أسباب الأزمة الاقتصادية في مصر

سامح عسكر في الإثنين ٠١ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

لا قلة الموارد ولا ضعف السياحة ولا قناة السويس ولا أي من ذلك، مصر مرت بفترات كانت فيها السياحة-أيام مبارك- ضعيفة بل شبه معدومة خصوصا بعد أحداث الأقصر وشرم الشيخ الإرهابية، كذلك مصر من يومها وهي قليلة الموارد..فما الجديد؟

صحيح هذه أسباب لكن ليست جوهرية..وفي ظني أنها أصبحت سبب (أو حُجة) لتبرير الفشل الاقتصادي الذي ساد مصر منذ زمن السادات..

هناك ثلاثة أسباب لأزمة مصر جميعها جوهرية:

السبب الجوهري الأول :هو.."الاستبداد"..وإدارة مصر بعقلية الأب والحاكم العسكري اعتمادا على مبدأ السمع والطاعة، بما ينتج عنها (قتل الكفاءات) وهي نفس عقلية نظام مبارك لكن بشكل أكثر توحش، فمبارك مع عسكريته إلا إنه كان (تقدمي) أي يدعو للتطور ومواكبة العصر، ولا يفرض إطار أخلاقي معين على نظامه، بل السيسي يفعل ذلك إما بوضع قيود أخلاقية تحد من قدرة المسئول عن التفكير..وإما يفرط في استخدام نظامه العسكري فيشيع الخوف بين المرؤوسين..وهو ما تسبب في فقدان مصر (الإدارة المالية الناجحة) بما يشبه توصيف الحالة المصرية الآن (بالأمية المالية) ومن كثرة تخبط هذه الإدارة وضعت هيكل الدولة كله تحت التهديد ..سواء بالمحاكمة أو التخوين.. أسوةً بما حدث لهشام جنينة الذي كان أحد أعضاء هذه الإدارة وتم سجنه لسبب وحيد وهو (جرأته) على التصريح بقناعاته..!

ولتوضيح ما سبق أكثر

الأخلاق هي نتاج عوامل اجتماعية تفاعلت حتى ظهرت بالشكل التي عليها الآن، وتعتمد في تطبيقها على مفهوم.."الواجب"..أي ما يجب أن يكون، وفي تقديري أن الواجب له مفهومين الأول (ديني) والآخر (لاديني) فالواجب الديني هو ما يجري تطبيقه في مصر الآن وتسبب في شيوع الاستبداد باسم الأخلاق، أي أن معارضة الرئيس-في ظل الحرب على الإرهاب- عمل غير أخلاقي نابع من وجدان ديني بالأساس، كذلك اتخاذ قرار بغير مشورته عمل غير أخلاقي، حتى سادت في مصر حالة من (الأبوية) دخلت في كل مفاصل الدولة، فالوزير أو النائب أو المحافظ يحرم عليه التفكير خارج الإطار الأخلاقي الموضوع له من الرئيس..وبسبب كثرة حديث السيسي بالعواطف والأخلاق أصبح الخروج عليه ليس فقط حرام بل عمل يقترب من الكفر أو الخيانة..

بالمناسبة مفهوم.."الواجب اللاديني"..هو الأساس في فهم وتطبيق السلوك البشري، ذلك لأن الأخلاق ليست دينيه بالأصل بل إنسانية تتأثر بعوامل البيئة والمجتمع..ولها ضابط واحد هو (العقل) أي بالعقل يمكن معرفة الأخلاق، وفي ذلك يقول.."إيمانويل كانط"..في تفسير الواجب أنه القيام بعمل يحترم القانون وله مصدرين العقل والإرادة، كذلك يقول جان جاك روسو أن الأخلاق إحساس داخلي موطنه الوجدان، وعن طريقه نميز بين الخير والشر، بين الحسن والقبيح..وهذا يعني أن كانط وروسو اتفقا على أن الفعل الأخلاقي هو بشري في النهاية ليس دينيا..

فإذا ما حاولنا فهم الأزمة الاقتصادية في مصر سنرى أنها حدثت بفعل عوامل أخلاقية دينية أشاعها السيسي، والسبب أنها لم تحتكم للعقل الذي نادى به كانط..ذلك العقل الذي كان سيضع السيسي في موضعه الحقيقي دون تزييف، ولتمثيل ذلك أن العقل يفرض أن السيسي يخطئ.. بل يفرض كذلك أنه يتعمد الخطأ، ويفرض كذلك ضرورة الثورة عليه..وهذه خطوط حمراء الآن لا يشعر بها- ولا يقترب منها- أي مسئول في مصر، فالسيسي الذي أنقذهم من الإخوان صائب دائما ويملك من الحكمة ما لا يملكه هذا المسئول، ومعارضته كفر بهذا (الجَميل) والثورة عليه خيانة مع سبق الإصرار والترصد..وفي تقديري أن هذا الشعور سائد الآن في مؤسسات الدولة الحيوية كالجيش والشرطة والقضاء والإعلام والنوّاب..

إن الاستبداد لا يعني في مضمونه فقط أنه الانفراد بالرأي، بل يعني أيضاً خوف المسئولين من التفكير..وبالتالي قد يكون الرئيس مستبد وهو لا يعلم..فقط بقراراته وأسلوبه يخلق هذه الشخصية..وهذه آفة عظيمة من آفات حكم الفرد..وهي السبب الأصيل لنشوء الدكتاتوريات..

