مسلسل الدم فى خلافة المأمون ( 198: 218 ) بين المأمون وبلاد الشرق

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٦ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

1 ـ نفس السبب فى مصر وخراسان وما حولها ، أى نهم العباسيين فى جمع المال أدى الى ثورات ومسلسل دماء . ومع المشاكل التى واجهت المأمون ففى عام 201 إفتتح واليه على طبرستان  ( عبد الله بن خرداذبة البلاذر، والشيزر، من بلاد الديلم، وافتتح جبال طبرستان، فأنزل شهريار بن شروين عنهأ ، وأشخص مازيار بن قارن إلى المأمون، واسر أبا ليلى ملك الديلم.) وتقول رواية أخرى أكثر تعبيرا عن ثقافة (دار الاسلام / السلام ودار الكفر/ الحرب):   ( إفتتح عبد الله بن خُرْداذْبه والي طبرستان بلادًا من بلاد الديلم وزادها في بلاد الإسلام‏.‏ ). تأمل عبارة ( وزادها فى بلاد الاسلام ). فهل إستفاد الاسلام شيئا من السلب والنهب أم أن الخليفة المأمون هو المستفيد من السلب والنهب ؟ . ثم المسكوت عنه هنا : كم عدد القتلى والأسرى والسبى ؟..وما ذنب أهالى تلك البلاد حتى يتعرضوا للإعتداء ؟ وما ذنب ملك الديلم حتى يُساق أسيرا ؟.

2 ــ وبسبب عبادة المال تفجرت فى الشرق شلالات الدم فى خلافة المأمون ، ونعطى بعض التفصيلات :

أولا : الزُّط :

1 ـ جىء بهم ليسكنوا البطائح . والبطائح هي منخفض بين دجلة والفرات . وكان  عدد الزط سبعة وعشرين ألفًا ومائتين ، ومنهم المقاتلة اثنا عشر ألفًا . فلما استوطنوا البطائح قطعوا الطريق ومنعوا المجتازين ما بين البصرة وواسط . واستغاث الناس بالمأمون فأرسل لحرب الزط  عام 206 داود بن ماسجور، وولاه بلاد البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين، ولم يفلح .. واستمرت إعتداءاتهم وقطعهم الطريق فأرسل المأمون حملة أخرى عام 215 يقودها عيسى بن يزيد الجلوذى  ، تقول الرواية (فجرت بينهم وبينه وقائع ولم يظفر منهم بطائل فاستظهروا عليه وعادوا إلى ما كانوا عليه من الفساد وقطع الطريق فندب المأمون غيره فلم يظفر منهم بشيء ‏.‏ ) . هنا حرب بين قوتين كلتاهما تسلب وتنهب ، الخلافة العباسية وعصابات الزط . الفارق فى أن العصابة العباسية تحمل شعارا دينيا وهى الأكثر قوة وتنظيما ..ورسوخا .

2 ـ وظل خطر الزط قائما حتى قضى عليهم القائد العباسى عجيف بن عنبسة فى خلافة المعتصم عام 219 .

 

ثانيا : ثورة أهل مدينة (قُم )

1 ـ فى عام 209 أو  210  وبسبب الضرائب ( خلع أهل قم المأمون، ومنعوا الخراج؛ فكان سببه أن المأمون لما سار من خراسان إلى العراق أقام بالري عدة أيام واسقط عنهم شيئاً من خراجهم، فطمع أهل قم أن يصنع بهم كذلك، فكتبوا إليه يسألونه الحطيطة، وكان خراجهم ألفي ألف درهم، فلم يجبهم المأمون إلى ما سألوأ ، فامتنعوا من أدائه، فوجه المأمون إليهم علي بن هشام، وعجيف بن عنبسة، فحارباهم فظفرا بهم، وقتل يحيى بن عمران، وهدم سور المدينة، وجباها على سبعة آلاف ألف ردهم، وكانوا يتظلمون من ألفي ألف.).

2 ـ وفى عام 214 أو 216 : عاد الى (قم ) احد الثوار، وهو جعفر بن داود القمي ، وكان منفيا الى مصر فهرب منها عائدا لوطنه وأعلن خلع المأمون ، وكانت نهايته القتل .

 

ثالثا : ثورة بابك الخرمى

 

1 ـ شغلت المأمون فى خلافته ثم أفلح الخليفة المعتصم فى هزيمته وقتله بطريقة بشعة ، كانت من المعتاد فى عصر العباسيين .

