عن ملك اليمين ــ للمرة الأخيرة ( 3 من 4 ): التشريع الاسلامى فى ملك اليمين

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٦ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

سادسا : مصطلحات الرقيق بين تشريع الرحمن وتشريع ( المسلمين )  

 الفتوحات العربية وما نتج عنها من سبى وإسترقاق كانت البداية العملية لتأسيس أديان أرضية للمسلمين ، أهمها دين السنة الذى تخصص فى التشريع لما يجرى عمليا فى دولة الخلافة القرشية من الراشدين فالأموية الى العباسية . وهذا التشريع ــ  فى إتخاذه القرآن مهجورا ـ قد صنع له مصطلحات خاصة . ومن هنا نتوقف مع مصطلحات التشريع فى ملك اليمين بين القرآن والشريعة السُّنية .

ونلاحظ الآتى :

1 ـ لم يرد فى القرآن الكريم مطلقا مصطلحات السبى والرقيق ، وهى السائدة فى كتابة التاريخ والفقه فى تراث المسلمين وثقافتهم .

2 ـ إستعمل ( المسلمون ) مصطلحات قرآنية بمعنى مختلف عن معناها القرآنى ، مثل مصطلح ( جارية وجوارى ) . الجارية هى المملوكة فى شريعة ( المسلمين )، ولكن لها معنى آخر فى القرآن الكريم  .

( الجارية ) و ( الجوارى ) فى المصطلح القرآنى تأتى من فعل ( جرى / يجرى ) من ( الجرى ) ، أى تفيد : ( السفينة و السفن ) التى تجرى فى البحر ، يقول جل وعلا : ( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ) الشورى 32 )( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ) الرحمن 24 ) ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) الحاقة ) ، وجاء فى وصف ماء الجنة وعيونها الجارية : ( فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) الغاشية )،  كما تفيد نوعية من النجوم اشار اليها رب العزة فى إشارة علمية فلكية هائلة فى قوله جل وعلا : ( الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) التكوير 16 )، اى النجوم السابحة الجارية التى تكتنس ما تمر به ( ربما الثقوب السوداء التى تبتلع النجوم ).

3 ـ هذا بينما أهمل أئمة ( المسلمين ) التعبير القرآنى عن المرأة المملوكة وهو ( فتيات ) ، يقول جل وعلا عن نكاحهن لمن لا يستطيع نكاح الحرائر : ( ومَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ ) ( النساء 25 )، وقال جل وعلا عن إسقاط العقوبة عن المملوكة المُجبرة على الزنا ناهيا عن إكراهها على الزنا : (لَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )النور 33 ) . هنا مصطلح ( الفتاة ) يعنى ( المملوكة ) . وليس هذا مستعملا فى التراث العربى الأدبى أو الفقهى .

4 ـ إستعملوا مصطلح ( عبد / عبيد ) الذى جاء فى القرآن . ونضع بعض الملاحظات :

4 / 1 : جاء مصطلح ( العبد ) بمعنى ( ملك اليمين ) فى قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ  ) البقرة 178 ). كما قال جل وعلا عن العبد والأمة : (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌمُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ  )( البقرة 221 ).

4 / 2 : رب العزة جل وعلا إستعمل لفظ ( العبد ) تكريما لبعض الأنبياء ، كقوله جل وعلا : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ) الاسراء 3 ) (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ) ص 30 )، البقرة 221  ).

4 / 3 :  كما إستعمله جل وعلا وصفا لكل البشر بوصفهم ( عبيد ) و ( عباد ) فقال : (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (31) غافر ) (وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) ق ) (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46) فصلت ) (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) الحج )  (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) الانفال ) (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) آل عمران  ). وقد جئنا بهذه الآيات الكريمة لهدف آخر هو تأكيد التحريم للظلم فى دين الله جل وعلا ، والسبى والاسترقاق من أشد أنواع ظلم البشر للبشر . هذا ولا ننسى أن الله جل وعلا رءوف بالعباد: (  وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) البقرة ) (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) آل عمران )

4 / 4 : الفارق هو فى نوعية الملكية ، فمصطلح ( العبد والأمة ) فى ( ملك اليمين ) يأتى بضمير الملكية للبشر كقول رب العزة جل وعلا:( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)النور32 ). أما عن البشر والأنبياء فتأتى ملكيتهم للخالق جل وعلا . وهنا مساواة فى أن البشر جميعا من أنبياء وبشر عاديين أحرار ومماليك كلهم مماليك الرحمن وممتلكات الرحمن ، وبالتالى فإن الطاعة للرحمن فى كتابه الكريم ، وعليهم جميعا بإعتبارهم عبيد الرحمن أو عباد الرحمن أن يعبدوه وحده جل وعلا. ولا فارق هنا بين بشر من الأحرار أو من العبيد . كل منهم عليه أن يتقى وأن يصلى وأن يصوم وأن يحج وأن يتصدق وفق الشرع الالهى . وكل منهم سيؤتى به أمام الرحمن ( عبدا ) و ( فردا فردا ) يقول رب العزة جل وعلا (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) مريم  ) هذا بالمساواة المطلقة لا فارق بين مخلوق مثل جبريل أو محمد أو عيسى أو فرعون أو سبارتكوس العبد الرومانى الثائر .

