كرة القدم والمشروع المصري
كرة القدم والمشروع المصري

على سالم في الأحد ٠١ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أستطيع أن أرسم خطا مستقيما بين أداء الفريق الأهلي في اليابان وأداء عدد قليل من الأفراد في الحكومة المصرية أتيحت لهم مراكز اتخاذ القرار في السنوات الثلاث الماضية. كلا الفريقين استطاع الإفلات من فساد العقل الناتج عن الاستسلام للإفكار القديمة وهي أننا أضعف من الآخرين بالحتم والضرورة، وأننا عاجزون عن اللعب معهم علي الأرض في مباريات متكافئة، وحتى لو كنا قادرين علي الدخول معهم في مباريات فمن المحتم أننا سننهزم لأسباب خارجة عن إرادتنا وهي أن الجمهور والحكام ضدنا، العالم كله ضدنا، والمسئول عن ذلك هو أمريكا وإسرائيل والغرب الوغد وأيضا هؤلاء الخونة بيننا الذين ينفذون أجندة أمريكا.

لقد أفلت فريق النادي الأهلي وإداريوه ومدربه من أسر هذا النوع الأسود من التفكير وفكروا علي نحو مختلف: نحن أيضا نلعب كرة القدم، نحن أيضا نتسم بالكفاءة ليس لأننا نتربع علي عرش حضارة امتدت لخمسة آلاف سنة بل لأننا جادون ونحب لعبتنا، وأرض الملعب محايدة، والكرة مستديرة تستجيب لمن يعرف كيف يتعامل معها، والحكام ليسوا عملاء لأمريكا وإسرائيل، وربما يوجد ما يسمي بالحظ، غير أنه ليس قدرا يعمل مع فريق ضد فريق آخر.

لقد كنت أري دائما أن ذلك الإعجاب الشديد بكرة القدم عند السواد الأعظم من الناس، يعود إلي أنها بشكل عام تلخص ملامح الحياة وسلوك الإنسان فيها أكثر من غيرها من الرياضات. الرغبة في النصر والخوف من الهزيمة ثم ذلك الإحساس اللذيذ بالمجهول وخاصة عندما يكون الفريقان متكافئين، لا يوجد في كرة القدم ما يسمي تحصيل الحاصل، هناك دائما عنصر المفاجأة، وبذلك هي تتيح لنا تعلم الكثير في السياسة، الكفء والأكثر امتيازا سينضم للفريق، المرضي والضعفاء مكانهم الوحيد هو البيت أو المستشفي، وهناك اللاعب المناسب في المكان المناسب، وهناك عنصرا الذكاء والخبث أيضا، وبالمناسبة نحن نخلط بين العنصرين، الأصل أن نستخدم التمويه والخبث مع الخصوم فقط أما هؤلاء الذين يمارسون الخبث عمالا علي بطال باعتباره ذكاء فهم ليسوا أكثر من خبثاء ضعفاء من المستحيل أن يسجلوا أهدافا في مرمي الخصم، هناك أيضا عنصرا الصدفة والحظ ولكن لا يجب أن ننسي أن الصدفة تأتي فقط لهؤلاء الذين يتخذون موقعا يتيح لهم استغلالها، كما أن الحظ يحالف دائما الأكثر إخلاصا وخبرة.

المصريون في حقيقة الأمر لم يستمتعوا بالنتائج التي حققها الفريق المصري بقدر ما استمتعوا بأدائه القوي الرفيع وقدرته علي الوقوف بثقة أمام فرق تفوقه تدريبا ونعيما. اسمح لي أن أحدثك عن كرة القدم بنفس القدر الذي أكلمك فيه عن السياسة، الصديق عبد المنعم سعيد وهو أحد اللاعبين القلائل في مصر الذين يجيدون اللعب في خط الدفاع والوسط والهجوم، وجهت له في احد المؤتمرات عدة أسئلة أو تساؤلات حول المشروع المصري، قيل له حتى إيران لها مشروع.. فأين هو مشروعكم؟