2 ـ ولا نعرف عن بابك الخرمى ونحلته او ملته الخرمية إلا من خلال ما أوردته الحوليات التاريخية عند ظهوره أو ل مرة عام 201 . وواضح التحامل عليه ، كما هو واضح أيضا أنه ثائر على محتل أجنبى يمصّ دماء الشعوب التى يحتل أرضها . تقول الروايات عن بداية ثورة بابك الخرمى : (تحرك بابك الخرَّمي واتبعه طوائف من السفلة والجهلة، وكان يقول بالتناسخ‏.‏ ) ، (‏ تحرك بابك الحرمي في الجاويذَانيّة أصحاب جاويذان بن سهل وادعى أن رُوح جاويذان صاحب البذّ دخلت فيه وأخذ في العيْث والفساد  ) (تحرك بابك الخرمي في الجاويدانية، أصحاب جاويدان بن سهل، صاحب البذ، وادعى أن روح جاويدان دخلت فيه، وأخذ في العيث والفساد، وتفسير جاويدان الدائم الباقي، ومعنى " خرم " أى فرج، وهي مقالات المجوس، والرجل منهم ينكح أمه، وأخته، وابنته، ولهذا يسمونه دين الفرج، ويعتقدون مذهب التناسخ، وأن الأرواح تنتقل من حيوان إلى غيره . ) .

3 ـ وانتصر بابك الخرمى إنتصارات سريعة على الجيوش العباسية فى خلافة المامون . ففى عام 201 إنتصر على القائد العباسى  عيسى بن محمد بن أبي خالد. تقول الرواية : ( نكب بابك الخرمي عيسى بن محمد بن أبي خالد ). وفى عام 204 لم يستطع القائد العباسى يحيى بن معاذ هزيمة بابك ؛ تقول الرواية : (واقع يحيى بن معاذ بابك، فلم يظفر واحد منهما بصاحبه. )   ( وواقع يحيى بن معاذ بابك الخرَّمي فلم يظفر به ) . وفى عام  205. ولى المأمون ( عيسى بن محمد بن أبي خالد ) أرمينية وأذربيجان وكلفه بمحاربة بابك . واستمرت الحرب بمسلسل دم دون القضاء على بابك .وتولى عبد الله بن طاهر والى خراسان حرب بابك فأقام بالدينور وبعث بالجيوش تحارب بابك دون جدوى ، وفى عام 207 : كلف المأمون علي بن هشام حرب بابك . وفشل علي بن هشام . وفى عام 209 ولّى المأمون على أرمينيا وأذربيجان  (زريق بن علي بن صدقة  الأزدى ) وأمره بمحاربة بابك، وأرسل الوالى زريق جيشا يقوده ( أحمد بن الجنيد الإسكافي )، فأسره بابك، فولى المأمون ( إبراهيم بن الليث بن الفضل ) أذربيجان . وعزل ( زريق بن على بن صدقة الأزدى )

  بين الخوارج العرب الثائرين وبابك الخرمى

1 ـ وترتب على هذا ان ( زريق ) هذا عصى المأمون واستولى على المنطقة الجبلية بين الموصل وأذربيجان ، فصار حائلا يحمى بابك من غارات المأمون . وقامت حروب بين زريق ووالى الموصل العباسى وهو (السيد بن أنس الأزدي ) وكلاهما من قبيلة الأزد العربية القحطانية اليمنية. وفى عام 211 ( جمع زريق جيشا من أربعين ألفأ ، وسيرهم إلى الموصل لحرب والى الموصل : ( السيد بن أنس الأزدي ) ، فخرج إليهم الوالى فى جيش قليل ( أربعة آلاف )، تقول الرواية : ( فالتقوا بسوق الأحد، فحين رآهم السيد حمل عليهم وحده، وهذه كانت عادته أن يحمل وحده بنفسه، وحمل عليه رجل من أصحاب زريق، فاقتتلأ ، فقتل كل واحد منهما صاحبه لم يقتل غيرهما.) ( فلما بلغ المأمون قتله غضب لذلك، وولى محمد ابن حميد الطوسي حرب زريق وبابك الخرمي، واستعمله على الموصل.) أى مكان الوالى المقتول .

