقشوا فقط (توبة قائلها) وهي عادة مأثورة في تاريخ الفكر الإسلامي بداية من (توبة البخاري عن مذهب التشبيه) و (توبة ابن تيمية عن التجسيم وتكفير المتوسلين) وأخيرا (توبة الشعراوي عن مذهب التصوف)..وهذه آفة كل مقلد يرى الحق في الرجال وليس في ما يقوله الرجال، وقد وقع د عمارة في ذلك..

كذلك في استدلاله (العبيط) أيضا بما زعمه من (توبة طه حسين) عن إنكار الخلافة، وفي مقاله بعنوان طه حسين والخلافة الإسلامية قال أن .."طه حسين اعترف بصحة الخلافة وقال أنها تدعو إلى إقامة الحق وإقرار العدل وإيثار المعروف واجتناب المنكر والصد عن البغي"..وعلى فرض أن طه حسين أقر بذلك فعلا..ما علينا إلا قلب هذا الادعاء لصالح داعش مثلا، فهم حين طبقوا الخلافة كان بنفس الادعاء (لفظاً ومعنى) لأنه ادعاء (مطاطي جدا) ويحمل أكثر من وجه لتطبيقه، وداعش أفضل نموذج لذلك حين تقطع الرؤوس بدعوى إقامة الحق، وتقتل المرتدين بدعوى اجتناب المنكر والصد عن البغي، وتبيع النساء كجواري بدعوى إيثار المعروف..وهكذا..والدكتور عمارة مطالب بالرد على نموذج داعش الآن وهل ما يفعلوه هو ترجمة لكل ما تفرغ له عشرات السنين لإثباته؟

مثال أخير: يقول أن سلطة العلماء/ الفقهاء أعلى من سلطة الحكام، بينما في مقاله في الأهرام لم يطرح نموذج واحد قدم فيه الحاكم رأي الفقيه على رأيه الشخصي، والشائع في زمان الأمويين والعباسيين حتى انقضاء الخلافة العثمانية أن الخليفة هو (حارس الدين) ومعه مجموعة فقهاء يمثلون (لجنة شورى) أي الفقيه عند الحاكم لم يكن سوى (مستشار) وليس (رئيس) والتاريخ يشهد كم من الخلفاء المجرمين الذين استحلوا الدماء وأشاعوا الكراهية والبغضاء، فهل يجرؤ محمد عمارة على الاعتراف بأن جرائم هؤلاء هي بأمر الفقهاء من الأصل؟..وما تبعات ذلك على سمعة هؤلاء الفقهاء وما يمثلونه من (دين ومذهب) ؟؟؟

إن ما تجنّب د عمارة قوله أن الدين عند الخلفاء لم يكن سوى أداة فقط للتمكين والتدجين ، وأن رأي الفقهاء لو تعارض مع الحاكم وقتها يعني نزع سلطان الخليفة قولا واحدا..وهذا ما لم ولن يقبله أي خليفة أو حاكم على مر التاريخ..

الشاهد في طرح هذه المقالات لعمارة هو في أمرين اثنين الأول: تاريخ نشرها في الأهرام، الثاني: في وسائلها وأهدافها ، الأول قرينة على أزمة حكم وثقافة في العقلية المصرية لا تستبعد أن لو سيطرت داعش على مصر من الصباح الباكر أن تنقلب الأهرام كبوق دعاية للدولة الإسلامية وفضائل قطع الرؤوس والأيدي والأرجل، بينما الثاني في أزمة عقول التراثيين والإسلاميين عامة، فوسائلهم في منتهى الوضاعة والاحتقار والتزييف المتعمد، حتى أنهم لو حاوروا عاقلا واحدا لهزموه بجهلهم، لقد تشربوا الجهل كثقافة حتى أصبح لديهم مرض مُستعصٍ لا يُشفى منه إلا بالكيّ.

المصادر
صفحة مقالات د عمارة في جريدة الأهرام goo.gl/umMJrK
مقاله عن طه حسين والخلافة goo.gl/miaC0v

اجمالي القراءات 8049