4 / 5 : عن الأنبياء يقول جل وعلا عن ملكيته لهم : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا) القمر 9 )( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) ص 41 ) ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) ص 44 ) (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ) مريم 2  ) (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )(  وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) ص 17 ) ( إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ) الانفال 41 ) (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ) البقرة 23 ).

4 / 6 : ويقول جل وعلا عن ملكيته البشر جميعا من أحرار ( وأرقاء ) : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة  )( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ ) (32) الاعراف  ) (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) (104) التوبة ) ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)  يونس  ).

5 ـ ومن التباين والاختلاف فى المصطلحات ( التشريعية / القانونية ) نأتى الى التباين والاختلافات فى التشريع نفسه بين الاسلام و ( المسلمين )

سابعا : ملك اليمين فى التشريع الاسلامى

 نعنى بالتشريع الاسلامى التشريع القرآنى وحده ، أى التشريع الالهى فى القرآن الكريم . وهذا للفصل بينه وبين تشريعات ( المسلمين ) فى أديانهم الأرضية . ونتتبعه من المقصد التشريعى الى القاعدة التشريعية ، ثم الأوامر والنواهى والتفصيلات التشريعية . وكما قلنا من قبل ، فإن المقصد التشريعى يعلو على القاعدة التشريعية ، والقاعدة التشريعية هى التى تتحكم فى الأوامر والنواهى والتفصيلات التشريعية ، وكل المقاصد والقواعد والأوامر تتناغم مع بعضها بين ( المحكمات والمتشابهات ) يؤكد بعضها بعضا

المقصد التشريعى فى ( ملك اليمين )

1 ـ العدل أو القسط من المقاصد الكبرى فى تشريع الاسلام، ومن أجل القسط نزلت كل الرسالات السماوية (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ  ) (25) الحديد ) وأضاف رب العزة فى الرسالة السماية الخاتمة قيمة ( الاحسان ) والاحسان يعلو العدل ، يقول جل وعلا :( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل ) .

2 ـ وكل قواعد وأوامر وتفصيلات التشريع الاسلامى تخضع لقيمة العدل ، خصوصا مع التأكيد الالهى فى القرآن على تحريم الظلم ووصف الظلم قرينا للكفر فى مئات الآيات القرآنية .

3 ـ  وفى موضوع ( ملك اليمين ) فالعدل والاحسان معا هما المقصد التشريعى ، وبالتالى يحرم من المنبع الاسترقاق والسبى لأنه ظلم فظيع . ونعيد تذكر الآيات القرآنية : (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (31) غافر ) (وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) ق ) (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46) فصلت ) (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) الحج )  (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) الانفال ) (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) آل عمران  ).

4 ـ وبالتالى فإنه مع إغلاق منبع الرق ومنع الاسترقاق فى الدولة الاسلامية  ( المسالمة ) ( القائمة على العدل ومراعاة الحقوق ) فلا يوجد فيها إسترقاق من البداية لأنه حرام بالقطع. ولأنه لا يمكن للدولة الاسلامية فرض التشريع الاسلامى على الدول الأخرى التى يوجد فيها رقيق فإنه من المنتظر أن يؤتى اليها برقيق من الخارج بالشراء والهبة . والشراء قائم على التراضى بين الطرفين . وليس حراما شراء الرقيق الواقع فعلا بالرق ، وليس حراما إستجلابه الى بلد الاسلام الذى يطبق شريعة الاسلام . بل على العكس ، فإن جلبه اليها يساعد فى تحريره وفى إعطائه حقوقه ، تطبيقا للقاعدة الاسلامية فى التعامل مع هذا الرقيق المجلوب من الخارج .

  القاعدة  التشريعية فى تحرير الرقيق المجلوب   :

  هناك أوجه متنوعة فرضها رب العزة فى تحرير الرقيق المجلوب مما ملكت أيدى المؤمنين والمؤمنات بالشراء . منها :

الكفارات :

1 ـ  فى جريمة القتل الخطأ . المؤمن الذى يقتل مؤمنا خطأ عليه تحرير  رقبة مؤمنة ضمن تنويعات أخرى  ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) النساء )

2 ـ فى الحنث باليمين ، وهو خطأ عادى لا ينجو منه أحد ، ولكن فيه تحرير رقبة  كفّارة اليمين عند الحنث به ، يقول جل وعلا : ( لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) المائدة )

3 ـ فى الظهار أى تحريم المباشرة الجنسية مع الزوجة ، على من يريد الخروج منه عتق رقبة ضمن اختيارات أخرى : ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) المجادلة )

 تحرير الرقيق ضمن الأعمال الصالحة: ( فَكُّ رَقَبَةٍ ) (وَفِي الرِّقَابِ )

1 ـ للأفراد المؤمنين . يقول جل وعلا :  ( فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16) البلد ).