2 ـ وفى عام  213 ، إشتد نشاط الخوارج فى خراسان متشجعين بالقلاقل والفوضى التى أحدثها بابك الخرمى ، فهجموا على قرية ( الحمراء من نيسابور، فأكثروا فيهم القتل، واتصل ذلك المأمون، فأمر عبد الله بن طاهر بالمسير إلى خراسان، فسار إليهأ . )

 

بابك يهزم ويقتل القائد العباسى محمد بن حميد الطوسى

1 ـ كان لا بد لهذا القائد العباسى أن يحمى ظهره بالقضاء على التمرد العربى فى الموصل ، تقول الرواية فى أحداث عام 212 : ( توجيه المأمون (محمد بن حميد الطوسي)  لمحاربة بابك ،فمضى على طريق الموصل وأخذ جماعة من المتغلبة بأذربيجان فبعث بهم إلى المأمون ‏.) وتوجه ابن حميد الطوسى الى الموصل التى إحتلها ( زريق ) ، وأصطحب الطوسى معه محمدا إبن الوالى السابق للموصل المقتول (السيد بن أنس الأزدي ). والتقى الجيشان فى الزاب (واقتتلوا .. فانهزم زريق وأصحابه، ثم أرسل يطلب الأمان، فأمنه محمد، فنزل إليه، فسيره إلى المأمون.). وبأمر المأمون صادر ابن حميد الطوسى كل ممتلكات  زريق ( من قرى ورستاق، ومال، وغيره. )، ( ثم سار إلى أذربيجان، واستخلف على الموصل محمد بن السيد .. وسار نحو بابك الخرمي لمحاربته. )

2 ـ جرت المعركة الفاصلة بينهما عام 214 .

تجمع مع محمد بن حميد الطوسى ( عالم كثير من المتطوعة من سائر الأمصار، فسلك المضايق إلى بابك، وكان كلما جاوز مضيقاً أوعقبة ترك عليه من يحفظه من أصحابه إلى أن نزل بهشتادسر، وحفر خندقأ ، وشاور في دخول بلد بابك، فأشاروا عليه بدخوله من وجه ذكروه له، فقبل رأيهم، وعبى أصحابه..ووقف محمد بن حميد خلفهم في جماعة ينظر إليهم، ويأمرهم بسد خل إن رآه، فكان بابك يشرف عليهم من الجبل، وقد كمن لهم الرجال تحت كل صخرة.فلما تقدم أصحاب محمد، وصعدوا في الجبل مقدار ثلاثة فراسخ، خرج عليهم الكمناء وانحدر بابك إليهم فيمن معه، وانهزم الناس،.... ومروا على وجوههم، والقتل يأخذهم، وصبر محمد بن حميد مكانه، وفر من كان معه ...فرأى جماعة وقتالأ ، فقصدهم، فرأى الخرمية يقاتلون طائفة من أصحابه، فحين رآه الخرمية قصدوه لما رأوا من حسن هيئته، فقاتلهم، وقاتلوه، وضربوا فرسه بزراق، فسقط إلى الأرض، وأكبوا على محمد بن حميد فقتلوه.... فلما وصل خبر قتله إلى المأمون عظم ذلك عنده، واستعمل عبد الله بن طاهر على قتال بابك فسار نحوه.).

عصيان على بن هشام

1 ـ ولم يشأ عبد الله بن طاهر التوجه الى بابك ، فأعاد المأمون عام 214 تعيين (علي بن هشام ) واليا على الجبل وقم وأصبهان وأذربيجان ، وأمره بمحاربة الخرمية .

2 ـ  وكان ( على بن هشام ) فاسدا غشوما ظلوما ، ووصلت للمأمون أنباء ظلمه ، تقول الرواية فى أحداث عام 217 : (وفيها قتل المأمون علي بن هشام، وكان سبب ذلك أن المأمون كان استعمله على أذربيجان وغيرهأن كما تقدم ذكره، فبلغه ظلمه، وأخذه الأموال، وقتله الرجال، فوجه إليه عجيف بن عنبسة، فثار به علي بن هشام، وأراد قتله وإللحاق ببابك، وظفر به عجيف، وقدم به على المأمون، فقتله، وقتل أخاه حبيباً في جمادى الأولى، وطيف برأس علي في العراق، وخراسان، والشام، ومصر، ثم ألقي في البحر.  ).

إنتشار الخرمية وهزيمة بابك عام 218

1 ـ تقول الرواية ( فى هذا العام دخل كثير من أهل الجبال، وهمذان، وأصبهان، وماسبذان، وغيرهأ،  في دين الخرمية، وتجمعوأ، فعسكروا في عمل همذان، فوجه إليهم المعتصم العساكر، وكان فيهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، وعقد له على الجبال في شوال، فسار إليهم، فأوقع بهم في أعمال همذان، فقتل منهم ستين ألفأ، وهرب الباقون إلى بلد الروم، وقرئ كتابه بالفتح يوم التروية. )

2 ـ وظل خطر بابك ماثلا حتى قضى عليه الافشين قائد الخليفة المعتصم عام 222 .

 

 أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

نذكركم بعنوان الكتاب : الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  ) .

اجمالي القراءات 7472