أما السبب الجوهري الثاني: هو عدم وجود برنامج اقتصادي أو خطة تنموية حقيقية على غرار التي كان يمتلكها عبدالناصر، فنظام عبدالناصر عانى من سلبيات الاستبداد كسبب جوهري لقتل الكفاءات وتحجيم العقول..لكن بوجود خطة طموحة للعدالة الاجتماعية ورؤية في الاستقلال نجح اقتصاديا..حتى وُصف عهده بأنه عهد الرخاء والصناعة المصرية ، كذلك بلغ النمو الاقتصادي في عهده حداً لم يسبق له مثيل وهو 8% سنويا، كذلك حقق فائض لأول مرة في الميزان التجاري، وانخفضت الأعباء على الفقير بنسبة ملحوطة..وزادت الرقعة الزراعية والصناعية، وبلغت في عهده سمعة المنتج المحلي درجة عالية من الثقة محليا ودوليا..

أما نظام السيسي حدث ولا حرج..

عجز في الميزان التجاري يرتفع كل عام عن سابقه، وتضخم في الأسعار وارتفاع في المديوينة ..وانخفاض في الرقعة الزراعية والصناعية..مما ينتج عنها طوابير من البطالة..كذلك زادت الأعباء على الفقراء ونال المنتج المحلي أسوأ سمعة لم تحدث في التاريخ..كل ذلك لأن الرجل لا يملك مشروعا اقتصاديا ولا خطة طموحة..ولا حتى مشروع للاستقلال..بل زاد الطين بأن يلجأ لصندوق النقد الدولي لحل الأزمة، وهو ما يعني زيادة أكبر في الديون والأعباء على الفقراء وانهيار سعر صرف العملة المحلية..

أما السبب الجوهري الثالث: هو عدم الشفافية وغياب المحاسبة، وبالتالي انعدام الثقة بين المستثمر والحكومة، كل أو أغلب مشروعات وقرارات الدولة في عهد السيسي تحدث في الخفاء دون أي اطلاع للرأي العام علىها أو على مجرياتها، بل ويصر السيسي على تجاوز الرأي العام كما حدث في أزمة تيران وصنافير، وقد أدى ذلك لإشاعة (الخوف) الكافي جدا لهروب أي مستثمر وبالتالي وأد أي تنمية اقتصادية ..فتحدث عمليات البيع والادخار والاحتكار خارج ما تقرره الدولة..أي يلجأ المواطن أو المستثمر لحيل غير مشروعة من فرط شعوره بالخوف..

الإنسان بطبيعته يخشى من فقدان المال أو الطعام..فهما لديه مصدر حياه وكرامة معا، ويفهم أن ما يجب القيام به هو إما أن يحافظ على هذا المال أو يزيده أضعافا وهو ما يتعارف عليه البشر (بالربح) أي أن الإنسان إذا ما طلب منه أن يخسر فسيكون ذلك ضد طبيعته وسيقاوم هذه المطالب..ولو اضطر لذلك بالقوة سيخاف ويلجأ لحيل غير مشروعة كالسرقة أو الاحتكار أو التهريب..أو الإتجار بطرق ملتوية كغسيل الأموال مثلا، وهذا يعني أنه كلما زادت هذه الجرائم في مجتمع فاعلم فورا أن حكومة هذا البلد غير شفافة، وبسياستها الغامضة أشاعت الخوف عند البشر حتى أجبرتهم لسلوك هذا الطريق..

وضح جدا تأثير هذا العامل في أزمة الدولار..فلجأ المواطن المصري لادخار هذه العملة بأرقام مبالغ فيها، يعني حدث احتكار حقيقي لها أدى لزيادة سعرها، كذلك في السلع البديلة والتكميلية..

أفهم أن العقلية العسكرية الحاكمة قد تفطن لمخاطر الأمن القومي، لكن لا يمكنها أن تدرك مخاطر الأمن الاقتصادي.. إلا إذا كانت تمتلك مشروع وخطة نهضوية حقيقية ،أو حتى شفافية وتواصل مع الرأي العام، وأزمة مصر في عهد السيسي تجاوزت كل هذه المحطات، فكل العوامل المحبطة في حكم الفرد يمتلكها كالاستبداد وغياب الشفافية، بل زاد عليها افتقاره للمشروع وللاستقلال وللعُزلة أيضا، حتى أن الرجل من فرط تبعيته رهن الجيش المصري في اليمن وباع جزر مصرية كأول حاكم مصري في التاريخ يفعلها، وهذا يطرح تساؤل مهم..

ما قدرة وأهلية السيسي لحكم مصر؟..وما البديل؟..وما مستقبل مصر تحت إدارته؟..وما الذي يجب فعله قبل أن تحدث الكارثة؟

صديق عزيز قال لي: أن الميزة الوحيدة لعهد السيسي أنه قضى تماما على (قدسية) الحاكم العسكري في وجدان المصريين، وأصدقه القول على ذلك وأضيف فقدان الثقة في أي بديل..بما يعني ضعف الانتماء والشعور الوطني في الأخير..وهذه أكثر خطورة من فشل السيسي نفسه..وكأن الرجل يجبرنا أن نساعده على النجاح كي لا يقتل أي بديل ولا تنهار بسببه سمعة الجيش التي أصبحت الآن في الحضيض من كثرة الأعباء والضرائب التي يتفنن الرجل في حملها على الشعب دون وازع من ضمير..

اجمالي القراءات 15713