الاصلاح بين الناس شعوباً و دولاً
الاصلاح بين الناس شعوباً و دولاً

أسامة قفيشة في الخميس ٢٥ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

الاصلاح بين الناس شعوباً و دولاً

الاقتتال الداخلي أمر مرفوض و منبوذ و منهي عنه لمن آمن بالله جل وعلا و رسالاته , و جاء تشريع القتال لرد الاعتداء و ردع المعتدين , و دفاعا عن المظلومين المسالمين من أجل حمايتهم و حفاظا ً على ممتلكاتهم و أرواحهم من بغيّ المفسدين المعتدين .

الايمان هو سلوك عملي و فعلي و التزام بالأمن و السلام مع البشر جميعا , و مع الشعوب كافة , دون النظر لمعتقداتهم و اديانهم , و هو أيضا شأن ذاتي مع النفس يختص بالمعتقد و الفكر و التوجه , و للبشر حرية الاختيار و الارادة ,

يأتي الاسلام ليرسم لنا معالم التعاملات مع البشر جميعا , فيضع لنا أسس التعامل و كيفيتها مع الجميع بناءاً على سلوكهم العملي و الفعلي , و ينهانا عن ربط التعامل معهم بناءاً على ايمانهم الداخلي من معتقد و فكر ,

فللمسلمين الحكم في التعاملات على اساس السلوك العملي , و أما الداخلي فمتروك الحكم فيه لعالم الغيب و النفوس سبحانه و تعالى يوم الحساب ,

و يبين لنا المولى عز وجل دائرة الايمان التي تجمع المؤمنين , فمن دخل في تلك الدائرة كان مؤمناً و وجب الحكم علية بالايمان بمقتضى سلوكه الآمن و المسالم , و رفضه للعنف و الاعتداء , و تأتي دعوة الله جل وعلا للجميع بالحث على نهج السلام و الأمن ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) 208 البقرة ,

و بكلام واضح و جلي يبين جل وعلا أسس التعامل مع من اختلف مع المسلمين بايمانه الداخلي (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) 8-9 الممتحنة ,

لهذا فجميع البشر يحكم عليهم بشرياً بالايمان بناءا على دخولهم في حالة الأمن و السلام و سلوكهم المسالم , و قد نهانا رب العزة عن قتل من دخل تلك الدائرة بسلوكه العملي فقال ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) 92-94 النساء ,

فهنا من قتل مؤمناً ليس المقصود المؤمن ايماناً داخلياً , بل كل انسان دخل دائرة الايمان بسلوكه العملي , ذلك لكون الايمان الداخلي لا يعلمه الا الخالق جل وعلا , و ليس لنا الحكم في ذلك , و القتل هنا ليس القتل العمد بل القتل الخطأ الغير مقصود , و هو نهيٌ و نفيٌ للقتل العمد , أما ان كان عمداً فمرتكبه مجرم كافر معتدي وجب عقابه , فمرتكب القتل العمد لأي انسان مسالم هو خروج للجاني من دائرة الايمان ,

و بعد تلك المقدمة نأتي لموضوع الاصلاح بين البشر جميعاً , و هذا الاصلاح و الدعوة له هو مكمل لتلك المقدمة , و هو تدبر لما ورد من كلام المولى جل وعلا في سورة الحجرات ,

هذه السورة من 18 آيه فقط , تلخص نهج التعامل البشري , و تبينه لجميع الشعوب و القبائل , تدعوهم لانتهاج سبيل السلم و السلام , سبيل الأمن و الأمان , فتخاطبهم بالمؤمنين لدخولهم دائرة الايمان بسلمهم و سلامهم فيما بينهم , و توحدهم و تجمعهم تحت لواء السلام و الأمن , و تخبرهم بأنهم مسلمين كونهم دخلوا حالة السلم , و تدعوهم للدخول في الايمان الكلي داخليا و ظاهريا حتى يجتمع ايمانهم السلوكي يايمانهم الداخلي , و هذا هدى الله و هدايته جل وعلا ,

أختصر مقالي في توضيح الآية التاسعة من سورة الحجرات و التي تختص بالاصلاح بين الشعوب التي لها ايمانها الداخلي الذاتي المخالف لايماننا الداخلي , و لكن تلك الشعوب دخلت دائرة الايمان السلوكي بانتهاج الأمن و السلام و التزامها به ,

و تقول تلك الآية الكريمة (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) 9 الحجرات ,

تلك الأية تخاطب من يؤمن بكلام الله جل وعلا و يعمل به , أي انه مؤمن بتلك العقيدة و هذا الدين فكريا و عقائديا و ملتزمٌ به سلوكيا , و لأن هذا الدين ينهى عن قتال المسالمين من البشر أياً كان معتقدهم أو دينهم , و يحرم على اصحابه ذلك , و يأمرهم بالاحسان للجميع , و ينهى عن الاعتداء و الظلم و العدوان ,

 فكيف يعتبر المفسرون المضلون ان تلك الطائفتان من المحسوبين على المؤمنين بكتاب و دين الله جل وعلا ؟

و يعتبرون و يعتقدون ان ذلك الاقتتال هو اقتتال داخلي بين المؤمنين بكتاب و دين الله جل وعلا , فاذا كان الاقتتال خارجيا لا يحق و لا يجوز الا على المعتدين المحاربين , فكيف يمكن لمن التزم بدين و كلام الله جل وعلا ان يقتتل داخليا ؟ و تحت أي ذريعة و أي عذر يجيز له ذلك !

اقول لهم لا و الف لا , فتلك الآية تخاطب من آمن سلوكيا و قلبياً , و تدعونا للتدخل بين من تعهد معنا بدخولهم دائرة الايمان بالأمن و السلام , فأن تقاتل هؤلاء فيما بينهم وجب علينا التدخل من أجل الاصلاح بين من تقاتل منهم , من أجل وقف القتال , و يكون هذا الاصلاح بينهما على اساس العدل و عدم التحيز لأحد الاطراف المتقاتلة لوقف القتال و الفصل بينهما و اعادة حالة الهدوء و الأمن و السلام , أما ان بغى أحد الطرفين و اعتدى مجدداً على الطرف الآخر , وجب علينا الوقوف مع الطرف المعتدى علية و القتال معه و نصرته الى ان يرتدع المعتدي و يعود الى حالة الانضباط و الالتزام بالسلم و السلام و الامن و الامان و هذا هو أمر الله جل وعلا , الذي دعا اليه جميع الشعوب و القبائل للالتزام به .

 

سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا

سبحانك اني كنت من الظالمين  

اجمالي القراءات 5388