وفى صفات المتقين الأبرار يقول جل وعلا :  ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة ) .

2 ـ ويأتى تحرير الرقيق من ضمن مصارف الصدقات فى الدولة الاسلامية : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة )

3 ـ وفى مكاتبة المملوك ، أى عمل عقد معه بتحريره مقابل مال أو عمل يقوم به ، وحينئذ يجب معاونته فى دفع ما عليه ، يقول جل وعلا : ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ )(33) النور )

القاعدة التشريعية فى الاحسان للرقيق المجلوب

1 ـ : الاحسان الى ملك اليمين ضمن الأوامر بالاحسان للوالدين والأقارب ...الخ ، يقول جل وعلا ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ  ) (36) النساء )

2  :  الاحسان الى ملك اليمين فى البيت ، وإعتباره من أهل البيت (بيت المالك ) ، وهذا بإعتباره من أفراد البيت الذين تقع مسئولية إعاشتهم على صاحب البيت ، يتساوون مع صاحب البيت، أى أنه مع أن الله جل وعلا فضل بعضنا على بعض فى الرزق فكان البعض مملوكا والبعض يملك المملوك إلا إنه يجب على المالك ان يكون سواء فى الرزق مع مملوكه ، وإلا كان المالك جاحدا للرزق الذى أنعم رب العزة عليه به . يقول جل وعلا : ( وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) النحل )

3 ـ وفى التشريعات والآداب الاجتماعية داخل البيت تأتى معاملة المملوك كاهل البيت ، فى النظر لزينة المرأة ( النور (31) وفى الاستئذان ( النور (58))

الزواج بملك اليمين :

1 ـ الزواج بملك اليمين طريقة أخرى للتحرر الجزئى من الرق ، ومن هنا يأتى الحث على الزواج من المملوك والمملوكة ، يقول جل وعلا : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) النور) . العادة ان ينفر الناس من زواج الفقراء والارامل والمطلقات ( الأيامى ) وملك اليمين ، وهنا يأتى الحث والتشجيع على الزواج منهم ومنهن، مع وعد من رب العزة ان يغنيهم الله جل وعلا من فضله .

2 ـ وللمرأة ان تتزوج من تملكه ، وللرجل أن يتزوج من يملكها ، يقول جل وعلا عن صفات المؤمنين المفلحين ( رجالا ونساءا ) : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) المؤمنون )،( المعارج 31 ).

3 ـ وفى هذا الزواج يجب إعطاء المرأة المملوكة صداقها أو مهرها شأن الزوجة الحُرّة ، يقول جل وعلا : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) 25 )النساء ) . بالمعروف يعنى المتعارف على انه عدل وإحسان .

ويقول جل وعلا عن حالة إستثنائية مؤقتة كانت للنبى فى أن يتزوج بلا مهر بلا دفع الصداق (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا ) وكان هذا وقتها تشريعا خاصا بالنبى ، وانتهى سريعا . والمستفاد منه ، ما جاء فى نفس الآية الكريمة من معرفة المؤمنين بفرضية المهر أو الصداق الذى يجب دفعه للزوجة الحرة أو الزوجة ملك اليمين ، يقول جل وعلا فى نفس الآية : ( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ )(50) الاحزاب )، أى علم المؤمنون بفرضية دفع الصداق للزوجة حرة أو مملوكة .

4 ـ وإذا وقعت الزوجة المملوكة فى الزنا فعليها نصف عقوبة الجلد (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ  ) (25) النساء ) ، وليس عليها عقوبة لو كانت مُكرهة ، يقول جل وعلا : ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور )

5 ـ والمملوكة المجلوبة للدولة الاسلامية قد تكون متزوجة ( محصنة ) وإنقطع زواجها بالانفصال الفعلى العملى القائم بينها وبين زواجها فى بلدهما الأصلى ، وليس للمسلمين ذنب فى هذا . فيكون من كفالتها أن تتزوج ــ برضاها ـ فى مجتمع جديد يضمن حقوقها بالعدل . هذا إذا لم يتحقق لها أن تتحرر ، سواء بعمل صالح من فرد أو من الدولة نفسها . وبهذا نفهم قوله جل وعلا فى سياق المحرمات فى الزواج ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )   (24) النساء )

6 ـ هذه الزوجة المملوكة ـ كالزوجة الحرة ــ تتمتع بالمعاملة بالمعروف ـ المتعارف على أنه عدل وإحسان ـ حتى لو كرهها زوجها ، يقول جل وعلا : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء  )، ولها نفس الحقوق التى للزوجة الحرة فى السكن والنفقة وفى الطلاق والعدة والمتعة . هذا ما عدا : العدل فى القسمة بين الزوجات ، والذى هو قصر على الحرائر فقط ، هذا مع تعذر تحقيق هذا العدل بين الحرائر من الزوجات : ( النساء : 3 ، 129 : 130 ).

اجمالي القراءات 10769