شكرا لله أنه استخدم كلمة (مشروع) فقط ولم يلحق بها كلمة قومي، فأنا أشعر بالخوف من كل المشاريع القومية وذلك بعد أن استخدم هذا التعبير منذ سنوات قليلة كسلاح ابتزاز وتجريس.. يالله يا للي ما عندكوش مشروع قومي.. فين يا جماعة مشروع مصر القومي، أما الأكثر إبداعا في أصول اللعبة فقد اختار كلمة أخري هي الحلم.. مشكلة مصر هي غياب الحلم القومي.. فيم يا جماعة الحلم القومي بتاعنا؟

والمبتز عادة يشعرك بالتقصير والجهل وربما اتهمك بالخيانة أيضا ويبدأ في شن الحرب ضدك إلي أن تضطر في النهاية للموافقة علي مشروع لتحويل مياه البحر الأبيض إلي عسل وطحينة أو أي مشروع آخر يماثله، بعدها سيكون هو أول من يهاجمك ويتهمك بالبلاهة.

عدد كبير من أصحاب مشاريع العسل وطحينة القوميين يقارنون بين مصر الآن وما كانت عليه منذ نصف قرن ويقولون لك في حسرة وألم: لقد كانت خطبة واحدة من عبد الناصر في الراديو كفيلة باهتزاز كل الملوك والرؤساء العرب علي عروشهم.. أين مصر.. وأين مشروعها القومي؟

تتغير المشاريع بتغير الظروف والمراحل التاريخية، وظهور مذيع الآن يصرخ خلف ميكرفون بحنجرته القوية سينجح فقط في إثارة سخرية الناس، وعندما يتحدث السيد هنية مع الأمة وعنها في خطابه الأخير، فهو لا يعرف أن الأمة لم تعد تأكل من هذا الزاد وأن خطابه الذي يحرض فيه الأمة علي الوقوف بجانبه فات أوانه منذ زمن بعيد، أقصد به ذلك الوقت الذي كان فيه تحرير القدس لابد أن يمر بعمان والكويت والقاهرة وربما بقية العواصم العربية، كان المشروع القومي في ذلك الوقت هو تحرير الشعوب العربية من (طغاتها) لكي يتفرغ البهوات القوميين بعد ذلك لتحرير القدس.

لدينا مشروع بالفعل في مصر، ينقصنا فقط إعلانه بشجاعة وبساطة، نحن دولة بل وأقدم دولة في التاريخ، وهذا الأمر بحد ذاته لا يدعو للفخر والطمأنينة، لأنها يضعنا في نفس موقع الصلعاء التي تتباهي بشعر بنت اختها. غير أنه في الظروف التي يمر بها الشرق الأوسط الآن، تعتبر الدولة الموحدة ذات المؤسسات، ميزة عظمي وحلم بعيد بالنسبة لآخرين من سكان المنطقة، علينا الحفاظ علي هذه الميزة في مواجهة قوي لا هم لها إلا إزالة الدولة.

الحفاظ علي ما هو موجود وإجراء الصيانة الدورية له وإنعاشه في الوقت المناسب بإخراج اللاعبين الضعفاء أو المجهدين أو المصابين أو سيئي الحظ من أرض الملعب ثم إبدالهم بلا عبين أكثر طزاجة، هو الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف في كرة القدم وفي السياسة أيضا.

أنا أدعوا كل زملائي لإلغاء كل الثوابت في حياتهم، تلك التي تربينا عليها وأن يتمسكوا بثابت واحد وحيد من المستحيل في كل الظروف والأوقات التخلي عنه وهو حقوق الإنسان الفرد وإتاحة الفرصة له ليكون أكثر تميزا.

ضع شخصا ضعيفا علي رأس مؤسسة، سيتولي علي الفور القضاء علي كل العناصر الممتازة بها ونخسر الماتش. ضع شخصا فاسدا في موقع ما في مؤسسة حتى لو كان موقعا بعيدا عن اتخاذ القرار، تأكد أنه سيتمكن من إغراء الآخرين علي المضي في طريق الفساد. هذا عصر جديد يحتم وصول العناصر الممتازة إلي الصفوف الأولي. أبو تريكة لاعب ممتاز ليس لأنه ابن حلال وبيسمع الكلام وفاتر لا لون له ولا طعم، بل لأنه صانع ألعاب وهداف ممتاز

اجمالي القراءات 11668